حياة الامام الحسين قبل مقتله
مقتل الامام عليه السلام

موقف الحسين (عليه السلام) من ولاية العهد ليزيد بن معاوية :
قبل الحديث عن موقف الحسين (عليه السلام) من ولاية يزيد و ما انتهى إليه أمره لا بد و أن نعرف من هو يزيد بنظر الإسلام و المسلمين و رأي الإسلام في البيت الأموي بصورة عامة، و الذي لا يشك به أحد من الباحثين و المؤرخين أن الأمويين كانوا من ألد أعدائه و أنكد خصومه منذ أن بزغ فجره و حتى آخر مرحلة من مراحل حكمهم، و لم يدخلوا فيه إلا بعد أن استنفدوا جميع إمكانياتهم في حربه و باؤوا بالفشل، و لما دخلوا فيه مرغمين أخذوا يخططون لتشويه معالمه و إعادة مظاهر الجاهلية بكل أشكالها بأسلوب جديد و تحت ستار الإسلام.
و كانت ترتعش اعصاب معاوية جزعا و هلعا عند ما كان يسمع اسم محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه واله) ينطلق في اجواء العالم من أعلى المآذن في كل يوم مئات المرات كما حدث هو عن ذلك إلى المغيرة بن شعبة في حديث ذكرناه في خلال حديثنا عن الحسن بن علي (عليه السلام) في الفصول السابقة، و هكذا كان غيره من حكام ذلك البيت الذين حكموا باسم الإسلام و كانوا يعلمون على تقويضه و إبرازه على غير واقعه، و تشويه قوانينه و تشريعاته و مثله، و يزيد بن معاوية الذي وقف الحسين (عليه السلام) منه ذلك الموقف الخالد، كان كما يصفه المؤرخون و المحدثون مستهترا الى حد الاسراف في الاستهتار، و ممعنا في‏ الفحشاء و المنكرات الى حدود الغلو في الامعان.
و قال فيه الإمام ابو عبد اللّه الحسين (عليه السلام) حينما استدعاه الوليد ليلا ليأخذ منه البيعة ليزيد: ان يزيد بن معاوية رجل فاسق شارب للخمر و قاتل للنفس المحرمة معلن بالفسق و الفجور و مثلي لا يبايع مثله.
و قال فيه عبد اللّه بن حنظلة كما جاء في رواية ابن سعد من طبقاته، و كان عبد اللّه بن حنظلة قد بايع أهل المدينة حينما أرسل يزيد بن معاوية جيشه لقتالها قال عبد اللّه و هو يخاطب الغزاة: يا قوم اتقوا اللّه وحده لا شريك له، فو اللّه ما خرجنا على يزيد بن معاوية حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ان رجلا ينكح الأمهات و البنات و الأخوات و يشرب الخمر و يترك الصلاة و الصيام و اللّه لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت في اللّه فيه بلاء حسنا.
و قال المسعودي في المجلد الثاني من مروجه: كان يزيد صاحب طرب و جوارح و كلاب و قرود و منادمة على الشراب، و أضاف الى ذلك: انه جلس ذات يوم على الشراب و عن يمينه ابن زياد بعد مقتل الحسين (عليه السلام) و أقبل على ساقيه و قال:
اسقني شربة تروي مشاشي‏ ثم مل واسق مثلها ابن زياد
صاحب السر و الامانة عندي‏ و لتسديد مغنمي و جهادي‏
ثم أمر المغنين فغنوا في مجلسه، و مضى يقول: و في زمانه غلب على أصحابه و على الناس ما كان يفعله من المنكرات و الفسق و الفجور، و ظهر الغناء في مكة و المدينة و شرب الشراب و استعملت فيهما الملاهي بكل أنواعها.
و كان له قرد يكنى أبا قيس يحضر مجلس منادمته و يطرح له متكأ و هو قرد خبيث على حد تعبيره يحمله على أتان وحشية قد ريضت و ذللت لذلك بسرج و لجام يسابق عليها الخيل يوم الحلبة، فجاء في بعض الأيام سابقا
فتناول القصبة و دخل الحجرة قبل الخيل، و على أبي قيس قباء من الحرير الاحمر و الاصفر منقوش بأنواع الألوان فقال في وصفه بعض شعراء الشام:
تمسك ابا قيس بفضل عنانها فليس عليها ان سقطت ضمان‏
الا من رأى القرد الذي سبقت به‏ جياد أمير المؤمنين اتان‏
و قال ابن الطقطقي في ص 49 من كتابه الفخري: كان يزيد بن معاوية يلبس كلاب الصيد اساور الذهب و الجلال المنسوجة منه و يهب لكل كلب عبدا يخدمه.
و وصفه ابن كثير في بدايته بأنه كان كثير اللحم عظيم الجسم و كثير الشعر مجدورا و قد طلق معاوية أمه و هي حامل به، و كان مع ذلك شاعرا مجيدا مكثرا من نظم الشعر في المجون و الخلاعة و من شعره في هذا الباب:
أقول لصحب ضمت الكأس شملهم‏ و داعي صبابات الهوى يترنم‏
خذوا بنصيب من نعيم و لذة فكل و إن طال المدى يتصرم‏
و روي من شعره في هذا الباب قوله أيضا كما يدعي الطقطقي.
جاءت بوجه كأن البدر برقعه‏ نورا على مائس كالغصن معتدل‏
احدى يديها تعاطيني مشعشعة كخدها عصفرته صبغة الخجل‏
ثم استبدت و قالت و هي عالمة بما تقول و شمس الراح لم تقل‏
لا ترحلن فما ابقيت من جلدي‏ ما استطيع به توديع مرتحل‏
و لا من النوم ما القى الخيال به‏ و لا من الدمع ما ابكى على الطلل‏
و جاء في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ان عتبة بن مسعود قال لعبد اللّه بن عباس: أ تبايع يزيد و هو يشرب الخمر و يلهو بالقيان و يستهتر بالفواحش؟ فقال له: فأين ما قلت لكم و كم بعده من آت ممن يشرب الخمر او هو شر من شاربها. و كانت ولايته كما هو المشهور بين المؤرخين ثلاث سنين و ستة أشهر، ففي السنة الأولى قتل الحسين بن علي عليهما السلام، و في‏ السنة الثانية نهب المدينة و قتل أهلها و أباح نساءها ثلاثة أيام لجنده، و في الثالثة غزا الكعبة و سلط عليها المنجنيق و هدمها.
و قال محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي في كتابه الفخري: لقد كان يزيد بن معاوية موفور الرغبة في اللهو و القنص و الخمر و النساء و كان يجيد نظم الشعر حتى قيل بدى‏ء الشعر بملك و ختم بملك، و لم يتعرض لتاريخه أحد الا وصفه بالاستهتار بالدين و تعاطي جميع المنكرات مما يشكل اجماعا من المؤرخين و الباحثين على استهتاره بالقيم و امعانه في الفحشاء و جميع المنكرات.
و يرد بعض الكتّاب من العرب و المستشرقين هذه الظاهرة البارزة في حياته الى تربيته و نشأته، لأن اباه معاوية طلق أمه ميسون بنت بحدل الكلبية و هي حامل به فذهبت الى أهلها في البادية و وضعته فيها، و بقي معها الى ان اجتاز سن الصبا، و يدعي المؤرخون ان سبب طلاق معاوية لأمه، هو أنه دخل عليها و هي تنشد الأبيات التالية:
و لبس عباءتي و تقر عيني‏ احب الي من لبس الشفوف‏
و بيت تخفق الأرياح فيه‏ احب الي من قصر منيف‏
و بكر تتبع الأظعان صعب‏ احب الي من بغل زفوف‏
و كلب ينبح الأضياف دوني‏ احب الي من هر ألوف‏
و خرق من بني عمي فقير احب الي من علج عنيف‏
فقال لها معاوية: ما رضيت يا ابنة بحدل حتى جعلتني علجا عنيفا الحقي بأهلك فمضت الى بادية بني كلب، و كانت قد غلبت عليها النصرانية و وضعته فيها و بقي معها حتى تجاوز دور الطفولة، و رجح جماعة من المؤرخين ان بعض نساطرة النصارى تولى تربيته و تعليمه فنشأ على لون من التربية النابية تمازجها خشونة البادية و جفاء الطبع على حد تعبير بعض الكتّاب‏
و المحدثين، و أضاف الى ذلك بعض الكتاب أنه أراد من كعب بن جعيل أن يهجو الأنصار فامتنع عليه، و أرشده الى الأخطل التغلبي و كان نصرانيا فأجابه إلى ذلك، و كان من آثار تربيته المسيحية انه كان يتزيد من تقريب المسيحيين و يستكثر منهم في بطانته الخاصة، و بلغ من اطمئنانه إليهم أن عهد بتربية ولده الى مسيحي كما اتفق على ذلك المؤرخون، و لا يمكن ان تعلل هذه الصلة الوثيقة و التعلق الشديد بالاخطل و غيره إلا بتربيته ذات الصبغة المسيحية و اللون الغابي، و أضاف الى ذلك العلائلي، في كتابه اشعة من حياة الحسين: إذا كان يقينا أو ما يشبه اليقين أن تربية يزيد كانت مسيحية خالصة لم يبق ما يستعزب معه أن يكون متجاوزا مستهترا مستخفا بما عليه الجماعة الإسلامية لا يحسب لتقاليدها و اعتقاداتها أي حساب و لا يقيم لها وزنا، بل الذي يستغرب ان يكون على غير ذلك.
بهذه الظاهرة حاول بعض الكتّاب ان يعلل استهتار يزيد بالإسلام و مقدساته و حرماته و هذا التعليل يمكن ان يكون له ما يبرره لو كانت لحياة البادية و للتربية المسيحية تلك الصبغة الشاذة التي برزت في حياة يزيد من مطلع شبابه الى ان اصبح وليا لعهد أبيه و حاكما من بعده، في حين ان العرب في حاضرتهم و باديتهم كانت لهم عادات و اعراف كريمة قد أقرها الإسلام كالوفاء و حسن الجوار و الكرم و النجدة و صون الأعراض و غير ذلك مما تحدث به التاريخ عنهم، و لم يعرف عن يزيد شي‏ء من ذلك، كما و أن التاريخ لم يحدث عنهم بأنهم استباحوا نكاح الأخوات و العمات كما حدث التاريخ عنه، و الذين ولدوا في البادية على النصرانية طيلة حياتهم قبل الفتح الإسلامي و عاشوا في ظل أعرافها و عاداتها حينما دخلوا في الإسلام تغلبوا على كل ما اعتادوه و ألفوه عن الآباء و الاجداد، هذا بالاضافة إلى أن معاوية قد ولد على الشرك و نشأ عليه و اشترك مع قريش في جميع مواقفها العدائية من الإسلام و كان في صباه و رجولته يتلقى من أبوين كانا من اشرس خلق اللّه و أشدهم عداوة للإسلام و للهاشميين و العلويين، و لم يدخل هو و أبوه و أمه في الإسلام إلا قبل وفاة النبي (صلى الله عليه واله) بسنتين، و كانوا يبطنون الشرك، و مع ذلك فقد كان عنده من الكياسة ما يسر له ان يتظاهر بما عليه الجماعة الإسلامية في أكثر الأحيان، و حتى في سني امارته على الشام و حكمه للبلاد الإسلامية استطاع أن يخفي أكثر ما كان يكنه من سوء للإسلام و ظهر للملإ الاسلامي بمظهر الحريص عليه مع انه نشأ و شب في وسط كان أهله من ألد أعدائه و أشرس خصومه، على أن اكثر حكام الأمويين كانوا من حيث تجاهرهم بالمنكرات و استهتارهم بمظاهر الإسلام و اسرافهم في كل ما يتنافى مع تعاليم الإسلام، كيزيد بن معاوية في حين أنهم لم ينشأوا في البادية و لا في احضان المسيحيين.
و مجمل القول ان ما ذهب إليه بعض الكتّاب من تعليل تلك الظاهرة التي طغت على حياة يزيد بتربيته في البادية و في وسط مسيحي لا تؤيده الأرقام و لا يعتمد على أساس معقول، و لا أرى سببا لذلك إلا أنه كان من الحمقى المسيرين لشهواتهم و أحقادهم لا يدرك من أمور السياسة شيئا و ليس أدل على ذلك من إقدامه على قتل الحسين و من معه من اسرته و أصحابه و سبي نسائه و أطفاله و عرضهم على الجماهير من بلد الى بلد و هم ذرية الرسول و ملايين المسلمين تقدسهم و تذكر فيهم رسول اللّه و كل ما في الإسلام من حق و خير، و اقدامه بعد ذلك على حرب أهل المدينة و إباحة نسائهم لجيش الشام لأنهم استعظموا قتل الحسين و أنكروه، و إقدامه على حصار مكة و تدمير الكعبة إلى كثير من أعماله و تصرفاته التي لا يصح تفسيرها إلا بالرعونة و الحمق و الجهل.
و مهما كان الحال فقد لاذ المسلمون بالحسين في الحجاز و خارجه و استغاثوا به عند ما رأوا ان معاوية بدأ بعد وفاة الحسن يمهد الأمور لولده المستهتر الخليع، و كان (عليه السلام) يوصيهم بالتريث و الصبر و معالجة الأمور بالحكمة و التدبر و قد عبر عبد اللّه بن همام السلولي عن موقف المسلمين و نقمتهم على ولاية يزيد بالأبيات التالية:
فإن تأتوا برملة أو بهند نبايعها اميرة مؤمنينا
اذا ما مات كسرى قام كسرى‏ نعد ثلاثة متناسقينا
خشينا الغيظ حتى لو شربنا دماء بني أمية ما روينا
لقد ضاعت رعيتكم و أنتم‏ تصيدون الأرانب غافلينا
و جاء في سيرة أهل البيت لأبي علم: ان مروان بن الحكم كتب الى معاوية و كان عامله على المدينة، أما بعد فإن عمرو بن عثمان ذكر ان رجالا من أهل العراق و وجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي (عليه السلام) و أنه لا يؤمن و ثوبه و قد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا فاكتب الي برأيك، فكتب إليه معاوية: بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين فإياك أن تتعرض له بشي‏ء و اترك حسينا ما تركك، فإنا لا نريد ان نتعرض له ما وفى بيعتنا و لم ينازعنا سلطاننا فأمسك عنه ما لم يبد لك صفحته.
و كتب إلى الحسين (عليه السلام): أما بعد فقد انتهت إلي أمور عنك ان كانت حقا فإني ارغب بك عنها و لعمر اللّه إن من أعطى اللّه عهده و ميثاقه لجدير بالوفاء، و إن احق الناس بالوفاء من هو مثلك في خطرك و شرفك و منزلتك التي انزلك اللّه بها فاذكر و بعهد اللّه اوف فانك متى تنكرني انكرك و متى تكدني اكدك فاتق شق عصا هذه الأمة و أن يردهم اللّه على يديك في فتنة فقد عرفت الناس و بلوتهم، فانظر لنفسك و لدينك و لأمة جدك و لا يستخفنك السفهاء الذين لا يوقنون.
و كتب إليه الحسين (عليه السلام) في جوابه: اما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه انه انتهت إليك عني امور أنت لي عنها راغب و أنا لغيرها عندك جدير فإن الحسنات لا يهدي إليها و لا يسدد لها الا اللّه تعالى. و أما ما ذكرت أنه رقي إليك عني فإنما رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنميمة المفرقون بين الجميع و كذب الغاوون ما اردت لك حربا و لا عليك خلافا، و إني لا أخشى اللّه في ترك ذلك منك و من الإعذار فيه إليك و إلى أوليائك القاسطين الملحدين حزب‏ الظلمة و أولياء الشيطان أ لست القاتل حجر بن عدي أخا كندة و أصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم و يستفظعون البدع و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و لا يخافون في اللّه لومة لائم ثم قتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما اعطيتهم الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكدة لم تأخذهم بحد كان بينك و بينهم جرأة على اللّه و استخفافا بعهده؟
أ و لست القاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه العبد الصالح الذي ابلته العبادة فنحل جسمه و اخضر لونه فقتلته بعد ما امنته و أعطيته من العهود و المواثيق ما لو فهمته العصم لنزلت رؤوس الجبال؟
أ و لست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت أنه ابن ابيك، و قد قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): الولد للفراش و للعاهر الحجر، فتركت سنّة رسول اللّه تعمدا و تبعت هواك بغير هدى من اللّه، ثم سلطته على أهل الإسلام يقتلهم و يقطع ايديهم و أرجلهم و يسمل أعينهم و يصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة و ليسوا منك؟
أ و لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية انهم على دين علي (عليه السلام)، فكتبت إليه ان اقتل كل من كان على دين علي فقتلهم و مثل فيهم بأمرك، و دين علي (عليه السلام) هو دين ابن عمه محمد رسول اللّه (صلى الله عليه واله) الذي كان يضرب عليه اباك و يضربك لترجعا عن ضلالكما، و بهذا الدين جلست مجلسك الذي أنت فيه، و لو لا ذلك لكان شرفك و شرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء و الصيف، و قلت فيما قلت: انظر لنفسك و لدينك و لأمة محمد و اتق شق عصا المسلمين و أن تردهم الى فتنة، و إني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، و لا أعظم نظرا لنفسي و لديني و لأمة محمد (صلى الله عليه واله) أفضل من أن أجاهدك، فإن فعلت فإنه قربة إلى اللّه و إن تركت فإني استغفر اللّه لديني و أسأله توفيقه لارشاد امري.
و قلت فيما قلت: إن انكرتك تنكرني و إن كدتك تكدني، فكدني ما بدا لك فإني أرجو اللّه ان لا يضرني كيدك و ان لا يكون على احد أضر منه على نفسك، لأنك قد ركبت جهلك و تجرأت على نقض عهدك، و لعمري ما وفيت بشرط، و لقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح و الأيمان و العهود و المواثيق، و لم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا و تعظيمهم حقنا فقتلتهم مخافة امر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل ان يفعلوا او ماتوا قبل أن يدركوا، فابشر يا معاوية بالقصاص و استيقن بالحساب، و اعلم ان للّه تعالى كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصاها، و ليس اللّه بناس لأخذك لأوليائه على الظنة و التهمة و نفيهم من دورهم الى دار الغربة، و أخذك للناس ببيعة ابنك و هو غلام حدث يشرب الشراب و يلعب بالكلاب ما اراك إلا قد خسرت نفسك و غششت رعيتك و سمعت مقالة السفيه الجاهل و أخفت الورع التقي.
و لما قرأ معاوية كتابه قال: لقد كان في نفسه خب ما اشعر به، فقال له ولده يزيد: اجبه جوابا يصغر إليه نفسه تذكر اباه بشر فعله، ثم دخل عليه عبد اللّه بن عمرو بن العاص، فقال له معاوية: أ ما رأيت ما كتب لنا الحسين (عليه السلام) فقال: و ما هو، فأقرأه الكتاب، فقال و ما يمنعك أن تجيبه بما يصغر إليه نفسه، فقال معاوية: لقد اشار علي يزيد بذلك، و قد اخطأتما، أ رأيتما لو اني ذهبت لعيب علي محقا فما عسى أن أقول فيه، و علي لا يحسن أن يعاب بالباطل و ما لا يعرف، و متى ما عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل به و لا يراه الناس شيئا و كذبوه، و ما عسيت أن أعيب حسينا و اللّه ما أرى للعيب فيه موضعا، و قد رأيت ان أكتب إليه أتوعده و أتهدده، ثم رأيت أن لا أفعل.
و يروي الرواة انه جرى بين الحسين و معاوية اكثر من حوار كان معاوية على ما يبدو يحاول من وراء ذلك أن يقف على ما يكنه الحسين تجاه البيعة ليزيد و موقعها من نفسه، و في الوقت ذاته كان يأمل أن يخفف حدته حسب الامكان، لأنه يخاف منه اكثر من أي شخص سواه نظرا لمكانته الرفيعة في‏ جميع الأوساط الإسلامية، و لم تكن لتخفى على الحسين (عليه السلام) اساليب معاوية او ينخدع بنعومة الفاظه و طراوة حديثه و مراوغته و خداعه، فرد عليه في مناسبة جرى فيها حوار بينهما و أخذ ورد، بقوله: و قد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش و الحمام السبق لأترابهن و القينات و ذات المعازف و ضروب الملاهي تجده ناصرا، ودع عنك ما تحاول فما اغناك ان تلقى اللّه بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فو اللّه ما برحت تقدح باطلا في جور و حنقا في ظلم حتى ملأت الاسقية و ما بينك و بين الموت الا غمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود و لات حين مناص.
و قال ابن جرير الطبري في حوادث سنة ستين من تاريخه: ان معاوية في مرضه الأخير الذي توفي فيه دعا يزيد ابنه و قال: يا بني اني قد كفيتك الرحلة و الترحال و وطأت لك الاشياء و ذللت لك الأعداء و أخضعت لك أعناق العرب، و إني لا أتخوف ان ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك الا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن الزبير، و عبد الرحمن بن أبي بكر، فأما عبد اللّه بن عمر فرجل قد وقذته العبادة و إذا لم يبق احد غيره بايعك، و أما الحسين بن علي فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فإن خرج عليك و ظفرت به فاصفح عنه فإن له رحما ماسة و حقا عظيما، و أما ابن ابي بكر فرجل إن رأى اصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم ليس له همة إلا في النساء و اللهو، و أما الذي يجثم لك جثوم الأسد و يراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك و قدرت عليه فقطعه اربا اربا.
و في رواية ثانية انه قال: و أما الحسين بن علي فرجل خفيف و أرجو ان يكفيكه بمن قتل أباه و خذل أخاه و إن له رحما ماسة و حقا عظيما و قرابة من رسول اللّه و ما أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه فإن قدرت عليه فاصفح عنه.
و لو صح أنه أوصاه بالحسين (عليه السلام) فذاك لأنه يعلم بأن قتل الحسين (عليه السلام) سيجر عليه و على البيت الأموي بكامله الخراب و الدمار، على أني في شك من ذلك، و ما كان هو ليعفو و يصفح إذا تعارض وجود الحسين مع ملكه و سلطانه فكيف يوصي ولده بما لم يفعله هو مع اخصامه فلقد قتل الحسن بن علي من قبل كما قتل حجر بن عدي و أصحابه البررة و العشرات من الصلحاء و الأبرياء و القديسين، و قتل بالإضافة إلى هؤلاء سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد لأنهما كانا يعارضان في استخلاف يزيد من بعده، و متى كان البيت الأموي يتعرف على العفو و الصفح و يحسب للرحم الماسة التي تربطه بالبيت العلوي حسابا، و أرجح أن هذه الوصية وضعت على لسان معاوية للتخفيف من مسئوليته عما ارتكبه ولي عهده بالحسين و أهل بيته الأطهار.
و الذي رواه ابن الأثير في المجلد الثاني من أسد الغابة يتناسب مع سياسة الأمويين التي تقوم على الشدة و الفتك و استعمال جميع أساليب العنف في سبيل الملك و التسلط على الناس.
فقد جاء فيها ان الحسين امتنع عن البيعة ليزيد بن معاوية لما بايع له أبوه بولاية العهد و امتنع معه ابن عمر و ابن الزبير و عبد الرحمن بن أبي بكر و كان قد بايعه أكثر الناس فخرج معاوية إلى الحجاز في الف فارس من جند الشام فلما دنا من المدينة لقيه الحسين بن علي (عليه السلام) فلما نظر إليه قال: لا مرحبا و لا أهلا بدنة يترقرق دمها و اللّه مهريقه، فقال الحسين (عليه السلام): مهلا يا معاوية إني و اللّه لست أهلا لهذه المقالة، فرد عليه معاوية بقوله: بلى و شر منها، و لقيه ابن الزبير فقال له: لا مرحبا و لا أهلا خب صعب يدخل رأسه و يضرب بذنبه و يوشك و اللّه أن يؤخذ بذنبه و يدق ظهره نحياه عني و ضرب وجه راحلته، ثم لقيه عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال له لا أهلا و لا مرحبا بشيخ قد خرف و ذهب عقله و ضرب وجه راحلته و فعل مع ابن عمر مثل ذلك.
ثم دخل المدينة فلم يأذن لهم على منازلهم و لم يروا منه ما يحبون، فخرجوا إلى مكة، و خطب معاوية في الناس و ذكر ولده يزيد و أطراه بالمديح و الثناء، ثم دخل على عائشة و كان قد بلغها انه ذكر الحسين و أصحابه و توعدهم بالقتل ان لم يبايعوا فشكاهم إليها، فقالت له: بلغني انك تتهددهم بالقتل، فقال: يا أم المؤمنين، لقد بايعت ليزيد و بايعه غيرهم أ فترين ان انقض بيعة قد تمت، فقالت: ارفق بهم فإنهم يصيرون إلى ما تحب ان شاء اللّه.
ثم قالت له تمازحه: ما يؤمنك أني قد أعددت لك من يغتالك بأخي محمد و قد فعلت به ما فعلت، فقال لها: إني في بيتك آمن، و خرج من بيتها و هو عازم أن يعامل المعارضين بالرفق إذا اذعنوا لطلبه، و أرسل إلى الحسين و بقية المعارضين و عرض عليهم وجهة نظره في اختيار يزيد و دعاهم إلى مؤازرته و الوقوف بجانبه و استعمل معهم نفس الأسلوب الذي استعمله مع الإمام الحسن (عليه السلام) حينما دعاه إلى الصلح، و مما قاله لهم: إن الأمر في الواقع لكم و التخطيط بيدكم و ليس ليزيد من الخلافة إلا الاسم.
و كان من الطبيعي ان لا يقتنع الحسين و رفاقه بهذا الاسلوب و لا ينخدعوا بهذه العروض و اقترحوا عليه ان يفعل كما فعل أبو بكر حيث اختار لها رجلا ليس من أهله، أو يفعل كما فعل ابن الخطاب حيث اختار ستة و جعلها فيهم، فاستشاط غضبا و قال: لقد كنت أخطب أحيانا فيقاطعني الرجل منكم بما أكره فلا ألومه و لا أعنفه، و إني ذاهب إلى المسجد لأعلن ما عزمت عليه، فإن قاطعني أحد منكم و عارضني فيما أقول فسوف يكون السيف أسبق إلى عنقه من لفظه إلى شفتيه، و وكل بكل رجل منهم رجلا و أمره أن يقوم عليه بالسيف و أن يضرب عنقه إن هو عارضه و لو بكلمة واحدة.
و اقتيد المعارضون إلى المسجد و صعد معاوية المنبر و قال بعد أن حمد اللّه‏ و أثنى عليه: أنه قد نظر في أمر المسلمين فلم يجد لهم من بعده أصلح من ولده يزيد بن معاوية، و مضى يقول: لقد عرضت الأمر على الحسين بن علي و ابن عمر و ابن الزبير و ابن ابي بكر على أن لا يقطع دونهم أمرا و لا يقضي بغير رأيهم حاجة فوافقوا و تركوا لي أن أفعل ما أراه.
و لكن الجماعة الذين ذكرهم بأسمائهم لم يتكلموا و لم يعارضوه لأن السيوف كانت مشهورة على رءوسهم كما نص على ذلك أكثر المؤرخين، و ظن الناس أنهم موافقون على مقالة معاوية فبايعوا و تم له ما اراد بهذا النوع من التضليل و الخداع، و أعلن موافقة المدينة على البيعة كغيرها من الأمصار.
و عاد معاوية إلى الشام و في قرارة نفسه أن المعارضة ستنطلق أول ما تنطلق من العراق، و أنهم سيكتبون إلى الحسين يدعونه ليبايعوه و سيلبي طلبهم مهما كانت الظروف، و لذا فقد اوصاه بالعفو عنه اذا ظفر به كما يدعي جماعة من المؤرخين، و قد أبديت رأيي في هذه الوصية من قبل، و لو صحت، فذاك لأن قتل الحسين سيكون من امضى الأسلحة ضد البيت الأموي بيد كل طامع في الحكم لفترة طويلة من الزمن.

الحسين في عهد يزيد
لقد كانت وفاة معاوية بن أبي سفيان خلال سنة ستين من الهجرة، و قد توج حياته الطويلة المليئة بالجرائم و المنكرات و التحدي الصريح لتعاليم الإسلام و مبادئه بتسليط ولده يزيد على المسلمين مع علمه بحاله، و بالرغم من الأصوات التي تعالت من جميع الأقطار منكرة عليه هذا التصرف، و لكنه أصر على ذلك و أخذ له البيعة من الناس بالوعد و الوعيد، و ما أن استلم السلطة من بعده حتى سلط اجهزته على انتزاع الاعتراف من الحسين (عليه السلام) بشرعية ملكه مهما كانت النتائج، و كتب إلى عامله على المدينة أن يأخذ له البيعة من الحسين خاصة و من الناس عامة، و أكد عليه بأن يأخذ الحسين أخذا شديدا لا هوادة فيه و لا رجعة حتى يبايع، و لما وصلت رسالته إلى الوالي أرسل إلى مروان بن الحكم يستشيره في أمر الحسين، و هو يعلم ان الحسين لا يبايع ليزيد مهما كانت النتائج، و لم يكن من الغريب على مروان إذ أشار عليه أن يحجز الحسين فإن بايع و إلا ضرب عنقه و هو من ألد أعداء محمد و آل محمد، و في الوقت ذاته لقد كان يطمع بالحكم، و قد وقف موقف المعارض من استخلاف يزيد حينما استشاره معاوية بذلك، و لهذا السبب عزله معاوية عن المدينة و ولاها غيره كما ذهب إلى ذلك بعض المؤرخين و الباحثين، و هو يعلم بأن قتل الحسين سيكون له أسوأ النتائج على بيت أبي سفيان و سيكون من‏ أفتك الأسلحة بيد المحبين و الطامعين بالحكم كما كان الحال كذلك، و من غير البعيد أن يكون قد أدخل في حسابه ذلك حينما أشار على الوالي بقتل الحسين إن لم يبايع ليزيد بن معاوية بالإضافة إلى ما انطوى عليه من الحقد على أهل البيت، و لكن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كان أعقل من أن يستفزه مروان لارتكاب جريمة لا عهد للتاريخ بمثلها، فأرسل الى الحسين يدعوه إليه ليلا فجاءه الرسول و هو في المسجد، و لم يكن قد شاع موت معاوية بين الناس، و جال في خاطر الحسين ان الوليد قد استدعاه ليخبره بذلك و يأخذ منه البيعة الى الحاكم الجديد بناء للاوامر التي جاءته من الشام، فاستدعى الحسين مواليه و إخوته و بني عمومته و أخبرهم بأن الوالي قد استدعاه إليه و أضاف: إني لا آمن أن يكلفني بأمر لا أجيبه عليه، و أضاف: إن يحدث بيني و بينه خلاف، و رغب إليهم أن يذهبوا معه و يقفوا على باب الدار لا يبرحونها حتى يخرج إليهم، و مضى يقول: و إذا سمعتم صوتي قد ارتفع من داخل الدار فاقتحموها عليه، فذهبوا معه و دخل الحسين وحده فنعى إليه الوالي موت معاوية ثم قرأ عليه كتاب يزيد الذي يأمره فيه بأخذ الحسين أخذا شديدا حتى يبايع و كان جواب الحسين (عليه السلام) إن هذا الأمر لا يتم إلا في العلن فإذا أصبح الصباح و اجتمع الناس ننظر في هذا الأمر، و هنا التفت مروان بن الحكم و كان حاضرا و أشار على الوالي أن يحتجز الحسين حتى يبايع و إذا امتنع ضرب عنقه، و مضى يقول: إذا خرج و لم يبايع لا تقدر عليه ابدا، فقال الحسين (عليه السلام): أنت يا ابن الزرقاء تشير عليه بضرب عنقي. و احتدم النقاش بينهما، و لم يجد الحسين بدا من أن يعلن رأيه للوالي في هذه البيعة بصراحة فقال (عليه السلام): إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة بنا فتح اللّه و بنا ختم و يزيد رجل فاسق فاجر مستهتر و مثلي لا يبايع مثله و لكن نصبح و تصبحون و نرى و ترون، و خاف الوالي ان يتطور النقاش و النزاع بين الطرفين إلى نتائج لا تعود عليه بالمصلحة، و أحس أن حشودا من الهاشميين على الباب تنتظر الحسين (عليه السلام) فالتفت إليه و قال: انصرف يا ابا عبد اللّه راشدا و موعدنا غدا المسجد.
و لما خرج الحسين من مجلسه قال مروان للوالي: لقد خالفتني، و اللّه لا تتمكن من مثلها ابدا. فقال له: ويحك يا مروان أ تشير علي بقتل الحسين ابن بنت رسول اللّه (صلى الله عليه واله) و اللّه ان امرأ يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند اللّه يوم القيامة.
و خرج الحسين من ساعته ليعد رواحله و يستعد للخروج من المدينة بعد أن أحس بحراجة الموقف، و خلال أيام قلائل خرج من المدينة في جوف الليل بأهله و إخوته و بني عمومته كما جاء في اكثر المرويات باتجاه مكة و هو يتلو قول اللّه تعالى: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏ و سلك الجادة التي اعتاد الناس ان يسلكوها، فقيل له: هلا تنكبت الطريق و سرت على غير الطريق كما فعل عبد اللّه بن الزبير، و كان قد التجأ إلى مكة قبل ان يقصدها الحسين بأيام قلائل فأبى أن يسير على غير الجادة و قال: و اللّه لا أفارق الطريق الأعظم حتى يقضي اللّه ما هو قاض، و دخل مكة في اليوم الثالث من شعبان سنة ستين من الهجرة، فأقام بمكة بقية شعبان و رمضان و شوال و ذي القعدة و خرج من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة و لم يتخلف عنه من اخوته سوى اخيه محمد بن الحنفية.
و هنا تختلف الروايات في أسباب تخلفه ففي بعضها أنه كان مصابا بمرض يمنعه عن الحركة و القيام بأي عمل من الأعمال، و في بعضها أن الحسين تركه في الحجاز ليتتبع له أخبار القوم و تحركاتهم، و قال له كما في بعض المرويات: أما أنت يا أخي فلا عليك أن تبقى في المدينة لتكون لي عينا عليهم فلا تخفي عني شيئا من أخبارهم، و قال له محمد ابن الحنفية: يا أخي تنحّ ببيعتك عن يزيد و عن الأمصار ما استطعت و ابعث رسلك إلى الناس فإن بايعوك حمدت اللّه على ذلك و ان اجتمعوا على غيرك لم ينقص اللّه‏ بذلك دينك و لا عقلك و لا تذهب مروءتك، فقال له الحسين: جزاك اللّه يا أخي خيرا فقد نصحت و أشفقت و أنا عازم على الخروج إلى مكة أنا و إخوتي و بنو أخي و شيعتي، و اللّه يا أخي لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ثم ودعه و أوصاه بكل ما أهمه كما تنص على ذلك أكثر المرويات.
و تنص اكثر الروايات التي تعرضت لموقف الحسين من بيعة يزيد، ان عبد اللّه بن مطيع التقى بالحسين و هو في طريقه الى مكة، فقال له: جعلت فداك أين تريد؟ قال أما الآن فمكة، و أما بعد ذلك فاني استخير اللّه، قال عبد اللّه: خار اللّه لك و جعلنا اللّه فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تأتي الكوفة فإنها بلدة مشئومة بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه، الزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا و يتداعى إليك الناس من كل جانب، لا تفارق الحرم يا أبا عبد اللّه فداك عمي و خالي، و اللّه لئن هلكت لنسترقّنّ بعدك.