ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

‏من بالغ حبِّ الرسول الاكرم (صلى الله عليه و آله) و عطفه الكبير على‏ الحسين (عليه السلام) و من كثرة الاحاديث الوادرة عنه صلوات اللَّه عليه في خصوص مناقب و فضائل الحسين (عليه السلام) و التي اصبحت ورد لسان المسلمين و زينة محافلهم و مجالسهم و اجتماعاتهم، و من اقربية الحسن و الحسين عليها السلام الى‏ رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)، و من كل الخصال الحميدة في الحسين (عليه السلام) و التي جعلته محبباً للجميع، من كل ذلك، يعلم مدى‏ تجليل و احترام الحسين من قبل عامة المسلمين.
و مما ساعد المسلمين على‏ الصبر على‏ فقدان النبي الاكرم، وجود عليِّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و من هنا كان هؤلاء الاربعة و هم تذكار النبي (صلى الله عليه و آله)، مورد احترام و تبجيل المسلمين و محور تمركز أحاسيسهم و عواطفهم، فكانوا عليهم السلام المرهم الشافي لجروح القلوب المفجوعة بفراق رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) المخفِّف عن احزانهم و آلامهم.
و لكن كما نعلم ان فاطمة عليها السلام لم تمكث بعد رسول اللَّه الّا فترة قصيرة و التحقت بأبيها و ارتاحت من امواج الغم و الحزن و المصائب العاتية.
و بقي عليُّ و الحسنان عليهم السلام مركز تجلّي احاسيس المسلمين و عواطفهم الجيّاشة في رسول اللَّه رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)، فمن كان محبّا لمحمد، كان ملؤ قلبه الحبَّ للحسنين، فهما تذكار رسول اللَّه و احترامهما إحترام النبي (صلى الله عليه و آله)، و كان الناس يتذكرون رسول اللَّه كلما نظروا الى‏ الحسن و الحسين عليهما السلام.
و لا نبالغ اذا ما قلنا بان هاذين الطفلين كانا اعظم مالكٍ لقلوب رجال و نساء المسلمين بعد النبي (صلى الله عليه و آله) و أنَّ المدينة كانت تحتفظ بثقلها الروحي الذي كانت عليه ايام رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله).
فاذا جاء الحسنان الى‏ المسجد، كأن رسول اللَّه قد جاء، و اذ حضرا محفلًا ذكّر وجودهما الناس بالنبي محمد، و كانت تظهر على‏ وجوه الناس ملامح البشر و السرور و الطمأنينة بوجودهما الحاكي عن وجود المصطفى‏ (صلى الله عليه و آله).
و من لم يَنَلْ من الناس إفتخار صحبته النبي، كان يُعزّي نفسه بصحبته للحسنين و هما ذكرى‏ النبي (صلى الله عليه و آله)، فكان الجميع يجلسون اليهما و يسمعون منهما و يتبركون ببركتهما و كانت كل القلوب- الّا قلوب المنافقين شرق و غرب العالم الإسلامي مفعمة بحب وَلَديّ رسول الإنسانية، بل إنَّ بعض أهل النفاق و مبغضي اهل البيت، و لكي يخدعوا العوام و من اجل الحفاظ على‏ مصالحهم السياسية، كانوا يظهرون الودَّ للحسنين عليهما السلام.
و كان ودُّ المسلمين للحسنين كبيراً الى‏ درجة انَّ البعض ظن بانَّ المسلمين كانوا يحبونهما اكثر من ابيهما علي ابن ابي طالب (عليه السلام)‏ و ها هو الاحنف ابن قيس يقف أمام معاوية في المجلس الذي أقامه معاوية لأخذ البيعة لابنه يزيد، و لم يتجرأ أحد على‏ الاعتراض عليه، فقال له الأحنف:
أنت أعلمنا بليله و نهاره و بسرّه و علانيته فان كنت تعلم انه شرّ لك فلا تزوّده الدنيا و انت صائر الى‏ الآخرة فانه ليس لك من الآخرة الّا ما طاب و اعلم أنه لا حجة لك عند اللَّه إن قدّمت يزيد على‏ الحسن و الحسين و أنت تعلم من هما و الى‏ ما هما و إنما علينا ان نقول سمعنا و أطعنا ربنا و اليك المصير.
و قد يكون الأمر كذلك، فخواص الصحابة امثال عمّار و قيس بن سعد الانصاري و امثالهم ممن ادرك عهد النبي و عرف ايثار و فداء و مقام علي ابن ابي طالب، كانوا اكثر تعلقاً بعلي (عليه السلام)، لكنَّ محبة الحسن و الحسين و بملاحظة انهما ريحانتا رسول اللَّه و ثمرة فؤاد فاطمة الزهراء، كانت قد ملأت القلوب و النفوس، و كانوا يعتبرونهما منبع الكرامات و البركات، فهما تذكارا رسول اللَّه و لا شك في ان كل مسلم يُحبُّ تذكار النبي (صلى الله عليه و آله).
يقول الاستاذ العقاد: و قد عاش الحسين سبعاً و خمسين سنة بالحساب الهجري و له من الاعداء، من يصدقون و من يكذبون، فلم يَعِبْهُ احد منهم بمعابَةٍ و لم يملك احد منهم ان ينكر ما ذاع من فضله، حتى‏ حار معاوية بعيبه حين استعظم جلساؤه خطاب الحسين له، و اقترحوا عليه أن يكتب اليه بما بصغرهُ في نفسه، فقال: إنهُ كان يجد ما يقوله في عليّ و لكن لا يجد ما يقوله في حسين» .
و بعد استهشاد الإمام الحسن (عليه السلام) ازدادت محبة الحسين (عليه السلام) في القلوب، و كبُر اشتياق الناس الى‏ رؤيته و زيارته، و لا مبالغة في قول: انَّ كل محبتهم للرسول و علي و فاطمة و الحسن قد اضيفت الى‏ حبِّهم للحسين (عليه السلام).
و يمكن تقريب هذا المعنى‏ بضرب مثل رجلٍ له خمسِ اولاد مميزين، نوابغ و ابتلي بفراق موت اربعة منهم واحداً بعد الآخر، فمثل هذا الشخص سيتركز حبُّه‏ للخامس و يتأكد حفاظاً عليه و اعترازا به و فَرقاً من فراقه، فتراه دائم الانشغال به مهتماً برعايته ساهراً على‏ خدمته، فاذا ما قُدِّر ان ابتلي بفراقه هو الآخر، كانت مصيبته أعظم المصائب عنده.
يقول العقاد: و لقد كان الحسين بن علي بهذه المزيَّة (النسب الشريف) أحبَّ انسانٍ الى‏ قلوب السلمين و أجدَر انسانٍ أنْ تنعطف اليه القلوب. و كان مجلس الحسين من أفضل مجالس العلم و التفسر في مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) و كان الكل يفتخرون بالحضور عنده، و كما اعترف معاوية بذلك.
و قد نقل ابن كثير أنّه لما ورد الحسين (عليه السلام) و ابن الزبير الى‏ مكة و اقاما فيها، لازم الناس الحسين بن على‏ و لم يفارقوه و كانوا يَردون عليه افواجاً افواجاً و يجلسون حوله و يستمعون اليه. و قد نقل الواقدي و الذهبي في تاريخ الإسلام في اخبار مقتل الحسين (عليه السلام)، حديثا عن ابي عون- و رُوي نظيره في تاريخ النبي الاعظم (صلى الله عليه و آله)- يدل على‏ ايمان الناس و اعتقادهم الكبير بمقام الإمام الحسين الروحي و انه مظهر كمالات جدِّه رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله).
و الحديث هو: خرج الحسين (عليه السلام) من المدينة فمرَّ بابن مطيع و هو يحفر بئره، فقال أين فداك أبي و أمي؟ متعنا بنفسك و لا تَسِرْ، فأبى‏ حسين (عليه السلام) فقال إن بئري هذه رشحتها، و هذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو، فلو دعوت لنا فيها بالبركة، قال هات من مائها، فأتى‏ به في الدلو فشرب منه ثم مضمض ثم رده في البئر. يقول الاستاذ العلايلي: و ممّا لا اختلاف فيه بين الرواة أن الحسين (عليه السلام) كان محببا الى‏ كل نفس، مصطفىً بين كل قبيل. و زادت به جاذبيته إلى‏ الناس، أنهم غدوا يقدسونه تقديسا و ينظرون إليه بالنظر الذي هو فوق اعتبارات الناس. و من جملة ملامح خضوع الناس لشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) هو تواضع عبد اللَّه بن عباس له، فابن عباس من بني هاشم و هو ابن عمَّ النبي و من رجالات الإسلام و هو اكبر سنّا من الحسين (عليه السلام) و مشهور بالعلم و المعرفة بين الناس و من الرواة المعروفين و حملة حديث النبي (صلى الله عليه و آله) و كان ابو بكر و عمر يقيمان له وزناً ابّان خلافتهما، و كان عمر يشاوره في كثير من الامور، و في زمن خلافة امير المؤمنين (عليه السلام) كان من كبار صحابة علي و تلامذته، و مع كل ذلك، و كما يقول ابن سعد في الطبقات: إنَّ ابن عباس كان يُمسك بزمام راحلة الحسن و الحسين (عليهما السلام)ليركبا و كان يقول: «هُما إبْنا رَسولِ اللهِ»
و كان عمر ابن الخطاب يلتزم باظهار الاحترام و تعظيم مقام الحسين (عليه السلام) و كان يقول له: «إنَّما أنْبَتَ في ما تَرى‏ في رؤوسنا اللّهُ ثُمَّ أنتُم»
اي إنَّ كلَّ ما لدينا من عزَّة و فخر و دين و دنيا هو ببركة اللَّه و بركتكُم.
و كان عبد اللَّه بن عُمر جالساً في ظل الكعبة فقدم ابو عبد اللَّه الحسين (عليه السلام) فقال ابن عمر:
«هذا أحبُّ أهلِ الأرض إلى‏ أهلِ السماءِ اليوم» و كان أبوبكر يحاول التشبه برسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) فكان يُركب الحسن و الحسين على‏ كتفيه. و كان ابو هريرة يطلب من الحسين (عليه السلام) ان يسمح له بتقبيل سُرّته. و كان الحسن البصري يقول: الحسين سيّد زاهدٌ صالحٌ يحب الخير للمسلمين حَسن الخُلق» و خطب عبداللَّه بن الزبير في المسجد الحرام بعد مقتل الحسين (عليه السلام) فقال: لقد اختار الحسُين الميتة الكريمة على‏ الحياة الذميمة، فرحم اللَّه حسيناً، و اخزى‏ قاتلَ الحُسين، فلعمري لقد كان من خلافهم إيّاه و عصيناهم ما كان في مثله واعظ و ناهٍ عنهم، و لكنه ما هُمَّ نازل، و اذا اراد اللَّه أمراً لن يُدفع. أفبعد الحسين (عليه السلام) نطمئن الى‏ هؤلاء القوم و نصدق قولهم و نقبل لهم عهداً؟ لا، و لا نَراهُم لذلك أهلًا، أما و اللَّه لقد قتلو طويلًا بالليل قيامُه، كثيراً في النهار صيامُه، احقَّ بما هم فيه منهم و أولى‏ به في الدين و الفضل، أما و اللَّه ما كان يُبدِّل بالقران الغناء، و لا بالبكاء من خشية اللَّه الحُداء، و لا بالصيام شرب الحرام، و لا بالمجالس في حَلَق الذكر الركض في تطلاب الصيد يعرض بيزيد «قَتَلُوهُ فَسَوفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ألا لَعنَة اللهِ على‏ الظالمين».