الادب الحسيني

1 ـ للشيخ ابراهيم النصيراوي
يا لـيلةَ الحـزنِ خُطي للنُهى علم * فقـد كتبنـاكِ فــي أعمـاقِنا ألمـا
ثـارت بك الاُسدُ والعلياءُ مقصدُها * لِتحصُدَ الغيَّ مِمـنْ عـاثَ أو ظلمـا
هـزَّتْ عروشَ بني سفيـان قاطبة * ًبصرخة أسمعت من يـشتكي الصمَما
قـومٌ قليلـونَ لكـنْ عزمهُم جبلٌ * إذا دنــا السيفُ منـهم رنَّ وارتطما
اُولاءِ سُلـاّكُ درب قصـده وهـج * مـِنَ الضميرِ يرى فيـضَ الدما نِعَما
يحدو بهم للمنايا نصـرُ مبدئِــهم * فعــانقوا الفجرَ يَسقـونَ العدى حِمما
مازّل يوماً لهم في مـوقف قــدمٌ * ومــا أقـروا عـلى ظُلم لِمَنْ حكما
يستبشرون وهم في ليـلة مُـلئتْ * رُعبـاً كــأنّ المنـايا كانـت الحُلما
جَنَّ الظلـامُ وأرضُ الطفِ مشرقةٌ * بأوجه لـم يُخالِـط حُسنــها السأما
تدنو المــنيةُ والاصحابُ في شُغل * عن الحياةِ ولــم يَبــدو لهـا ندما
ويعجبُ النــاسُ إن الليلَ حين بدا * يَمدُ جُنـحاً مـن الظلماءِ مُحتدمــا
قال الحسينُ لهــم خُفّوا على عجل * فما ســُوايَ أرادَ المــعتدونَ دما
هَبّــوا وأعُينهـم بالدمعِ ناطقةٌ * واللهِ دونكَ نرجو الساعةَ العدما
لو قطَّعونا بأسياف لهــم إربا * ًلَمـا رضخنا ونمضي للفدا قُدُما
إنَّا على العهد لم نخذلكَ في غدنا * وكيفَ يخذلُ مَنْ في حُبكم فُطما
ثـم انـثنى لبنـات الوحي ينظرها * رأى الجلال على تلك الوجوه سمـا
قد جللتهن أيــدي المكـرمات فما * أرجفن في القول أو ثبطن من عزما
تقودهن إلـى العليــاء زينبهــم * تلك التي ورثت مــن حيدر عظما
قد ودّعــت إخـوة عزت نظائرها * بأدمع البشر منــها سال وانتظمـا
تظــم فــي كفهـا قلبا لها وجلا * وعزمها يتحــدى ظالمــاً رغما
تحكي علياً ويــوم الـروع يعرفه * يعطي البسالة حقاً صارمـاً وفمــا
ما احتج إلا وكان النــد منكسـرا * أو كر إلا وكـان الخصـم منهزما
وهــؤلاء بنـوه الوارثــون أباً * بسيفــه وبـه جبريــل قد قسما
هـم هـؤلاء لهم يهوى العلا شرفا * هم هؤلاء رقـوا في مجـدهم قمما
قد جنهـم ليل حزن حاملا غصصاً * لو مست الطود أضحى صلده رمما
جيشان جيش يحاكي الشمس منظره * وآخر راح في درب الضلال عمى
يعمرون لهــم ديناً علــى وهم * وإن أخسر شيء من بنى وهمــا
الشيخ إبراهيم النصيراوي
هناك قلّة من خطباء المنبر الحسيني من يستطيع أن يفلت من متطلبات الخطابة عندما ينظم ، فهم ـ ومنهم النصيراوي ـ ذوو حس يتفوق عليهم فيوظّفون كل معارفهم لخدمة هذه الوسيلة المباركة للاتصال المحاطة بالعناية الالهية المسددة.
فلا محيص من التسليم بنفور الشعر من أن يصغي ويعمل وفقاً لشروط ومتطلبات من خارج قوانينه ، فلذا تتميز القصيدة المنبرية بمميزات سنشرحُها عندما نتعرض لنصوص الشيخ محد سعيد المنصوري وإني آمل من خلال معرفتي برغبة ونزوع الشيخ النصيراوي لتطوير قابليته الشعرية والخطابية أن يكون من القلّة من الخطباء الشعراء
وأنوّه أن للنصيراوي قصائد ولائية أخرى نلمس فيها بدقة هذا المنحى الذي لانجده في قصيدته هذه عن ليلة عاشوراء.
ـ للشيخ ابن حمّاد ـ رحمه الله ـ
وفاء الأصحاب
لست أنساهُ حين أيقن بالموت * دعاهم فقـام فيهــم خطيبا
ثم قال الحقــوا بـأهليكم إذ * ليس غيري أرى لهم مطلوبا
شكر الله سعيكم إذ نصحتـم * ثم أحسنتم لـي المصحوبـا
فأجابوه ما وفيناك إن نحـن * تركناك بالطفوف غــريبا
أي عذر لنا يــوم نلقــى * الله والطهر جدّك المندوبا
حاش لله بل نواسيك أو يأخذ * كلّ مـن المنـون نصيبـا
فبكى ثـم قـال جزيتم الخير * فما كـان سعيـكم أن يخيبا
ثم قال اجمعوا الرجال وشبّوا * النار فيها حتى تصير لهيبا
وغدا للقتال في يوم عاشوراء * فأبدى طعناً وضرباً مُصيبا
فكأنّي بصحبه حوله صرعى * لدى كربلا شباباً وشيبا
ـ للشيخ ابن مغامس ـ رحمه الله ـ
الإمام المفدّى
فديتك من ناع إلى الناس نفسَهُ * وموذنِ أهليـه بوشكِ وبــال
كأن حياةَ النفسِ غيــر أحينة * فمالك لا تـرنو لهـا بوصـالِ
لعمرك إن الموتَ مـُرُّ مـذاقُه * فما بالُ طعم الموتِ عندك حالي
فديتُ وحيداً قد أحاط برحــلهِ * لال أبي سفــيان جيشُ ظلالِ
يقـول لانصـار له قـد أبحتُكُمْ * ذمامي وعهدي فاسمعـوا لمقالِ
ألا فارحلوا فالليلُ مـرخ سدولَهُ * عليكم ومنهاجُ البسيـطةِ خـالِ
فمالهم مــن مطلب قـد تألَّبوا * عليه سوى قتلي ونهبِ رحالـي
فقالوا جميعاً ما يُقــال لنا وما * نقولُ جـواباً عــندَ ردِّ سؤالِ
تقيكَ مـن الموتِ الشديدِ نفوسُنا * ويرخصُ عندَ النفسِ ما هو غالِ
أمِنْ فــَرَق نبغي الفريق وكلُّنا * لاولاده والعيــش بعـدك قالِ
فطوبى لهـم قد فاز والله سعيُهُم * فكلُهم في روضة وظـلالِ
ـ للسيد أحمد العطار ـ رحمه الله ـ
اللؤلؤُ المنثور
لسـت أنسى إذ قام في صحبه * ينثر من فيه لؤلؤاً منثــورا
قائلاً ليس للعـدى بغية غيري * ولا بـُدَّ أن أردّى عــفيرا
اذهبوا فالدجى ستيرٌ وما الوقت * هجيـراً ولا السبيـل خطيرا
فأجابــوه حاش لله بل نفديك * والموت فيــك ليس كثيـرا
لا سلمنا إذن اذا نحـن اسلمـ * ناك وتراً بين العدى موتورا
انخليّك فـي العــدو وحيـدا * ًونولّي الادبـار عنك نفورا
لا أرانــا الالــه ذلك واختا * روا بدار البقاء مُلكـاً كبيرا
بذلوا الجهد فـي جهاد الاعادي * وغدا بعضهم لبعض ظهيرا
ورموا حـزب آل حرب بحرب * مأزقٌ كان شره مستطيـرا
كــم أراقـوا منهم دماً وكأي * من كمّي قد دمروا تدمـيرا
فدعاهم داعــي المنون فسّروّا * فكأن المنون جـاءت بشيرا
فاجأبوه مسرعين إلــى القتــل * وقـد كــان حظهــم موفورا
فلئن عانقــوا السيـوف ففي مقـ * عدِ صــدق يُعانقــون الحورا
ولئن غـودروا على الترب صرعى * فسيــجزون جنــةً وحـريرا
وغــداً يشربــون كأسـاً دهاقا * ويُلقّــون نظـرةً وســرورا
كان هذا لـهم جـــزاءً مــن * الله وقــد كـان سعيهم مشكورا
فغدا السبط بعدهم في عراص الطف * يبغــي مـن العـدو نصيـرا
كان غوثــاً للعــالميـن فأمسى * مستغيثاً يـا للـورى مستجيـرا
فأتاه سهــمٌ مشـومٌ بــه انقضّ * جديلاً على الصعيـد عفيــرا
فاصــأب الفــؤاد منــه لقـد * اخطأ من قد رمـاه خـطأ كبيرا
فأتاه شمرٌ وشَمّــَر عــن سـا * عد أحقــاد صـدره تشميـرا
وارتقى صــدره اجتــراءً على * الله وكــان الخبُّ اللئيم جسورا
وحسين يقول ان كنت مــن يجهل * قــدري فاسـأل بذاك خبيـرا
فبرى رأســه الشــريف وعلاّ * ه على الرمح وهو يُشـرق نـورا
ذبح العــلمَ والتقــى إذ بــراه * وغدا الــحقّ بعـده مقهـورا
عجباً كيف تلفح الشمـس شمســا * ًليس ينفك ضوؤهـا مستنيــرا
عجباً للسمــاء كيــف استقـرت * ولبدر السمــاء يبـدو منيـرا
كيف من بعده يضيء اليس البــدر * من نـوره وجـهه مستعيــرا
غادروه على الثرى وهو ظــل الله * فـي أرضه يقاسي الحرورا