ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

من المتداول على ألسنة الشيعة أنْ يصفوا الحسين (عليه السّلام) بسيد الشهداء فهل هذا صحيح ومنطقيّ ؟
نقول : أجل ؛ لأنّ كلمة (شهيد) مصطلح إسلامي خاص يعني ذلك المسلم الذي يُقتل في ساحة حرب مع أعداء الإسلام دفاعاً عن الإسلام بشرط أنْ تكون تلك الحرب بأمر أو إذن من النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام أو نائبه الخاص أو العام .
وحكم هكذا قتيل أنْ لا يُغسّل ولا يُكفّن بل يُصلّى عليه فقط ويدفن بثيابه التي قُتل فيها ويسمّى حينئذ (شهيداً) ؛ لأنّه يُبعث يوم القيامة على هيئته التي دُفن عليها وبدمائه وجراحاته فيشاهده الناس في المحشر ويعلمون أنّه مقتول في سبيل الله تعالى . وقيل في تسميته بالشهيد وجوه اُخرى وما ذكرناه أقرب إلى الصواب .
وأجر الشهيد عظيم جداً عند الله سبحانه بحيث لا يوجد عمل بعد الإيمان بالله أفضل من الشهادة في سبيله . فالشهادة كفارة لكلّ الذنوب والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون .
ولكن ليسوا في الفضل سواء ولا في الأجر والمقام على مستوى واحد بل يتفاوتون في الفضل والمقام والدرجات حسب تفاوت مواقفهم ونيّاتهم ؛ فكلّما كان موقف الشهيد أشدّ حراجة وأكثر تأثيراً وأصعب ظروفاً كان أجره أكثر ودرجته عند الله أرفع كما أنّه كلّما كان موقف الشهيد أكثر إخلاصاً وأبعد عن آمال النصر والغنيمة والربح المادي كان فضله أكثر . فشهداء معركة بدر مثلاً أفضل مِنْ شهداء معركة أحد لهذا السبب بالذات .
ونحن إذا علمنا أنّ موقف شهداء كربلاء يوم العاشر من المحرم فاق مواقف جميع الشهداء في العالم حراجة وشدّة ومِنْ حيث النتائج والآثار لصالح الحقّ ؛ إذ وقف بضع عشرات من الرجال والصبيان وهم عطاشى جياع محصورين أمام عشرات الآلاف من الجنود المدججين بالسلاح والمجهزين بكلّ وسائل القوة . هذا مِنْ حيث حراجة الموقف .
وأمّا مِنْ حيث خلوص النيّة فنحن إذا تذكّرنا أنّ شهداء الطفِّ لمْ يكن عندهم أدنى أمل ولا أقل احتمال في الغلبة والنصر على العدو ولا في غنيمة أو جائزة أو أيّ نوع من الربح المادي مِنْ وراء ذلك الموقف ثمّ إذا عرفنا أنّ موقفهم أحيا الدين وأبقاه وصانه من المحو وحفظه مِنْ خطر الزوال الكلّي على يد أعداء الله بني اُميّة كما شرحنا ذلك مفصلاً فيما سبق .
أقول : إذا علمنا بكلّ ذلك واعترفنا به فحينئذ لا نستغرب القول بأنّ شهداء كربلاء وعلى رأسهم سيدهم الحسين (عليه السّلام) هم سادات الشهداء في العالم كلّه أي أفضلهم مقاماً وأكثرهم أجراً عند الله ورسوله . وإنّ لقب سيد الشهداء أليق وأجدر بالحسين (عليه السّلام) مِنْ كلّ شهيد آخر له فضله وأجره ومقامه العظيم عند الله تعالى أيضاً .
ولا بدّ من التنبيه إلى أنّه قد تداول بين بعض الذين كتبوا عن الحسين (عليه السّلام) في عصرنا الحاضر أنّ يعطوا الحسين (عليه السّلام) لقب (أبو الشهداء) ؛ ولعلهم يظنون أنّ هذا اللقب أليق بمقام الحسين (عليه السّلام) مِنْ لقب (سيد الشهداء) وهو ظنّ خاطئ ؛ لأنّه لا تلازم بين كون الشخص أبا الشهداء وبين كونه شهيداً بذاته أيضاً . وكثيراً ما يكون شخص أباً لشهداء ولكنّه هو غير شهيد وغير حائز على مقام الشهادة الرفيع .
فهذا عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنه) مثلاً قدّم تسعة مِنْ أبنائه وأحفاده شهداء بين يدي الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء ولكنّه هو لم يكن شهيداً بل مات في المدينة بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ببضع سنوات فهو أبو شهداء وليس بشهيد ؛ ولذا نقول : إنّ لقب (أبو الشهداء) لا يدلّ على شهادة الحسين (عليه السّلام) فضلاً عن سيادته على الشهداء وبالتالي لا يشعر بهذا الشرف الرفيع والمقام المنيع الذي فاز به الحسين (عليه السّلام) بالإضافة إلى أنّه (عليه السّلام) محور للشهداء مِنْ كلّ الجوانب .
فهو الشهيد ابن الشهيد أخو الشهداء وأبو الشهداء والشهادة سمة أبنائه وآله وأحفاده فهم كما قيل فيهم : القتل لهم عادة وكرامتهم من الله تعالى الشهادة . ألا هلمّ فاستمع وما عشت أراك الدهر عجباً .
من المضحكات المبكيات في عصرنا الحاضر هو التلاعب والتحريف بالمفاهيم الإنسانية ومسخ الصفات الفاضلة ومنه : تحريف كلمة الشهيد والتلاعب بمفهوم الشهادة ومسخ صفتها الإنسانية النبيلة حتّى صاروا يطلقون اسم الشهيد على مجرم يُقتل بجرمه وهدّام يُصرع تحت أنقاض هدمه وتخريبه وانتهازي وصولي يفقد حياته القذرة في طريق أطماعه وشهواته وعميل للعدو الكافر والمستعمر الظالم يلاقي جزاء خيانته ومتهوّر طائش يصيبه أثر طيشه وتهوره وهكذا .
وإذا كلّ هؤلاء أو بعضهم يُمنحون لقب الشهداء ووسام الشهادة على صفحات الصحف والمجلات وأبواق الدعاية ووسائل النشر !
وسلام الله تعالى على الإمام أبي الحسن علي أمير المؤمنين حيث تنبّأ بظواهر هذا العصر فقال في خطبة له (عليه السّلام) : سيأتي عليكم مِنْ بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحقّ ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب . وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تُلي حقّ تلاوته ولا أنفق منه إذا حُرّف عن مواضعه ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر .
ولأجل المزيد من الإيضاح نعود إلى أصل الموضوع فنقول : إنّ للإسلام اصطلاحاً خاصاً ومفهوماً مبتكراً لكلّ مِنْ كلمة شهيد وكلمة سيد ؛ أمّا المفهوم الإسلامي الخاص لكلمة شهيد هو ما ذكرنا : مِنْ أنّه عبارة عن المسلم الذي يُقتل في سبيل الدفاع عن الإسلام في ساحة القتال بأمر من الرسول أو الإمام أو نائبه الخاص أو العام .
وأمّا المفهوم الإسلامي الخاص بالنسبة إلى كلمة سيّد : فهو عبارة عن الأفضلية أو الأكمليّة في الشيء ؛ فسيّد العلماء مثلاً هو أكثرهم علماً وأحسنهم عملاًً وسيد الأنبياء هو أكثرهم فضلاً وأكملهم صفات وسيد الأوصياء : هو أكثرهم جهاداً وأشدّهم عناءً وأحرصهم على حفظ الوصيّة وصيانة الرسالة وسيدة النساء : هي أكثرهنّ تمسّكاًَ بواجبات المرأة وأشدّهنّ حرصاً على القيام بمسؤوليات المرأة أمام الله تعالى والمجتمع . . . وهكذا وعلى هذا القياس .
فملاك السيادة الإسلاميّة في أيّ شيء من الأشياء إنّما هو في الأكمليّة والأتمّية والأفضلية في ذلك الشيء . ولقد نصّ القرآن الكريم على تعيين هذا الملاك وهذه القاعدة للسيادة الإسلاميّة بقوله تعالى : {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلاّ أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [سورة يونس / 35 .] .
وإلى هذه القاعدة يشير الحديث الشريف : اليد العليا فوق اليد السفلى . أي أنّ المستغني عن الناس بعلمه وعمله وجهده المفيض عليهم مِنْ ثمرات علمه ومواهبه هو سيّد على مَنْ هو محتاج فقير إلى الآخرين ؛ لتكاسله وإهماله على حدّ القول المأثور لأمير المؤمنين (عليه السّلام) : أحسن إلى مَنْ شئت تكن أميره واحتج إلى مَنْ شئت تكن أسيره واستغن عمّنْ شئت تكن نظيره .
وبهذا الملاك استدلّ الخليل بن أحمد على سيادة الإمام أمير المؤمنين على كافة الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا سُئل ما دليلك على إمامة علي بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) دون سائر الصحابة ؟ فقال : استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه .
والخلاصة هي : أنّ السيادة في أيّ شيء إنّما تدور مدار الكمال الذاتي في صفات ذلك الشيء .
والشهداء أيضاً طبقة من الناس في العالم قاموا بعمل التضحية بالحياة في سبيل الله تعالى فنالوا صفة الشهادة فالحسين (عليه السّلام) هو الفرد الأكمل في القيام بهذه التضحية كما قدّمنا ؛ لذلك استحقّ مقام السيادة بين كافة الشهداء وهو أمر طبيعي منطقي ليس فيه مبالغة ولا مغالاة .
هُم أفضلُ الشهداءِ والقتلى الاُلى مُدحوا بوحي في الكتاب مبينِ
وقال الآخر :
فماتوا وهم أزكى الأنامِ نقيبةً وأكرم مَنْ يُبكى له في المحافلِ
ولمْ تفجع الأيام مِنْ قبل يومِهم بـأكرمِ مـقتول لألأم قـاتلِ