انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

لما قتل مسلم وهاني (رحمة الله عليهما) بعث عبيد الله بن زياد برأسيهما مع هاني بن ابي حية الوادعي، والزبير بن الاروح التميمي، إلى يزيد بن معاوية وأمر كاتبه أن يكتب إلى يزيد بما كان من أمر مسلم وهاني، فكتب الكاتب وهو عمرو بن نافع فأطال فيه وكان أول من أطال في الكتب فلمانظر فيه عبيد الله كرهه فقال: ما هذا التطويل وما هذا الفضول؟ اكتب: أما بعد فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين حقه، وكفاه مؤنة عدوه، أخبر أمير المؤمنين ان مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هاني بن عروة المرادى، وانى جعلت عليهما المراصد والعيون ودسست اليهما الرجال وكدتهما حتى استخرجتهما، وأمكن الله منهما، فقدمتهما وضربت أعناقهما وقد بعث اليك بر أسيهما مع هاني بن أبى حية الوادعي والزبير بن الاروح التميمي، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة، فليسئلها أمير المؤمنين عما أحب من أمر هما فان عند هما علما وصدقا و ورعا والسلام.
فكتب اليه يزيد:
اما بعد فانك لم تعدان كنت كما احب عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش وقد اغنيت وكفيت وصدقت ظني بك ورأيي فيك، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيرا، وانه قد بلغني ان حسينا قد توجه إلى العراق فضع المناظر والمسالح واحترس واحبس على الظنة واقتل على التهمة، واكتب إلى فيما يحدث من خبر أنشاء الله تعالى.
وكان خروج مسلم بن عقيل رحمة الله عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، وقتله (ره) يوم الاربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة، وكان توجه الحسين صلوات الله عليه من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة وهو يوم التروية بعد مقامه بمكة، بقية شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا العقدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، وكان قد اجتمع اليه (عليه السلام) مدة مقامه بمكة نفر من اهل الحجاز، ونفر من اهل البصرة انضافوا إلى اهل بيته ومواليه.
ولما أراد الحسين (عليه السلام) التوجه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحل من احرامه وجعلها عمرة، لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة ان يقبض عليه بمكة فينفذ إلى يزيد بن معاوية، فخرج (عليه السلام) مبادرا باهله وولده ومن انضم اليه من شيعته، ولم يكن خبر مسلم قد بلغه لخروجه في يوم خروجه على ما ذكرناه.
فروى عن الفرزدق الشاعر انه قال: حججت بأمي في سنة ستين، فبينا انا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم اذلقيت الحسين بن على (عليهما السلام)، خارجا من مكة مع أسيافه وأتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن على (عليهما السلام)، فأتيته فسلمت عليه وقلت له: أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي انت وأمي يا بن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟ فقال: لولم أعجل لآخذت، ثم قال لى: من أنت؟ قلت: أمرؤ من العرب، فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك، ثم قال لى: أخبرني عن الناس خلفك؟ فقلت: الخبير سئلت، قلوب الناس معك وأسيا فهم عليك، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء .فقال: صدقت لله الامر، وكل يوم هو في شأن، ان نزل القضاء بما نحب ونرضى فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على اداء الشكر، وان حال القضاء دون الرجاء، فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته، فقلت له: اجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها، وحرك راحلته وقال: السلام عليك، ثم افترقنا.
وكان الحسين بن على (عليهما السلام) لما خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ومعه جماعة أرسلهم عمرو بن سعيد اليه، فقالوا له: انصرف إلى أين تذهب فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط وامتنع الحسين وأصحابه منهم امتناعا قويا وسار حتى اتى التنعيم فلقى غيرا قد اقبلت من اليمن، فاستأجر من اهلها جمالا لرحله وأصحابه، وقال لاصحابنا: من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كرائه، وأحسنا صحبته، ومن أحب ان يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق، فمضى معه قوم وامتنع آخرون.