انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

لما قتل عبد اللّه بن مسلم حمل آل أبي طالب حملة واحدة فصاح بهم الحسين عليه السّلام: صبرا على الموت يا بني عمومتي و اللّه لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم‏ «1» فوقع فيهم عون بن عبد اللّه بن جعفر الطيار و أمه العقيلة زينب و أخوه‏ محمد و أمه الخوصاء و عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب‏ «2» و أخوه جعفر بن عقيل و محمد بن مسلم بن عقيل‏ «3».
و أصابت الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط عليه السّلام ثمانية عشر جراحة و قطعت يده اليمنى و لم يستشهد.
و خرج أبو بكر بن أمير المؤمنين عليه السّلام‏ «4» و اسمه محمد «5» قتله زحر بن بدر النخعي‏ «6».
و خرج عبد اللّه بن عقيل فما زال يضرب فيهم حتى أثخن بالجراح و سقط إلى الأرض فجاء إليه عثمان بن خالد التميمي فقتله.
ما العرب إلّا سماء للعلاء و ما أبناء عمرو العلى إلا دراريها
فللنبوة تاج في مفارقها و للإمامة عقد في تراقيها
حليان ليس سواها تحتلي بهما شتان عاطل أجياد و حاليها
من شيبة الحمد شبان مشت مرحا لنصرة الدين لا كبرا و لا تيها
بسامة الثغر و الابطال عابسة تفتر منها الثنايا عن لئاليها


جرت بطوفان حرب في بواخرها و ما بواخرها إلا مذاكيها
لو لم يكن همها نيل السعادة ما أبقت على الأرض شخصا من اعاديها
ليست تبالي و للأسياف صلصلة مطبق سعة الغبراء داويها
و للرماح اصطكاك في أسنتها و للسهام اختلاف في مراميها
و للرؤوس انتثار عن كواهلها و للصدور انتظام في مجانيها «7»

القاسم و أخوه‏
و خرج أبو بكر بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السّلام و هو عبد اللّه الأكبر و أمه أم ولد «8» يقال لها رملة «9» فقاتل حتى قتل‏ «10».
و خرج من بعده أخوه لأمه و أبيه القاسم‏ «11» و هو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر إليه الحسين عليه السّلام اعتنقه و بكى‏ «12» ثم أذن له فبرز كأن وجهه شقة قمر «13» و بيده السيف و عليه قميص و إزار و في رجليه نعلان فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع نعله اليسرى‏ «14» و أنف ابن النبي الأعظم صلى اللّه عليه و آله و سلم أن يحتفي في الميدان فوقف يشد شسع نعله‏ «15» و هو لا يزن الحرب إلا بمثله غير مكترث بالجمع و لا مبال بالالوف.
أهوى يشد حذاءه‏ و الحرب مشرعة لأجله‏
ليسومها ما إن غلت‏ هيجاؤها بشراك نعله‏
متقلدا صمصامه‏ متفيئا بظلال نصله‏
لا تعجبن لفعله‏ فالفرع مرتهن بأصله‏
السحب يخلفها الحيا و الليث منظور بشبله‏ «16»

و بينا هو على هذا إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي فقال له حميد ابن مسلم: و ما تريد من هذا الغلام؟ يكفيك هؤلاء الذين تراهم احتوشوه! فقال:
و اللّه لأشدن عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه فقال: يا عماه فأتاه الحسين كالليث الغضبان فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها «17»
من المرفق ، فصاح صيحة عظيمة سمعها العسكر فحملت خيل ابن سعد لتستنقذه فاستقبلته بصدرها و وطئته بحوافرها فمات.
و انجلت الغبرة و إذا الحسين قائم على رأس الغلام و هو يفحص برجليه! و الحسين يقول : بعدا لقوم قتلوك خصمهم يوم القيامة جدك.
ثم قال: عز و اللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت و اللّه كثر واتره و قل ناصره، ثم احتمله و كان صدره على صدر الحسين عليه السّلام و رجلاه يخطان في الأرض فألقاه مع علي الأكبر و قتلى حوله من أهل بيته‏ «18» و رفع طرفه إلى السماء و قال: اللهم أحصهم عددا و لا تغادر منهم أحدا و لا تغفر لهم أبدا! صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا «19».
ناهيك بالقاسم بن المجتبى حسن‏ مزاول الحرب لم يعبأ بما فيها
كأن بيض مواضيها تكلمه‏ غيد تغازله منها غوانيها
كأن سمر عواليها كؤوس طلا تزفها راح ساقيها لحاسيها
لو كان يحذر بأسا أو يخاف وغى‏ ما انصاع يصلح نعلا و هو صاليها
أمامه من أعاديه رمال ثرى‏ من فوق أسفلها ينهال عاليها
ما عممت بارقات البيض هامته‏ فاحمر بالأبيض الهندي هاميها
إلا غداة رأته و هو في سنة عن الكفاح غفول النفس ساهيها
و تلك غفوة ليث غير مكترث‏ ما ناله السيف إلا و هو غافيها
فخر يدعو، فلبى السبط دعوته‏ فكان ما كان منه عند داعيها
فقل به الأشهب البازي بين قطا قد لف أولها فتكا بتاليها
جنى و لكن رؤوس الشوس يانعة و ما سوى سيفه البتار جانيها
حتى إذا غص بالبتار أرحبها وفاض من علق البتار واديها
تقشعت ظلمات الخيل ناكصة فرسانها عنه و انجابت غواشيها


و إذ به حاضن في صدره قمرا يزين طلعته الغراء داميها
وافى به حاملا نحو المخيم و الآ ماق في وجهه حمر مجانيها
تخط رجلاه في لوح الثرى صحفا الدمع منقطها و القلب تاليها
آه على ذلك البدر المنير محا بالخسف غرته الغراء ماحيها


إخوة العباس عليه السّلام‏
و لما رأى العباس عليه السّلام كثرة القتلى من أهله قال لإخوته من أمه و أبيه عبد اللّه و عثمان و جعفر: تقدموا يا بني أمي حتى أراكم نصحتم للّه و لرسوله، و التفت إلى عبد اللّه و كان أكبر من عثمان و جعفر و قال: تقدم يا أخي حتى أراك قتيلا و أحتسبك‏ فقاتلوا بين يدي أبي الفضل حتى قتلوا بأجمعهم.
نعما قرابين الإله‏ مجزرين على الفرات‏
خير الهداية أن يكون‏ الهدي من زمر الهداة
من بعد ما قضوا الصلاة قضوا فداء للصلاة
________________
(1) هذه الجملة هي الظاهرة مما ذكره ابن جرير في التاريخ ج 6 ص 256 و النداء بالصبر نص-- عليه الخوارزمي في المقتل ج 2 ص 78 و السيد في اللهوف ص 64.
(2) في المحبر لابن حبيب النسابة ص 57 كانت خديجة بنت علي عليه السّلام عند عبد الرحمن بن عقيل و في معارف ابن قتيبة ص 89 عند ذكر إخبار علي عليه السّلام ولدت له سعيدا. و في المحبر لابن حبيب ص 57 خلف على خديجة هذه أبو السنابل عبد اللّه بن عامر بن كريز.
(3) في سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 217 قتل مع الحسين عبد اللّه و عبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب.
(4) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 118 و صفوة الصفوة لابن الجوزي ج 1 ص 119 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 98 أن أبا بكر أمه ليلى بنت مسعود قتل مع الحسين عليه السّلام.
(5) الإرشاد و أعلام الورى عند ذكر أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام و في مقتل الخوارزمي ج 2 ص 28 اسمه عبد اللّه و في صفوة الصفوة ج 1 ص 119 محمد الأصغر أمه أم ولد قتل مع الحسين عليه السّلام.
(6) مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 221 و في مقتل الخوارزمي زحر بن قيس النخعي و في مقاتل أبي الفرج وجد في ساقية و لم يعلم قاتله.
(7) للحجة الشيخ عبد الحسين صادق العاملي قدس اللّه سره و ستأتي في القاسم تتمتها.
(8) تاريخ الطبري ج 6 ص 269 و مقاتل أبي الفرج ص 34.
(9) في الحدائق الوردية أمه و أم القاسم رملة و في تذكرة الخواص ص 103 عن طبقات ابن سعد نفيلة أم القاسم و أبي بكر و عبد اللّه، و في مقاتل أبي الفرج أم ولد لا تعرف، و في نسب قريش ص 50 لمصعب الزبيري القاسم و أبو بكر قتلا بالطف و لا عقب لهما.
(10) في إعلام الورى للطبرسي ص 127 و المجدي في النسب لأبي الحسن العمري و إسعاف الراغبين على هامش نور الأبصار ص 202 أنه تزوج من سكينة بنت الحسين عليه السّلام و في المترادفات للمدائني ص 64 في المجموعة الأولى نوادر المخطوطات كان عبد اللّه بن الحسن أبا عذرها و في تاج العروس ج 4 ص 387 يقال للرجل أبا عذرها إذا افترعها و افتضها.
(11) كل ما يذكر في عرس القاسم غير صحيح لعدم بلوغه سن الزواج و لم يرد به نص صحيح من المؤرخين. و الشيخ فخر الدين الطريحي عظيم القدر جليل في العلم، فلا يمكن لأحد أن يتصور في حقه هذه الخرافة، فثبوتها في كتابه «المنتخب» مدسوسة في الكتاب و سيحاكم الطريحي واضعها في كتابه! و ما أدري من ابن أثبت عرسه فضيلة السيد علي محمد اللكنهوي الملقب تاج العلماء فكتب رسالة في عرسه سماها «القاسمية» كما جاء في الذريعة للطهراني ج 17 ص 4 رقم 19.
(12) مقتل الخوارزمي ج 2 ص 27 و ذكر الخوارزمي أن الحسين عليه السّلام أبى أن يأذن له ، فما - زال الغلام يقبل يديه و رجليه حتى أذن له. أقول: هذا الخبر ينافيه ما تقدم من إخبار الحسين ليلة عاشوراء أصحابه و أهل بيته بقتلهم جميعا حتى القاسم و الرضيع و هذا الحديث كحديث عرس القاسم لا صحة له.
(13) تاريخ الطبري ج 6 ص 256 و مقاتل أبي الفرج و الإرشاد و اعلام الورى ص 146 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 27.
(14) تاريخ الطبري ج 6 ص 256 و مقاتل أبي الفرج و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 27 و في الإرشاد و اعلام الورى. شسع أحدهما.
(15) ذخيرة الدارين ص 152 و ابصار العين ص 37 أقول لا غرو من ابن المصطفى إذ أنف أن يحتفي في الميدان فهذا أبو الفرج يحدث في الأغاني ج 11 ص 144 أن جعفر بن علية بن ربيعة بن عبد يغوث من بني الحارث بن كعب لما جي‏ء به ليقاد منه فبينا هو يمشي إذ انقطع شسع نعله فوقف يصلحه فقال له رجل ألا يشغلك ما أنت فيه عن هذا فقال جعفر:
أشد قبال نعلي أن يراني‏ عدوي للحوادث مستكينا
(16) للعلامة السيد مير علي أبو طبيخ رحمه اللّه.
(17) في الصحاح ضربه فأطن ساقه أي قطعها يراد بذلك صوت القطع.
(18) تاريخ الطبري ج 6 ص 257 و البداية لابن كثير ج 8 ص 186 و الارشاد.
(19) مقتل الخوارزمي ج 2 ص 28.