الادب الحسيني

فأما شعره (عليه السلام) فقد ذكر الرواة له شعرا و وقع إلى شعره (عليه السلام)بخط الشيخ عبد الله أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي رحمة الله عليه وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) إنما هو ما تمثل به و قد أخذت شعره من مواضعه و استخرجته من مظانه و أماكنه و رويته عن ثقات الرجال منهم عبد الرحمن بن نخبة الخزاعي و كان عارفا بأمر أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم المسيب بن رافع المخزومي و غيره رجال كثير و لقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع هذه الأبيات فقلت له أكتبنيها فقال لي ما أحسن ردائك هذا و كنت قد اشتريته يومي ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه فأكتبنيها و هي:
قال أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي (عليه السلام):
ذهب الذين أحبهم وبقيت فيمن لا أحبه
فيمن أراه يسبني ظهر المغيب ولا أسبه
يبغي فسادي ما استطا ع و أمره مما أربه
حنقا يدب إلى الضراء وذاك مما لا أدبه
ويرى ذباب الشر من حولي يطن ولا يذبه
وإذا جنا وغر الصدور فلا يزال به يشبه
أفلا يعيج بعقله أفلا يتوب إليه لبه
أفلا يرى أن فعله مما يسور إليه غبه
حسبي بربي كافيا ما أختشي والبغي حسبه
ولقل من يبغى عليـــ ـــه فما كفا الله ربه
وقال (عليه السلام)
إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى خلق
ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق
فلو عشت و طوفت من الغرب إلى الشرق
لما صادفت من يقدر وأن يسعد أو يشقي
وقال (عليه السلام)
الله يعلم أن ما يبدي يزيد لغيره
وبأنه لم يكتسبه بغيره و بميره
لو أنصف النفس الخئون لقصرت من سيره
ولكان ذلك منــــــــــــــ ــــه أدنى شره من خيره
كذا بخط ابن الخشاب شره بالإضافة و أظنه وهما منه لأنه لا معنى له على الإضافة و المعنى أنه لو أنصف نفسه أدنى الإنصاف شره على المفعولية من خيره أي صار ذا خير.
وقال (عليه السلام)
إذا استنصر المرء امرأ لا يدا له فناصره و الخاذلون سواء
أنا بن الذي قد تعلمون مكانه وليس على الحق المبين طخاء
أ ليس رسول الله جدي ووالدي أنا البدر إن خلا النجوم خفاء
أ لم ينزل القرآن خلف بيوتنا صباحا و من بعد الصباح مساء
ينازعني و الله بيني و بينه يزيد وليس الأمر حيث يشاء
فيا نصحاء الله أنتم ولاته وأنتم على أديانه أمناء
بأي كتاب أم بأية سنة تناولها عن أهلها البعداء

وهي طويلة قال أبو مخنف كان مولانا الحسين بن علي (عليه السلام) يظهر الكراهية لما كان من أمر أخيه الحسن (عليه السلام) مع معاوية و يقول لو حز أنفي بموسى لكان أحب إلي مما فعله أخي.
وفال(عليه السلام)
فما ساءني شيء كما ساءني أخي ولم أرض لله الذي كان صانعا
ولكن إذا ما الله أمضى قضائه فلا بد يوما أن ترى الأمر واقعا
ولو أنني شوورت فيه لما رأوا قريبهم إلا عن الأمر شاسعا
ولم أك أرضي بالذي قد رضوا به ولو جمعت كل إلى المجامعا
ولو حز أنفي قبل ذلك حزه بموسى لما ألقيت للصلح تابعا
قلت إن صح أن هذه الأبيات من شعره (عليه السلام) فكل منهما يرى المصلحة بحسب حاله و مقتضى زمانه و كلاهما (عليه السلام) مصيبان فيما اعتمدا و هما إمامان سيدان قاما أو قعدا فلا يتطرق (عليه السلام) مقال وهما أعرف بالأحوال في كل حال.
وقال (عليه السلام):
وإن تكن الدنيا تعد نفيسة . وقد تقدم ذكرها.
وقال: الموت خير من ركوب العار. و قد سبقت.
وقال (عليه السلام)
أنا الحسين بن علي بن أبي طالب البدر بأرض العرب
ألم تروا و تعلموا أن أبي قاتل عمرو و مبير مرحب
ولم يزل قبل كشوف الكرب مجليا ذلك عن وجه النبي
أليس من أعجب عجب العجب أن يطلب الأبعد ميراث النبي
والله قد أوصى بحفظ الأقرب
وقال (عليه السلام)
ما يحفظ الله يصن ما يصنع الله يهن
من يسعد الله يلن له الزمان إن خشن
أخي اعتبر لا تغترر كيف ترى صرف الزمن
يجزي بما أوتي من فعل قبيح أو حسن
أفلح عبد كشف الغطاء عنه ففطن
وقر عينا من رأى أن البلاء في اللسن
فماز من ألفاظه في كل وقت و وزن

وخاف من لسانه عزبا حديدا فحزن
ومن يك معتصما بالله ذي العرش فلن
يضره شيء و من يعدي على الله و من
من يأمن الله يخف وخائف الله أمن
و ما لما يثمره الخوف من الله ثمن
يا عالم السر كما يعلم حقا ما علن
صل على جدي أبي القاسم ذي النور المنن
أكرم من حي و من لفف ميتا في الكفن
وامنن علينا بالرضا فأنت أهل للمنن
وأعفنا في ديننا من كل خسر و غبن
ما خاب من خاب كمن يوما إلى الدنيا ركن
طوبى لعبد كشفت عنه غيابات الوسن
والموعد الله و ما يقض به الله مكن
وهي طويلة .
وقال (عليه السلام)
أبي علي و جدي خاتم الرسل و المرتضون لدين الله من قبلي
والله يعلم و القرآن ينطقه أن الذي بيدي من ليس يملك لي
ما يرتجى بامرئ لا قائل عذلا و لا يزيغ إلى قول ولا عمل
ولا يرى خائفا في سره وجلا ولا يحاذر من هفو ولا زلل
يا ويح نفسي ممن ليس يرحمها أما له في كتاب الله من مثل
أما له في حديث الناس معتبر من العمالقة العادية الأول
يا أيها الرجل المغبون شيمته إني ورثت رسول الله عن رسل
أأنت أولى به من آله فبما ترى اعتللت و ما في الدين من علل
وفيها أبيات أخر.
وقال (عليه السلام)
يا نكبات الدهر دولي دولي و اقصري إن شئت أو أطيلي
منها:
رميتني رمية لا مقيل بكل خطب فادح جليل
وكل عبء أيد ثقيل أول ما رزئت بالرسول
وبعد بالطاهرة البتول الوالد البر بنا الوصول
وبالشقيق الحسن الجليل والبيت ذي التأويل و التنزيل
و زورنا المعروف من جبريل فما له في الزرء من عديل
ما لك عني اليوم من عدول وحسبي الرحمن من منيل
قال تم شعر مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو عزيز الوجود. قلت و الأبيات النونية التي أولها
غدر القوم و قدما رغبوا عن ثواب الله رب الثقلين
لم يذكرها أبو مخنف في هذا الديوان الذي جمعه و هي مشهورة و الله أعلم.