انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

تقيض مسلم (عليه السلام) لما ندبه اليه أبو عبدالله الحسين (عليه السلام) من حمل أعباء النيابة الخاصة ومعه صك الولاية أو الشرف الوضاح والسؤدد الخالد فخرج من مكة للنصف من شهر رمضان (1) على طريق المدينة وإذ وصلها صلى في مسجد الرسول وزار بقعته المقدسة (2) و وذعه الوداع الأخير ، وجدد هنا لك المواثيق المؤكدة على ما انطوت عليه أضالعه من التضحية والمفادات دون إحدى الحسنيين الحياة السعيدة أو الخلود بالذكر المؤبد بمرضاة رب العالمين ، ثم ودّع أهله وسافر إلى العراق ومعه قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبدالله السلوي وعبدالرحمن بن عبدالله الأزدي (3) مع دليلين استأجرهما من قيس يدلانه على الطريق (4).
ولم يأخذ الطريق الجدد إلا وألق الحق معه ولم يهبط الى واد إلا وعبق الصدق يصحبه ومزيج نفسه شهامة من قومه وبسالة من عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) وعزيمة ممن شرفه بالولاية والنيابة عنه سيد الشهداء ، وأنه لا يرى الموت دون الحق إلا سعادة والحياة مع الضالمين إلا برما.
وبينا هو يسير الى قصده الأسنى إذ ضل الدليلان عن الطريق فتاهوا في البر واشتدّ بهم الحر والعطش ولم يستطع الدليلان حراكا ولكن بأن لهما سنن الطريق فقالا لمسلم عليك بهذا السمت فالزمه لعلك تنجو ، وحيث أنه لم يسعه حملهما للتوصل الى النجاة لأنهما على وشك الهلاك وغاية ما وضح للدليلين العلائم المفضية الى الطريق لا الطريق نفسه ، ولم تكن المسافة بينهم وبين الماء معلومة وليس لهما طاقة على الركوب بأنفسهما ولا مردفين مع آخر وبقاء مسلم (عليه السلام) معهما إلى منتهى الأمر يفضي الى هلاكه ومن معه فكان الواجب المؤكد التحفظ على النفوس المحترمة بالمسير لأدراك الماء فلذلك تركهما في المكان (5).
ومضى على الوصف ومات الدليلان عطشا وأفضى مسلم إلى الماء فأقام به وهذا الموضع (6) يعرف بالمضيق من بطن الخبت (7).
وكتب الى الحسين (عليه السلام) مع رسول استأجره من أهل هذا الموضع يعرفه خبر الدليلين وأنه ينتظر أمره.
وهنا نستفيد منزلة عالية لمسلم في التقوى والورع في أمر الدين وأنه لا يتخطى رأي حجة الوقت في حله ومرتحله وإنما كتب الى إمامه بهذه الحادثة لأنه احتمل أن يكون هذا الحادث يغير رأي الإمام فتوقف عن المسير ليرى ما عنده ويكون على بصيرة في إنفاذ أمره.
ولما قرأ السبط الشهيد كتاب مسلم أمره بالمسير الى مقصده تعريفا بأن هذه الأحوال لا تغير ما عزم عليه من إجابة طلب الكوفيين وقد ملاؤ الأجواء هتافا بأنهم لا إمام
لهم غيره ينتظرونه ليقيم ودهم فلو لم يجبهم تكون لهم الحجة عليه يوم نصب الموازين والإمام المنصوب من قبل الله تعالى لا يعمل عملا يسبّب اللّوم عليه.
__________

1) مروج الذهب ج2 ص6 / شرح الشريشي على مقامات الحريري ج1 ص192.
2) تاريخ الطبري ج6 ص198.
3) كامل ابن الاثير ج4 ص9 ، والأخبار الطوال ص231.
4) الإرشاد للشيخ المفيد.
5) استنبطنا ذلك مما يحمله مسلم من القدسية التي تمنعه من ترك الأولى فضلا عما يراد من الدين بل ما تقتضيه الإنسانية.
6) الأخبار الطوال ص232.
7) في الطبري ج6 ص198 ، وابن الأثير ج4 ص9 الخبيت بالخاء المعجمة والباء الموحدة ثم المثناة من تحت وبعدها المثناة من فوق ، وفي إرشاد الشيخ المفيد الخبت بالخاء المعجمة ثم الباء الموحدة وبعدها تاء مثناة من فوق ، وفي نص الأخبار الطوال ص 232 الحربث بالحاء والراء المهملتين ثم الباء الموحدة وبعدها ثاء مثلثة وهو غير مراد قطعا لأن الحربث كما في تاج العروس ومعجم البلدان نبت طيب وأما ما في الإرشاد فيمكن إرادته لأنه في تاج العروس ج1 ص614 ذكر من معانيه المتسع من الأرض والوادي العميق الوطيء ينبت العضاة وقرية لزبيد في البر مشهورة وماء لكلب كما أن الأول يمكن ارادته لأن الخبيت كما في معجم البلدان والمعجم مما استعجم للبكري ماء لبني عبس وأشجع يقع في العالية وهي الحجار وفي المستعجم أنه موضع على بريدين من المدينة.