ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

في ما ظهر بعد شهادة أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) من بكاء السماء و الأرض و أهلهما عليه و ضجيج الملائكة إلى اللّه عز و جل في أمره و نوح الجن عليه و ما قيل من المراثي فيه (عليه السلام) و فيه فصول‏ :
فصل : في بكاء السماء و الأرض و أهلهما عليه (عليه السلام)
روى الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس سره عن المفيد عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن الحسين بن أبي فاختة قال: كنت أنا و أبو سلمة السراج و يونس بن يعقوب و الفضيل بن يسار عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: جعلت فداك اني أحضر مجالس هؤلاء القوم فأذكركم في نفسي فأي شي‏ء أقول؟ فقال: يا حسين إذا حضرت مجالس هؤلاء فقل: اللهم أرنا الرخاء و السرور فإنك تأتي على ما تريد. قال: فقلت: جعلت فداك إني أذكر الحسين (عليه السلام) فأي شي‏ء أقول إذا ذكرته؟ فقال: قل «صلى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه» تكررها ثلاثا. ثم أقبل علينا و قال: إن أبا عبد اللّه (عليه السلام) لما قتل بكت عليه السماوات السبع و الأرضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و من يتقلب في الجنة و النار و ما يرى و ما لا يرى إلا ثلاثة أشياء فإنها لم تبك عليه. فقلت: جعلت فداك و ما هذه الثلاثة أشياء التي لم تبك عليه؟ فقال: البصرة و دمشق و آل الحكم بن أبي العاص‏ .
و روى الشيخ الصدوق عطر اللّه مرقده عن جبلة المكية قال: سمعت ميثم التمار قدس اللّه روحه يقول: و اللّه لتقتل هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه و ليتخذن أعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة و إن ذلك لكائن قد سبق في علم اللّه تعالى ذكره اعلم ذلك لعهد (بعهد خ ل) عهده إلي مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و لقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شي‏ء حتى الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحار و الطير في جو السماء و تبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الأرض و مؤمن (مؤمنو ظ) الأنس و الجن و جميع ملائكة السماوات و الأرضين (و رضوان خ) و مالك و حملة العرش و تمطر السماء دما و رمادا. إلى أن قال: يا جبلة إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمن أن سيد الشهداء (الحسين خ ل) (عليه السلام) قد قتل. قال جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة فصحت و بكيت و قلت: قد و اللّه قتل سيدنا الحسين بن علي صلوات اللّه عليه‏ .
و روى الشيخ أبو القاسم جعفر بن قولويه القمي بسنده عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فلما دخل عليه قال له: يا أبا جعفر أشخصناك لنسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري و لا أعلم في الأرض خلقا ينبغي أن يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان الا واحدا. فقال أبي: ليسألني أمير المؤمنين عما أحب فإن علمت أجبت عن ذلك و إن لم أعلم قلت لا أدري و كان الصدق أولى بي. فقال هشام: أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل به الغائب عن المصر الذي قتل فيه على قتله و ما العلامة فيه للناس فإن علمت ذلك و أجبت فأخبرني هل كان تلك العلامة لغير علي في قتله. فقال له أبي: يا أمير المؤمنين إنه لما كان تلك الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم يرفع حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته‏ دم عبيط حتى طلع الفجر و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى عليهما السلام و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون عليهما السلام و كذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى ابن مريم عليهما السلام و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها شمعون بن حمّون الصفا و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها الحسين بن علي صلوات اللّه عليه. قال: فتربد وجه هشام حتى انتقع لونه و هم أن يبطش بأبي فقال له أبي: يا أمير المؤمنين الواجب على العباد الطاعة لإمامهم و الصدق له بالنصيحة و إن الذي دعاني إلى أن أجبت أمير المؤمنين فيما يسألني عنه معرفتي له (إياه خ ل) بما يجب له علي من الطاعة فليحسن أمير المؤمنين الظن. فقال له هشام: انصرف إلى أهلك إذا شئت. قال: فخرج (عليه السلام) فقال له هشام عند خروجه: أعطني عهد اللّه و ميثاقه أن لا توقع (ترفع خ ل) هذا الحديث إلى أحد حتى أموت. فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه‏ .
أقول: قوله (عليه السلام) «و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها هارون» مع أن الذي عندنا أنه مات حتف أنفه كما روي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: قال موسى لهارون: امض بنا إلى جبل طور سيناء. ثم خرجا فإذا بيت على بابه شجرة عليها ثوبان فقال موسى لهارون: اطرح ثيابك و ادخل هذا البيت و البس هاتين الحلتين و نم على السرير. ففعل هارون فلما أن نام على السرير قبضه اللّه إليه كما- الخ‏ و مثله في التواريخ المعتبرة فلعل كلامه (عليه السلام) كان على مذاق هشام و كان عند هشام أن هارون (عليه السلام) قتل كما قالت اليهود لموسى عليه السلام.
و ينبغي في هذا المقام نقل حديث الزهري بالتمام:
قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: حديث الزهري في قتل الحسين (عليه‏ السلام) ثم ذكر سنده عن عمر بن قيس و عن عقيل أنهما قالا: قال الزهري: خرجت مع قتيبة أريد المصيصة فقدمنا على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان و إذا هو قاعد في ايوان له و إذا سماطان من الناس على باب الايوان فإذا أراد حاجة قالها للذي يليه حتى تبلغ المسألة باب الايوان و لا يمشي أحد بين السماطين.
قال الزهري: فجئنا فقمنا على باب الإيوان فقال عبد الملك للذي عن يمينه: هل بلغكم أي شي‏ء أصبح في بيت المقدس ليلة قتل الحسين بن علي. قال: فسأل كل واحد منهما صاحبه حتى بلغت المسألة الباب فلم يرد أحد فيها شيئا.
قال الزهري: فقلت: عندي في هذا علم. قال: فرجعت المسألة رجلا عن رجل حتى انتهت إلى عبد الملك. قال: فدعيت فمشيت بين السماطين فلما انتهيت إلى عبد الملك سلمت عليه فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن شهاب الزهري. قال: فعرفني بالنسب‏ و كان عبد الملك طلابة للحديث فقال: ما أصبح ببيت المقدس يوم قتل الحسين (عليه السلام) (و في رواية أخرى قال: ما أصبح ببيت المقدس الليلة التي قتل في صبيحتها الحسين بن علي) قال الزهري: نعم. فقلت: حدثني فلان لم يسمه لنا أنه لم يرفع تلك الليلة التي صبيحتها قتل علي بن أبي طالب و الحسين بن علي حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط. قال عبد الملك: صدقت حدثني الذي حدثك و اني و اياك في هذا الحديث لغريبان.
ثم قال لي: ما جاء بك؟ قلت: مرابطا. قال: الزم الباب فأقمت عنده فأعطاني مالا كثيرا قال: فاستأذنته في الخروج إلى المدينة فأذن لي و معي غلام لي و معي مال كثير في عيبة ففقدت العيبة فاتهمت الغلام فوعدته و تواعدته فلم يقر لي بشي‏ء. قال: فصرعته و قعدت على صدره و وضعت مرفقي على صدره و غمزته غمزة و أنا لا أريد قتله فمات تحتي و سقط في يدي و قدمت المدينة فسألت سعيد بن المسيب و أبا عبد الرحمن و عروة بن الزبير و القاسم بن محمد و سالم بن عبد اللّه فكلهم قال: لا نعلم لك توبة. فبلغ ذلك علي بن الحسين (عليهما السلام) : فقال علي به. فأتيته فقصصت عليه القصة فقال: إن لذنبك توبة صم شهرين متتابعين و اعتق رقبة مؤمنة و أطعم ستين مسكينا. ففعلت ثم خرجت أريد عبد الملك و قد بلغه أني أتلفت المال فأقمت ببابه أياما لا يؤذن لي بالدخول فجلست إلى معلم لولده و قد حذق ابن لعبد الملك عنده و هو يعلمه ما يتكلم به بين يدي أمير المؤمنين إذا دخل عليه فقلت لمؤدبه: كم تؤمل من أمير المؤمنين أن يصلك به فلك عندي ذلك على أن تكلم الصبي إذا دخل على أمير المؤمنين فقال له: سل حاجتك يقول له حاجتي أن ترضى عن الزهري ففعل فضحك عبد الملك و قال: أين هو؟ قال: بالباب فأذن لي فدخلت حتى إذا صرت بين يديه قلت: يا أمير المؤمنين حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله أنه قال: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين‏ .
أقول: المصيصة بالفتح ثم الكسر و التشديد و ياء ساكنة و صاد أخرى و قيل بتخفيف الصادين: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية و بلاد الروم كانت من الأماكن التي يرابط بها المسلمون قديما و المصيصة أيضا قرية من قرى دمشق قرب بيت لهيا موضع على باب دمشق‏ . و المراد في حديث الزهري المعنى الأول لأنه جاء مرابطا كما قال في جواب عبد الملك.
و قول عبد الملك: و إني و اياك في هذا الحديث لغريبان أي تفردنا بروايته لأن أحد معنيي الغريب في اصطلاح أهل الحديث ما تفرد برواية متنه واحد .
روى الشيخ أبو القاسم جعفر بن قولويه القمي عن الزهري قال: لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام لم يبق ببيت المقدس حصاة وجد تحته دم عبيط .
و روى الشيخ المذكور أيضا عن الحارث الأعور قال: قال علي (عليه السلام) : بأبي و أمي الحسين المقتول بظهر الكوفة و اللّه كأني انظر إلى الوحش مادة أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه و يرثونه ليلا حتى الصباح فإذا كان كذلك فاياكم و الجفاء .
و روي عن زرارة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا زرارة ان السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحا بالدم و ان الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و ان الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و ان الجبال تقطعت و انتثرت و ان البحار تفجرت و ان الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسين عليه السلام و ما اختضبت منا امرأة و لا ادهنت و لا اكتحلت و لا رجلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه و ما زلنا في عبرة بعده و كان جدي إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته و حتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه و إن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء و السماء من الملائكة.
إلى أن قال عليه السلام: و ما عين أحب إلى اللّه و ما عبرة من عين بكت و دمعت عليه و ما من باك يبكيه إلا و قد وصل فاطمة عليها السلام و أسعدها عليه و وصل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أدى حقنا و ما من عبد يحشر إلا و عيناه باكية إلا الباكين على جدي فإنه يحشر و عينه قريرة و البشارة تلقيه و السرور على وجهه و الخلق في الفزع و هم آمنون و الخلق يعرضون و هم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش و في ظل العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم: ادخلوا الجنة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه و أن الحور لترسل إليهم أنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين فما يرفعون رءوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة و ان أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار و من قائل‏ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ‏ و انهم ليرون منزلتهم و ما يقدرون أن يدنوا إليهم و لا يصلون إليهم و أن الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم و من خزانهم على ما أعطوا من الكرامة فيقولون: نأتيكم إن شاء اللّه فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم خبروهم بما هم فيه من الكرامة و قربهم من الحسين (عليه السلام) فيقولون: الحمد للّه الذي كفانا الفزع الأكبر و أهوال القيامة و نجانا مما كنا نخاف و يؤتون بالمراكب و الرحال على النجائب فيستوون عليها و هم في الثناء على اللّه و للّه الحمد و الصلاة على محمد و على آله حتى ينتهوا إلى منازلهم‏ .
و روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان في الرحبة و هو يتلو هذه الآية {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29] و خرج عليه الحسين (عليه السلام) من بعض أبواب المسجد فقال: أما ان هذا سيقتل و تبكي عليه السماء و الأرض‏ .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إن الحسين بكى لقتله السماء و الأرض و احمرتا و لم تبكيا على أحد قط الا على يحيى بن زكريا و الحسين بن علي عليهما السلام‏ .
أقول: قد روي بمضمونهما أحاديث كثيرة من طرق العامة و الخاصة .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا و قاتل الحسين (عليه السلام) ولد زنا و لم تبك السماء على أحد إلا عليهما. قال الراوي:
قلت: و كيف تبكي؟ قال: تطلع الشمس في حمرة و تغيب في حمرة «6».
و عن داود بن فرقد قال: كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه (عليه السلام) فنظرت إلى الحمام الراعبي‏ «7» يقرقر طويلا فنظر إليّ أبو عبد اللّه طويلا فقال: يا داود تدري ما يقول هذا الطير؟ قلت: لا و اللّه جعلت فداك. قال: يدعو على قتلة الحسين (عليه السلام) فاتخذوه في منازلكم‏ .
و عن الحسين بن علي بن صاعد البربري- و كان قيما لقبر الرضا صلوات اللّه عليه- عن أبيه عن الرضا (عليه السلام) قال: ترى هذه البومة كانت على عهد جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله تأوي المنازل و القصور و الدور و كانت إذا أكل الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام و تسقى ثم ترجع إلى مكانها و لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام خرجت من العمران إلى الخراب و الجبال و البراري و قالت: بئس الأمة أنتم قتلتم ابن نبيكم و لا آمنكم على نفسي‏ .
و روى الشيخ الصدوق عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده عليهم السلام أن الحسين بن علي دخل يوما إلى الحسن فلما نظر إليه بكى فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟ قال: أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام: إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فأقتل به و لكن لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى اللّه عليه و آله و ينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و نسائك و انتهاب ثقلك فعندها تحل ببني أمية اللعنة و تمطر السماء رمادا و دما و يبكي عليك كل شي‏ء حتى الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحار .
و في الزيارة التي زار بها المرتضى علم الهدى قدس سره: لقد صرع بمصرعك الإسلام و تعطلت الحدود و الأحكام و أظلمت الأيام و انكسفت الشمس و أظلم القمر و احتبس الغيث و المطر و اهتز العرش و السماء و اقشعرت الأرض و البطحاء و شمل البلاء و اختلفت الأهواء و فجع بك الرسول و أزعجت البتول و طاشت العقول‏ .
قال ابن حجر في الصواعق: و ذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة عن نصرة الأزدية أنها قالت: لما قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دما فأصبحنا و جبابنا و جرارنا مملوءة دما.
و كذا روي في أحاديث غير هذه.
و مما ظهر يوم قتله من الآيات أيضا أن السماء اسودت اسودادا عظيما حتى رؤيت النجوم نهارا و لم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.
و أخرج أبو الشيخ: أن الورس الذي كان في عسكرهم تحول رمادا و كان في قافلة من اليمن تريد العراق فوافتهم حين قتله.
و حكى ابن عيينة عن جدته: أن جمالا ممن انقلب ورسه رمادا أخبرها بذلك و نحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل الفيران فطبخوها فصارت مثل العلقم و أن السماء احمرت لقتله و انكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار و ظن الناس أن القيامة قد قامت و لم يرفع حجر في الشام الا رئي تحته دم عبيط.
و أخرج عثمان بن أبي شيبة: أن السماء مكثت بعد قتله سبعة أيام ترى على الحيطان كأنها ملاحف معصفرة من شدة حمرتها و ضربت الكواكب بعضها بعضا.
و نقل ابن الجوزي عن ابن سيرين: أن الدنيا أظلمت ثلاثة أيام ثم ظهرت الحمرة في السماء.
و قال أبو سعيد: ما رفع حجر من الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط و لقد مطرت السماء دما بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت.
و أخرج الثعلبي و أبو نعيم ما مر من أنهم مطروا دما. زاد أبو نعيم: فأصبحنا و جبابنا و جرارنا مملوات دما.
و في رواية: أنه مطر كالدم على البيوت و الجدر بخراسان و الشام و الكوفة و أنه لما جي‏ء برأس الحسين (عليه السلام) إلى دار ابن زياد سالت حيطانها دما.
و أخرج الثعلبي: أن السماء بكت و بكاؤها حمرتها. و قال غيره: احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت الحمرة ترى بعد ذلك.
و ان ابن سيرين قال: اخبرنا أن الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين عليه السلام.
و ذكر ابن سعد: أن هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله.
قال ابن الجوزي: و حكمته ان غضبنا يؤثر حمرة الوجه و الحق منزه عن الجسمية فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين (عليه السلام) بحمرة الأفق إظهارا لعظم الجناية. انتهى ما في الصواعق‏ .
و حكي عن شرحه على القصيدة الهمزية ما يقرب من ذلك‏ .
و في تذكرة السبط عن هلال بن ذكوان قال: لما قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاثة كأنما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس.
و قال: و خرجنا في سفر فمطرنا مطرا بقي أثره في ثيابنا مثل الدم‏ .
و عن مناقب ابن شهرآشوب: و قال قرظة بن عبيد اللّه: مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء فنظرت فإذا هو دم و ذهبت الابل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم و إذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) .
و عنه أيضا: الأسود بن قيس: لما قتل الحسين (عليه السلام) ارتفعت حمرة من قبل المشرق و حمرة من قبل المغرب فكادتا يلتقيان في كبد السماء ستة أشهر.
و عن عقود الجمان للسيوطي: و قد قالوا: لا تكسف الشمس الا في الثامن‏ و العشرين أو التاسع و العشرين للمقارنة التي يزعمونها قاتلهم اللّه فكسفت يوم موت النبي صلى اللّه عليه و آله كما في الصحيحين و كان عاشر شهر ربيع الأول رواه الزبير بن بكار و كسفت يوم قتل الحسين (عليه السلام) كما هو مشهور في التواريخ و كان يوم عاشوراء .
قال شيخنا الشهيد «ره» في الذكرى: قد اشتهر أن الشمس قد كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين (عليه السلام) كسفة بدت الكواكب نصف النهار فيها رواه البيهقي و غيره و قد قدمنا أن الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى اللّه عليه و آله و روى الزبير بن بكار في كتاب الأنساب أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول و روى الأصحاب أن من علامات المهدي (عليه السلام) كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان. انتهى‏ .
فصل (في ضجيج الملائكة إلى اللّه تعالى في أمره و بكائهم عليه)
روى الشيخ أبو جعفر الطوسي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لما كان من أمر الحسين بن علي (عليه السلام) ما كان ضجت الملائكة إلى اللّه عز و جل و قالت: يا رب يفعل هذا بالحسين صفيك و ابن نبيك؟ قال: فأقام اللّه تعالى لهم ظل القائم (عليه السلام) و قال: بهذا انتقم له من ظالميه‏ .
و روى الشيخ الصدوق «ره» عن أبان بن تغلب قال: قال ابو عبد اللّه الصادق عليه السلام: أن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين (عليه السلام) فلم يؤذن لهم في القتال فرجعوا في الاستيذان و هبطوا و قد قتل الحسين عليه السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له منصور .
أقول: قد وردت أحاديث كثيرة في أن أربعة آلاف ملك يبكون عند قبره (عليه السلام) إلى يوم القيامة .
و في بعضها فلا يزوره زائر إلا استقبلوه و لا يمرض إلا عادوه و لا يموت أحد الا صلوا على جنازته و استغفروا له بعد موته فكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم صلوات اللّه عليه‏ .
و روى الشيخ ابن قولويه عن عبد الملك بن مقرن عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال: إذا زرتم أبا عبد اللّه (عليه السلام) فالزموا الصمت الا من خير و إن ملائكة الليل و النهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء فينتظرونهم حتى تزول الشمس و حتى ينور الفجر ثم يكلمونهم و يسألونهم عن أشياء من أمر السماء فأما ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون و لا يفترون عن البكاء و الدعاء. الحديث‏ .
و روي عن حريز قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك ما أقل بقاؤكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم.
فقال: إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر و أتاه النبي صلى اللّه عليه و آله ينعي إليه نفسه و أخبره بما له عند اللّه و أن الحسين (عليه السلام) قرأ صحيفته التي أعطيها و فسر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقض فخرج إلى القتال فكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت اللّه عز و جل في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال و تأهبت لذلك حتى قتل فنزلت و قتل صلوات اللّه عليه فقالت الملائكة: يا رب أذنت لنا في الانحدار و أذنت لنا في نصرته فانحدرنا و قد قبضته. فأوحى اللّه تبارك و تعالى إليهم: ان الزموا قبته (قبره خ ل) حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته و انكم (فانكم ظ) خصصتم‏ بنصرته و البكاء عليه فبكت الملائكة تقربا و جزعا على ما فاتهم من نصرته فإذا خرج يكونون أنصاره‏ .
و روي عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته في طريق المدينة و نحن نريد مكة فقلت: يا بن رسول اللّه ما لي أراك كئيبا حزينا منكسرا؟
فقال: لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي. فقلت: و ما الذي تسمع؟ قال:
ابتهال الملائكة الى اللّه عز و جل على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين عليهما السلام و نوح الجن و بكاء الملائكة الذين حوله و شدة جزعهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم- و ذكر الحديث‏ .
و في البحار نقلا عن الحسن بن سليمان باسناده عن أبي معاوية عن الأعمش عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال النبي صلى اللّه عليه و آله: ليلة أسري بي إلى السماء فبلغت السماء الخامسة نظرت إلى صورة علي بن أبي طالب فقلت: حبيبي جبرئيل ما هذه الصورة؟ فقال جبرئيل: يا محمد اشتهت الملائكة أن ينظروا إلى صورة علي (عليه السلام) فقالوا: ربنا ان بني آدم في دنياهم يتمتعون غدوة و عشية بالنظر إلى علي بن أبي طالب حبيب حبيبك محمد صلوات اللّه عليه و آله و خليفته و وصيه و أمينه فمتعنا بصورته قدر ما تمتع أهل الدنيا به.
فصور لهم صورته من نور قدسه عز و جل فعلي بين أيديهم ليلا و نهارا يزورونه و ينظرون إليه غدوة و عشية.
قال: فأخبرني الأعمش عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال:
فلما ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء فالملائكة ينظرون إليه غدوة و عشية و يلعنون قاتله ابن ملجم فلما قتل الحسين بن علي عليهما السلام هبطت الملائكة و حملته حتى أوقفته مع صورة علي (عليه السلام) في السماء الخامسة فكلما هبطت الملائكة من السماوات من علا و صعدت ملائكة سماء الدنيا فما فوقها إلى السماء الخامسة لزيارة صورة علي (عليه السلام) و نظروا إليه و إلى الحسين بن علي عليهما السلام متشحطا بدمه لعنوا يزيد و ابن زياد و قاتل الحسين بن علي عليهما السلام إلى يوم القيامة.
قال الأعمش: قال لي الصادق عليه السلام: هذا من مكنون العلم و مخزونه لا تخرجه إلا إلى أهله‏ .
فصل : في نوح الجن على الحسين :عليه السلام)
روى الشيخ ابن قولويه القمي «ره» عن الميثمي قال: خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن علي عليهما السلام فعرشوا بقرية يقال لها شاهي إذ أقبل عليهم رجلان شيخ و شاب فسلما عليهم. قال: فقال الشيخ: أنا رجل من الجن و هذا ابن أخي أراد نصر هذا الرجل المظلوم. فقال: فقال لهم الشيخ الجني: قد رأيت رأيا. قال: فقال الفتية الإنسيون: و ما هذا الرأي الذي رأيت؟ قال: رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة. فقالوا له: نعم ما رأيت. قال: فغاب يومه و ليلته فلما كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص و هو يقول: و اللّه ما جئتكم حتى بصرت به‏ بالطف منعفر الخدين منحورا
و حوله فتية تدمى نحورهم‏ مثل المصابيح يطفون‏ الدجى نورا
و قد حثثت قلوصي كي أصادفهم‏ من قبل أن تتلاقى الخرد الحورا
فعاقني قدر و اللّه بالغه‏ و كان أمر قضاه اللّه مقدورا
كان الحسين سراجا يستضاء به‏ اللّه يعلم أني لم أقل زورا
مجاورا لرسول اللّه في غرف‏ و للوصي و للطيار مسرورا
فأجابه بعض الفتية من الإنسيين:
اذهب فلا زال قبرا أنت ساكنه‏ إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا
و قد سلكت سبيلا كنت ساكنه‏ و قد شربت بكأس كان مغزورا
و فتية فرغوا للّه أنفسهم‏ و فارقوا المال و الأحباب و الدورا
قال السبط في التذكرة: و ذكر المدائني عن رجل من أهل المدينة قال: خرجت أريد اللحاق بالحسين (عليه السلام) لما توجه إلى العراق فلما وصلت الربذة إذا برجل جالس فقال لي: يا عبد اللّه لعلك تريد أن تمد الحسين. قلت: نعم. قال: و أنا كذلك و لكن أقعد فقد بعثت صاحبا لي و الساعة يقدم بالخبر.
قال: فما مضت إلا ساعة و صاحبه قد أقبل و هو يبكي فقال له الرجل: ما الخبر؟ فقال: ما جئتكم حتى بصرت به- الأبيات. الخ‏ .
قال ابن شهرآشوب في المناقب: و ناحت عليه الجن كل يوم فوق قبر النبي صلى اللّه عليه و آله الى سنة كاملة.
و فيه قال دعبل: حدثني أبي عن جدي عن أمه سعدى بنت مالك الخزاعية أنها سمعت نوح الجن على الحسين عليه السلام:
يا بن الشهيد و يا شهيدا عمه‏ خير العمومة جعفر الطيار
عجبا لمصقول علاك حده‏ في الوجه منك و قد علاه غبار
و في رواية غير المناقب قال دعبل: فقلت في قصيدتي:
زر خير قبر بالعراق يزر و اعص الحمار فمن نهاك حمار
لم لا أزورك يا حسين لك الفدا قومي و من عطفت عليه نزار
و لك المودة في قلوب ذوي النهى‏ و على عدوك مقتة و دمار
يا بن الشهيد و يا شهيدا عمه‏ خير العمومة جعفر الطيار
أقول: الظاهر أنه قد أخذ أيضا من هذين البيتين الشعر الذي أنشد في محضر مولانا موسى بن جعفر صلوات اللّه عليه.
قال ابن شهرآشوب: و حكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر صلوات اللّه عليه بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز و قبض ما يحمل إليه فقال عليه السلام:
إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فلم أجد لهذا العيد خبرا و إنه سنة للفرس و محاها الإسلام و معاذ اللّه أن نحيي ما محاه الإسلام.
فقال المنصور: إنما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك باللّه العلي العظيم الا جلست. فجلس و دخلت عليه الملوك و الأمراء و الأجناد يهنونه و يحملون إليه الهدايا و التحف و على رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن فقال له: يا بن بنت رسول اللّه انني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك بثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسين عليهما السلام:
عجبت لمصقول علاك فرنده‏ يوم الهياج و قد علاك غبار
و لأسهم نفذتك دون حرائر يدعون جدك و الدموع غزار
أ لا تقضقضت‏ السهام و عاقها عن جسمك الاجلال و الاكبار
قال (عليه السلام) : قبلت هديتك أجلس بارك اللّه فيك و رفع رأسه إلى الخادم و قال: امض إلى أمير المؤمنين و عرفه بهذا المال و ما يصنع به. فمضى الخادم و عاد و هو يقول: كلها هبة مني له يفعل به ما أراد. فقال موسى (عليه السلام) للشيخ: اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك‏ .
قال السبط ابن الجوزي في التذكرة: ذكر نوح الجن عليه حكى الزهري عن أم سلمة قالت: ما سمعت نوح الجن إلا في الليلة التي قتل فيها الحسين عليه السلام سمعت قائلا يقول:
ألا يا عين فاحتفلي‏ بجهد و من يبكي على الشهداء بعدي‏
على رهط تقودهم المنايا الى متجبر في ثوب عبد
قالت: فعلمت أنه قد قتل الحسين (عليه السلام) .
قال الشعبي: سمع أهل الكوفة قائلا يقول في الليل:
أبكي قتيلا بكربلاء مضرج الجسم بالدماء
أبكي قتيل الطغاة ظلما بغير جرم سوى الوفاء
أبكي قتيلا بكى عليه‏ من ساكن الأرض و السماء
هتك أهلوه و استحلوا ما حرم اللّه في الاماء
بأبي جسمه المعرى‏ الا من الدين و الحياء
كل الرزايا لها عزاء و ما لذا الرزء من عزاء
و قال الزهري: و ناحت الجن عليه فقالت:
خير نساء الجن يبكين شجيات‏ و يلطمن خدودا كالدنانير نقيات‏
و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات‏
قال: و مما حفظ من قول الجن:
مسح النبي جبينه‏ و له بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش‏ جده خير الجدود
قتلوك يا بن الرسول‏ فأسكنوا نار الخلود
روى ابن قولويه عن أبي زياد القندي قال: كان الجصاصون يسمعون نوح الجن حين قتل الحسين بن علي عليهما السلام في السحر بالجبانة و هم يقولون:
مسح الرسول جبينه‏ فله بريق في الخدود
أبواه من أعلى قريش‏ جده خير الجدود
و عن علي بن الحزور قال: سمعت ليلى و هي تقول: سمعت نوح الجن على الحسين بن علي (عليه السلام) و هي تقول:
يا عين جودي بالدموع فإنما يبكي الحزين بحرقة و توجع‏
يا عين ألهاك الرقاد بطيبه‏ عن ذكر آل محمد و توجع‏
باتت ثلاثا بالصعيد جسومهم‏ بين الوحوش و كلهم في مصرع‏
و عن داود الرقي قال: حدثتني جدتي أن الجن لما قتل الحسين (عليه السلام) بكت عليه بهذه الأبيات:
يا عين جودي بالعبر و ابكي فقد حق الخبر
ابكي ابن فاطمة الذي‏ ورد الفرات فما صدر
الجن تبكي شجوها لما أتى منه الخبر
قتل الحسين و رهطه‏ تعسا لذلك من خبر
فلأبكينك حرقة عند العشاء و بالسحر
و لأبكينك ما جرى‏ عرق‏ و ما حمل الشجر «6»
و في المناقب و من نوحهم:
احمرت الأرض من قتل الحسين كما اخضر عند سقوط الجونة العلق‏
يا ويل قاتله يا ويل قاتله‏ فإنه في شفير النار يحترق‏

و من نوحهم:
أبكي ابن فاطمة الذي‏ من قتله شاب الشعر
و لقتله زلزلتم‏ و لقتله خسف القمر
و عن تاريخ الخلفاء للسيوطي: و أخرج ثعلب في أماليه عن أبي جناب‏ الكلبي قال: أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن. فقال: ما تلقى حرا و لا عبدا إلا أخبرك انه سمع ذلك. قلت:
فأخبرني ما سمعت أنت. قال: سمعتهم يقولون:
مسح الرسول جبينه‏ فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش‏ و جده خير الجدود

فصل : في ذكر بعض ما قيل من المراثي فيه (صلوات اللّه عليه)
في تذكرة السبط: قال السدي: أول من رثاه عقبة بن عمرو العبسي فقال:
إذا العين قرت في الحياة و أنتم‏ تخافون في الدنيا فأظلم نورها
مررت على قبر الحسين بكربلاء ففاض عليه من دموعي غزيرها
و ما زلت أبكيه و أرثي لشجوه‏ و يسعد عيني دمعها و زفيرها
و ناديت‏ من حول الحسين عصائبا أطافت به من جانبيه قبورها
سلام على أهل القبور بكربلاء و قل لها مني سلام يزورها
سلام بآصال العشي و بالضحى‏ تؤديه نكباء الرياح و مورها
و لا برح الزوار زوار قبره‏ يفوح عليهم مسكها و عبيرها
لبعضهم:
لا تأمن الدهر ان الدهر ذو غير و ذو لسانين في الدنيا و وجهين‏
أخنى على عترة الهادي فشتتهم‏ فما ترى جامعا منهم بشخصين‏
كأنما الدهر آلى أن يبددهم‏ كثائر ذي عناد أو كذي دين‏
بعض بطيبة مدفون و بعضهم‏ بكربلاء و بعض بالغريين‏
و أرض طوس و سامراء و قد ضمنت‏ بغداد بدرين حلا وسط قبرين‏

مرثية السيد الرضي:
يا سادتي أ لمن ألقى أسا و لمن‏ أبكي بجفنين من عيني قريحين‏
أبكي على الحسن المسموم مضطهدا أم للحسين لقى بين الخميسين‏
أبكي عليه خضيب الشيب من دمه‏ معفر الخد محزوز الوريدين‏
و قال ربيع بن أنس رثاه عبيد اللّه بن الحر فقال:
يقول أمير غادر أي غادر أ لا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه‏
و نفسي على خذلانه و اعتزاله‏ و بيعة هذا الناكث العهد لائمه‏
فيا ندمي أ لا أكون نصرته‏ ألا كل نفس لا تسدد نادمه‏
و إني على أن لم أكن من حماته‏ لذو حسرة ما إن تفارق لازمه‏
سقى اللّه أرواح الذين تأزروا على نصره سقيا من الغيث دائمه‏
وقفت على أطلالهم و محالهم‏ فكاد الحشى ينفض و العين ساجمه‏
لعمري لقد كانوا سراعا الى الوغا مصاليت في الهيجاء حماة خضارمه‏
تأسوا على نصر ابن بنت نبيهم‏ بأسيافهم آساد غيل ضراغمه‏
فإن يقتلوا في كل نفس بقية على الأرض قد أضحت لذلك واجمه‏
و ما أن رأى الراءون أفضل منهم‏ لدى الموت سادات و زهر قماقمه‏
أ يقتلهم ظلما و يرجو ودادنا فدع خطة ليست لنا بملائمه‏
لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم‏ فكم ناقم منا عليكم و ناقمه‏
أهم مرارا أن أسير بجحفل‏ الى فئة زاغت عن الحق ظالمه‏
فكفوا و إلا زرتكم في كتائب‏ أشد عليكم من زحوف الديالمه‏
و لما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه فقعد على فرسه و نجا منه‏ .
و قال آخر من أبيات و قد مر بكربلاء:
كربلاء لا زلت كربا و بلا ما لقي عندك أهل المصطفى‏
كم على تربك لما صرعوا من دم سال و من دمع جرى‏
يا رسول اللّه لو أبصرتهم‏ و هم ما بين قتل و سبا
من رميض يمنع الظل و من‏ عاطش يسقى أنابيب القنا
جزروا جزر الأضاحي نسله‏ ثم ساقوا أهله سوق الاما
هاتفات برسول اللّه في‏ شدة الخوف و عثرات الخطا
قتلوه بعد علم منهم‏ أنه خامس أصحاب الكسا
ليس هذا لرسول اللّه يا أمة الطغيان و الكفر جزا
يا جبال المجد عزا و علا و بدور الأرض نورا و سنا
جعل اللّه الذي نالكم‏ سبب الحزن عليكم و البكا
لا أرى حزنكم يسلى و لا رزؤكم ينسى و إن طال المدى‏
و ذكر الشعبي و حكاه ابن سعد أيضا قال: مر سليمان بن قتة بكربلاء فنظر إلى مصارع القوم فبكى حتى كاد أن يموت ثم قال:
و إن قتيل الطف من آل هاشم‏ أذل رقابا من قريش فذلت‏
مررت على أبيات آل محمد فلم أرها أمثالها يوم حلت‏
فلا يبعد اللّه الديار و أهلها و إن أصبحت منهم برغمي تخلت‏
أ لم تر أن الأرض أضحت مريضة لفقد الحسين و البلاد اقشعرت‏
فقال له عبد اللّه بن حسن: هلا قلت «أذل رقاب المسلمين فذلت» .
و أنشدنا أبو عبد اللّه محمد بن البنديجي البغدادي قال: أنشدنا بعض مشايخنا أن ابن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلاء فجلس يبكي على الحسين و أهله عليهم السلام و قال بديها:
أ حسين و المبعوث جدك بالهدى‏ قسما يكون الحق عنه مسائلي‏
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في‏ تنفيس كربك جهد بذل الباذل‏
و سقيت حد السيف من أعدائكم‏ عللا وحد السمهري البازل‏
لكنني أخرت عنك لشقوتي‏ فبلا بلي‏ بين الغري و بابل‏
هبني حرمت النصر من أعدائكم‏ فأقل من حزن و دمع سائل‏
ثم نام من (في خ) مكانه فرأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في المنام فقال‏ له: يا فلان جزاك اللّه عني خيرا ابشر فإن اللّه قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين (عليه السلام) .
أقول قوله: و قال آخر من أبيات و قد مر بكربلاء (لا زلت) الأبيات قائل هذه الأبيات السيد الرضي «ره».
و له أيضا من قصيدته يرثي بها الحسين (عليه السلام) :
و رب قائلة و الهم يتحفني‏ بناظر من نطاف الدمع ممطور
خفض عليك فللأحزان آونة و ما المقيم على حزن بمعذور
فقلت هيهات فات السمع لائمتي‏ لا يفهم الحزن إلا يوم عاشور
يوم حدى الطعن فيه لابن فاطمة سنان مطرد الكعبين مطرور
و خر للموت لأكف تقلبه‏ الا بوطإ من الجرد المخاضير
ظمآن يسلى نجيع الطعن غلته‏ عن بارد من عباب الماء مقرور
كأن بيض المواضي و هي تنهبه‏ نار تحكم في جسم من النور
للّه ملقى على الرمضاء عض به‏ فم الردى بعد إقدام و تشمير
تحنو عليه الربى ظلا و تستره‏ عن النواظر أذيال الأعاصير
تهابه الاسد إن تدنو لمصرعه‏ و قد أقام ثلاثا غير مقبور
و مورد غمرات الضرب غرته‏ جرت إليه المنايا بالمصادير
و مستطيل على الأيام يقدرها أخنى الزمان عليه بالمقادير
أغرى به ابن زياد لؤم عنصره‏ و سعيه ليزيد غير مشكور
و ود أن يتلافى ما جنت يده‏ و كان ذلك كسرا غير مجبور
تسبى بنات رسول اللّه بينهم‏ و الدين غض المبادي غير مستور
إن يظعن الموت منهم بابن منجبة فطال ما عاد ريان الأظافير
للسيد حيدر بن سليمان الحلي‏ امام شعراء العراق بل سيد الشعراء في الندب و المراثي على الاطلاق من مرثية طويلة انتخبتها تحرزا من الاطالة:
اللّه أكبر يا رواسي هذه‏ الأرض البسيطة زائلي أرجاءها
يلقى ابن منتجع الصلاح كتائبا عقد ابن منتجع السفاح دماءها
ما كان أوقحها صبيحة قابلت‏ عقد ابن منتجع السفاح لواءها
من أين تخجل أوجه أموية سكبت بلذات الفجور حياءها
قهرت بني الزهراء في سلطانها و استأصلت بصفاحها امراءها
ضاقت بها الدنيا فحيث توجهت‏ رأت الحتوف أمامها و وراءها
فاستوطأت ظهر الحمام و حولت‏ للعز عن ظهر الهوان وطاءها
طلعت ثنيات الحتوف بعصبة كانوا السيوف قضاءها و مضاءها
من كل منتجع برائد رمحه‏ في الروع من مهج العدى سوداءها
ان تعر نبعة عزه لبس الوغى‏ حتى يجدل أو يعيد لحاءها
ما أظلمت في النقع غاسقة الوغى‏ الا تلهب سيفه فأضاءها
يعشو الحمام لشعلة من عضبه‏ كرهت نفوس الدارعين صلاءها
و أشم قد مسح النجوم لواءه‏ فكأن من عذباته جوزاءها
زحم السماء فمن محك سنانه‏ جرباء لقبت الورى خضراءها
أبناء موت عاقدت أسيافها بالطف أن تلقى الكماة لقاءها
و من مرثية له أيضا:
يا آل فهر اين ذاك الشبا ليست ضباك اليوم تلك الضبا
للضم أصبحت و شالت ضحى‏ نعامة العز بذاك الابا
فلست بعد اليوم في حبوة مثلك بالأمس فخلى الحبا
حي على الموت بني غالب‏ ما أبرد الموت بحر الظبى‏
قومي فاما أن تجلى على‏ أشلاء حرب خيلك المشربا
أو ترجعي بالموت محمولة على العوالي أغلبا أغلبا
يا فئة لم تدر غير الوغى‏ أما و لا غير المواضي أبا
نومك تحت الضيم لا عن كرى‏ أسهر بالأجفان بيض الظبى‏
اللّه يا هاشم أين الحمى‏ أين الحفاظ المر أين الأبا
أ تشرق الشمس و لا عينها بالنقع تعمى قبل أن تعزبا
و هي لكم في السبي كم لاحظت‏ مصونة لم تبد قبل السبا
كيف بنات الوحي أعداؤكم‏ تدخل بالخيل عليها الخبا
لقد سرت أسرى على حالة قل لها موتك تحت الظبى‏
تساقط الأدمع أجفانها كالجمر عن ذوب حشى ألهبا
و من مرثية له رحمه اللّه:
أمية غوري في الخمول و أنجدي‏ فما لك في العلياء فوزة مشهد
هبوطا إلى أنسابكم و انخفاضها فلا نسب ذاك و لا طيب مولد
تطاولتمو لا عن علا فتراجعوا الى حيث أنتم و اقعدوا شر مقعد
قديمكمو ما قد علمتم و مثله‏ حديثكمو في خزية المتجدد
فما ذا الذي أحسابكم شرفت به‏ فأصعدكم في الملك أشرف مصعد
عجبت لمن في ذلة النعل رأسه‏ به يتراءى عاقدا تاج سيد
دعوا هاشما و الفخر يعقد تاجه‏ على الجبهات المستنيرات في الندي‏
و دونكموا و العار ضموا غشاوة إليكم الى وجه من العار أسود
فسل عبد شمس هل يرى جرم هاشم‏ إليه سوى ما كان أسداه من يد
و قل لأبي سفيان ما أنت ناقم‏ أ أمنك يوم الفتح ذنب محمد
فكيف جزيتم أحمدا عن صنيعه‏ بسفك دم الأطهار من آل أحمد
بعثتم عليهم كل سوداء تحتها دفعتم إليهم كل فقعاء مؤبد
و لا مثل يوم الطف لوعة واجد و حرقة حران و حسرة مكمد
غداة ابن بنت الوحي خر لوجهه‏ صريعا على حر الثرى المتوقد
لعمري لئن لم يقض فوق وساده‏ فموت أخي الهيجاء غير موسد
و إن أكلت هندية البيض شلوه‏ فلحم كريم القوم طعم المهند
و إن لم يشاهد قتله غير سيفه‏ فداك أخوه الصدق في كل مشهد
لقد مات لكن ميتة هاشمية لهم عرفت تحت القنا المتقصد
كريم أبي شم الدنية أنفه‏ فاشمسه شوك الوشيح المسدد
و قال قفي يا نفس وقفة وارد حياض الردى لا وقفة المتردد
رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا من الموت حيث الموت عنه بمرصد
فآثر أن يسعى على جمرة الوغى‏ برجل و لا يعطي المقادة عن يد
قضى ابن علي و الحفاظ كلاهما فلست ترى ما عشت نهصة سيد
لقد وضعت أوزارها حرب هاشم‏ و قالت قيام القائم الطهر موعدي‏
و من مرثية له أيضا:
قد عهدنا الربوع و هي ربيع‏ أين لا أين أنسها المجموع‏
عجبا للعيون لم تغد بيضا لمصاب تحمر فيه الدموع‏
و آسى شابت الليالي عليه‏ و هو للحشر في القلوب رضيع‏
أي يوم بشفرة البغي فيه‏ عاد أنف الاسلام و هو جديع‏
يوم صكت بالطف هاشم وجه ال موت فالموت من لقاها مروع‏
بسيوف للحرب سلت فللشو س سجود من حولها و ركوع‏
وقفت موقفا تضيفت الطير قراه فحوم و وقوع‏
موقف لا البصير فيه بصير لاندهاش و لا السميع سميع‏
جلل الأفق فيه عارض نقع‏ من سنا البيض فيه برق لموع‏
فلشمس النهار فيه مغيب‏ و لشمس الحديد فيه طلوع‏
أينما طارت النفوس شعاعا فلطير الردى عليها وقوع‏
قد تواصت بالصبر فيه رجال‏ في حشى الموت من لقاها صدوع‏
سكنت منهم النفوس جسوما هي بأسا حفائظ و دروع‏
سد فيهم ثغر المنية شهم‏ لثنايا الثغر المخوف طلوع‏
و له الطرف حيث سار أنيس‏ و له السيف حيث بات ضجيع‏
لم يقف موقفا من الحزم الا و به سن غيره المقروع‏
طمعت أن تسومه الضيم قوم‏ و أبى اللّه و الحسام الصنيع‏
كيف يلوي على الدنية جيدا لسوى اللّه ما لواه الخضوع‏
فأبى أن يعيش الا عزيزا أو تجلى الكفاح و هو صريع‏
فتلقى الجموع فردا و لكن‏ كل عضو في الروع منه جموع‏
رمحه من بنانه و كأن من‏ عزمه حد سيفه مطبوع‏
زوج السيف بالنفوس و لكن‏ مهرها الموت و الخضاب النجيع‏
بأبي كالئا على الطف خدرا هو في حومة الحسام المنيع‏
قطعوا بعده عراه و يا حبل‏ وريد الإسلام أنت القطيع‏
قوضي يا خيام عليا نزار فلقد قوض العماد الرفيع‏
و املئي العين يا أمية نوما فحسين على الصعيد صريع‏
و دعي صكة الجباه لؤي‏ ليس يجديك صكها و الدموع‏
و له أيضا رحمه اللّه:
أتربة وادي الطف حياك ذو العرش‏ و روت رباك المزن رشا على رش‏
فكم فيك من سهم ثوى و بعزمه‏ اذا الخيل جاشت في الوغى رابط الجأش‏
شديد القوى ماضي العزيمة و الشبا زعيم اللوى لم يلو جبنا على فرش‏
بنفسي أباة جرعتها عداتها جنى الحتف بالبيض الظبى و القنا الرقش‏
قضت عطشا دون الحسين حفيظة بأفئدة كادت تطير من البهش‏
سراعا سمت فوق الضراح نفوسها و أوردها عذب المناهل ذو العرش‏
فعاد ابن أم الموت فردا بصارم‏ يذيب قوى الصخر الأصم لدى البطش‏
يخوض الوغى ثبت الجنان إذا انبرى‏ بصارمه ينشي من الموت ما ينشي‏
فلولا القضا لم يبق نافخ ضرمة و قد نظرته شوسها نظر المغشي‏
ففاجأه سهم برته يد الشقاء و سدده كف الضغائن و الغش‏
هوى للثرى ينحط من ملكوتها له غزو الأملاك تعلن بالجمش‏
فلهفي لذياك الجبين و قد غدا عفيرا و سافى الريح أنواره تغشى‏
بنفسي من باهى الاله بنوره‏ و طهره من سورة الرجس و الفحش‏
يعز على المختار أحمد أن يرى‏ كريم ابنه بالرمح و الجسم للوحش‏
ثلاثا على الرمضاء غسله الدماء و كفنه الذاري و لم ير من نعش‏
و أعظم خطب أعقب القلب لوعة هجوم العدا بالخيل و الذبل الرقش‏
فوزعن ما ضم الخبا من نفائس‏ و من سابغات للهياج و من فرش‏
و عادت بنات الوحي أسرى حواسر و أحشاؤها كادت تذوب من الدهش‏
تصون محياها بأيد تقرحت‏ من السوط لم يملكن قبضا من الرعش‏
سبايا تراماها السهول إلى الربى‏ و من أسف تدمي الأنامل بالنهش‏
و أكرم خلق اللّه زين عباده‏ ذليلا بأغلال الشقاء ناهكا يمشي‏
يرى آله الغر الكرام على الثرى‏ ضحايا و سافي الريح بردا لها ينشي‏
و هم خير خلق اللّه صلى عليهم‏ و أملاكه و الحاملون على العرش‏
و من الرثاء للسيد مهدي الحلي «ره» :
بأبي عترة النبوة أضحت‏ في ربا كربلا تقاسي ظماها
لست أنسى الحسين إذ أحدقت في ه جنود تقودها امراها
أقبلت نحو حربه مثل مجرى ال يل عن بعضها يغص فضاها
فرماهم بأسد غاب يرون‏ الحرب عيدا إذا استدير رحاها
ثبتوا للقراع و الحتف يخطو بين خطيها و بيض ظباها
فترى البيض كالوميض تشج‏ الهام و السمر رتعا بحشاها
و على النقع و الظبا باكيات‏ و هم الباسمون في ملتقاها
فأحال القضا عليهم فخروا كانتثار النجوم فوق ثراها
و بقي مخمد الوغى يرقد القو م بعضب أهدى إليهم كراها
ان سطى رجت البسيطة حتى‏ خيل أن السبع الطباق طواها
هو و اللّه لو أراد لأفنى‏ ما حوته غبراؤها و سماها
أسلمته يد القضا فرمته‏ آل حرب عن غيها و شقاها
فهوى للصعيد ملقى فخرت‏ من سماء الدين الحنيف ذكاها
و انثنى المهر للفواطم ينعى‏ نادبا كهف عزها و حماها
فتصارخن عن جوى نادبات‏ يا بني غالب ليوث وغاها
أعلمتم أن المشايخ منكم‏ طمعت في تراتهم طلقاها
أعلمتم بأن صدر علاكم‏ بات قسرا معارة لعداها
أعلمتم بأن جسم حسين‏ جعلته ضريبة لظباها
ما عهدناكم تسامون ضيما و بكم شيد للمعالي بناها
حر قلبي لهن إذ صرن أسرى‏ حاسرات من بعد صون خباها
صاديات غرثى و أعناقها في‏ السير ملوية لحامي حماها
ان تباكين ما لهن رحيم‏ أو تنادين لا يجاب نداها
يا لها من مصائب قد بكتها بدم الدمع أرضها و سماها
و من مرثية طويلة للمولى الكاظم الأزري «ره» :
هي المعالم ابلتها يد الغير و صارم الدهر لا ينفك ذا أثر
يا سعد دع عنك دعوى الحب ناحية و خلني و سؤال الارسم الدثر
أين الأولى كان اشراق الزمان بهم‏ اشراق ناحية الاكام بالزهر
جار الزمان عليهم غير مكترث‏ و أي حر عليه الدهر لم يجر
أ ما ترى الدهر قد دارت دوائره‏ على الكرام فلم تبق و لم تذر
و ان ينل منك مقدار فلا عجب‏ هل ابن آدم الا عرضة الخطر
و كيف تأمن من جور الزمان يدا خانت بآل علي خيرة الخير
للّه من في فيافي كربلاء ثووا و عندهم علم ما يجري من القدر
ما أومضت في الوغى يوما سيوفهم‏ الا و فاض سحاب الهام بالمطر
يسطو بمثل هلال كل بدر دجى‏ في جنح ليل من الهيجاء معتكر
أسد و ليس لها الا الوغى أجم‏ و لا مخاليب غير البيض و السمر
صالوا و لو لا قضاء اللّه يمسكهم‏ لم يتركوا من بني سفيان من أثر
سل كربلا كم حوت منهم هلال دجى‏ كأنها فلك للأنجم الزهر
و واحد العصر