الادب الحسيني

شموخ مع التاريخ وصمود مع الأجيال يتجلَّى بكل وضوح في أفق الحياة الواسع ومع سير الزمن السرمدي ، لا يطويه دوران الأيَّام ولا تنسيه الدهور والأعوام ، يُجدِّد الآلام ويثير الأحزان والأشجان بالرغم من مرور المئات من الأعوام ؛ ذلك هو يومك الخالد يا أبا عبدالله ، الذي ضربت فيه أمثالاً بلغت أقصى حدود السمو في التضحية والفداء ، وأوضحت المعالم البارزة للسبل التي يجب أن تكون منهجاً لعبور العقبات الصعاب في هذه الحياة ، فما أروع هذا الخلود ، وما أسمى معانيه لو بَرَزت بوضوح حقائقها ورُسمت دقائق خطوط أهدافها ؛ لترفع المشعل الوهَّاج للأجيال المتعاقبة وتلتهم ثمرات تلك المآثر السامية ، وتستلهم منها الصبر والعقيدة لتحقيق الأهداف التي دعا إليها الإسلام وكافح من أجلها دعاته الوفياء ؛ لتطهير الأرض المقدَّسة من دنس الظالمين والغاصبين.
ما أروع يومك يا أبا عبدالله ويا أبا الشهداء ، ذلك اليوم الذي وقفتَ فيه تخاطب أنصارك وأهل بيتك قائلاً:
(أمَّا بعد ، فإنَّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، ألا وإنَّ الدنيا قد تغيَّرت وتنكَّرت وأدبر معروفها ، واستمرَّت حذاء ولم يبق منها إلاَّ صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحقَّ لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ؟ ! ، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقَّاً ، فإنِّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما).
فكانت التضحية وكان الداء الذي أدمى القلوب ومزَّقها وكان النصر حليفه ، فلقد استقامت بشهادتك يا أبا عبدالله أركان الإسلام وتبين الرشد من الغي ، وظلَّت كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ـ التي حاربها الحزب الأموي ـ مدوِّية في الفضاء ، خالدة في أجوائه خلود يومك.
لقد أراد لها يزيد بن ميسون الفناء بقتلك وأراد الله لك ولها البقاء ، فبقيتْ وبقيتَ مع التاريخ تستنير الأجيالُ بذكراك ويستلهم منها المخلصون سُبُل الثورة على الظلم والطغيان ، وبقي ذكر أولئك الطغاة عاراً تتبرَّأ منه الأحفاد والأجيال وتتبعهم اللعنات ما دام التاريخ.
فما أصبرك يا أبا عبدالله ، وما أروع يومك حينما وقفتَ في أرض المعركة وحيداً لا ناصر لك ولا معين ، تتلفتُ يميناً وشمالاً ، فلا ترى سوى أصحابك وبنيك وإخوتك صرعى على ثرى الطفِّ المديد ، والأعداء تحيط بك من كل نواحيك ، تحدِّق في خيامك الخالية إلاّ من النساء و الأطفال ، والصراخ يتعالى من هنا وهناك ، وأنت تتلوَّى لهول ذلك المشهد وتلك الحشود الهائلة وقد شهرت أسنَّة رماحها في وجهك ، فتغمض عينيك من هول ذلك المنظر وممَّا حلَّ ببيت الرسالة وأحفاد الرسول ، فلا تجد من يأويهم ويكفلهم من بعدك .
ثم تتلفَّت إلى أنصارك فلا ترى سوى الجثث المبعثرة من حولك ، فما أهوله من منظر وما أرزاها من مصيبة لم يحدِّث التاريخ بمثلها ، ومع كل ذلك ، فلم تلنْ لأولئك الطغاة ، ومضيت في ثورتك على الباطل ، ثورة الإيمان بكل معانيه وأبعاده على الكفر بكل أباطيله ، تقول : (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرُّ لكم إقرار العبيد ) وبقيت خالداً خلود الدهر.
لقد تمخَّضت مواقف الحسين بن علي (عليه السلام) يوم عاشوراء ، ذلك اليوم التاريخي ، من خلال ما ارتسم فيها من البطولات والصمود أمام تلك الجحافل العاتية عن جلائل المعاني السامية ، وتجلَّتْ من سطورها الدامية روائع من صفحات الإيمان الثابت والعقيدة المخلصة ، وطفقتْ تحمل في مشاعلها نزعة الانعتاق من ربقة الاستغلال والاستعباد ، واندفعت تخطُّ للأجيال أبعاد الكفاح الثوري وترسم للعصور سمات للصمود والثبات ، وتدفع بالمناضلين المكافحين إلى تعلُّقهم بما يرسمونه من تخطيط لمعتقداتهم الفكرية ، وما ينتهجونه من تحديد لمنطلقاتهم النضالية في المسار النضالي ، وما يحدِّدونه من مواقف جريئة أمام تحدِّيات الحاكمين واستغلالهم لخيرات الشعوب وأرزاق العباد.
ان المسار الثوري الذي حفلت به ثورة الحسين (عليه السلام) لقد عزز الكثير من طموح الشعوب المستغلة من اجل انهاض هذه الشعوب وايقاد فتيل الثورة للاطاحة بالنظم المستبدة وايجاد المجتمعات السليمة التي تحقق للشعوب حريتها وكرامتها وطموحاتها في التخلص من الاستغلال وتطوير الحياة وما يضمن لتلك الشعوب أمنها ورفاهيتها.
إنَّ ثورة الحسين تركت في دروب الأحرار المجاهدين والصامدين علامات مضيئة تنير مسالك الكفاح ، وتمهِّد الطريق الذي يمكِّن كل ثائر ـ إذا اعتمد في الدرجة الأولى على نزعة السخاء بالأرواح وبذل الأنفس من أجل العقيدة الثابتة ومن أجل مواقع الصمود ـ للوصول إلى النصر.
إنَّ طرح الحسين الخالد لهذا السخاء العظيم بتقديمه نفسه وذويه وصحبه واستشهادهم إلى جانبه ، مكَّن هذه الثورة من الديمومة والبقاء لتكون المنار لكل الثائرين الصامدين عبر مسيرات الانتفاضات الشعبية التي تحدث هنا وهناك ، ومكَّن لها الانتصار إذا اقترنت بالنزاهة والإخلاص وبمثل ذلك السخاء الذي قدَّمه الحسين وأنصاره من أجل الإنسان وكرامته . لقد انتصر الحسين (عليه السلام) باستشهاده انتصاراً لم يسجِّل التاريخ انتصاراً أوسع منه ، ولا فتحاً كان أرضى لله منه ، وكان واثقاً من هذا الانتصار ومن هذا الفتح كما كان واثقاً من هزيمته عسكرياً كما يبدو ذلك من كتابه الذي كتبه إلى الهاشميين وهو في طريقه إلى العراق ؛ فقد قال فيه : (أمَّا بعد ، فإنَّه مَن لحق بي استشهد ومَن تخلَّف لم يبلغ الفتح).
وكما ذكرنا ؛ فالفتح الذي يعنيه الحسين من كتابه إلى الهاشميين هو ما أحدثته ثورته من النقمة العامة على الأمويِّين وما رافقها من الانتفاضات التي أطاحت بدولتهم.
(إنَّ الله قد شاء أن يراهنَّ سبايا)
لقد كان محمد بن الحنفية ، شقيق الحسين ، في طليعة أولئك الذين حاولوا مع الحسين (عليه السلام) أن لا يستجيب لأهل العراق ، وأن يبقى بعيداً عنهم ، وقد ذكَّره مع مَن ذكَّروه بمواقفهم مع أبيه وأخيه ، وكان قد أشار عليه أن يذهب إلى اليمن أو بعض نواحي البر ولا يذهب إلى الكوفة ، فوعده الحسين (عليه السلام) أن ينظر في الأمر ، وفي مطلع الفجر من تلك الليلة أُخبر ابن الحنفية أن الحسين (عليه السلام) قد تهيَّأ للخروج مع إخوته وبني عمومته ونسائه إلى العراق ، فأقبل عليه وقد أشرف موكبه على التحرُّك ، فأخذ بزمام ناقته وهو يبكي ، وقال له : ألم تعدني النظر فيما سألتك فما حداك على الخروج عاجلاً ؟ فردَّ عليه الحسين قائلاً : (أتاني رسول الله بعد ما فارقتك فقال: يا حسين ، أخرج فإنَّ الله قد شاء أن يراك قتيلا) فاسترجع ابن الحنفية وقال : إذا كان الأمر كما تقول ، فما معنى حملك للنساء وأنت تخرج لهذه الغاية ، فقال له : (إنَّ الله قد شاء أن يراهنَّ سبايا) .
بهذا الجواب القصير وبهاتين الكلمتين بما لهما من المدلول الواسع وبدون مواربة أو تمويه أجاب الحسين أخاه محمد بن الحنفية وعيناه تنهمر بالدموع والألم يحزُّ في قلبه ونفسه . وكما قال أبو عبدالله (عليه السلام) : (إنَّ الله قد شاء أن يراهنَّ سبايا) كما شاء أن يراه قتيلاً موزَّع الأشلاء ، هو ومَن معه من أسرته وأصحابه على ثرى الطف ، لإنَّ سبيهنَّ بعده من بلد إلى بلد لم يكن أقل أثراً على تلك الدولة الجائرة وعلى تلك الأسرة التي تكيد للإسلام من شهادته ، إن لم يكن أشدُّ وقعاً على نفوس المسلمين من استشهاده.
لقد كان لسبي النساء والأطفال والطواف بهنَّ من بلد إلى بلد أثراً من أسوأ الآثار على الأمويَِّين ودولتهم ، وكان الجزء المتمِّم للغاية التي أرادها الحسين من نهضته ؛ فلقد أثار الأحزان والأشجان في نفوس المسلمين وكشف أسرار الأمويين وواقعهم السيىء للقاصي والداني ، وأظهر قبائحهم ومخازيهم للعالم والجاهل وأوضح للمسلمين في كل مكان وزمان أنَّ الأمويِّين من ألدِّ أعداء الإسلام ؛ يبطنون الكفر والإلحاد ويتظاهرون بالإسلام رياء ودجلاً ونفاقاً. وفي الوقت ذاته ، فلقد كان سبيهم من جملة الوسائل لنشر الدعوة إلى العلويِّين ومبدأ التشيُّع لأهل البيت ، ولعن مَن شايع وتابع وبايع على قتل الحسين ، وقد أشارت إلى ذلك العقيلة الكبرى في قولها ليزيد بن ميسون في مجلسه بقصر الخضراء : فو الله ما فريت إلاَّ جلدك ، وما حززت إلاّ لحمك.
لقد حملهم معه وهو على يقين بأنَّ الأمويِّين سيطوفون بهم في البلدان إلى أن يصلوا بهنَّ إلى عاصمتهم الشام ، وسيراهم كل إنسان مكشفات الوجوه وفي أيديهم الأغلال والسلاسل ، وأكثر الناس سيقابلون ذلك بالنقمة على الأمويِّين ، وبالأسف والحزن لآل بيت نبيِّهم الذي بعث رحمة للعالمين.
جاء في كتاب المنتخب أنَّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجاج وضمَّ إليهم إلف فارس وأمرهم بإيصال السبايا والرؤوس إلى الشام .
ويدَّعي أبو مخنف أنَّهم مرُّوا بهم بمدينة تكريت وكان أغلب أهلها من النصارى ، فلمَّا اقتربوا منها وأرادوا دخولها ، اجتمع القسِّيسون والرهبان في الكنائس وضربوا النواقيس حزناً على الحسين ، وقالوا : إنَّا نبرأ من قوم قتلوا ابن بنت نبيِّهم ، فلم يجرأوا على دخول البلدة وباتوا ليلتهم خارجها في البرية .
وهكذا كانوا يُقابَلون بالجفاء والإعراض والتوبيخ كلَّما مرُّوا بدَير من الأديرة أو بلد من بلاد النصارى ، وحينما دخلوا مدينة لينا ، وكانت عامرة يومذاك ، تظاهر أهلها رجالاً ونساءً وشيباً وشبَّاناً وهتفوا بالصلاة والسلام على الحسين وجده وأبيه ولعن الأمويِّين وأشياعهم وأتباعهم وأخرجوهم من المدينة وتعالى الصراخ من كل جانب ، وأرادوا الدخول إلى جهينة من بلاد سوريا ، فتجمَّع أهلها لقتالهم ، فعدلوا عنها واستقبلتهم معرَّة النعمان
بالترحاب ، بلدة المعري الذي يقول :
أليس قريشكم قتلت حسيناً وصار على خلافتكم يزيد
وقال :
وعلى الأفق من دماء الشهيدين عـلـي ونـجـله شـاهدان
وحينما أشرفوا على مدينة كفر طاب أغلق أهلها الأبواب في وجوههم ، فطلبوا منهم الماء ليشربوا فقالوا لهم : والله لا نسقيكم قطرة من الماء بعد أن منعتم الحسين وأصحابه منه ، واشتبكوا مع أهالي حمص وكان أهلها يهتفون قائلين: أكفراً بعد إيمان وضلالاً بعد هدى ، ورشقوهم بالحجارة فقتلوا منهم 26 فارساً ، ولم تستقبلهم سوى مدينة بعلبك كما جاء في الدمعة الساكبة ، فدقَّت الطبول وقدَّموا لهم الطعام والشراب.
وجاء عن سبط بن الجوزي عن جدِّه أنَّه كان يقول : ليس العجب أن يقتل ابن زياد حسيناً ، وإنَّما العجب كل العجب أن يضرب يزيد ثناياه بالقضيب ويحمل نساءه سبايا على أعقاب الجمال.
قد رأى الناس في السبايا من الفجيعة أكثر ممَّا رأوه في قتل الحسين ، وهذا ما أراده الحسين (عليه السلام) من الخروج بالنساء والصبيان ، ولو لم يخرج بهنَّ ، لَمَا حصل السبي الذي ساهم مساهمة فعَّالة في الهدف الذي أراده الحسين من نهضته ؛ وهو انهيار تلك الدولة الجائرة.
ولو افترضنا أنَّ السيدة الكبرى زينب بنت علي وفاطمة بقيت في المدينة وقتل أخوها في كربلاء ، فما عساها تصنع ؟ وأيُّ عمل تستطيعه غير البكاء والنحيب وإقامة العزاء ؟ وهل كان يتسنَّى لها الدخول على ابن زياد لتقول له بحضور حشد من الناس: (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيِّه محمد ، وطهَّرنا من الرجس تطهيراً ، وإنَّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا والحمد لله) وهل كان بإمكانها أن تدخل مجلس يزيد في قصر الخضراء وهو مزهو بملكه وسلطانه ، وتلقى تلك الخطب التي أعلنت فيها فسقه وفجوره ولعنت فيها آبائه وأجداده ، وقالت له فيما قالت : (أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك إماءك وحرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا ... ولئن جرَّت عليَّ الدواهي مخاطبتك إنِّي لاستصغر قدرك وأستعظم تقريعك) إلى غير ذلك من كلماتها التي كانت تنهال عليه كالصواعق وغيَّرت اتجاه الرأي العام نحوه ونحو بيته ، ممَّا اضطره لأن يتنصَّل من تلك الجريمة ويلعن ابن زياد ، ويحاول أن يحمِّله مسؤوليتها بعد أن بلغته آثار تلك المأساة في المدن والقرى التي مرَّ بها موكب السبايا ، واللعنات التي كانت تنهال عليه وعلى أهل بيته ، وبعد أن رأى الوجوه تغيَّرت عليه حين وقفت في مجلسه ذلك الموقف التاريخي الذي لا يزال حديث الأجيال .
بعد أن رأى ذلك وسمع ما أحدثه موكب السبايا في نفوس الناس وقلوبهم وبخاصة بعد أن عرف الناس في عاصمته وخارجها أنَّ هذا الموكب لآل الرسول وبناته ن جعل يتنصَّل من تلك الجريمة ويحمل أوزارها لإبن زياد ومعاونيه . لقد كان باستطاعة يزيد ومعاونيه لو لم يتعرَّض لأسر النساء والأطفال وسبيهن من بلد إلى بلد ، أن يموِّه على الناس ويقول لهم: لقد نازعني الحسين ملكي وقاتلني فقتلته ، ولكنَّه بعد أن صنع مع النساء والأطفال ما صنع من الأسر والسبي والامتهان ، ضاقت عليه الحجج والذرائع ولم يعد أمامه إلاّ أن يتنصَّل منها ويضع مسؤوليَّـتها على غيره حيث لا يجديه التنصُّل ولا تستره الأعذار ، وقد أيقن بعدها الكثير من الناس بأنَّه كان في عمله هذا مسيَّراً لأمويَّـته الحاقدة على بيت محمد ورسالته ، ولو أنَّه ترك النساء والأطفال بعد تلك المجزرة وشأنهم ، ولم يعاملهم بتلك المعاملة التي لم يعامل المسلمون بها أسرى المشركين ونسائهم ، لم يكن لجريمته كل ذلك الصدى الذي هزَّ العالم الإسلامي بكل فئاته وطبقاته.
لقد كان الحسين يرى من وراء الغيب بأنَّ شهادته وحدها لا تعطي النتائج المطلوبة ولا تحقِّق له جميع أهدافه ما لم تقترن بسبي النساء والأطفال والطواف بهنَّ من بلد إلى بلد ؛ ليتاح لشقيقته العقيلة أن تؤدِّي دورها ورسالتها ، فقال لأخيه ابن الحنفية وهو يتململ بين يديه باكياً حزيناً[نقلاً عمَّا قاله له رسول الله في رؤياه]: ( إنَّ الله قد شاء أن يراك قتيلا ... إنَّ الله قد شاء أن يراهنَّ سبايا) وكان على أميَّة وحفيدها يزيد بن ميسون لو كانت تملك ذرَّة من الوفاء والشرف ، أن تعود إلى الوراء قليلاً لترى ما فعله جد زينب والحسين وبقية العلويِّين والعلويَّات مع أبي سفيان وزوجته هند بنت عتبة التي مثَّلت بعمِّه الحمزة وأكلت من كبده وكيف عاملهما بالعفو والصفح وجعل لهما ما لم يجعله لأحد من مشركي مكَّة وطواغيتها ، ورحم الله بعض الشعراء الذي ذهب يعاتب الأمويِّين بقوله :

وعـليك خـزي يـا أمـيَّة دائم يـبقى كـما فـي النار دام بقاك
فـلقد حـملت مـن الآثام جهالة مـا عنه ضاق لمَن دعاك دُعاك
هلا صفحت عن الحسين ورهطه صـفح الـوصي أبيه عن أباك
وعـففت يـوم الطف عفَّة جدِّه الـمبعوث يوم الفتح عن طلقاك
أفـهل يـد سـلبت إماءك مثلما سـلبتْ كـريماتِ الطفوف يداك
أم هـل بـرزن بفتح مكَّة حُسَّراً كـنسائه يـوم الـطفوف نساك
ورحم الله القائل في وصف السبايا :
وزاكـية لم تلقَ في النوح مُسعداً سوى أنَّها بالسوط يزجرها زجر
ومـذعورة أضحت وخِفَاق قلبها تـكاد شـظاياه يطير بها الذعر
ومذهولة من دهشة الخيل أبرزت عـشية لا كـهف لديها ولا خدر
تُـجاذبها أيـدي الـعدو خمارَها فـتستر بالأيدي إذا أعوز الستر

سرتْ تتراماها العداة سوافرات يروح بها مِصر ويغدو بها مصر
تطوف بها الأعداء في كل مهمة فـيجذبها قِـفر ويـقذفها قـفر