انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

غير خاف أن الغاية العقلية من الحرب والقتل ، محصورة بكف ضرر المودّى به ، واتّقاء شرّه ، والتقصير من مدى تأهبّه لإيذاء المقاتل ، ونصب العراقيل دون مسعاه ، فمتى غلب عليه بإزهاق نفسه أمن القاتل من بلواه ، واطمأن مما كان يحذر منه ، وحينئذ تكون الزيادة على القتل بالهتك والمثلة ، خروج عن ناموس المروءة والعاطفة البشرية ، ولا يأتي به إلا من كان دنيّ الأصل لئيم العنصر ؛ لأن الضرورات تقدّر بقدرها ولا شيء أوفى لقمع الخطر والضرر من القتل ، إذا فالزيادة مذمومة عند العقلاء ، مبغوضة عند الشارع حتى في الحيوانات ، ففي حديث النبي 9 :
« إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور »
بل جاء النبي عن ضرب وجه الدابة لكون الزجر يحصل بما دونه.
ولذلك لم يذكر أحد من المؤرخين أن النبي في مغازيه مثّل بالمشركين ولما تمكّن أمير المؤمنين (عليه السلام) من عمرو بن عبد ود لم يمثّل به كما لم يسلبه مع ما عليه من الكفر والإلحاد ، وفي وصيته للحسن (عليه السلام) لما ضربه ابن ملجم :
« ولئن قتلت فضربة مكان ضربة ، ولئن عفوت فأنت ولي الدم ، ولا تمثّلنّ بالرجل ؛ فإني سمعت رسول الله يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور! »
هذه وصايا الشريعة المطهرة باحترام الميت ولكن هل من مسلم يفقه هذه الدرر الثمينة.
والعجب ممن يتسنّم منبر الدعوة الإلهية ثم يمشي مترددا في حنادس الظلم ما شاء له الهوى ، ولا عجب من الامويين وعمالهم إذا خالفوا قوانين الإسلام ، فإنهم متى أسلموا ليهتدوا ، وإنما استسلموا فرقا من البوار أو تحكما في الأموال والنفوس.
وليس بالغريب إذا أمر ابن زياد بسحب مسلم وهاني من أرجلهما في الأسواق (2) ، ثم صلبهما في الكناسة منكوسين (3) ، وأنفذ الرأسين الى يزيد بن معاوية مع هاني بن أبي حية الوداعي والزبير بن الأروح التميمي وكتب معهما :
أما بعد فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه ، وكفاه مؤنة عدوه وأخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ الى دار هاني بن عروة المرادي ، وإني جعلت عليهم العيون ودسست اليهما الرجال ، وكدتهما حتى استخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فقدّمتهما وضربت عنقيهما ، وبعثت اليك برأسيهما مع هاني بن أبي حية الوداعي ، والزبير بن الأروح التميمي ، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمر فإن عندهما علما وصدقا وفهما وورعا والسلام.
فكتب اليه يزيد :
أما بعد فإنك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم ، وصُلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظني بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما ، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خيرا ، وانه قد بلغني أن الحسين بن علي قد توجّه نحو العراق ، فضع المناظر والمسالح واحترس على الظن وخُذ على التهمة غير أن لا تقتل إلا من قاتلك واكتب إليّ في كل ما يحدث من الخبر ، والسلام عليك (4).
ثم أمر يزيد بالرأسين فنصبهما في درب من دروب دمشق (5).
_____________
1) كتاب سليم الهلاليّ.
2) المنتخب للطريحي.
3) ابن شهر آشوب ج2 ص212.
4) الطبري ج6 ص214.
5) مناقب ابن شهر آشوب ج2 ص212.