ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

[من الاحاديث النبوية المشهورة في الحسين (عليه السلام)]
1- الحُسين (عليه السلام) سيد شباب اهل الجنّة
روى‏ احمد بن حنبل في مسنده، البيهقي في سُننه، الطبراني في الاوسط و في الكبير، ابن ماجه في السنن، السيوطي في الجامع الصغير و الحاوي و الخصائص الكبرى‏، الترمذى في سننه، الحاكم في المستدرك، ابن حجر في الصواعق، ابن عساكر في تاريخ دمشق، ابن حجر العسقلاني في الإصابة، ابن عبد اللَّه في الاستيعاب، البغوي في مصابيح السنّة، ابن الاثير في أسد الغابة، الحمويني الشافعي في فرائد السمطين، أبو سعيد في شرف النبوة، و المحب الطبري في ذخائر العقبى‏، ابن السمّان في الموافقة، النسائي في خصائص امير المؤمنين، ابو نعيم في الحلية، الخوارزمي في المقتل، ابن عدي في الكامل، المناوي في كنوز الحقايق، و اخرون عن النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) انه قال: «الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة».
و هذا الحديث روي باسانيد عديدة عن جمع من كبار الصحابة كعلي بن ابى طالب (عليه السلام)، ابن مسعود، حذيفة، جابر، ابوبكر، عمر، عبد اللَّه بن عمر، قُرَّه، مالك بن الحويرث، بريده، ابي سعيد الخدري، ابي هريرة، اسامه، براء، و أنَس و غيرهم.
و يستفاد من مجموع ذلك أنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) قد عَرَّف الحسن و الحسين (عليهما السلام) بهذه الصفة مرات متكررة، و ان صدور هذا اللفظ «الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة» عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) متواترٌ و مسلّمٌ و مشهور و معروف عند المسلمين، كما أنَ‏ متن اكثر الاحاديث هو هذا اللفظ. و ورد في بعضها: «إنَّ ملكاً من الملائكة هبط علَيَّ و لم يكن قد هبط قبل ذلك و بشرني بأن ابنتي فاطمة سيدة نساء امّتي و ان حسناً و حسيناً سيدا شباب اهل الجنّة»
و في بعضها اضافة: «و أبوهما خيرٌ منها»
و في بعض طرق هذا الحديث ذكرت فضائل اخرى‏ لأهل البيت عليهم السلام.
2- الحسين حبيب رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)‏
«حسينٌ مني و أنا مِن حُسَيْن»
كان حبُّ رسول اللَّه للحسن و الحسين (عليهما السلام) حبّاً مميزاً، و كان صلوات اللَّه و سلامه عليه يظهر ذلك الحب و يفصح عنه في مناسبات عديدة.
و قد اتفقت الروايات و التاريخ على‏ أنَّ حبَّ النبي لهؤلاء الاطهار لم يكن حبَّ الابِ لأبنائه فحسب بل كان حبّه يتعدى‏ ذلك فجذور هذا الحب تمتد الى‏ وحدة سنخية أرواحهم و اتصالهم المعنوي الراسخ و توافقهم الفكري العميق، الذي يعبِّر عنه النبي (صلى الله عليه و آله):
«إنَّهُمْ منّي و أنا مِنهُمْ»
او كما جاء في حديث زيد بن ارقم: «أنا سِلمٌ لِمَنْ سالَمتُمْ و حربٌ لِمَنْ حارَبْتُمْ» . و تعابير اخرى‏ كلها تدل على‏ تفسير و ترجمة هذا الحبّ و العلقة الثابتة بينهم، البعيدة عن المجاملات و المبالغات.
إنَّه اتصال واقعي روحي و وحدة فكرية و أخلاقية و عقائدية تدعو النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) الى‏ ان يعبِّر بهذا التعبير «أنا سلمٌ لمن سالمتم و حرب لمن حاربتم» فالجملة صريحة في وحدة التفكير و السلوك و الاساليب بينهم و بين النبي الاكرم صلوات اللَّه عليهم اجمعين، و انه لا اختلاف و لا تفاوت بينهما في هذه الجهات ابداً و بذلك فقط يصير سلمهم و حربهم، سلم و حرب رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله).
و نحن اذ نطالع هذه الاخبار و الاحاديث التي تحكي لنا شدة ارتباط النبي بالحسين عليهم السلام، يجب ان لا نغفل عن ان هذه الكلمات تصدر عن خير انبياء اللَّه و سيدهم، و عن رجل قضى‏ حياته ماقتاً للمجاملات الكاذبة و الإطراءات الخادعة و التملُّقات الرخيصة، بل كانت خطاباته و سلوكه و افعاله كلِّها حجَّة للبشرية، و قوانين و شرائع للإنسانية، فكان كل ما يقوله ترجمةً للحقيقة.
لقد كان لرسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) بنات غير فاطمة (عليها السلام) و كان له ابناء عمومة غير علي (عليه السلام)، فلماذا خص حنانه و محبته المتميزة لهاذين و ابنائهما دون سائر اقربائه؟
و لماذا اختار هؤلاء من دون سائر اصحابه؟
كل ذلك بسبب أنَّ هؤلاء الاربعة كانوا يُجسّدون صفاته و اخلاقه و كمالاته الروحية.
اذن، فافضل معرِّفٍ و دليل للفرد المؤمن على‏ عظمة الإمام الحسين (عليه السلام) و فضله هو نفس هذا الخطاب النبوى الشريف.
و من جملة الأحاديث الحاكية عن هذا الإرتباط و التعلق الشديد لرسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) بالحسين (عليه السلام) هو حديث يعلى بن مرّة إنه خرج مع رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) الى‏ طعام دعي اليه فإذا حسين (عليه السلام) يلعب مع الغلمان في طريق فاستنثل رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) أمام القوم ثم بسط يده و جعل الصَّبيُ يفرُّ هاهنا و هاهنا فأخذه فقال: «اللهم إني أُحبّه حسين سبط من الاسباط.»
و رواه البخاري و الترمذي و ابن ماجه و الحاكم بهذا النص: «حُسين منّي و أنا مِنْهْ أحبَّ اللَّه مَن أحبَّ حُسيناً. الحسن و الحسين سِبطانِ مِنْ الاسباطْ»
و روى‏ الشرباصي حديث النبي (صلى الله عليه و آله): «حُسين سبطٌ من الأسباط و أمَّة مِنَ الأُمِم»
ثم قال نقلًا عن القاموس: معنى‏ السبط، الجماعة و القبيلة، و قد يُريد النبي بذلك ان الحسين في مرتبته و رفعته أُمَّة كاملة، أو أن أجر الحُسين و ثوابه كأجر امة كاملةٍ لعظمة فضيلته و عظمة ما قام به (عليه السلام).
و روى‏ الشبلنجى و ابن عبد البّر و مُسلم عن ابي هريرة، عنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) قال في حق الحسن و الحسين (عليهما السلام) (عليهما السلام): «اللْهُمَّ إنّي أحبُّهما فأَحِبَّهُما و أحبَّ مَنْ يُحبُّهما»
و روى‏ البغوي و الترمذي و سيد احمد الزيني و ابن الاثير و النسائي عن أسامة قال: انَّ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) قال فى الحسن و الحسين (عليهما السلام): «هذان إبنايَ و إبنا إبْنَتي الّلهمَّ إنّي أحبُّهما فأحبَّهُما و أحبَّ مَنْ يُحبُّهُما»
و روى‏ الترمذي أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «اللّهمَّ إنّي أحبُّهما فأحِبَّهُما»
و روى‏ الترمذي و البغوي عن أنس ان النبي (صلى الله عليه و آله) سئل عن احبِّ أهل بيته اليه فقال: الحسن و الحسين.
و نقل السيوطي و المناوي ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «أحَبَّ أهلَ بَيْتي إلَيَّ الحَسَنُ و الحُسَينُ»
و روى‏ الترمذي و البغوي عن انس ان النبي (صلى الله عليه و آله) كان يقول لفاطمة (عليها السلام): «أدْعُ إلَيَّ إبنَيَّ فَيَشُمُّهُما و يَضُمّهُما إليه»
و روى‏ أحمد بن حنبل ان النبي (صلى الله عليه و آله) كان يقول: «أللّهمّ إنِّي أُحبُّ حُسَيناً فأحِبَّهُ و أحبَّ من يُحِبُّهّ»
و روى‏ ابنُ ابي شيبه ان النبي (صلى الله عليه و آله) كان يقول في حق الحسن و الحسين: «اللَّهمّ إنّي أُحبُهما فأحبَّهُما و ابغُض من يُبْغِضُهُما»
و روى‏ الصبّان عن ابي هريرة قال: «رأيت رسول اللَّه يَمتصُّ لِعاب الحُسين كما يمتصُّ الرَجُلُ التمرةَ»
و روى المحب الطبري عن ابن بنت منيع و هو عن يزيد بن ابي زياد انه قال: خرج النبي من بيت عائشة فمرَّ بدار فاطمة و سمع الحسين يبكي فقال: «ألَمْ تعلمي أنَّ بكاءَهُ يُؤذيني»
و نكتفي بما نقلناه عن سرد أمثال هذه الاحاديث و هي كثيرة، و سيظهر لنا مما سنرويه في الفصول اللاحقة مدى‏ عمق و شدة حبِّ النبي (صلى الله عليه و آله) للإمام الحسين (عليه السلام).
3- الحُسَين ريحانة النبيّ (صلى الله عليه و آله)‏
روى‏ ثلَّة من كبار محدثي اهل السّنَّة عن علي (عليه السلام) و إبن عمر و أبي هريرة و سعيد بن راشد و ابي بكر، أنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «الحسن و الحسين (عليهما السلام) ريحانتايَ مِنَ الدُنيا»
و في لفظ آخر: «الوَلَدُ رَيحانَةٌ و ريحانتَيَّ الحَسَنُ و الحُسينُ»
و في لفظ آخر: «إنَّ ابنيَّ هذَينِ ريحانَتايَ من الدُنيا»
و في آخر: «هَما ريحانتاي من الدَنيا»
و من اختلاف الألفاظ يظهر لنا جليا صدور هذا المضمون مراراً و تكراراً من النبي (صلى الله عليه و آله)‏ و روى‏ سعيد بن راشد ان الحسن و الحسين اقبلا الى‏ النبي (صلى الله عليه و آله) فضمّهما اليه و قال: «هذان ريحانتاي من الدُنيا مَنْ أحبَّني فَلْيُحبهما»
و روى‏ المناوي عن الديلمي في فردوس الاخبار ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال لعلي (عليه السلام): «سَلامُ اللَّه عَليك يا أبَا الريحانَتَيْن»
اضف الى‏ هذه الاحاديث ما ورد عنه (عليه السلام) مثل قوله: «أوصيك برَيْحانتيَّ خَيراً»
و لكننا أعرضنا عن ذكرها رعاية للاختصار.
4- الحُسين (عليه السلام) أشبهُ أهل البيت بالنبيّ (صلى الله عليه و آله)‏ روى‏ البخاري و ابن الاثير أنّه عندما جي براس الحسين (عليه السلام) لابن زياد لعنه اللَّه و وضع بين يديه في طست، اخذ ابن زياد يضرب الرأس الشريف بعمود خيزران و يقول: اسرع اليك الشيب يا ابا عبد اللَّه. فقال له أنس: انه اشبه اهل بيته برسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)‏ و نقل في «البدء و التاريخ» ان عبيد اللَّه بين زياد كان يضرب الرأس الشريف و يقول: لم أرَ وجها أجملَ منه» فقال له انس بن مالك: إعْلَم انه شبيه رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)‏
5- النبيّ (صلى الله عليه و آله) يُقَبِّل الحسين (عليه السلام)‏ ان تقبيل الأولاد هو احد مظاهر المحبة و ترجمة العاطفة الجياشة للوالدين تجاه أولادهم.
لقد كانت امثال هذه التعابير عن العاطفة و الاحاسيس الشفافة معدومة في الجاهلية عند العرب قبل شروق شمس الإسلام و الهداية، حيث كان العرب يعتبرون الرأفة و الشفقة و المحبة و العطف لوناً من الوان الضعف، بينما كانوا يتفاخرون بقساوة القلب. و من اوضح مظاهر قساوة القلب عندهم هي ظاهرة وأد البنات حيث كان الاب يدفن ابنته و هي حيّة.
و كان تقبيل الولد و خاصة البنت يُعدّ عاراً عندهم، كما ان حَمل الولد امام الانظار يُعدُّ عندهم ضعةً و كسراً للهيبة و خرقاً للحشمة الكاذبة المصطنعة التي كان المتكبرون منهم يضفونها على‏ أنفسهم.
و لمّا كان النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) رحمة للعالمين و مبرءاً و منزهاً عن الرياء و النفاق، و كان ساعياً لبسط الرحمة و الرأفة و الإحسان و المحبة بين الناس و داعياً للايثار و نشر الفضائل و تقوية العواطف الخيِّرة، لذا نجد انه كما كان مظهراً لتمام و كمال العواطف الإنسانية لسائر المسلمين، فكذلك كان في اهل بيته، فقد وصلت احاسيسه و عواطفه النبيلة تجاه ابنته فاطمة (عليها السلام) و أبنائها حدَّ الكمال، و كان يرى‏ ان وجود الحسن و الحسين (عليهما السلام) امتدادٌ لوجوده الكريم، و ان بقاءَهم و حياتهم بقاءَه و حياته.
تقول «بنت الشاطئ» الدكتورة المصرية و الاستاذة في جامعة عين شمس موضحة جانباً من جوانب حبِّ و عاطفة النبي (صلى الله عليه و آله) تجاه ابناء إبنته العزيزة فاطمة (عليها السلام) في فصل مستقل من كتابها بنات النبي (صلى الله عليه و آله): و احتفلت مدينة الرسول (صلى الله عليه و آله) بمولد «الحسن (عليه السلام)» و تصدق جده (صلى الله عليه و آله) على‏ الفقراء من أهلها بزنة شعره فضة . ثم راح يرقب تفتح الحياة في هذه الفلذة الغالية منه، فما بلغ الوليد من العمر عاماً و بعض عام، حتى‏ أردفته أّمه الزهراء (عليها السلام) بشقيقه «الحسين (عليه السلام)» في شهر شعبان، سنة أربع من الهجرة.
و تفتح قلب النبي (صلى الله عليه و آله) لهذين الحفيدين الغاليين يملآن حضن أُم أبيها «الزهراء (عليها السلام)»، و رأى‏ فيهما امتداداً لحياته الخاصة على‏ هذه الأرض، و متنفسا لما يفيض به قلبه الكبير من عاطفة الأبوة التي يئست من الولد منذ ماتت خديجة (عليها السلام).
و بدا أن قدانقطع خلف محمد بن عبد اللَّه، إلّا ان يكون عن طريق ابنته‏ «الزهراء (عليها السلام)».
فلا عجب أن أقبل الرسول على‏ سبطيه «الحسن و الحسين (عليهما السلام)» يغمرهما بكل ما امتلأ به قلبه الكبير من حب و حنان، و يفيض عليهما من عاطفة الأبوة ما شاء له الحرمان من الولد، على‏ كثرة من تزوج من النساء. بل لا عجب ان دعاهما ابنيه، فعن أنس بن مالك أنه (صلى الله عليه و آله) «كان يقول لفاطمة (عليها السلام): «ادعِ لي ابنيّ. فاذا ما جاءا اليه شمّهما و ضمّهما».
و نقل الترمذي في سننه عن «أسامة بن زيد» أنه قال: طرقت باب النبي (صلى الله عليه و آله) في بعض الحاجة، فخرج رسول اللَّه و هو مشتمل على‏ شي‏ء لا أدري ما هو، فلما فرغت عن حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه يا رسول اللَّه؟
فكشفه، فاذا الحسن و الحسين (عليهما السلام)، و قال: «هذان ابناي و ابنا ابنتي، اللهم إنّي أُحبُّهما فأحبَّهما، و أحبَّ من يحبُّهما.»
و كان اسماهما (عليهما السلام) نغمة حلوة في فم أبي الزهراء (عليهما السلام)، يستعذبها و لا يمل من ترديدها، و فيهما كان يجد أنسه و سلوته عمن فقد من الأبناء!
لقد آثر اللَّه الزهراء بالنعمة الكبرى، فحصر في ولدها ذرية نبيه المصطفى‏ (صلى الله عليه و آله)، و حفظ بها أشرف سلالة عرفتها العرب منذ كانت.
كما كرم اللَّه وجه «على (عليه السلام)»، فجعل في صلبه نسل خاتم الأنبياء، فكان له من هذا الشرف مجد الدهر و عزة الأبد.
و لعل محمداً (صلى الله عليه و آله) لو خير أي بناته تكون وعاء لنسله الطهور، و أي أصهاره يكون أبا لأهل البيت الشريف، لأختار ما اختاره اللَّه له!
فعليّ أقرب أصهاره اليه مكانا و أمسهم رحماً، في عروقه يجري الدم الهاشمي‏ الأصيل، و عند عبدالمطلب يلتقى نسبه بنسب الرسول، فكلاهما له حفيد!
و ليس بمستغرب بعد هذا، أن يعي الزمن من آيات حب الرسول (صلى الله عليه و آله) للزهراء (عليها السلام) و علي (عليه السلام) و بنيهما (عليهما السلام)، ما نستطيع معه أن نتمثله (صلى الله عليه و آله) و هو يرنو الى‏ بيت صهره «على (عليه السلام)» كلما مرَّ به، و قلبه الكريم يخفق حبّاً و حنوّا، فاذا وجد من وقته سعة، عرج على‏ دار الأحبة، فأسعد أهلها بعطفه، و أسبغ على‏ حفيديه فيضا من حنانه الغامر!
و عاشت له فاطمة (عليها السلام)، كما عاش بنوها يملئون دنيا الرسول بهجة و أنسا، و يرضون فيه عاطفة الأبوة التي آدها ثكل البنين و البنات، و لم يبق لها إلّا هذه البنت الحبيبة، تعوض أباها عمن فقد، و تعزيه عمن غاب. و روى‏ ابن عبد البر القرطبي عن ابي هريرة قال: قال ابو هريرة: أبصَرَتْ عَيْناىَ هاتان و سَمِعَتْ أُذنايَ رسولَ اللَّه (صلى الله عليه و آله) وَ هُوَ آخِذٌ بكَفَّي حُسَين و قَدَماهُ على‏ قَدَمِ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و هو يقول: تَرَقَّ عَيْنَ بُقَّةٍ، قال: فَرَقى‏ الغُلامُ حتّى‏ وَضَعَ قَدَميهِ على‏ صَدْرِ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) ثم قال رسول اللَّه: إفْتَح فاكَ. ثُمَّ قبَّلَهُ ثمَّ قال: «اللَّهُمَّ أحِبَّه فانّي أُحبُّهُ»
روى‏ العلايلي هذا الحديث و قال: إنَّ «عَين بَقَّة» كلمة تؤثر في روح الطفل و تدخل عليه البهجة و الطراوة.
ثم يقول: و لقد كان النبي (صلى الله عليه و آله) يمدُّه من رواء العاطفة كما يمده من رواء النبوة، و يغمره بالحب و يسقيه من نَبْعة الشعور، حتى‏ يجى‏ء حُقَّا قدسياً لمعنى‏ قدسي، يقدّم فيه المُثاليَّه العظمى‏ التي يَنشُدها الانسان بالجدّ، فلا يخوّض منها إلا في السَّراب و الآل، و فيما يقص أبو هريرة شكل من أشكال تَخْليق النبي (صلى الله عليه و آله) للحسين (عليه السلام) تخليقاً مِثالياً، قال في حديث له «أبصرت عيناي هاتان و سمعت أذناي رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)، و هو آخذ بكفى حسين (صلى الله عليه و آله) و قدماه على‏ قدم رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و هو يقول ترق ترق عين بقة، فرق الغلام حتى‏ وضع قدميه على‏ صدر رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)، ثم قال رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) افتح فاك ثم قبله، ثم قال: «اللهم أحِبَّهُ فإني أحبُّه.»
فالنبي (صلى الله عليه و آله) خَتَمَ في نفس الغلام، على‏ ما استودَع من معاني نفسه الكبيرة بقُبلة ناعمة، ثم قال يدعو اللهم أحبه فإنى أحبه، كأنه قال للناس مشيراً إلى‏ غلامه، أنا هُنا.
و الحب لا يكون حباً إلّا إذا صاحبه الاصطفاء و الاستخلاص، و أمَّا إذا جاء دونهما فانما هو شى‏ء من طَفح العاطفة، فلا تبالى أني وقعت. فالنبي (صلى الله عليه و آله) يحب حسيناً حقيقة الحب لأنه مصطفاه، و اللَّه يحبه لأن النبوة تركت به شَفَقاً يعترض الأفق في مفرق الغروب.
و نقل ابن الاثير و السبط ابن الجوزي و الطبري قال ابو مخنف: «حدثني سليمان بن ابي راشد، عن حُميد بن مسلم، قال: دعاني عمر بن سعد فسرَّحني إلى‏ اهله لأبشرهم بفتح اللَّه عليه و بعافيته، فأقبلت حتى‏ أتيت أهله، فاعلمتُهم ذلك، ثم أقبلت حتى‏ أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس‏ و أجد الوفد قد قدموا عليه؛ فأدخلهم. و أذن للناس، فدخلتُ فيمن دخل، فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه، و إذا هو يَنكُت بقضيب بين ثنيّتيه ساعةً، فلما رآه زيد بن أرقم لا يُنجِم عن نَكته بالقضيب، قال له: «أُعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيَّتين، فوالذي لا إله غيرُه لقد رأيتُ شَفَتي رسولِ اللَّه (صلى الله عليه و آله) على‏ هاتين الشفتين يقبّلهما» ثم انفضح الشيخُ يبكي؛ فقال له ابن زياد: أبكَى اللَّه عينك! فواللَّه لولا أنك شيخ قد خَرِفتَ و ذهب عقلك لضربتُ عنقَك. قال: فنهض فخرج، فلما خرج سمعتُ الناس يقولون: و اللّهِ لقد قال زيد بن أرقم قولًا لو سمعه ابن زياد لقتَلَه. قال: فقلت: ما قال؟ قالوا: مرّ بنا و هو يقول: ملَك عبدٌ عبداً، فاتّخذهم تُلداً. أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، و أمَّرتم ابن مُرجانة فهو يقتل خيارَكم، و يستعبد شِراركم، فرضيتم بالذلّ، فبعداً لمن رضي بالذّل! و نقل في «البدء و التاريخ» ان يزيداً أمر ان يوقفوا نساء الحسين (عليه السلام) و بنات الرسالة بباب المسجد حيث يحبس الأُسارى‏ كي يتفرج الناس عليهم و وضع رأس الحسين بين يديه و أخذ يضربه بعمود الخيزران أو بالسيف و يقول:
ليتَ أشياخي بِبَدرٍ شَهدُوا جزع الخزرَجِ مِن وَقع الأسَلّ‏
لأهلّوا و استَهَلّوا فرحاً و لقالوا يا يزيدُ لا تَشل‏
روى‏ ابن الاثير و الترمذي و الطبري عن ابي برزه و هو من أصحاب رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) انه قال ليزيد: «أتَنكُت بقضيبكَ في ثغر الحسين (عليه السلام)؟! أما لقد أخذَ قضيبُكَ من ثَغرِهِ مأخذاً، لربّما رأيتُ رسول اللَّه يَرشِفُهُ، أما انك يا يزيد تجئ يوم القيامة و ابن زياد شفيعك، و يجئ هذا يوم القيامة و محمد (صلى الله عليه و آله) شفيعه. ثم قام فولّى‏.
6- النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) يحملُ الحسين (عليه السلام) على‏ كتفه‏ ... وردت روايات كثيرة في أن النبي محمد (صلى الله عليه و آله) كان يحمل الحسين (عليه السلام) على‏ كتفه و على‏ صدره، و قد روى‏ اهل السنة ذلك أمثال ابن حجر العسقلاني عن ابي هريرة، و عبد اللَّه البغوي عن شداد و ابو نعيم في الحلية عن ابن مسعود، و ابو حاتم عن عبد اللَّه و جابر و ابن ابي الغرّاء عن انس، رووا هذا المعنى‏ من تعلق النبي العاطفي و الروحي بولديه الحسن و الحسين (عليهما السلام). و يُستفاد من جملة الاحاديث تكرر حمل النبي (صلى الله عليه و آله) الحسنَ و الحسينَ على‏ كتفه، و كذلك ارتقاءهما ظهر رسول اللَّه حال الصلاة و هما صبيَّين. و عُرِفَ أنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) كان يؤخر رفع رأسه من السجود حتى‏ ينزل الحسن أو الحسين عن كتفه، بل و يستفاد من بعضها توبيخُ النبيّ (صلى الله عليه و آله) لمن لا يعرف قدر الحسن و الحسين (عليهما السلام).
و في هذا السياق روى‏ ابو سعيد في «شرف النبوة» عن عبد العزيز بإسناده عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: كان رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) جالساً فاقبل الحسن والحسين فلما رآهما (صلى الله عليه و آله) قام لهما و استبطأ بلوغهما اليه فاستقبلهما و حملهما على‏ كتفيه و قال: «نِعْمَ المطيُّ مَطيُّكُما و نعمَ الرّاكبان أنْتُما»
و روى‏ الشبلنجي ان النبي (صلى الله عليه و آله) مرَّ بالحسن و الحسين (عليهما السلام) و هما يلعبان فطأطأ لهما عنقه و حملهما و قال: نعم المطيّة مطيتهما، و نعم الراكبان هما.
و روى‏ جمال الدين الحنفي و الترمذي و ابن حجر عن ابن عباس قال: «أقبل النبي (صلى الله عليه و آله) و قد حمل الحسن على‏ رقبته، فلقيه رجل، فقال: نعم المركب ركبتَ يا غلام، فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله): «و نعم الراكب هو».
و روى‏ الزرندي عن عُمر و جابر و سعد و أنس روايات اخرى‏ في هذا المعنى‏ .
7- حبُّ الحُسين (عليه السلام) فرضٌ‏
إنَّ الاحاديث التي وردت في وجود حُبِّ الحسين (عليه السلام) بلغت حدَّ التواتر فقد روى‏ ابن عبد البر و ابو حاتم و المحب الطبري عن عبد اللَّه بن عمر ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «من أحبّني فَليُحبَّ هاذَيْن» يعني الحسن و الحسين (عليهما السلام).
و قال ابن عبد البر: و روى‏ مثل هذا الحديث في المعجم البغوي عن شداد بن الهاد.
و روى‏ الدولابي واحمد بن حنبل عن يعلى‏ بن مرّة قال: جاء الحسن و الحسين يستبقان الى‏ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل يَدَه في عُنُقه فضمّهُ الى‏ بطنه (صلى الله عليه و آله) و قبّل هذا ثم قبَّلَ هذا ثم قال: «إنّي أُحبُّهما فاحبّوهما»
8- فضلُ حُبِّ الحسين (عليه السلام) و عقابُ من أبغَضَهُ‏
روى‏ ابن ماجه، ابن حجر، الديلمي، المناوي، احمد، الحاكم، السيوطي، ابن حجر الهيثمي، هارون الرشيد عن آبائه عن ابن عباس، المحب الطبري، ابو سعيد ابن حرب الطائي، السلفي، ابو طاهر البالسي، ابن السري و ابن الجوزي عن النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) قال: «مَنْ أحَبَّ الحَسَنَ و الحُسَينَ فَقَدْ أحَبَّني وَ مَنْ أبغَضَهُما فَقَدْ أبغَضَني»
و هذا الحديث مشهور و معروف بين المحدثين، و بعض طرقه تنتهي الى‏ ابي هريرة و مضمونه ان النبي خرج ذات يوم و معه الحسن و الحسين على‏ كتفه يقبل مرّة هذا و مرّة هذا حتى‏ وصل عندنا فقال: من أحبَّ هذين فقد أحبّني و من أبغضهما فقد أبغضني»
و قد نقل بعض الرواة المقطع الاول فقط، و نقله بعضهم الآخر هكذا: «هذان إبناي مَنْ أحَبَّهُما فَقَدْ أحبَّني»
و في أحد الحديثين الذين رواهما هارون الرشيد في هذا الموضوع جاء: «الحَسَن و الحسين مَنْ أحبّهما ففي الجَنَّة و مَن أبغضَهما ففي النارِ»
و روى‏ الترمذي و احمد، إنَّ رسُولَ اللَّه (صلى الله عليه و آله) أخَذَ بيد حَسَن و حُسَين فقال: مَنْ أحَبَّني و أحبَّ هذَينِ و أباهُما و أُمَّهُما كانَ مَعي في درجتي يَوْمَ القيامَة.»
و روى‏ الطبراني عن سلمان ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «مَنْ أحَبَّ الحَسَنَ و الحُسَينِ أحْبَبتُهُ وَ مَنْ أحبَبْتُهُ أحَبَّهُ اللَّه و أدْخَلَهُ النعيمَ وَ مَنْ أبغَضَهما أو بغى‏ عَلَيهما أبغَضْتُهُ وَ مَنْ أبغَضْتُهُ أبغَضَهُ اللَّه و أذْخَلَهُ جَهَنّمَ و لَهُ عذابٌ مُقيم»
9- النَظَر الى‏ سيد شباب اهل الجنَّة
روى‏ ابن حبّان، ابو يعلى، ابن عساكر، ابن سعيد، المحب الطبري، الشبلنجي و الصبّان عن جابر بن عبد اللَّه الانصاري قال: سَمِعتُ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول: «مَنْ أحبَّ (أو مَنْ سرَّهُ) ان يَنظُر الى‏ سيِّد شبابِ‏ أهْلِ الجنَّة فليَنْظُر الى‏ هذا»
و رُوي ايضاً عن جابر بهذا اللفظ: «مَنْ سرَّهُ أنْ يَنظُرَ الى‏ رَجُلٍ مِنْ أهْل الجنَّة- و في لفظٍ الى‏ سيِّد شباب أهْلِ الجنّة فَليَنظُر الى‏ الحُسَينِ بن علي»
10- محبّو الحسين (عليه السلام) في الجنّة
روى‏ في «سيرة الملأ» عن ابن عباس حديثاً طويلًا عن النبي (صلى الله عليه و آله) في فضائل الحسنين (عليهما السلام) يقول في آخره‏ «أن الحسن و الحسين (عليهما السلام) و عمهما و عمتهما في الجنّة، و من أحبهما ففي الجنة و من عاداهما ففي النار»
و رواه في «نظم درر السمطين» عن هارون الرشيد و ذكر ان هارون كلما ذكر هذا الحديث جرت دموعه و خنقتهُ العبرة» و روى‏ نظيره صاحب كتاب «السُنّة» عن حذيفة.
11- دَرَجَةُ الوَسيلَة
روى‏ ابن مردويه عن علي (عليه السلام) أنَّ النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) قال:
«فِي الجنَّة دَرَجة تُدعى‏ الوَسيلَة فاذا سألتُم اللَّه فسَلُوا لي الوَسيلَة. قالوا: يا رسول اللَّه مَنْ سَكَن معك فيها؟ قال: عليّ و فاطمة و الحَسَنُ و الحُسينُ»
12- الحسين (عليه السلام) مع النبيّ في دَرَجتِهِ‏
روى‏ احمد و الطبراني و ابن الاثير عن عليٍّ (عليه السلام) و الحاكم في مستدركه عن ابي سعيد إنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) قال لفاطمة (عليها السلام):
«يا فَاطِمَةُ إنِّي و ايّاكِ و هذا الراقِد (يعني علياً) و الحَسَنَ و الحُسَينَ يَوْمَ القيامَة لَفي مَكانٍ واحدٍ»
و روى‏ الطبراني عن ابي موسى‏ ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «أنَا و عليٌّ و فاطمَةَ و الحَسَنُ و الحُسَينُ يَومَ القيامة في قُبَّةٍ تَحتَ العَرشْ»
و روى‏ عمر بن الخطاب عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) قال: «أنَا و عليٌّ و فاطمَةَ و الحَسَنُ و الحُسَينُ في حَظيرةِ القُدْسِ في قُبَّةٍ بيضاءَ و سَقْفُها عَرْشُ الرحمن»
و مثله عن ابي هُريرة
13- وُجوبُ نُصرَة الحسين (عليه السلام)‏
ان هذه المفردة مستفادة بوضوح من الاحاديث السابقة و كذا فيما سيأتي منها، و لو أنَّ امثال عبد اللَّه بن عمر و عبد اللَّه ابن الزبير و غيرهم ممّن تيقنوا عدم شرعية حكومة يزيد، كانوا قد نصروا الحسين (عليه السلام)، لكان وضع الامة الإسلامية اليوم غير الذي هي عليه و هذه من اكبر الاشكاليات على‏ اولئك النفر من المسلمين.
و قد روى‏ أنس بن الحارث بن نبيه- و هو احد شهداء كربلاء مع الحسين (عليه السلام)- عن ابيه و هو من صحابة النبي (صلى الله عليه و آله) و من أهل الصفَّة قال: سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول مشيراً الى‏ الحسين الذي كان في حجره: «إنَّ إبنيَ هذا يُقْتَلُ في أرضٍ يُقالُ لها العِراق فَمَن أدْرَكَهُ فلينصُره»
و رواه السيوطي عن البغوي، ابن عساكر و الباوردي و ابن منده و ابن السكن عن انس بن الحارث بهذا اللفظ:
«انَّ ابني هذا يُقتَلُ بارضٍ مِنَ العراقِ يُقال لَها كربلاءَ فَمَنْ شهد ذلك مِنهُم فلينصُره»
و روى‏ الخوارزمي في خبر طويل ان الحسين (عليه السلام) قال لابن عباس: أتَعلَم أني ابن بنت رسول اللَّه؟ فقال اللّهم نعم، لا نعرف في الدنيا أحداً هو ابن بنت رسول اللَّه غيرك و إن نصرك لفرض على‏ هذه الأمة كفريضة الصيام و الزكاة التي لا تقبل احديهما دون الاخرى‏ فقال الحسين (عليه السلام) يابن عباس، فما تقول في قولم أخرجوا ابن بنت رسول اللَّه من وطنه و داره و موضع قراره و مولده و حرم رسوله و مجاورته قبره و مسجده و موضع مهاجرته و تركوه خائفاً مرعوباً لا يستقر في قرار و لا يأوي الى‏ وطن يريدون بذلك قتله و سفك دمه و هو لم يشرك بالله شيئا و لا اتخذ دون اللَّه ولياً و لم يتغير عما كان عليه رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و خلفائه من بعده. فقال ابن عباس ما أقول فيهم الّا أنهم كفروا بالله و رسوله (لا يأتون الصلاة الا و هم كسالى‏ يراؤن الناس و لا يذكرون اللَّه الا قليلًا؛ مذبذبين بين ذلك لا الى‏ هؤلاء و لا الى‏ هؤلاء) الآية فعلى‏ مثل هؤلاء تنزل الطبشة الكبرى‏؛ و اما انت ابا عبد اللَّه فانك رأس الفخار، ابن رسول اللَّه، و ابن وصيه، و فرخ الزهراء نظيرة البتول، فلا تظن بابن رسول اللَّه بان اللَّه غافل عما يعمل الظالمون، و انا اشهد ان من رغب عن مجاورتك و مجاورة بنيك، فما له فى الآخرة من خلاق، فقال الحسين اللهم اشهد، فقال ابن عباس جعلت فداك يابن رسول اللَّه كانك تنعى‏ الى‏ نفسك؛ و تريد مني ان انصرك؛ فواللَّه الذي لا اله الا هو لو ضربت بين يديك بسيفي، حتى‏ ينقطع و تنخلع يداي جميعاً لما كنت ابلغ من حقك عشر العشير؛ وها انا بين يديك فمرني بامرك.
و هذا الخبر طويل و سننقل بغض مقاطعه في الصفحات اللاحقة و في أول هذا الخبر أن عبد اللَّه بن عمر قال: سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) يقول: حسين مقتول فلئن خذلوه و لم ينصروه ليخذلنّهم اللَّه الى‏ يوم القيامة.
14- أوّلُ من يَدخُل الجَنَّةَ
روى‏ الحاكم و ابن سعد عن علي (عليه السلام) ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال:
«إنَّ أوَّلَ مَنْ يَدخُل الجنَّة أنا و أنْتَ و فاطمةَ و الحَسَنَ و الحُسَين» قال علي (عليه السلام): فقلتُ: فمحبّونا؟ قال (صلى الله عليه و آله): من ورائكم»
و رواه الطبراني و أحمد بن حنبل في المناقب ايضاً
15- القائم عجل اللَّه تعالى‏ فرجه الشريف من وُلدِ الحَسين (عليه السلام)‏
روى‏ حذيفة عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) انه قال: «لَوْ لَم يبقَ من الدُنيا إلّا يَومٌ واحدٌ لطوَّل اللهُ ذلك اليومَ حتّى‏ يَبْعَثَ رَجُلًا من وُلدي اسمُهُ كاسمي. فقال سلمان: مِنْ أيِّ وُلدِكَ يا رسول اللَّه قال: من وُلدِ هذا و ضرب بيده على‏ الحسين»
16- القائم (عليه السلام) هو التاسع مِنْ وُلدِ الحسين (عليه السلام)‏ رُوي عن سلمان قال: دخلت عن النبي (صلى الله عليه و آله) و اذا الحسين على‏ فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و يقول: «إنك سيد ابن سيد أبو سادة، انك امام ابن امام ابو ائمة، انك حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم»
روى‏ الحموينى في خبر طويل عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: الحسن و الحسين إماما امتي بعد أبيهما و سيّدا شباب أهل الجنة، و أمّهما سيدة نساء العالمين، و أبوهما سيد الوصيين. و من ولد الحسين (عليه السلام) تسعة أئمة تاسعهم القائم من ولدي طاعتهم طاعتي و معصيتهم معصيتي إلى‏ اللَّه اشكو المنكرين لفضلهم و المضيّعين لحرمتهم بعدي و كفى‏ باللَّه ولياً و ناصراً لعترتي و ائمة امتي و منتقماً من الجاحدين حقهم «و سَيَعلَمُ الذين ظلموا ايَّ منقلبٍ ينقلبون»
17- ثمرةُ شجرة النبوة
روى‏ الحمويني، السمعاني، القندوزي و الخوارزمي عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) بعرفات و عليّ (عليه السلام) تجاهه فأومى‏ إلى‏ عليّ (عليه السلام) فأتاه. قال: ادن منى يا علي. فدنا علي منه فقال: اطرح خمسك في خمسي‏ (يعني كفك في كفي) يا علي أنا و أنت من شجرة أنا أصلها و أنت فرعها و الحسن و الحسين أغصانها فمن تعلق بغُصنٍ من أغصانها أدخله اللَّه تعالى‏ الجنة.
يا علي لو أن امَّتي صاموا حتى‏ يكونوا كالحنايا و صلوا حتى‏ يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم اللَّه تعالى‏ في النار.
و روى‏ الكنجي الشافعي عن تاريخ بغداد للخطيب عن علي (عليه السلام) ان رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) قال: أنا أصلها و علي فرعها و الحسن و الحسين ثمرتها و الشيعة و رقها فهل يخرج من الطيّب الّا الطيب و انا مدينة العلم و عليٌّ بابها فمن أراد المدينة فليأتيها من بابها.
و الاخبار بهذا المضمون كثيرة.
و قد نظم بعض الشعراء في ذلك فقال:
يا حبذا دوحةٌ في الخلد نابتةٌ ما مثلَها في الخُلدِ من شَجَرِ
المصطفى‏ اصلها و الفرع فاطمةٌ ثمَّ اللقاحُ عليٌّ سيِّد البَشر
و الهاشميان سِبْطاهُ لها ثمرٌ و الشيعةُ الورقُ الملتفِّ بالثمر
أنا بحبِّهم ارجو النجاة غداً و الفوزُ في زمرَةٍ مِن أفضلِ الزُمُرِ
هذا هو الخَبرُ المأثورُ جاءَ به‏ أهلُ الرواية في العالي من الأثَرِ
18- وديعة الرسول (صلى الله عليه و آله)‏
نقل الشبراوي و السبط بن الجوزي ان زيد بن ارقم اعترض على‏ ابن زياد عندما رآه يضرب ثنايا ابي عبد اللَّه الحسين (عليه السلام) و قال: إرفع قضيبك، فواللَّه لطالما رأيت رسول اللَّه يقبل ما بين هاتين الشفتين. و بكى‏ زيد فاغلظ عليه ابن زياد و هدده بالقتل و قال: لولا انك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فنهض زيد بن ارقم من مجلس ابن زياد و هو يقول: ايّها الناس انتم العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة و وليتم ابن مرجانة و اللَّه ليقتلن أخياركم و ليستعبدنَّ سراتكم فبعداً لمن رضي بالذل و العار ثم التفت راجعاً لابن زياد و قال:
لاحدثنّك بما هو اغيظ عليك من هذا، رايت رسول اللَّه اقعد حسناً على‏ فخذه اليمنى‏ و حسيناً على‏ فخذه اليسرى‏، ثم وضع يده على‏ يافوخهما ثم قال: «اللهمَّ اني استودعتك ايّاهما و صالح المؤمنين.» فكيف كانت وديعة النبي عندك يابن زياد. قال: فغضب ابن زياد و همَّ بقتله.
و روى‏ هذا الدعاء السيوطي و المناوي نقلًا عن الطبراني عن رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)‏ .
19- دعاء رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) في حق الحسين (عليه السلام)‏ روى‏ الطبرائي عن وائلة أنَّ النبي (صلى الله عليه و آله) دعا في حق علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهما السلام) فقال: اللَّهمَّ إنَّك جَعَلْتَ صَلَواتكَ و رَحمتَكَ و مَغفِرَتَكَ على‏ إبراهيمَ و آل ابراهيم اللّهمَّ إنّهم منّي و أنا مِنْهُمْ فاجْعَلْ صلواتكَ و رَحمَتكَ و مغفَرتكَ و رضوانَكَ عَلَيَّ و عليهِمْ (يعني علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً)
20- اشتقاق اسم الحسين (عليه السلام) من اسم اللَّه تعالى‏ .. عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه قال:
لما خلق اللَّه تعالى‏ آدم أبو البشر و نفخ فيه من روحه التفت آدم يمينة العرش فاذا في النور خمسة اشباح سُجَّداً ركَّعا. قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الاشباح الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولا هم ما خَلقتك. هؤلاء شققت لهم خمسة اسماء من اسمائي. لولاهم ما خلقت الجنة و النار، و لا العرش و لا الكرسي و لا السماء و لا الأرض و لا الملائكة و لا الانس و لا الجن، فانا المحمود و هذا محمد، و أنا العالي و هذا علي، و أنا الفاطر و هذه فاطمة، و أنا الاحسان و هذا الحسن و أنا المحسن و هذا الحسين، آليت بعزتي انه لا ياتيني أحدٌ بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري و لا ابالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم انجيهم و بهم‏ أهلكهم، فاذا كان لك الىَّ حاجة فبهؤلاء توسل.
فقال النبي (صلى الله عليه و آله) نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا و من حاد عنها هلك فمن كان له الى‏ اللَّه حاجة فليسأل بنا أهل البيت.
و روى‏ سلمان الفارسي قال: سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) قال: أنا و علي بن أبي طالب من نور اللَّه عن يمين العرش نسبح اللَّه و نقدسه من قبل أن يخلق اللَّه عزوجل آدم باربعة عشر ألف سنة، فلما خلق اللَّه آدم نقلنا إلى‏ أصلاب الرجال و أرحام النساء الطاهرات، ثم نقلنا إلى‏ صلب عبد المطلب و قسمنا نصفين فجعل نصفاً في صلب أبي عبد اللَّه، و جعل النصف الآخر في صلب ابي طالب، و اشتق اللَّه تعالى‏ لنا من أسمائه أسماءً فالله عزوجل محمود و أنا محمد، و اللَّه الأعلى‏ و أخي علي، و اللَّه الفاطر و ابنتي فاطمة، و اللَّه محسن و ابناي الحسن و الحسين، و كان اسمي في الرسالة و النبوة، و كان اسمه في الخلافة و الشجاعة، و أنا رسول اللَّه و علي ولي اللَّه».
21- إرث الحسنين (عليهما السلام) من النبي (صلى الله عليه و آله)‏ ورث الحسنُ و الحسينُ (عليهما السلام) كمالات النبي (صلى الله عليه و آله) العلمية و الروحية و الاخلاقية و الجسدية. و لقد كان المسلمون يرون في الحسين (عليه السلام) التجسيد الحقيقي لرسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) في سماته و سلوكه و اخلاقه و روحانيته.
و لا عجب في ذلك بعد أن تبين لنا ان النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) كان للحسن والحسين (عليهما السلام) الحجر الشفيق الرؤوف العطوف و المعلم المخلص و الاب الرحيم. كان يُحبهما و يشمَّهُما و يقبِّلهما و يمصُّ لسانهما و يحملهما على‏ كفته المبارك و يقول: إنَّهما ريحانتاي.
و كان صلوات اللَّه عليه يحتضنُهُما كوُلده ويتأذى‏ لبكائهما و يضعهما الى‏ جنبه الشريف و على‏ صدره، و يلتذ من سماع إسمهما، و يصطحبهما معه الى‏ السوق و المسجد والدار. و كان يهتمُّ لامر هما حتى‏ و هو في حال الصلوة أو الخطبة.
و الاخبار المروية في كتب اهل السُنَّة المعتبرة، كلها حاكية عن هذا اللطف و الرعاية النبوية و لاعواطف الابوية.
و هذه الاحاسيس و العواطف النبوية و ان كانت تُعدُّ نموذجاً لتواضع النبي (صلى الله عليه و آله) و بساطته في العيش، الّا أنها في نفس الوقت تحكي عن تمركز العواطف الابوية الشديدة و الجيّاشة تجاه الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السلام. لانها عواطفٌ صادرة عن رسول اللَّه الذي هو في غاية الاعتدال و الاستقامة في كل الكمالات، و الحب و الرضا لا يجعلانه يبالغ في وصف الاخرين و لو بكلمة واحدة، بل انَّ لياقة الحسنين و علو شأنهما و صلاحيتهما هي التي دعت النبي (صلى الله عليه و آله) الى‏ وصفهما بتلك الاوصاف و الى‏ صبّ محبَّته و لطفه فيهما، فلم تكن المسألة مجرد احاسيس‏ أبويَّة عارية عن الحقيقة و المصداقية، بل كان النبي (صلى الله عليه و آله) يرى‏ في سيماهُم سرّاً إلهيّاً كشف عنه النبي (صلى الله عليه و آله) بوصفه ايّاهم بتلك الكلمات.
و بحسب ما جاء في احاديث الثقلين الشريفة، و احاديث «إمامان قاما أو قعدا» و أحاديث «السفينة» و غيرها و هو كثير و قد اوردناها في كتابنا الذي الّفناه في إثبات حجية فقه الشيعة و دلالتها الواضحة و الصريحة، بحسب كل ذلك يثبت ان الحسن و الحسين (عليهما السلام) هما وارثا علوم النبي (صلى الله عليه و آله) و كلٌ منهما هو الإمام و القائد الحقيقي للامة و وصي النبي هو ان يكون ميزاناً لتعادل و إعتدال الامور، اي ان يكون مركزاً و محوراً لطلّاب الحقيقة و الهُدى‏ و دليلًا للسائرين في قافلة النجاة كي لا يتخلف عن القافلة احدٌ فيضل و لا يتقدم عنها احدً فيضيع، و الى‏ هذا المعنى‏ اشار رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) في قوله في ذيل بعض نقولات حديث الثقلين الصحيحة:
«فلا تَقدِموهُما فَتهلكوا و لا تَقْصُروا عَنهُما فَتَهلكُوا و لا تُعلّموهُمْ فانَّهُمْ أعْلَمُ منكُمْ»
اذن فالإمام الحسين (عليه السلام) هو وارث علم و كمال رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) بلا شك، و أن جميع الناس فقراء الى‏ علمه و معرفته افتقارهم لعلم و معرفة رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله).
هذا و قد جاء في روايات متعددة ذكرتها الكتب المعتبرة أنَّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) جاءت بالحسن و الحسين الى‏ رسول اللَّه في مرضه الذي توفي فيه و طلبت منه ان يورِّثهما، فقال: أمّا الحَسنُ فَلَهُ هَيبَتِي وَ سُؤدَدي. و أمّا الحُسين فَلَهُ جُرأَتي و جُودِي.
و هذه الاحاديث انما تكشف عن جانب صغير من الكمالات الاخلاقية و الروحية التي ورثها الإمام الحسن و الإمام الحسين (عليهما السلام) من جدّهما.
و السرُّ في هذاالاختلاف في التعابير هو اختلاف الظروف الخاصة بكل واحد من الحسنين في قيادة الامة و جاءت احاديث النبي الاكرم مصدِّقةً لسلوكهما مع الامة، كلٌ بحسب عصره و ليعلم الناس أنَّ مصدر هذين الاسلوبين في القيادة واحدٌ و هو التكليف الديني و الارشاد النبوي المتلقى‏ من الوحى‏ و الذي امرهمابه النبي الاكرم، و لا يتخلف سلوكهما أيَّا كان عن سلوك رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) لان الحسن و الحسين (عليهما السلام) كلاهُما جامعٌ لكمالات المصطفى‏ و وارث لاخلاقه و كلاهما حافظ للدين و القرآن المبين.