انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

روى أبو مخنف عن يوسف بن أبي اسحاق عن عباس الجدي انّه قال: خرجنا مع ابن عقيل اربعة آلاف فلمّا بلغنا القصر الّا و نحن ثلاثمائة .
فأخذ الناس يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها و أخاها فتقول: انصرف الناس يكفونك، و يجي‏ء الرجل الى ابنه و اخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر؟
انصرف، فيذهب به فينصرف.
فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل و صلى المغرب و ما معه الّا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى أنّه قد أمسى و ما معه الّا اولئك النفر خرج من المسجد متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الابواب الّا و معه منهم عشرة ثم خرج من الباب، فالتفت فاذا هو لا يرى احدا يدله على الطريق و لا يدلّه على منزله و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو.
فمضى على وجهه متلددا في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج الى دور بني جبلة من كندة فمشى حتى انتهى الى باب امرأة يقال لها طوعة، أمّ ولد كانت للأشعث بن قيس فاعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس و امّه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل فردّت عليه السلام فقال لها: «يا أمة اللّه اسقيني ماء».
فسقته و جلس و ادخلت الاناء ثم خرجت، فقالت: يا عبد اللّه أ لم تشرب؟ قال: بلى، قالت: فاذهب الى أهلك، فسكت ثم عادت عليه مثل ذلك، فسكت ثم قالت له في الثالثة:
سبحان اللّه يا عبد اللّه قم عافاك اللّه الى أهلك فانّه لا يصلح لك الجلوس على بابي و لا احله‏ لك.
فقام و قال: يا أمة اللّه ما لي في هذا المصر منزل و لا عشيرة، فهل لك في أجر و معروف و لعلّي مكافيك بعد اليوم، قالت: يا عبد اللّه و ما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غرّوني و أخرجوني.
قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم، قالت: ادخل، فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش و لم يكن باسرع من أن جاء ابنها، فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه، فقال لها: و اللّه انّه لتريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه، انّ لك شأنا.
قالت: أقبل على شأنك و لا تسألني عن شي‏ء، فألحّ عليها، فقالت: يا بني لا تخبرنّ أحدا من الناس بشي‏ء مما أخبرك به، قال: نعم، فأخذت عليه الايمان فحلف لها، فأخبرته فاضطجع و سكت.
و لما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل طال على ابن زياد و جعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك، (و كان يريد الذهاب الى المسجد للصلاة لكن يغلبه الخوف) فقال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟ فأشرفوا فلم يروا أحدا، قال: فأنظروهم لعلّهم تحت الظلال قد كمنوا لكم، فنزعوا تخاتج المسجد يخفضون بشعل النار في أيديهم و ينظرون، فكانت تضيء لهم و أحيانا لا تضيء كما يريدون فدلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالحبال فيها النيران ثم تدلى حتى ينتهي الى الارض، ففعلوا ذلك في اقصى الظلال و أدناها و أوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئا اعلموا ابن زياد بتفرق القوم، ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج اصحابه معه فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع فنادى ألا برئت الذمة من رجل من الشرط و العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلى العتمة الّا في المسجد.
فلم يكن الّا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس‏ خلفه و أمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله، و صلّى بالناس ثم صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: أمّا بعد فانّ ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق، فبرئت ذمة اللّه من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته، اتقوا اللّه عباد اللّه و الزموا طاعتكم و بيعتكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، يا حصين بن نمير ثكلتك امّك ان ضاع باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلّطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل السكك و اصبح غدا فاستبرئ الدور و حبس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل، و كان الحصين بن نمير على شرطه و هو من بني تميم.
ثم دخل ابن زياد القصر، فلما اصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه، و أقبل محمد بن الاشعث، فرحب به و أجلسه الى جنبه، و أصبح ابن تلك العجوز فغدا الى عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند امّه، فاقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه و هو عند ابن زياد فسارّه فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه:
قم فأتني به الساعة، فقام محمد بن الاشعث و بعث معه قومه و بعث معه عبيد اللّه ابن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل، فلمّا سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال علم انّه قد أتى، فخرج إليهم بسيفه و اقتحموا عليه الدار فشدّ عليهم فضربهم بسيفه حتى اخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك‏ .
و في كامل البهائي انّه: كان مسلم بن عقيل في الدعاء اذ سمع وقع حوافر الخيول و صهيلها، فعجّل في دعائه و أتمّه فلبس لامته و قال لطوعة: يا امة اللّه قد أدّيت ما عليك من الخير و لك نصيب من شفاعة رسول اللّه (صلى الله عليه واله)و قد رأيت عمّي امير المؤمنين (عليه السلام) في المنام فقال لي: ستلحق بي غدا .
و روى المسعودي و أبو الفرج: انّ مسلم لما خرج من الدار و رأى انهم قد أشرفوا عليه من فوق السطوح و أخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النيران في أطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح، فلما رأى ذلك قال:
أ كلّما أرى من الاجلاب لقتل ابن عقيل؟ يا نفس أخرجي الى الموت الذي ليس منه محيص، فخرج رضوان اللّه عليه مصلتا سيفه الى السكة فقاتلهم و هو يقول:
أقسمت لا أقتل الّا حرّا و ان رأيت الموت شيئا نكرا
كل امرئ يوما ملاق شرا أو يخلط البارد سخنا مرا
ردّ شعاع‏ النفس فاستقرّا أخاف أن أكذب أو أغرّا