ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

لا يمكن الحكم على‏ قيَم و اهداف و علل نهضةٍ و حركةٍ ما لم يتم التعرف على‏ شخصية قائد تلك النهضة و الوقوف على‏ أخلاقه و فضائله و علمه و معارفه و سوابقه الفكرية و المحيط الذي نشأ فيه، و في غير هذه الصورة لا يكون الحكم تحقيقياً معتَمَداً.
فمثلًا للتعرف على‏ حقيقة الدعوة الإسلامية، يجب الاعتماد (مضافاً الى‏ القرآن المجيد و التعاليم و المناهج الإسلامية) على‏ دراسة تاريخ النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) و حياته و أخلاقه و سلوكه و علاقاته و طريقة تعامله في الحروب و الغزوات و سائر حالاته و حالات أهل بيته الأطهار عليهم السلام.
و للتعرف على‏ قيمة و حقيقة و علل و نتائج الثورة الحسينية المباركة لابد من المرور على‏ سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) و فضائله و مناقبه و معجزاته و كراماته و مكارم اخلاقه و محامد أوصافه و محبوبيته و مكانته الاجتماعية و شهادة اعدائه بمقامه، و غير ذلك مما يرتبط بشخصيته، لكي نحصل على‏ ثواب ذكر فضائله مضافاً الى‏ التعرف على‏ حقيقة إمام الاحرار بقدر إستعدادنا لتلقي الحقائق.
1- آية المودة:
«قُلْ لا أسئَلُكُمْ عَلَيهِ أجّراً إلّا المَوَدَّةَ فِي القُربى‏»
روى‏ أحمد بن حنبل في «المسند» و ابو نعيم الحافظ، الثعلبي، الطبراني، الحاكم النيشابوري، الرازي، الشبراوي، ابن حجر، الزمخشري، ابن منذر، ابن ابي حاتم، ابن مردويه، السيوطي و جمع آخر من علماء اهل السنة باسانيدهم عن ابن عباس، قال: «لما نزلت هذه الآية، قيل يا رسول اللَّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟
فقال لهم: «علي و فاطمة و ابناهما»
و قد نظم في هذا المعنى‏ الشيخ شمس الدين ابن العربي:
رأيت ولائي آل طه فريضةً على‏ رغم اهل البُعد يورثني القُربا
فما طَلَب المبعوثُ أجراً على‏ الهدى‏ بتبليغه إلّا المودّة في القُربي‏
و قال الشافعي في هذا الشأن:
يا أهل بَيتِ رسولِ اللَّه حُبُّكُم‏ فرضٌ من اللّهِ في القرآنِ أنْزلَهُ‏
كَفاكُمُ من عَظيم القَدْر أنّكُمُ‏ مَنْ لم يصلِّ عليكُمْ لا صَلوة له‏
2- آية التطهير:
«إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجْسَ أَهلَ البَيْتِ و يُطَهِّرَكُم تَطْهيراً»
وردت احاديث متواترة و مشهورة عند الفريقين- السنة و الشيعة- في انَّ آية التطهير نزلت في مورد اجتماع أشرف شخصيات عالم التكوين، ايّ الخمسة أصحاب الكساء و الذين صلّى‏ و دعا لهم الرسول (صلى الله عليه و آله) مرات متكررة في بيته و في بيت فاطمة الزهراء عليها السلام و في حجرة امِّ سلمة و بعض الاماكن الاخرى‏، فهذه الآية الشريفة و الأحاديث الواردة في تفسيرها تدلُّ بوضوح على‏ عصمة و جلالة شأن الإمام الحسين (عليه السلام).
و فيما يتعلق بهذه الآية الشريفة و احاديث الكساء و متونها، أُلِّفت كتب كثيرة، و قد نقل قسماً منها بعض الرواة مثل صبيح‏ و نقل مسلم و البغوي و الواحدي و الاوزاعي و المحب الطبري، و الترمذي و ابن الاثير و ابن عبد البر و احمد و الحمويني و الزيني الدحلان و البيهقي و اخرون عن عائشة و ام سلمة و انس و وائلة و صبيح و عمر بن ابي سلمة و معقل بن يسار و ابي الحمراء و عطية و ابي سعيد و ام سليم، روايات عديدة في هذه الواقعة الجليلة و المنقبة العظيمة.
عن عائشة قالت: خرج النبي (صلى الله عليه و آله) ذات غداة و عليه مرط مرجل من شعر فجاء الحسن بن علي فادخله فيه ثمَّ جاء الحسين فأدخله فيه ثمَّ جاءت فاطمة فادخلها فيه ثم جاء علي فادخله فيه ثمَّ قال: «إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجْسَ أَهلَ البَيْتِ وَ يُطهّركم تَطهيراً»
و روى‏ الأوزاعي عن شداد بن عبد اللَّه قال: سمعت واثلة بن الاسقع و قد جى‏ء برأس الحسين (عليه السلام) فلعنه رجل من اهل الشام و لعن أباه فقام واثلة و قال:
و اللَّه لا أزال أحب عليا و الحسن و الحسين و فاطمة بعد أن سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول فيهم ما قال، لقد رأيتني ذات يوم و قد جئت النبي (صلى الله عليه و آله) في بيت ام سلمة فجاء الحسن فأجلسه على‏ فخذه اليمنى‏ و قبله ثم جاء الحسين فأجلسه على‏ فخذه اليسرى‏ و قبله ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ثم دعى‏ بعلي ثم قال‏ «إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجْسَ أَهلَ البَيْتِ وَ يُطهّركم تَطهيراً»
و روى‏ «الدولابي» في «الذرية الطاهرة» عن امِّ سلمة ان رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) قال لفاطمة: ائتيني بزوجك و ابنيك‏. فجاءت بهم و أكفأ عليهم كساءً فَدَكيّاً ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهمَّ إنَّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك و بركاتك على‏ آل محمد انك حميد مجيد.
قالت امّ سلمة: فرفعتُ الكساء لأدخل معهم فجذبهُ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و قال:
«إنَّكِ على‏ خَيْرٍ»
و روى، الحمويني نظير هذه الرواية عن وائلة. و روى‏ الواحدي في اسباب النزول و أحمد في المناقب و الطبراني عن ابي سعيد الخدري أنَّ آية «إنَّما يُريدُ اللّهُ» نزلت في حق خمسة اشخاص و هم: رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام.
و روى احمد عن امِّ سلمة مثله. و روى‏ مثله الواحدي‏ بسنده عن امِّ سليم.
و هذه الاحاديث الكثيرة تدل على‏ عصمة سيد الشهداء (عليه السلام) و أنَّ كل عمل و نهضة تصدر عنه، إنّما هي مطابقة للصواب و الحقيقة و قد استدلّ السيوطي بهذه الآية و قال: الكلّ يعتبر أنَّ اجماع اهل البيت عليهم السلام، حجّة، لان الخطأ رجسٌ و قد نفاه اللَّه عنهم.
3- آية المباهلة:
«فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنْ العِلْمِ فَقُلْ تعالَوا نَدْعُ أبنائَنا و أبنائَكم و نِسائَنا و نِسائَكُم و أنْفُسَنا و أنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتهلْ فَنَجعَل لَعنَةَ اللّهِ عَلى‏ الكاذِبينِ»
من جملة الآيات الدالّة على‏ فضيلة و عُلُوّ مقام و رتبة سيّد الشهداء (عليه السلام) و باتفاق المسلمين هي آية المباهلة الشريفة.
و تعدُّ قضية المباهلة بين النبي (صلى الله عليه و آله) و نصارى‏ نجران من أوضح مظاهر و دلائل قوة ايمان النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) و تمسكه و اعتقاده برسالته، اذ أنَّ الدعوة الى‏ المباهلة من قبله (عليه السلام) اذا لم تكن مقرونة بايمانه الراسخ بدعوته، لكانت انتحاراً حقيقياً و سنداً مهماً بيَدِ أعدائه لإبطال رسالته.
إذ إنَّ الأمر لم يكن ليخلو من احدى‏ نتيجتين، إمّا ان يستجاب دعاء النصارى‏ بانزال اللعنة الإلهية على‏ جانب النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) و إمّا ان لا يستجاب دعاء كلا الجانبين، و في كلتا الحالتين تبطل دعوى‏ الرسول الكريم (صلى الله عليه و آله)، و لم نعهد عاقلًا إدّعى‏ النبوّة قد اقترح مثل هذا الاقتراح و التحدي الّا اذا كان على‏ يقين و اطمئنان تامَّين من استجابه دعائه في هلاك اعدائه، و قد كان النبي محمد (صلى الله عليه و آله) حاملًا لمثل هذا اليقين، و لذا قام بكل جرأة و شجاعة بمثل هذا الاقتراح، و هذا الثبات و الطمأنينة هو الذي أجبر خصمه على‏ الانسحاب.
كما ان إشراك الإمام عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة الزهراء عليهم السلام في المباهلة بامرٍ من اللَّه تعالى‏، لخيرُ دليل على‏ أنَّ هؤلاء النفر الأربعة هم خيرُ خلق‏ اللَّه تعالى‏ و أعزَّ الناس على‏ قلب رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله).
أجل، لقد كانت آية المباهلة اعلان جلالة و مقام هؤلاء الأطهار و قربهم من اللَّه تعالى‏ و من ثمَّ كانت هذه الفضيلة واحدةً من أهمّ فضائل الإمام الحسين‏حيث إنتخب من بين كلِّ الامة الإسلامية، اطفالها و شبّانها و شيوخها رجالًا و نساءاً، ليكون أحد دعائم هذه القضية التاريخية و المنعطف العقائدي الخطير، بمعية أُمّه و أبيه و أخيه.
و في الوقت الذي نجد أنفسنا في غنىً عن ذكر المصادر و المراجع التي نقلت هذه الحادثة لكبار مفسري و محدثي و مورخي المسلمين الّا انّنا سنذكر طرفاً منها ليراجعها من أراد الوقوف على‏ المزيد من حقائقها: تفسير الطبري، البيضاوي، النيشابوري، الكشاف، الدر المنثور، اسباب النزول للواحدي، الاكليل للسيوطي، مصابيح السُنَّة، سُنن الترمذي و كتب اخرى‏.