ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

روي أنه كان بين الحسين (عليه السلام) و بين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة فتناول الحسين عمامة الوليد عن رأسه و شدها في عنقه و هو يومئذ وال على المدينة و قبض على حلق مروان و كان شديد القبضة فعصره و لوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه‏ .
و قيل له (عليه السلام) يوم الطف: أنزل على حكم بني عمك. قال: لا و اللّه لا أعطينكم بيدي إعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد ثم نادى: يا عباد اللّه إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب‏ .
و قال (عليه السلام): موت في عز خير من حياة في ذل‏ .
و أنشأ يوم قتل (عليه السلام):
الموت خير من ركوب العار و العار أولى من دخول النار
و لقد ظهر من شجاعته يوم الطف ما يكثر منه العجب.
قال بعض الرواة: فو اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا منه (عليه السلام) و إن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب و لقد كان يحمل فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه‏ و هو يقول: لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم‏ .
أقول: شجاعة الحسين (عليه السلام) يضرب بها المثل و مقامه في مواقف الحرب أعجز الأواخر و الأول و صبره على كثرة أعدائه و قلة أنصاره صبر أبيه في صفين و الجمل. و لا بأس بأن نشير إلى مختصر من شجاعة أبيه و نكتفي بها هاهنا لأنه (عليه السلام) كان أشبه الناس بأبيه تحكي شجاعته شجاعته ما تخرم مشيته مشيته.
قال عمر بن سعد لشمر: لا يستسلم و اللّه حسين إن نفس أبيه لبين جنبيه‏ .
قال صاحب كتاب الدر النظيم في ذكر وقعة الجمل بعد قتل مسلم المجاشعي الذي أخذ القرآن من أمير المؤمنين (عليه السلام) و دعا الناس إلى ما في القرآن ما هذا لفظه: ثم إن عليا (عليه السلام) لما رأى أن القوم قد حازوه القتال و صمدوا للحرب بعث إلى محمد بن الحنفية و كانت الراية بيده أن أقدم يا بن خولة و اقتحم على القوم. قال: نعم فأرسل إليه ثانية: أن اقحم يا ابن خولة. قال: نعم و كان بإزاء محمد قوم من الرماة فرموه و حادوه فتأخر محمد و قال لأصحابه: إن القوم قد رموكم فجرحوكم و إنهم يبددون نبلهم في رشق آخر ثم احملوا عليهم.
فبعث علي (عليه السلام) إليه ثالثة فقال له: يا بن خولة اقحم لا أم لك. قال: نعم فلما أبطأ عليه تحول (عليه السلام) من بغلته إلى فرسه و سل سيفه و ركض نحوه فأتاه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه اليمنى ثم رفعه حتى أشاله من سرجه و قال: لا أم لك. قال محمد: و الذي لا إله إلا هو ما ذكرت ذلك منه قط إلا كأني أجد ريح نفسه فأخذ الراية من يدي ثم حمل على القوم و ذلك عند زوال الشمس من يوم الأحد فأنشأ و هو يطعنهم:
أطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في الحرب إذا لم توقد
بالمشرفي و القنا المسدد و الضرب بالخطي و المهند
ثم حمل عليهم حتى توسطهم و غاص فيهم فاقتتل الناس قتالا شديدا ثم خرج من ناحية القوم و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته و اجتمع حوله أصحابه فقالوا:
نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فما يجيب أحدا منا و أنه لطامح ببصره نحوهم ثم حمل الثانية حتى توسطهم و غاب فيهم فسمعنا له تكبيرة بعد حين و له همهمة كزئير الأسد .
قلت: و كأن الشيخ حسين بن شهاب الدين أشار إلى هذا المقام بقوله في أمير المؤمنين (عليه السلام):
فخاض أمير المؤمنين بسيفه‏ لظاها و أملاك السماء له جند
و صاح عليهم صيحة هاشمية تكاد لها شم الشوامخ تنهد
غمام من الأعناق تهطل بالدما و من سيفه برق و من صوته رعد
وصي رسول اللّه وارث علمه‏ و من كان في خم له الحل و العقد
ثم تكشف الناس عنه و انقشعوا حوله فوصلنا إليه و إنه لواقف قد أزبد كالجمل الهائج و الأسد الحامي و قد رفعت الرءوس و السواعد و الجيف حوله أعكاما فقلنا: يا أمير المؤمنين نحن نكفيك. فقال: و اللّه ما أريد مما ترون الا وجه اللّه و الدار الآخرة. ثم انصرف و أعطى محمدا الراية و قال: هكذا فاصنع يا ابن خولة .
أقول: و إن شئت أزيد من هذا فانظر إلى ما ظهر من شجاعته (عليه السلام) في صفين سيما في ليلة الهرير.
قال الراوي: ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللّه السماوات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول: معذرة إلى اللّه و إليكم من هذا لقد هممت أن أفلقه و لكن يحجزني عنه أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: لا سيف إلا ذو الفقار لا فتى إلا علي و أنا أقاتل به دونه. قال: فكنا نأخذه‏ و نقومه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم (فيقحم خ ل) به عرض الصف فلا و اللّه ما ليث بأشد نكاية منه (عليه السلام) في عدوه‏ .
و قيل في وصف ليلة الهرير: فما لقي (عليه السلام) شجاعا إلا أراق دمه و لا بطلا إلا زلزل قدمه و لا مريدا إلا أعدمه و لا قاسطا إلا قصر عمره و أطال ندمه و لا جمع نفاق الا فرقه و لا بني ضلال إلا هدمه و كان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير فأحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة و ثلاثا و عشرين تكبيرة بخمسمائة و ثلاثة و عشرين قتيلا من أصحاب السعير و قيل: إنه في تلك الليلة فتق ينفق درعه لثقل ما كان يسيل من الدم على ذراعه‏ .
و قيل: إن قتلاه عرفوا في النهار بأن ضرباته كانت على وتيرة واحدة ان ضرب طولا قد أو عرضا قط و كانت كأنها مكواة بالنار .
و روي في غزوة حنين- و هي غزوة فر فيها الأصحاب و ثبت علي (عليه السلام) في نفر من بني هاشم- أنه ضرب (عليه السلام) يومئذ أربعين مبارزا كلهم يقدد حتى أنفه و ذكره و كانت ضرباته مبتكرة أي بكرا يقتل بواحدة منها لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانيا.
و في خيبر ضرب مرحب الكافر على رأسه فقطع العمامة و الخوذة و الرأس و الحلق و ما عليه من الجوشن من قدام و خلف إلى أن قده بنصفين ثم حمل على سبعين فارسا فبددهم و تحير الفريقان من فعله.
و في أحد قطع صواب- و هو رجل مشهور بالشجاعة بنصفين و بقيت رجلاه و عجزه و فخذاه قائمة على الأرض ينظر إليه المسلمون و يضحكون منه.
قال السيد الحميري في محاربته (عليه السلام):
كان إذا الحرب مزقها القنا و أحجمت عنها البهاليل‏
يمشي إلى القرن و في كفه‏ بيض ماضي الحد مصقول‏
مشي العفرنى بين أشباله‏ أبرزه للقنص الغيل‏
قلت: إني إذا أقرأ هذا الشعر للسيد أتذكر ما رواه نصر بن مزاحم في صفين عن زيد بن وهب قال: لقد مر علي (عليه السلام) يومئذ و معه بنوه نحو الميسرة و معه ربيعة وحدها و إني لأرى النبل يمر من بين عاتقه و منكبه و ما من بنيه الا يقيه بنفسه فكره علي (عليه السلام) ذلك فيتقدم عليه و يحول بينه و بين أهل الشام و يأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه من ورائه و بصر به أحمر مولى بني أمية و كان شجاعا فقال: قتلني اللّه إن لم أقتلك. فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي (عليه السلام) فاختلفا ضربتين فقتله أحمر و خالط عليا ليضربه بالسيف فمد يده (عليه السلام) إلى جيب درعه فجذبه عن فرسه و حمله على عاتقه و اللّه لكأني أنظر إلى رجلي أحمر يختلفان على عنق علي ثم ضرب به الأرض فكسر به منكبه و عضديه و شد ابنا علي حسين و محمد فضرباه بأسيافهما حتى برد فكأني أنظر إلى علي (عليه السلام) قائما و شبلاه يضربان الرجل حتى إذ أتيا عليه‏ أقبلا على أبيهما. انتهى‏ .
و يعجبني أن نختم هذا الفصل بأبيات من الهائية الأزرية قال و للّه دره:
ظهرت منه في الورى سطوات‏ ما أتى القوم كلهم ما أتاها
يوم غصت بجيش عمرو بن ود لهوات الفلا و ضاق فضاها
و تخطى الى المدينة فردا لا يهاب العدى و لا يخشاها
فدعاهم و هم ألوف و لكن‏ ينظرون الذي يشب لظاها
أين أنتم من قسور عامري‏ تتقي الأسد بأسه في شراها
أين من نفسه تتوق إلى الجنا ت أو يورد الجحيم عداها
فابتدى المصطفى يحدث عما يوجر الصابرون في أخراها
قائلا إن للجليل جنانا ليس غير المجاهدين يراها
من لعمرو و قد ضمنت على اللّه‏ له من جنانه أعلاها
فالتووا عن جوابه كسوام‏ لا تراها مجيبة من دعاها
و إذا هم بفارس قرشي‏ ترجف الأرض خيفة أن يطاها
قائلا مالها سواي كفيل‏ هذه ذمة علي وفاها
و مشى يطلب البراز كما تمشي‏ خماص الحشى إلى مرعاها
فانتضى مشرفية فتلقى‏ ساق عمرو بضربة فبراها
و الى الحشر رنة السيف منه‏ يملأ الخافقين رجع صداها
يا لها ضربة حوت مكرمات‏ لم يزن ثقل أجرها ثقلاها
هذه من علاه إحدى المعالي‏ و على هذه فقس ما سواها