ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

قال كمال الدين رحمه الله تعالى قد تقدم في الفصل المعقود لذكر كرم أخيه الحسن (عليه السلام) قصة المرأة التي ذبحت الشاة وما وصلها به لما جاءته بعد أخيه الحسن (عليه السلام) و أنه أعطاها ألف دينار واشترى لها ألف شاة وقد اشتهر النقل عنه (عليه السلام) أنه كان يكرم الضيف و يمنح الطالب ويصل الرحم و ينيل الفقير و يسعف السائل و يكسو العاري و يشبع الجائع و يعطي الغارم ويشد من الضعيف و يشفق على اليتيم و يعين ذا الحاجة و قل أن وصله مال إلا فرقه.
وروى أن معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير وثياب وافرة و كسوات وافية فرد الجميع عليه ولم يقبل منه و هذه سجية الجواد و شنشنة الكريم و سمة ذي السماحة وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم و قد كان في العبادة مقتديا بمن تقدم حتى نقل عنه (عليه السلام) أنه حج خمسا و عشرين حجة إلى الحرم و جنائبه تقاد معه و هو ماش على القدم آخر كلامه ره.
قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى عفى الله عنه اعلم أيدك الله بتوفيقه و هداك إلى سبيله و طريقه أن الكرم كلمة جامعة لأخلاق محمودة تقول كريم الأصل كريم النفس كريم البيت كريم المنصب إلى غير ذلك من صفات الشرف و يقابله اللؤم فإنه جامع لمساوئ الأخلاق تقول لئيم الأصل و النفس و البيت وغيرها.
فإذا عرفت هذا فاعلم أن الكرم الذي الجود من أنواعه كامل في هؤلاء القوم ثابت لهم محقق فيهم متعين لهم و لا يعدوهم و لا يفارق أفعالهم و أقوالهم بل هو لهم على الحقيقة و في غيرهم كالمجاز و لهذا لم ينسب الشح إلى أحد من بني هاشم و لا نقل عنهم لأنهم يجارون الغيوث سماحة و يبارون الليوث حماسة و يعدلون الجبال حلما و رجاحة فهم البحور الزاخرة و السحب الهامية الهامرة.
فما كان من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه و تغرس إلا في منابتها النخل
ولهذا قال علي (عليه السلام) و قد سئل عن بني هاشم و بني أمية فقال نحن أمجد و أنجد و أجود و هم أغدر و أمكر و أنكر. ولقد صدق (صلى الله عليه واله) فإن الذي ظهر من القبيلتين في طول الوقت دال على ما قاله (عليه السلام).
ولا ريب أن الأخلاق تظهر على طول الأيام و هذه الأخلاق الكريمة اتخذوها شريعة و جعلوها إلى بلوغ غايات الشرف ذريعة لشرف فروعهم و أصولهم و ثبات عقولهم لأنهم لا يشينون مجدهم بما يصمه و لا يشوهون وجوه سيادتهم بما يخلقها و لأنهم مقتدى الأمة و رءوس هذه الملة و سروات الناس و سادات العرب و خلاصة بني آدم و ملوك الدنيا و الهداة إلى الآخرة و حجة الله على عباده و أمناؤه على بلاده فلا بد أن تكون علامات الخير فيهم ظاهرة و سمات الجلال بادية باهرة و أمثال الكرم العام سايرة و أن كل متصف بالجود من بعدهم بهم اقتدى و على منوالهم نسج و بهم اهتدى.
وكيف لا يجود بالمال من يجود بنفسه النفيسة في مواطن النزال و كيف لا يسمح بالعاجل من
همه في الآجل و لا ريب عند العقلاء أن من جاد بنفسه في القتال فهو بالمال أجود و من زهد في الحياة المحبوبة فهو في الحطام الفاني أزهد و قد عرفت زهدهم فاعرف به وفدهم فإن الزاهد من زهد في حطامها و خاف من آثامها و رغب عن حلالها و حرامها و لعلك سمعت بما أتى في هل أتى من إيثارهم على أنفسهم أ ليسوا الذين أطعموا الطعام على حبه و رغب كل واحد منهم في الطوى لإرضاء ربه و عرضوا تلك الأنفس الكريمة لمرارة الجوع و أسهروا تلك العيون الشريفة من الخوى فلم تذق حلاوة الهجوع و جعلوها لما وجدوه من الرقة على المسكين واليتيم و الأسير غرقى من الدموع و تكرر عليهم ألم فقد الغذاء غدوا و بكورا و أضرم السغب في قلوب أهل الجنة سعيرا و آمنوا حين قالوا { إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } [الإنسان: 10، 11] وشكرهم من أنعموا عليه فقالوا {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } [الإنسان: 9].
والحسين (عليه السلام) و إن كان فرعا للنبي ص و علي و فاطمة ع فهو أصل لولده من بعده و كلهم أجواد كرام.
كرموا و جاد قبيلهم من قبلهم وبنوهم من بعدهم كرماء
فالناس أرض في السماحة والندى وهم إذا عد الكرام سماء
لو أنصفوا كانوا لآدم وحدهم وتفردت بولادهم حواء
وقال النبي (صلى الله عليه واله) وقد جاءته أم هانئ يوم الفتح تشكو أخاها عليا (عليه السلام) لله در أبي طالب لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا.
وكان علي (عليه السلام) يقول في بعض حروبه أملكوا عني هذين الغلامين فإني أنفس بهما عن القتل لئلا ينقطع نسل رسول الله (صلى الله عليه واله).
وقيل لمحمد بن الحنفية رحمة الله عليه أبوك يسمح بك في الحرب و يشح بالحسن و الحسين (عليهما السلام) فقال هما عيناه و أنا يده و الإنسان يقي عينيه بيده.
وقال مرة أخرى و قد قيل له ذلك أنا ولده و هما ولدا رسول الله (صلى الله عليه واله).
والحماسة و السماحة رضيعتا لبان و قد تلازما في الجود فهما توأمان فالجواد شجاع و الشجاع جواد و هذه قاعدة كلية لا تنخرم و لو خرج منها بعض الآحاد و من خاف الوصمة في شرفه جاد بالطريف و التلاد و قد قال أبو تمام في الجمع بينهما فأجاد.
وإذا رأيت أبا يزيد في ندى و وغى و مبدي غارة و معيدا أيقنت أن من السماح شجاعة تدنى و أن من الشجاعة جودا.
وقال أبو الطيب:
قالوا ألم تكفه سماحته حتى بنى بيته على الطرق
فقلت إن الفتى شجاعته تريه في الشح صورة الفرق
كن لجة أيها السماح فقد آمنه سيفه من الغرق
ولهذا قال القائل:
يجود بالنفس إن ضن الجواد بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقيل الكريم شجاع القلب و البخيل شجاع الوجه و لما وصفهم معاوية وصف بني هاشم بالسخاء وآل الزبير بالشجاعة و بني مخزوم بالتيه و بني أمية بالحلم فبلغ ذلك الحسن بن علي (عليه السلام) فقال
قاتله الله أراد أن يجود بنو هاشم بما في أيديهم فيحتاجون إليه و أن يشجع آل الزبير فيقتلون و أن يتيه المخزوميون فيمقتوا و أن تحلم بنو أمية فيحبهم الناس.
وقد تقدم هذا الكلام آنفا بألفاظ و هي المروية و لعمري لقد صدق في بعض مقاله و إن كان الصدق بعيدا من أمثاله و لكن الكذوب قد يصدق فإن السماحة في بني هاشم كما قال و الشجاعة والحلم فيهم في كل الأحوال و الناس في ذلك تبع لهم فهم عليهم كالعيال فقد حازوا قصبات السبق لما جمعوه من شرف الخلال فإذا تفرقت في الناس خصال الخير اجتمعت فيهم تلك الخصال و هذا القول هو الحق و ما بعد الحق إلا الضلال.
فإذا عرفت حقيقة هذا التقرير فاحكم لهم بالصفات المحمودة على كل تقدير فإن أضدادها من الصفات المذمومة رجس و قد طهرهم الله من الرجس تطهيرا و اختارهم من تربته و اصطفاهم من عباده و كان الله سميعا بصيرا.