الادب الحسيني

ـ للسيد محمد رضا القزويني
العباس وليلة العاشر
قد انجبتك من الفحولـة حــرةٌ * لم يعرف التاريخ بعــدُ وفاءَها
اُمّ البنين أصيلة أكـرم بهـــا * اُمّاً فدت لامامهـــا أبناءَهــا
غذّتك من ثدي الكرامة والوفــا * حُبَ الحسين فكنت أنت عطاءَهـا
وبطولة من حيدر فجمعتهـــا * في كربلاء لكي تصدَ بلاءَهــا
قرَّت لها عينُ الكريمة زينــبٍ * لتراك أهلاً أن تصون خِباءَهــا
فمضت تَقُص عليك دوراً عاصفاً * فيك الشهامة ما اعتزمت فداءَهـا
في ليلة طاب الحديث الحلوُ مـن * اُختٍ وأنت على الجـواد إزاءَها
تروي مصاهرةَ الكرام بقصــةٍ * قد انجبتك ولم تُــرد إخفاءَهـا
فهززت سيفك أن تطمئن قلبهـا * بيدٍ تلقت في غدٍ جــذاءَهــا
فتصاعدت بيضاء تدعو ربهــا * ألاّ يَخيب السائلون رجـاءَهــا
فتحدّث التاريخ عنهـا أنّهـــا * ملأت بأسخى المكرُمات عطاءَها
وعلى الشريعة ودعتك مُقطّعـاً * اُختٌ تُساق وَخلّفتك وراءَهـــا
لكنَّ رأسك فوق رمحٍ شامخــاً * قد كان يرعى شجوها وبُكاءَهـا
قمراً يُنير الدرب أيَّ قوافــل * ويضمَّ تحت شُعاعه اُســراءَها
نادتك من قلب ذوت أوشاجُـه * وبأدمُع هوت العيونُ بُكـــاءَها
أأخيَّ عند العهد بعدك لم تـزل * وأراك تسمعُ للصغـار نـداءَها
لا زلت تحرس ركبنا وتُزيل في * أنوار وجهك للعــدى ظلماءَها
حديث الليل
ليلة العاشر قد خَلّفتِ حتـى الحشــــر في الأكباد جمــــرا
كيف قَدْ مرّت سويعــاتــك بـالآل وبالأطفـــال قهـــرا
وحسيـــن كلّما اشتــدَّ بـه وقعُ الظَّمـا قد زاد صبــــرا
خطبَ الأصحاب والعتـرةَ فانهلّتْ لـه الأعيــــنُ عبـــرى
قائلاً إنَّ العدى لم يطلبـوا غيــريَ فــي الآفـــاق وتــرا
فدعونـــي وسيـوفَ القــومِ إنَّ الله قــد قــدَّرَ أمـــرا
أقبـلَ الليــلُ ألا فاتخــذوه جمــلاً فالستـــرُ أحـــرى
وليُصاحبْ كــلُّ فـــردٍ في ظــلام الليل إنْ أمكن سِـــرّا
رجلاً من أهل بيتي فلقـد ألقيــتُ لــلأصحـــاب عُـــذرا
فتبـــارى القومُ يبكـــون لِمــا قــال وهُمْ بالعُــذر أدرى
وتنادى كلُّ فــردٍ مِنهُمُ يَفــتـــحُ للنصـــرةِ صَــــدرا
قائلاً لو قطَّعــوني إربــاً ما كنــتُ من هـــاب وفـــرّا
وإذا ما فعلـــوا ذلــك بـــي سبعيـــنَ تقتيـــلاً وذرّا
لم أكن أتركُ هــذا السبــطَ للأوغـــاد أو أمنــعَ نصــرا
كيف واليوم الاقي مـوتــةً تُعقـبُ في الأجيـــالِ فخـــرا
وغداً ألقى رسـولَ اللهِ في الجــنّـــاتِ قد أجـــزلَ أجـرا
وعليّاً وهو الســاقي علـى الحــوض فما أعــذب نهـــرا
وهنا جزّاهـم السبـط عـن الله لــدى النصـــرة خيـــرا
وإذا الأقــدام صُفّـَت فــي صــلاةٍ تِصلُ المغــربَ فجرا
ولهم فيها دويٌ كــدويِّ النحـلِ قــد غــــادر وكِـــرَا
وسرت زينـــب من خيمتهــا تختبــر الأصحــاب خُبرا
سَمعت كــلَّ خطيـــبٍ منهُمُ يَفتـحُ للأحـــرار سِفــرا
قائلاً هيهات أن يسبقنا العتــرةُ نحــــوَ الحــربِ شبـرا
نحنُ أولى بجهـــادٍ وفِـداءٍ يَسبـــقُ الأهليـــنَ طُــرّا
فذرونا نرتـــوي كأسَ الشهــاداتِ قُبيـل المــوتِ دَهـرا
بادِرَوها ساحةَ الحــرب وفضـلُ البـدء أن تُؤخــذَ بكــرا
ودعوا سبطَ رســولِ اللهِ أن يشــــرح بالأصحاب صَـدرا
طَمْئِنوا زينـــبَ في نصرِ أخيها فهـي للزهــراءِ ذكــرى
فتسرّى عن رؤى زينبَ مــا كانـــت تعـانـي منه سـرّا
ومشت نحو أخيها السبـط تستلهــم مـن لُقيــــاه أمــــرا
سمعْتهُ ناعياً يَرجـــزُ أبيــاتـاً ويستعــــرض اخـــرى
فتنادت بعويلٍ مـذ غَدتْ تقــرأُ فيــه اليــــأس نُـكـــرا
فابتداها كيـــف لا ييـأس من يفقد عندَ الحـــربِ نصـــرا
غيرَ سبعيــن من الأصحــاب والأهــلِ وإن زادوا فنـــزرا
قد مضى العهـــد وقد أوصى به جدي بـأنْ اقتـل صبـــرا
وتُقاديــن بأســرٍ وعيـالاتي إلـى الشــام فيـالله أســرى
فاصبري اُختاه يومــاً قــد أعـدَّ الله للصـابـــر أجـــرا
واصنعي بالأهـل والأطفـال والأيتام ما أرجـــوك ذُخـــرا
فرأى الاُختَ على العهــد ومَـنْ كان بذاك العهــد أحـــرى
ومضت تبحث في عمـــق ظـلام الليلِ والمحــنـةِ بـــدرا
لترى العباس قد شمَّـــر للنخــوة يُمــنـــاه ويســـرى
أسداً يختال ما بين خيـــامٍ يمتــطـي بالزهــو مُهــــرا
فدعته وهو فوق المهـــر لا يسطـيع فــوق السرج صبـرا
قمرَ الآل على رسلك قد طـــاب الحـديــث الآن غـــورا
حدَّثته بحديــث الزيجـــة المُنجبـة الابـطــال نَـــذْرا
وبما اختار عقيلٌ لأبيهـــا من بنــات الاُســدِ بكــــرا
بعدما قد مضــت الزهراءُ واستوصت بنا حيـــدرَ خيــــرا
وبما قد وعــد اللهُ لهـذا السبـــط بالأبطـــال ذُخــــرا
وإذا العباس للنخـوة هــزَّ السيـــف إيــذانـــاً وفخــرا
وتلّوى في ركاب المهـــر إذ قطَّعـهـــا شــداً وجـــرّا
قائلاً إنَّ غداً سوف يـراه القــوم من بأســــيَ نُكــــرا
لأُقِرنَّك عيناً أختُ مـا زلـــتُ علــى عهـــدك حُـــرّا
أنا أفديك وهذا السبـط ما أمـلـك مـن روحـــي شَطـــرا
وأنا نجلُ علـيٍّ أســــد الله الــذي ما يــــومَ فـــرّا
وحسينٌ سيدي قبل إخائـي وإمـــامُ الكــــونِ طُــــرّا
أنا مَنْ ردّ أمان القائد الفاســـق مــا حمَّـــل شمــــرا
أأمانٌ لي وإخواني وهذا السبـط لا يــأمــــنُ شــــرّا ؟
أنا أرويك غداً يا ساحة الحـرب دمــاً ينســـاب نهـــرا
أنا اُصْليْ القومَ ناراً قبل أن يحتـرقوا في الخُلــــد سُعــرا
أنا مَنْ اُفزع قلبَ الجيـش من قبل لقـاء الحــرب دهـــرا
أنا من ألقي بسوح الحـرب في أفئـدة الأبطـــال ذُعـــرا
أنا فخرُ لبني هاشـم في النُبل ومن حيــــدرَ ذكــــرى
أنا والقاسم والأكبـر فـي يـــوم غدٍ نُهديـــك سفـــرا
سيظلُّ الدهرُ شوقـاً كلّمــا ردَّده يستـــاف عطــــرا
سنجلّي ساحة الحـــرب بما يُشـــرق في التـاريخ بدرا
لو تقاسمنا جيوش القوم إذ نقلبهـــا بطنـــاً وظهـــرا
ولأفنى كلُّ شهم من عـرانينــك للجحفـــل شطـــرا
ولألفيت فلول الجيش قد أَلقـــت إلى المهـــزوم عُـذرا
وسعيد القوم من أسعفه الحــظُ من القتـــل وفــــرّا
بيد أن الله لا تعلـم ما سوف غـداً يقضيـــه أمــــرا
السيد محمد رضا القزويني
إقتطع السيد محمد رضا القزويني في قصيدته ( العباس وليلة العاشر ) مقطعاً مؤثراً من مقاطع ليلة عاشوراء الأليمة فاختار شخصية أبي الفضل العباس عليه السلام في خطاب ذاتي من الشاعر مع الكمالات الروحية والجسدية التي وضعها العباس عليه السلام رخيصة فداء لولائه لسيد الشهداء عليه السلام ثم صوّر لنا جانياً آخر تشارك فيه الشاهدة العظيمة على المأساة وتفاصيلها زينب عليها السلام لتحتدم رؤى القصيدة و تتصاعد فجيعة وفقداناً لننتهي بلسان حالها وهي تخاطبه خطاب الوفاء والمحبة بعقائدية مذهلة وايمان غيبي متوهج وهذه الالتفاتة في اختيار السيد القزويني لهذا المقطع المأساوي وايفاؤه لمتطلباته في لغة هي للتراث اقرب منها للحداثة ينم عن ذوق وحس شفافين نراهما ـ أيضا ـ في قصيدته الاُخرى ( حديث الليل ) والتي أفاضت على كل أحداث الليلة بتوثيقها وتسجيلها وحفظها بلغة سلسلة رشيقة ساوقها الإيقاع المرهف والمتقافز لبحر الرمل الذي جاء به السيد القزويني بخمس تفعيلات خارجا عن مألوف عمودية البح بصدر بيته المساوي لعجزه في عدد التفعيلات فأصبحت القصيدة من نظام الاشطر المتساوية في عدد تفعيلاتها وليست من نظام الصدر والعجز التقليدي وهو خروج يشعر القاريء المتمرس بشيء من المغايرة فيشده للإنتباه الى خصوصية البناء وفرادته وهذه الحال ـ بلا ادنى شك ـ قصدها السيد القزويني اثارة محسوبة على التجريب الواعي في عملية النظم و كسراً ملحوظاً للرتابة و التكرارية.
ـ للشيخ محمد سعيد المنامين
على مشارف الشمس ؟
نجمــةٌ أنـتَ أم أنــا * أم هو الحلـم بيننـــا ؟
كيف فاجـأت حُلكـــة * من ظلام تـوطّنـــا ؟
أنت أشمسـت ليلهـــا * فاستفاقـت ، وأذعنـــا
أخجل الضوءُ من سنــا * وجهكَ ، الليلَ فانحنــى
لم يكن غيـــرُه هناكْ * عندما خــطَّ مسرحــا
حاصر الأرض والزمانْ * ثم للأُفــق لوَّحــــا
رمقت عينـه النجــومْ * فأحاطته ، كالرحـــى
.. أنا نجـم تفتحـــا * بالدما قد توشـحــــا
ها أنا مطرق ؛ يقـول : * لن أُنادي ، سأسكــتُ
فامتطوا صهوة الظـلامْ * أسرعـوا لا تلفّتـــوا
.. ألف عصفورة هنـا * ـ يا رفاقي ـ ستصمتُ
شمعنا هاهنا ؛ يضيــعْ * ضوؤه ، ثـم يخــفتُ
فـي غـدٍ أسهــم الطُغـــاةْ * حولـنـا ســوف تقنـــتُ
إنمــا هـــذه الحـيـــاةْ * فـــرَصٌ لا تـفــــوَّتُ
.. ها هنـا مصرع الرضيـعْ * هـكـذا السهـــمُ قَبَّلــــهْ
لو تــرون التماعـــة النـّ * صل في كــفِّ حرمـلـــهْ
حينمــا شـــدَّ قوســـهُ * صوّب النحـــرَ مقتـلـــهْ
عطشٌ يخنــقُ الضلـــوعْ * وارتـجــاف وحوقـلـــةْ ،
.. ثــمَّ دوّى ، أزيـــزُهُ * ملأ الكـــون ، أذهـلـــهْ
ولمحـــتُ احـتـضــارهْ * بسـمـة ثـمَّ بـسـمـلـــةْ
فــأحاطـوه ، أحـدقـــوا * طوّقــوهُ ، تـألَّـقـــوا !
وأجــابــوه أحـــرفاً.. * شفـةَ الشمــس تــرمــقُ
أحرفــاً لونُهـــا القنـــا * ودمـوعــاً تــرقـــرقُ
: هل هو الموت ؟.. مرحبـاً * فـالـمـنـايــا سنَطــرُقُ
سـوف نؤوي سـهـامـهــا * وبهـــا سـوف نرفـــقُ
أن نّــوارى فـمـشـــرقٌ * ـ أنت ـ في القبـر يُــورقُ
لم أكن نـجـمـــةً أنـــا * بل هـو الحُلـــم بيننـــا
- الشيخ محمد سعيد المناميين
بعدما أكثر من الإصغاء ومرافقة الشعراء والأدباء قرّر محمد سعيد المناميين أن يلج البوابة السحرية بجواز سفر يشهره بثقة أمام حرس الحدود ليُذعنوا لرغبته في الدخول بترنيمة غذبة تؤشّره كصاحب شاعرية واعدة بالعطاء الثرّ والإنجاز النوعي المتنامي على مستوى القصيدة الحديثة الرؤى ، الاصيلة في محتواها.
إنّ تجربة المناميين هذه لاتغفل التحدي بل تطلبه مع الذات ومع الآخرين أيضاً فهي عرض للقدرة وفحص للكفاءة جاءت على مستوى البناء لتصدح على مجزوء الخفيف لتقول لسامعها : ( إنني أتجاوز حدود الصنعة الشعرية بأدوات متمكنة في الجانب الإجرائي التنفيذي ).
أما على مستوى الإنشاء التصويري فقد حبك المناميين قصيدته في نسيج متآلف يتدرّج بصوره لينوّع داخل وحدة متماسكة ، ويقفز برشاقة المقتدرين من الشعراء ليواصل مسيرة القصيدة بنفس خاص وخُطى متميزة تقرّب تجربته الجديدة الى قمم الإبداع الأصيل.
فنلاحظ صراع النور والظلام في المقطع الأول من القصيدة على قصر الجمل وإيجازها قد تبدّى بشكل ومضات شعرية لمّاحة تنتهي بضربة تعبيرية كثيفة ليقول :
أخجل الضوء من سنا * وجهك الليل فانحنــى
وفي المقطع الثالث يعالج الأحداث الواقعية بلغة شعرية متمكنة ، ويُسلس قياد حرف التاء كقافية عصية ليقول :
ألف عصفورة هنا * يارفاقي ستصمــت
ونحن نبارك له هذا الإعلان عن شاعريته ونصافحه بقوة لإعجابنا بهذا البيت من المقطع الرابع :
ولمحت احتضاره * بسمة ثمّ بسملـة
ـ للشيخ محمد سعيد المنصوري
ليلة الوداع
بكِ يا ليلة الـوداعِ الرهيــبِ * سال دمعي دماً لرُزءِ الغريـبِ
مذ أحاطت به الجيوشُ وأمسى * يتلقَّى الردى بصدرٍ رحيــبِ
قال يا صحبيَ الكرامَ وفيتــم * فاذهبوا في ظلام هذا الغـروبِ
واتركوني والقومَ فالقصدُ قتلي * فأجابوه يا حبيـبَ القلـــوبِ
كيف ترضـى نفوسُنا بالتخلِّي * عنك في محنةٍ ويومٍ عصيـبِ
لك نفدي أرواحَنـا وقلـيــلٌ * لك بذلُ الأرواحِ عند الوثـوبِ
سيدي كيف ينتهي الأمرُ فينـا * لنكوصٍ بعد اتضاحِ الوجـوبِ
أنخلّيك مفرداً يــا بـنَ طـه * والأعادي عندَ اشتدادِ الخطوبِ
أي عذرٍ لنا إذا مـا سُئِلْنـــا * ما جرى فالتجأتُـمُ للهــروبِ
يا أبا عبدالله دَعْنا ننــالُ الـ * أجرَ والفضل في الجهادِ القريبِ
فجـزاهم خيراً وقــال إليكــــم * ما أردتم والفــوز للمستجيـــبِ
وأراهـم منــــازلاً قد أُعــدَّت * لَهُمُ في الجنـــانِ بالترحيـــبِ
ليروا راحـةً بها وارتيــاحــــاً * بعد ذاك العنـا وتلك الكـــروبِ
ثم باتـوا لـهــم دويٌ تعـــالى * بالمناجـــاةِ للإلــهِ المجيــبِ
فقضوها بالعـشـقِ ليلةَ وصـــلٍ * ببكـاءٍ وحســـرةٍ ونحيـــبِ
ومع الدهرِ للحسـيـــن عتــابٌ * بخطابٍ إلى القلـــوب مذيــبِ
قال يادهر ُ منـك كم قد أُصِبْنـــا * ودهينا بكــل خطـــبٍ مريبِ
هدَّنا خطبُـك الجلـيــلُ وانـــا * منه شبنا قبل يــوم المشيـــب
ثم طوراً يرنو لزيـنـبُ تبكـــي * ولها ينثنـي بقلـــبٍ كئيـــبِ
أختُ يا زينبُ العقيلـةِ صبــــراً * إن رماكِ القضا بـــرزءٍ عجيب
كم علينا حوادث الدهـر جـــرت * من مآس تدمي عيـــون اللبيـب
أنتِ أم النبوغ بنـت علـي وعلــي * في الدهـــر أسمى خطيـــب
هو ممن ذلت لديـه المعانــــي * لسمو التفكير فــي الترتيــــب
فخذي خط أمك فــي جهــــاد * لك في محتـــواه أوفـى نصيب
وابذلي في زمان أسـرك جهـــداً * ببيان مفصــل ومـصـيـــب
أوضحي فيه أمرنـــا لأنـــاس * قادهـم للشقــاء قـــول كذوب
وضعي في عـروش آل أمــــي * قبسا يابنة الهــدى من لهيـــب
واحفظي لي العيـال ثم اعرضي عن * جزع موجــب لشـــق الجيوب
واتركي النوح والبكــاء لوقـــت * من لقانا بعد الفــراق قريـــب
واذكريني عند الصــلاة البليـــل * رُب ذكرى تريـــك وجه الحبيب
واندبيني إن شئتي ندبـي حينــاً * واروي حر الحشا بدمـع سكـوب
أبلغي منـي الســـلام لجـدي * ولأمي وأعلنـي بالـوجـيـــب
واقربي عني السـلام شقيقــي * حسن الفعل في جميـع الــدروب
وعلى البعد وجّهـي لأبيـنـــا * في الغريين أجمل الترحـيـــب
ثم قصّي عليه رزءاً بـكـــاه * قبلُ في نينوى ببعـض الحـروب
واخبريه بأننــا قد أصبنـــا * من رزايا زماننـا بضـــروب
فرقتنا يد النـوائـب شرقـــا * وشمالا ومالنا مـن صحيـــب
يا ابنة الطاهريـــن جدا وأمـا * وأبا ذا حجا وصدر رحيـــب
اصبري صبره فبالصبـر يرقـى * كل حي لذا الالــه الرقيـــب
واعلمي أننا على الحق نحيــى * وعليه نموت من دون حـــوب
وسلام عليـــكِ منـيَّ يتـرى * في حياتي وبعد يـوم مغيـــب
صورة من الوداع
صاحِ دهري ولم أكن بالجزوعِ * قد رماني بكلّ خطبٍ فظـيــعِ
وسقاني كؤوس همٍّ وحــزن * سلبت راحتي وأحنـت ضلوعي
ذالكم حين صاح ليلاً حسيـنٌ * يا بني هاشم بصـوتٍ رفيــعِ
هذه ليلة الـوداع فقومـــوا * بعد لبس القلـوب فوق الـدّروعِ
ودّعوا الطاهرات وابكوا عليها * وهي تبكيكم بحمـر الدّمــوعِ
حرّ قلبي لزينب الطّهر لمّــا * أقبل الطّاهـرون للتّـوديـــعِ
رأتِ الأمَّ تلثم الابن شوقـــاً * وكذا الابِن ينحنـي بخضــوعِ
يلثم الوالد الحنــون فيحنــو * فوقه من أسىً بقلبٍ وجيـــعِ
فهو طوراً يرنو العيال وطوراً * يرسل الطرف نحو مهد الرّضيعِ
حيث يدري بطفله سوف يُرمى * وعن الماء يرتوي بالنَّجيـعِ
حديث مع الليل
ياليلة العشر طولـي * قد زاد فيكِ نحولـي
وِدِدْتُ من قبل قومي * يَحِيْنُ وقتُ رحيلـي
بكربلا مذ نزلنـــا * عَلمتُ عند النّـزولِ
بأنّنا سوف نبقــى * بلا حمِىً وكفيــلِ
وذاك أعظمُ خطـبٍ * من الزّمان جليــلِ
يمسي الحسينُ قتيـلاً * ويا له من قتيـــلِ
فيا دموعيَ سِيلــي * عليـه كلَّ مَسيــلِ
ثم انثنت بنتُ طــه * بعبــرةٍ وعويــلِ
تخاطب اللّيلَ لكــن * خطابُها عن ذهـولِ
فاللّيل يُسري وتسري * نجومــه للأُفــولِ
تقول لا تُبدِ صبحـاً * وذا من المستحيــلِ
أيسمعُ الليلُ قــولاً * من الكلام الطويلِ
زينب تخاطب الليل
تشبُّ بقلبي نارُ وجـدي وتَضــرمُ * لذكراكَ يا ليـلَ الــوداعِ متيّـــمُ
وهيهــات أن أسلو مصائب كربلا * وتلك بَكاها قبلُ طــه المكـــرّمُ
فما زلت في بحرٍ من الحزن والشّجا * أعومُ وطرفي بالكـــرى لا يهـوّمُ
مدى العمر لا أنســى عقيلةَ حيدرٍ * عشيّةَ أمست والقضــاءُ مخيّـــمُ
تودّع أهليها الكــرامَ وتنثنـــي * مع اللّيل من فرط الأســـى تتكلّـمُ
تقول له يا ليلُ رفقــاً بحالنـــا * فأنت بنا من شمس صبحــكَ أرحمُ
بربّك لا تُبدي الصّبــاحَ فإنّـــه * صباحٌ به جيـشُ الضــلالةِ يهجمُ
أطلْ يا رعاكَ اللهُ وقتَكَ أن تجــد * طريقاً ولا تخفى لجــوّك أنجــمُ
أطلْ لوداع الطّاهـراتِ حماتِهـــا * فصُبحكَ فيه منهمُ يُهـــرقُ الـدّمُ
أنا زينبُ الكبرى سليلـــةُ أحمـدٍ * وهذا حسينٌ والزّمــانُ محـــرّمُ
وهذي جيوشُ الظالمينَ تراكمـــت * علينا فهل فيمـا يُريــــدونَ تعلمُ
يُريدونَ قتلَ ابن النبي وصحبـــهِ * وإنّك تدري مَنْ حسيـــنٌ وَمَنْ همُ
أطالت مع اللّيل الحديـث من الأسى * واجفانُها كالمُزنِ تهمـــي وتسجمُ
فلو فَهِمَ اللّيلُ البهيــمُ كلامَهـــا * لرقَّ لها لكنّـه ليـــس يفهـــمُ
ولو كان ذا حسٍّ ويعرفُ قدْرَهــا * أجاب نداها لكن اللّيـــلُ أبكـــمُ
تُخاطِبُه في أن يُطيـــلَ ظـلامَه * عليها وما للّيـــلٍ أُذنٌ ولا فـــمُ
شكتْ همّها للّيلٍ واللّيــلُ أخـــرسٌ * وزينبُ حيـرى والفــؤادُ مكلَّـــمُ
ومرَّ عليها وقتُــهُ وتصـرَّمـــت * دقائِقُه والصُبـحُ بالشــرِّ مُفعـــمُ
ولاقتْ مُصاباً لو اُصيبَ ببعـضـــه * أشمُّ الرواسي الشامخـــات يُهــدَّمُ
لقد شاهدتْ قتـلَ الحسيـنِ بعينهـــا * وهل منه أدهى في الزمان وأعظمُ

- الشيخ محمد سعيد المنصوري
الشيخ المنصوري مشدود الى تلبية نداء الخطابة الصارم في شعره بشكل لا يخفى على المطّلع ، لذا فشعره مضغوط داخل شروط ومتطلبات آمرة ناهية تحصر الشاعر بحدّتها وضيقها ومع ذلك فالشيخ المنصوري يتجاوز كل هذا بعد تحقيقه وينصرف الى جمال التصوير بلغة توصيلية سهلة التلقي يراعي فيها ثقافة السامعين اللغوية ليحقق جماهرية النص فى التواصل على حساب التعبير التوّاق الى الإنطلاق والتحرر من المباشر والسائد والمألوف.
إن القصيدة المنبرية تتوجه لمخاطبة مساحة عريضة من المتلقين فتكون لذلك قصيدة محافظة على جذورها واُسسها ، لا تستخدم آليات الإيماء البعيد والإشارة المحتاجة للمفاتيح الغائبة أو الغموض الموحي بالدلالة غير المباشرة ، وهي أقرب إلى نقل الجانب المأساوي الفاجع الباكي أو المتباكي أو هي تصنع هذا الجو مثيرة لحزن المتلقّي مستدّرة لدموعه وناشدة للتوجّع والتأوه على ماحدث لسيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه من مآسٍ وأحداث دامية فلغتها تعريفية متدرّجة في نقل المعلومات التفصيلية التي تذكّر السامع بكل شيء حتى وإن كان من البديهيات المسلّم بها فمثلاً يقول المنصوري بلسان حال زينب عليها السلام :
أنا زينب الكبرى سليلة احمد * وهذا حسين والزمان محــرّم
وهذه طريقة منبرية قائمة على شرح وتفسير تفاصيل الأحداث رغبة بالشمولية واستيعاب كل ماجرى ، على أن قصائد المنصوري تنحو منحى ذاتياً في إستهلالها ، فالقصيدة تبدأ من وقفة الشاعر الخطيب على الحدث معبّراً عن عواطفه وانفعاله واحاسيسه ولواعجه :
تشبّ بقلبي نار وجـدي وتضــرم * لذكـراك ياليـــل الــوداع متيّـم
وهيهات أن أسلو مصائب كربــلا * وتلك بكاها قبــل طـــه المكـرّم
فما زلت في بحر من الحزن والشجا * أعوم وطرفي بالكـــرى لا يُهــوّم
ثم يلتفت الى الحدث لنقله :
مدى العمر لا أنسى عقيلة حيدر * عشية أمست والقضاء مخيّــم

وتبدأ الأحداث بين رسمه وتصويره وتعقيبه وبين حوارات زينب عليه السلام وبنفس الإسلوب وذات الطريقة نرى قصيدة اُخرى :
بكِ ياليلة الوداع الرهيـب * سال دمعي دماً لرزء الغريب
ويلتفت سريعاً :
مذ أحاطت به الجيوش وأمسى * يتلقّى الردى بصدر رحيــب
وفى قصيدة ثالثة نرى :
صاح دهري ولم أكن بالجزوع * قد رماني بكل خطب فظيــع
وسقانــي كؤوس همّ وحـزن * سلبت راحتي وأحنت ضلوعي
ويلتفت كالعادة :
ذلكم حين صاح ليلاً حسين * يا بني هاشم بصوت رفيع
وقد تكون قصيدته لسان حال أحدى الشخصيات مثل زينب عليها السلام منذ البداية تخاطب ليلة الوداع في حوارية نسيجها العتاب المرّ والشكوى والانين فنرى :
ياليلة العشر طولـي * قد زاد فيـكِ نحولـي
وددت من قبل قومي * يحين وقت رحيلــي
ـ للسيد محمد شعاع فاخر
ليلة في زمن الانبياء
أليلٌ سجـى في كربلاءَ أم الحشــرُ ؟ * تَسامت به الأيـــامُ وافتـخـر الدهرُ
وهل بسمـاتُ الوالهين إلى الرضـــا * أضائته أم ثغرُ الحقيقـــةِ يفتـــرُّ
وتلك دمـوعُ المشفقـات تسابقـــتْ * شئآبيبَ أم سحبٌ بهـا انبجسَ القطــرُ
وهذي جبـاهٌ أم بـروقُ صـــوارمٍ * أم اللوحُ محفوظاً بهيكلــه الذكـــرُ
وهل تلـك أرضٌ أشرقت في عراصها * ـ أو الفلكِ الأعلى ـ الكواكبُ (3) البدرُ
نعم حلَّها ثقـلُ الرِّسالــةِ فاكتســى * بهم سندساً من فيضِ جدواهـــم القفرُ
تعـالتْ علـى رمضــان أيامُ عشرها * وعن ليلة القدر استطـال بهــا القدرُ
لئن زاد قدرُ الشهـــرِ بالذكرِ وحـدَهُ * ففي العشر منها استُشهد الذكرُ والطهرُ
وإن كان يفنـى بالثلاثيـــن عــدّه * فما هي إلا الدهر أيامهـــا العشـرُ
وليس ظلاماً ما أرى بل صحيفــةً * من النور تبدو والجهادُ لهــا سِفْرُ
جرت من أبيِّ الضّيمِ فيها دمــاؤُهُ * كتاباً جهادُ الأنبيـاء به سطـــرُ
ففي كلِّ جرحٍ من عديد جراحــه * لنوحٍ وبلواهُ السفينــةُ والبحــرُ
وفي كلِّ حرفٍ من لهيـب ندائــه * خليلٌ لإسماعيله في الحشــا جمرُ
وإنْ كان بالذبح العظيــم فــداؤُهُ * لتُفْدى بإسماعيلَ فتيانــه الغُــرُّ
وإنْ فخرت أرضُ الطَّواف بها جرٍ * فكم هاجرٍ بالطَّفِّ أبرزهــا الخدرُ
سَعتْ ألفَ شوطٍ تطلبُ الماءَ بعدما * جرى في مسيـر النَّهر ريقُهُ الغمرُ
ولو ملكتْ أمراً سقت من دموعها * عطاشاه لولا أنَّها أدمــعٌ حُمــرُ
تسيلُ بجنب النهر يندى بها الثرى * وتنسجُ برديه الشّقائقُ والزَهْـــرُ
فلم يعرفِ الراؤونَ ما الدمعُ منهما * غداةَ جرى من مقلتيها ومــا النَّهْرُ
وهذا ابنُ عمرانَ استقلَّ جهَــادَه * وما صَغُرَتْ شأناً مَوَاقِفُــه الكُثْـرُ
غداةَ رأى سبطَ النبيِّ بكربـــلا * به يستجيرُ الدينُ إذ مسَّــهُ الضُـرُّ
لئن خانه الحانون فى الذل جبهـةً * وأصبتهم الدنيا فما خانــه النَّصـرُ
وإن ظلَّ فرداً حيثُ خلاَّه عسكرٌ * فكان له من عزمهِ عسكـرٌ بحــرُ
تمنَّى كليمُ الله تفديـه نفسُـــهُ * ودونَ الحسينِ السبطِ تنحرهُ السُمْــرُ
وجلَّ الصليبُ المجتلى فوق عوده * مسيحٌ كما يجلى من الغَبَش الفَجْرُ
تسلَّق أعواد الصليب فما ونَـــتْ * رؤاه ولكن باح بــالألم السَّـــرُّ
يقولُ وملأُ الكونِ منـه شكايـــةٌ * إلى الله ممزوجٌ بهـــا الألـمُ المُرُّ
إلهي وربي كُنْ معي في مصيبتـي * رفيقي فقد عنَّاني الصلــبُ والأسرُ
وأُولاءِ فتيانُ الرسولِ تسابقـــوا * إلى الموت يتلو الحُرَّ في سعيه والحُرُّ
تَلفُّهُمُ الحربُ العَــوانُ كأنَّهـــا * نعيمٌ وفيه الأُنسُ لا البيـضُ والسُمْرُ
فما ضَعُفَت منها القلوبُ عن الوغى * أجل مات فيها الخوفُ وانذعر الذُعْرُ
وإن جلَّ يوم المطمئنِ وخائٍــفَ * فمَنّ منهما في السابقين له الفَخْــرُ ؟
طوى اللهُ آناءِ الزَّمانِ الذي مضـى * وفي ليلِ عاشوراءَ كان لــه النَّشْرُ
تَطلَّعَ ماضٍ في الزَّمـانِ وحاضـرُ * كراءٍ جيادَ السبقِ أبرزهــا الحضرُ
إلى فتيةٍ قد زانت الأرضَ بالسنــا * كما ازدان في عقدٍ من الـدُرَرِ النَّحْرُ
أحاطــت بسـرِّ الله فيهــا كأنَّه * فؤادٌ حواه بيـن أضلُعـــهِ الصدرُ
تمنَّت لقاءَ الموت قبـل أوانـــهِ * فأمْثَلُ شيءٍ أن يطـولَ بهــا العُمْرُ
تبرَّجَ رضـــوانُ الإله بعينهــا * نعيماً وما أخفاه عن ناظـــرٍ سِتْرُ
هَفَتْ لعناق البيض وهي مشوقــةٌ * لمقعدِ صدقٍ عنــدهُ يَعظــمُ الأجْرُ
وحَفَّتْ بسبط المصطفى وهو باسـمٌ * أضاءَ الهدى في ثغره إذ دجا الكفـرُ
أبَتْ أن ترى من هاشمٍ بشبا الظُبـا * عفيراً فعند المصطفى ما هـو العُذْرُ
ولكن أبَتْ فرسانُ هاشم أن تُــرى * مُحَلأَّةً والموتُ ريَّــانُ مُحْمَـــرُ
ونادى الهدى في حكمـه متنهِّــداً * كما فاح من غَنَّاءَ مطلولـــةٍ نَشْرُ
دَعُوا للوغى أنصارنا فقلوبُهـــا * لقطف رؤوس الكفر ضاق بها الصبرُ
ومذ حَظِيتْ بالحكم في الموت أقبلت * كما احتشدت في الأفقِ أنجُمُـهُ الزُهِرُ
وقد مال خدرُ الهاشميــاتِ بالأسى * كما مال في زغبٍ مروَّعـــةٍ وكرُ
دعوا عند آل الله يخلص العــدى * إليكم بضرٍ ما جـرى دَمُنـــا الثرُّ
فما عرفت ماالخوفُ حتى تمرَّغتْ * على الفلق الريَّان من دمهـــا العُقْرُ
ويالك من ليلٍ محــت مُدلهِمَّـــه * جباهُهُم والبــدرُ والقُضُــبُ البُتْرُ
رأى الملأُ الأعلى لــو انَّ متــونَهُ * لهم صهواتٌ لا المُجمَّلـــةُ الشُقْـرُ
جرى دمهم في المَهْمِه القفر فاغتـدى * نعيماً وأمسى وهو مُؤتلــفٌ نضـرُ
وما سال فوقَ الأرضِ حتى تضَّرجت * به وجناتُ الأفقِ مما جنــى الغـدرُ
تفجَّرتْ الدّنيا جمــالاً بهم كمـــا * تفجَّرَ بالإبداعِ مـن مُلهــمٍ فِكْــرُ
وحقَّق للإنسانِ معنــى وجـــوده * دمٌ سال منهـم لا قليــلٌ ولا نَـزْرُ
وخصَّهـــم بالسبـطِ ربٌّ بَـراهُمُ * فلا قَدْرَ إلا فوقَــه لهُـمُ قَـــدْرُ
- السيد محمد شعاع فاخر
قصيدة الإقتطاف الجميل من حدائق النص القرآني الكريم هي قصيدة السيد محمد شعاع فاخر ( ليلة من زمن الأنبياء ) وهو توجّه مقتدر كم أحببت أن يساوقه تحرر من أسار الفخامة والتراكيب المستدعية لنمط التراكيب القديمة التي إستنفدت طاقتها فلم تعد تخاطب السمع النابض لحركة العصر الحديث.
فمنذ الصدر الاول يتبادر إلى الذهن هذا التنميط الذي يجر القصيدة إلى الوراء فمثلاً ( أليل سجى في كربلاء.. ) يُذكّرني بقوة ( أبرق بدا من جانب الحي لامع.. ) لكن الشاعر يغادر هذه المناطق كثيراً مما يمنح القصيدة عدم الإستقرار على محور نظمي محدّد وواضح فكأن شاعريته مرآة تعكس ما يمرّ أمامها من نصوص يداخلها في نصّه
فنرى مثلاً هذا البيت الرائع :
تسلّق أعواد الصليب فما ونت * رؤاه ولكن باح بالألم الســرّ
ـ للشاعر الأستاذ محمد الشويلي
ليلة عاشوراء أعراس الدم
قِدُ الحرف وسط الليل يقتحم القدرْ * فقلبُ المنايا من لغـاك سينتحـــرْ
تناغيك أمواج الأعاصيـر في غد * تعد لها المهر الجريــح لتنتصــر
تُرى ليل عاشوراء عرس منابـرٍ * تمشّى بها صحو الضمير فمـا عثـر
قُمَيْرٌ يناغي النجم وهي تحوطــه * تقد!يه إن ألوى بجانبــه الخطــر
ومن كل نجم ينزف الضوء أحمرا * تضاء بها الأكوان ، تفتتن العصــر
فياليلة العشاق كــان دويهـــم * تخر له الدنيا ويستسلــم القـــدر
يمد الدجى فوق الرمال مخاوفــا * فتنكسر الصحراء والعـزم معتمّــر
وأنت فم قد جلل الكون رفضــه * وأنف شموخ فرّعت كبـره مضــر
فتعلن أن الموت غايتك التـــي * ستسعد فيها والحيـاة لمـن قهـــر
وينثال كل يستبيــح وجـــوده * فداءً لظل الله والأضـلع الطهـــر
صمود له التاريخ ينـدى جبينــه * ويرقى على عين الزمان فيُختصــر
ستبصر عند الأفق شر ذمة سعـت * لتغتال ضوء الشمس أو تطفىء القمر
وسوف تمد الطرف نشوان والوغى * كغابات خوف والا سنة كالشجـــر
ويوم غد من كل طعنــة خنجـــر * يصيح فم إن البغــاة ستندحـــر
ستعدو بهم والأفق سـدت تخومـــه * من الخيل ، والرمضاء ترميه بالشرر
رويداً سيلقاكــم رضيعي بنحـــره * خطاباً عصياً دكّ افئـدة الحجـــر
ويلقاكـم حتى الصبي يشــد فـــي * ذراعيه عزمات النبي فمـا انكســر
ولادة أحــلام هنا تقهـر الظمـــا * ونبع مذال في مدى الروح ينفجــر
فصح يا فــرات الآن هذي دماؤنــا * ستغترف الأجيال من نزفها الغضـر
ويا حزمة للضــوء ودّت لـوانّهــا * تحرق ألفـا أو تُــذرُ ولاتَـــذَر
تخطي على الدنيا نبــوءة عاشـــق * توطيء في أزكى مواجعها المطــر
فيا أيها الحرف المطهـر لم يـــزل * على شفة الأرماح بالوحي يدكـــر
ويا ليلة ( غابت نحوس نجومهـــا ) * لك المجد أن أشرقت في ظلمة البشر
ـ للشاعر الأستاذ محمد الماجد
خصلةُ شَعرٍ لساعديَّ
ومن ذا سيعبر بين الفراتين.. ؟
هذا أنا..
رب هذا المسيل المولّه بالصافنات الجيادْ !
قرون وأنت تمرّين من ههنا ياجيادْ
على هذه الأضلع الخاوياتْ
بربك أي المضامير رحت تجوبين فيّ ؟
وأي الأعنة شدّت يداي ؟
أحبك يامن تجيبين نذري
عقدت على ساعدي الضعيفين
خصلة شعر لحيدك
ثم ارتميت اقبل نقش الحوافر فوق الصعيد
اقوم و اهوي عليها مراراً!
اقوم..
واهوى عليها مراراً!
فهلا تعجلت برني
فهذا صدى الحمحمات يذيب فؤادي
ـ قرون عليه ـ
ومازال يملأ صدري نحيبا
جياد الخلاص
اضاء لك البرق ليل المتاهة فاجري
صراطك : صدري … وقلبي.. و نحري
صراطك : هذا الممدد بين الفراتين
رب المسيل الموله بالصفنات الجياد
افيقيه عدواً..
اقضي مضاجع هذا الرفات..
قليل من العدو يسكر رمسى..!
فطوفى عليه مطاف الجوامح
انعلن جمراً..
واشربن نخب الطفوف
ذرفن الدموع علي ساكنيها
وزرن ( الغريب )..
تحلقن حول الضريح المدمى
ألوفا.. الوف
الا يا جياد..!
قليل من العدو يسكر رمسي
فأصحو..
لينشق عن مدنف لايتوب
تحمل مالايطاق
وعاد تحمل مالايطاق
وعاد.. وعاد..
الى ان افاق