انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

لما حل مسلم (عليه السلام) ضيفا على المختار الثقفي انثال عليه أهل الكوفة ، ولاث به حماة المصر ، وازدلف اليه كماته زرافات ووحدانا يهتفون بالترحيب بداعية حجة الزمن ، فقرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) وعرفهم أنه مجيبهم الى ما يريدون إن لزموا العهد وتدرّعوا بالصبر على مكافحة أعدائهم. وهل كان هذا الهتاف بالترحيب ، والفرح بالامنية عن طمأنينة ، وعقد الضمائر على التفاني في النصرة حتى يغلب الله على أمره أو أنه كان مصحوبا بنفاق تكنّية الصدور بين الأضالع غدر كمينقد عرف به القوم في تطوراتهم وميولهم الى جهات متعاكسة؟
وأن موقف عابس بن شبيب الشاكري وصحبه المخلصين بالولاء للعترة الطاهرة يكشف عن نفسية هؤلاء الجمع المتراكم ، ويفسر لنا هذه المشكلة والحيرة ، ويعطينا درسا ضافيا عن نوايا القوم وعاداتهم ، وأن هؤلاء الشيعة كانوا على شك من عزائمهم ان لم نقل بأنهم على يقين من غدرهم ومتابعتهم الأهواء غير أنهم لم يرقهم المكاشفة لئلا يعود ذلك فتا في عضد البيعة ومثيرا للاحن ، ومحتدما للبغضاء فأجملوا القول ، وهم ينتظرون نواجم العاقبة.
فيقول عابس لمسلم :
« إني لا أخسرك عن الناس ولا أعلم ما في نفوسهم وما أغرّك منهم ، والله إني أحدثك عما أنا موطن عليه نفسي ، والله لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولأقاتلن‏ معكم عدوكم ، ولأ ضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلا ما عند الله ».


وقال حبيب بن مظاهر :
« رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك ، وأنا والله الذي لا إله إلا هو على مثل ما أنت عليه ».
وقال سعيد الحنفي مثل قولهما (1).
وقد ثبت هؤلاء الأطهار في الدفاع عن آل نبيهم حفظا للعهد وأداء لأجر الرسالة فأعلنوا بما انطوت عليه جوانحهم من صدق المفادات والإخلاص في النهضة ، وما غيّروا وما بدّلوا ، ومما يؤكد ما أشار إليه عابس وصحبه حديث علي بن الحجاج قال : سألت محمد بن بشير الهمداني هل كان منك قول أنت؟ فقال له : إني كنت أحب أن يعز أصحابي بالظفر وما كنت لأحب أن أقتل وكرهت أن أكذب (2).
فإن قوله : « وكرهت أن أكذب » شهادة صدق على خداع القوم وكذبهم في ذلك الهتاف بالترحيب ومد الأكف للبيعة.
أما البيعة التي أخذها مسلم من الكوفيين فهي على حد البيعة التي أخذها رسول الله من الأوس والخزرج في العقبة الثانية (3) وفي يوم الفتح وأخذها من المسلمين يوم الغدير وأخذها أمير المؤمنين يوم بويع وأخذها الحسن من أهل الكوفة بعد شهادة أبيه الوصي فإنها في كل ذلك عبارة عن الدعوة الى كتاب الله وسنة رسوله وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين ، وقسمة الفيء بين المسلمين بالسويّة ، ورد المظالم الى أهلها ، ونصرة أهل البيت على من نصب لهم العداوة والبغضاء وجهل حقهم والمسالمة لمن سالموا والحرب لمن حاربوا من دون رد لقولهم ، ولا تخطئة لفعلهم ولا تفنيد لرأيهم.
وإن المؤرخين وان أغفلوا نص البيعة التي أخذها مسلم (عليه السلام) من الكوفيين كما أغفلوا الكثير من آثار أهل البيت التي تستفيد الأمة منها تعاليم راقية في التهذيب والإصلاح لكنا نقطع بأن داعية « إمام الحق » لم يتخط طريقة النبي وخلفائه المعصومين المقيضين لإرشاد البشر بما يجب عليهم من أمر الدين والدنيا ، وأنهم كانوا في أخذ البيعة على هذا النهج.
وبعد أن فرغ من التعريف بأمر البيعة الذي يراد منهم ، تداك الناس يمسحون أيديهم على يده يهتفون بالرضا والتسليم كما فعل الأنصار مع النبي (صلى الله عليه واله) ليلة العقبة ، وقريش يوم الفتح ، والمسلمون يوم الغدير ، وأهل المدينة يوم بويع أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأهل الكوفة مع السبط الزكي ـ (عليه السلام) ، فإن هذا هو المعروف فيمن يبايع يمسحون أيديهم على يده. نعم في بيعة النساء يوم الفتح جيء بإناء فيه ماء وغمس النبي يده في الماء ، وكل امرأة تأتي للبيعة تغمس يدها في ذلك الماء.
فبلغ عدد من بايع مسلما (عليه السلام) ثمانية عشر ألفا أو خمسة وعشرين ألفا وفي حديث الشعبي أنهم أربعون ألفا ، وسرعان ما انقلبوا على أعقابهم فخسروا شرف الدنيا كما عداهم الفوز في الدين وخلدوها صحيفة سوداء يتلوها الملوان ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
______________
1) الطبري ج6 ص199.
2) المصدر.
3) السيرة الحلبية ج2 ص17 وذكر أنهم خمس وسبعون رجلا فقال لهم رسول الله : أخرجوا لي اثني عشر نقيبا كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا يكونوا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مرم وأنا كفيل على من معي من المهاجرين فاختاروا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهنا كلام للعباس بن عبدالمطلب في المحافظة على رسول الله ينم عن عقيدته الراسخة بالتوحيد والإيمان منذ البعثة فلا يعبأ بما ذكره المؤرخون من إسلامه بعد بدر.