انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

- أبو ثمامة عمرو الصائدي
هو عمرو بن عبد الله بن كعب الصائد بن شرحبيل بن شراحيل بن عمرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان ، أبو ثمامة الهمداني الصائدي ، كان أبو ثمامه تابعيا ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين شهدوا معه مشاهده ، ثمّ صحب الحسن (عليه السلام) بعده ، وبقي في الكوفة ، فلمّا توفي معاوية كاتب الحسين (عليه السلام) ، ولمّا جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة قام معه وصار يقبض الأموال من الشيعة بأمر مسلم فيشتري بها السلاح ، وكان بصيرا بذلك ، ولمّا دخل عبيد الله الكوفة وثار الشيعة بوجهه ، وجّهه مسلم فيمن وجّهه ، وعقد له على ربع تميم وهمدان كما قدّمناه. فحصروا عبيد الله في قصره ، ولمّا تفرّق عن مسلم الناس بالتخذيل اختفى أبو ثمامة فاشتدّ طلب ابن زياد له ، فخرج إلى الحسين (عليه السلام) ومعه نافع بن هلال الجملي ، فلقياه في الطريق وأتيا معه .
قال الطبري : ولمّا نزل الحسين كربلاء ونزلها عمر بن سعد ، بعث إلى الحسين (عليه السلام) كثير بن عبد الله الشعبي ـ وكان فاتكا ـ فقال له : اذهب إلى الحسين وسله ما الذي جاء به؟ قال : أسأله ، فإن شئت فتكت به ، فقال : ما أريد أن تفتك به ، ولكن أريد أن تسأله ، فأقبل إلى الحسين ، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين : أصلحك الله أبا عبد الله! قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرأهم على دم وأفتكهم ، ثمّ قام إليه وقال : ضع سيفك ، قال : لا والله ولا كرامة ، إنّما أنا رسول فإن سمعتم منّي أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، وإن أبيتم انصرفت عنكم. فقال له أبو ثمامة : فإنّي آخذ بقائم سيفك ، ثمّ تكلّم بحاجتك. قال : لا والله ولا تمسّه. فقال له : فأخبرني بما ذا جئت؟ وأنا أبلغه عنك ، ولا أدعك تدنو منه ، فإنّك فاجر. قال : فاستبّا ، ثمّ رجع كثير إلى عمر فأخبره الخبر ، فأرسل قرّة بن قيس التميمي الحنظلي مكانه فكلّم الحسين (عليه السلام) .
وروى أبو مخنف : أنّ أبا ثمامة لمّا رأى الشمس يوم عاشوراء زالت وأنّ الحرب قائمة قال للحسين (عليه السلام) : يا أبا عبد الله ، نفسي لنفسك الفداء! إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتّى أقتل دونك إن شاء الله ، وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها ؛ فرفع الحسين رأسه ثمّ قال : ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم ، هذا أوّل وقتها » ؛ ثمّ قال : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي » ، فسألوهم ، فقال الحصين بن تميم : إنّها لا تقبل منكم ، فردّ عليه حبيب بما ذكرناه في ترجمته .
قال : ثمّ إنّ أبا ثمامة قال للحسين ، وقد صلّى : يا أبا عبد الله إنّي قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا ، فقال له الحسين (عليه السلام) : تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة » ، فتقدّم فقاتل حتّى أثخن بالجراحات ، فقتله قيس بن عبد الله الصائدي ابن عمّ له ، كان له عدوّا. وكان ذلك بعد قتل الحر.
برير بن خضير الهمداني المشرقي ( وبنو مشرق بطن من همدان )
كان برير شيخا تابعيّا ناسكا ، قارئا للقرآن ، من شيوخ القرّاء ، ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين ، وهو خال أبي إسحاق الهمداني السبعي .
قال أهل السير : أنّه لمّا بلغ خبر الحسين (عليه السلام) سار من الكوفة إلى مكّة ليجتمع بالحسين (عليه السلام) فجاء معه حتّى استشهد.
وقال السروي : لمّا ضيّق الحرّ على الحسين (عليه السلام) جمع أصحابه فخطبهم بخطبته التي يقول فيها : أمّا بعد ، فإنّ الدنيا قد تغيّرت إلخ » . فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما قالا في ترجمتيهما ، ثمّ قام برير فقال : والله يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، تقطع فيك أعضاؤنا ، حتّى يكون جدّك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا لنا ، فلا أفلح قوم ضيّعوا ابن بنت نبيّهم ، وويل لهم ما ذا يلقون به الله ، وأفّ لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم.
وقال أبو مخنف : أمر الحسين (عليه السلام) في اليوم التاسع من المحرّم بفسطاط فضرب ، ثمّ أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة ، وعبد الرحمن بن عبد ربّه ، وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما ، فازدحما أيّهما يطلي على أثر الحسين (عليه السلام) ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : دعنا ، فو الله ما هذه بساعة باطل! فقال برير : والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّا ولا كهلا ، ولكنّي والله لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددت أن مالوا بها الساعة !
وقال أيضا : روى الضحّاك بن قيس المشرقي ـ وكان بايع الحسين على أن يحامي عنه ما ظنّ أنّ المحاماة تدفع عن الحسين (عليه السلام) فإن لم يجد بدّا فهو في حلّ ـ قال : بتنا الليلة العاشرة ، فقام الحسين وأصحابه الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، فمرّت بنا خيل تحرسنا ، وإنّ الحسين ليقرأ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 178، 179] ، فسمعها رجل من تلك الخيل فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون ، ميّزنا منكم. قال : فعرفته ، فقلت لبرير : أتعرف من هذا؟ قال : لا. قلت : أبو حريث عبد الله بن شهر السبيعي ـ وكان مضحاكا بطّالا ، وكان ربّما حبسه سعيد بن قيس الهمداني في جناية ـ فعرفه برير ، فقال له : أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين! فقال له : من أنت؟ قال : برير. فقال : إنّا لله عزّ عليّ! هلكت والله ، هلكت والله يا برير! فقال له برير : هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام! فو الله إنّا لنحن الطيّبون وأنتم الخبيثون ، قال : وأنا والله على ذلك من الشاهدين ، فقال : ويحك أفلا تنفعك معرفتك! قال : جعلت فداك! فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزيّ؟ ها هو ذا معي. قال : قبّح الله رأيك أنت سفيه على كلّ حال . قال : ثمّ انصرف عنّا.
وروى بعض المؤرّخين أنّه لمّا بلغ من الحسين (عليه السلام) العطش ما شاء الله أن يبلغ استأذن برير الحسين (عليه السلام) في أن يكلّم القوم فأذن له ، فوقف قريبا منهم ، ونادى : يا معشر الناس ، إنّ الله بعث بالحقّ محمّدا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) أفجزاء محمّد هذا؟ فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، فو الله ليعطشنّ الحسين (عليه السلام) كما عطش من كان قبله ، فقال الحسين (عليه السلام) اكفف يا برير ، ثمّ وثب متوكئا على سيفه ، فخطبهم هو (عليه السلام) بخطبته التي يقول فيها : أنشدكم الله هل تعرفوني ... إلخ
وروى أبو مخنف عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس قال : خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة فقال : يا برير بن خضير ، كيف ترى صنع الله بك؟ قال : صنع الله بي والله خيرا ، وصنع بك شرا ، فقال : كذبت ، وقبل اليوم ما كنت كذّابا ، أتذكر وأنا اماشيك في سكّة بني دودان وأنت تقول : إنّ عثمان كان كذا ، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ ، وإنّ علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى؟ قال برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي ، فقال يزيد : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين ، قال برير : فهل لك أن أباهلك ، ولندع الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ أخرج لأبارزك. قال : فخرجا فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله ، يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا ، وضرب برير يزيد ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه ، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه ، حتّى أخرجه وهو يقول :
أنا برير وأبي خضير وكلّ خير فله برير
ثمّ بارز القوم فحمل عليه رضي بن منقد العبدي ، فاعتنق بريرا ، فاعتركا ساعة ، ثمّ إنّ بريرا صرعه وقعد على صدره ، فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع والدفاع؟ فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي يحمل عليه ، فقلت له : إنّ هذا برير ابن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد! وحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره ، فلمّا وجد برير مسّ الرمح برك على رضي فعضّ أنفه حتّى قطعه ، وأنفذ الطعنة كعب حتّى ألقاه عنه ، وقد غيب السنان في ظهره ، ثمّ أقبل يضربه بسيفه حتّى برد ، فكأنّي أنظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ، ويده على أنفه وهو يقول :
أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا. فلمّا رجع كعب ، قالت له أخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القراء ، لقد أتيت عظيما من الأمر ، والله لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا.
فقال كعب في ذلك :
سلي تخبري عنّي وأنت ذميمة غداة حسين والرماح شوارع

ألم أت أقصى ما كرهت ولم يخل عليّ غداة الروع ما أنا صانع
معي يزنّي لم تخنه كعوبه وأبيض مخشوب الغرارين قاطع
فجرّدته في عصبة ليس دينهم بديني وإنّي بابن حرب لقانع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع
أشدّ قراعا بالسيوف لدى الوغى ألا كلّ من يحمي الذمار مقارع
وقد صبروا للطعن والضرب حسّرا وقد نازلوا لو أنّ ذلك نافع
فابلغ عبيد الله إمّا لقيته بأنّي مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثمّ حمّلت نعمة أبا منقذ لمّا دعا : من يماصع؟
قال : فبلغت أبياته رضي بن منقذ ، فقال مجيبا له يرد عليه :
فلو شاء ربّي ما شهدت قتالهم ولا جعل النعماء عند ابن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبّة تعيّره الأبناء بعد المعاشر
فيا ليت أنّي كنت من قبل قتله ويوم حسين كنت في رمس قابر
وفي برير أقول :
جزى الله رب العالمين مباهلا عن الدين كيما ينهج الحق طالب
وأزهر من همدان يلقي بنفسه على الجمع حيث الجمع تخشى مواكبه
أبّر على الصيد الكماة بموقف مناهجه مسدودة ومذاهبه
إلى أن قضى في الله يعلم رمحه بصدق توخّيه ويشهد قاضبه
فقل لصريع قام من غير مارن عذرتك إنّ الليث تدمى مخالب
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة : ( برير ) : في ضبط هذا الاسم وضبط اسم أبيه خلاف. فقد كتب في الرجال : يزيد ابن حصين ، وضبطه ابن الأثير برير بالباء الموحدة والرائين المهملتين وبينهما ياء مثنّاة تحت والتصغير. وضبط خضير بالخاء المعجمة والضاد كذلك والتصغير أيضا ، وهو الذي يقوى نظرا إلى ما روي من شعره.
( بمسك ) : يحتمل أن يقرأ بالفتح وهو الجلد فمعناه أمر بجلد فيه نورة فميث.
ويحتمل أن يقرأ بالكسر وهو الطيب المعروف ، فمعناه أمر بنورة فميث فيها بطيب.
( ميث ) : مجهول من ماث يميث ويموث بالياء والواو يقال : ماث الملح بالماء أذابه وماث المسك دافه ومرسه وخلطه ، فمعنى الكلمة أذيب وديف.
( سعيد ) : بن قيس سيّد همدان ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن الشيعة وشعرائهم. واختلف في زمن موته ، فقيل : في زمن علي (عليه السلام) في أخريات أيّامه بعد حرب صفّين وهو المعروف ، وقيل بعده.
( دودان ) : بطن من أسد ولهم سكّة في الكوفة. وصحفت الكلمة في بعض النسخ بلوذان وهو غلط. ( ينضنضه ) : يحرّكه ويعالجه ليخرجه. ( المصاع ) : القتال والجلاد.
( مخشوب ) : مصقول يقال خشب السيف أي صقله. ( المارن ) : بالراء المهملة والنون الأنف أو طرفه.
عابس بن أبي شبيب الشاكري
هو عابس بن أبي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكري ، وبنو شاكر بطن من همدان. كان عابس من رجال الشيعة رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا متهجدا ، وكانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيهم يقول (عليه السلام) يوم صفين : لو تمّت عدّتهم ألفا لعبد الله حقّ عبادته » وكانوا من شجعان العرب وحماتهم ، وكانوا يلقّبون فتيان الصباح ، فنزلوا في بني وادعة من همدان ، فقيل لها فتيان الصباح ، وقيل لعابس الشاكري والوادعي.
قال أبو جعفر الطبري : قدم مسلم بن عقيل الكوفة فاجتمع عليه الشيعة في دار المختار ، فقرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) فجعلوا يبكون ، فقام عابس بن أبي شبيب ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، ولكن والله أخبرك بما أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم ، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله .
فقام حبيب وقال لعابس ما قدّمته في ترجمة حبيب.
وقال الطبري أيضا : إنّ مسلما لمّا بايعه الناس ثمّ تحوّل من دار المختار إلى دار هاني بن عروة ، كتب إلى الحسين (عليه السلام) كتابا يقول فيه : أمّا بعد فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فحيّهلا بالإقبال حين يأتيك كتابي ، فإنّ الناس كلّهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى .
وأرسل الكتاب مع عابس فصحبه شوذب مولاه.
وروى أبو مخنف : أنّه لمّا التحم القتال في يوم عاشوراء وقتل بعض أصحاب الحسين (عليه السلام) جاء عابس الشاكري ومعه شوذب ، فقال لشوذب : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال : ما أصنع؟! أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) حتّى أقتل. فقال : ذلك الظن بك ، أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه ، وحتّى أحتسبك أنا ، فإنّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرّني أن يتقدّم بين يدي حتّى أحتسبه ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما نقدر عليه ، فإنّه لا عمل بعد اليوم ، وإنّما هو الحساب .
أقول : هذا مثل مقال العبّاس بن علي (عليه السلام) لإخوته في ذلك اليوم ، تقدّموا لأحتسبكم فإنّه لا ولد لكم. يعني فينقطع نسلكم فيشتدّ بلائي ويعظم أجري.
وفهم بعض المؤرخين من هذا المقال أنّه أراد : لأحوز ميراثكم لولدي ، وهو اشتباه ، والعبّاس أجلّ قدرا من ذلك.
وروى أبو مخنف أيضا قال : فتقدّم عابس إلى الحسين بعد مقالته لشوذب فسلّم عليه وقال : يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك ، ثمّ مشى بالسيف مصلتا نحو القوم ، وبه ضربة على جبينه ، فطلب البراز .
وروى أبو مخنف عن الربيع بن تميم الهمداني أنّه قال : لمّا رأيت عابسا مقبلا عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب ، وكان أشجع الناس ، فصحت : أيّها الناس : هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجن إليه أحد منكم. فأخذ عابس ينادي : ألا رجل ألا رجل!؟ فلم يتقدّم إليه أحد ، فنادى عمر بن سعد : ويلكم ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره خلفه ، ثمّ شدّ على الناس ، فو الله لقد رأيته يكرد أكثر من مائتي من الناس ، ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من حواليه ، فقتلوه واحتزّوا رأسه ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد فقال : لا تختصموا ، هذا لم يقتله إنسان واحد ، كلّكم قتله ، ففرّقهم بهذا القول .
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة : ( إنّ الرائد لا يكذب أهله ) : هذا مثل مشهور ومعناه أن من يرسل أمام أهله ليخبرهم عن مربع يليق بهم لا يكذب عليهم بخبره ويغرّهم فإنّ المربع لهم وله وإنّ أهله آتون فناظرون إليه.
( حيّهلاّ ) : بتشديد الياء ، أي : أسرع حثيثا. ( يكرد ) : ويطرد سواء في المعنى.
شوذب بن عبد الله الهمداني الشاكري ( مولى لهم )
كان شوذب من رجال الشيعة ووجوهها ، ومن الفرسان المعدودين ، وكان حافظا للحديث حاملا له عن أمير المؤمنين (عليه السلام) .
قال صاحب الحدائق الورديّة : وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث وكان وجها فيهم .
وقال أبو مخنف : صحب شوذب عابسا مولاه من الكوفة إلى مكّة بعد قدوم مسلم الكوفة بكتاب لمسلم ووفادة على الحسين (عليه السلام) عن أهل الكوفة وبقي معه حتّى جاء إلى كربلا. ولمّا التحم القتال حارب أولا ، ثمّ دعاه عابس ، فاستخبره عمّا في نفسه ، فأجاب بحقيقتها كما تقدّم. فتقدم إلى القتال وقاتل قتال الأبطال ، ثمّ قتل رضوان الله عليه .
حنظلة بن أسعد الشبامي
هو حنظلة بن أسعد بن شبام بن عبد الله بن أسعد بن حاشد بن همدان الهمداني الشبامي ، وبنو شبام بطن من همدان.
كان حنظلة بن أسعد الشبامي وجها من وجوه الشيعة ذا لسان وفصاحة ، شجاعا قارئا ، وكان له ولد يدعى عليّا ، له ذكر في التاريخ.
قال أبو مخنف : جاء حنظلة إلى الحسين (عليه السلام) عند ما ورد الطف ، وكان الحسين (عليه السلام) يرسله إلى عمر بن سعد بالمكاتبة أيّام الهدنة ، فلمّا كان اليوم العاشر جاء إلى الحسين (عليه السلام) يطلب منه الإذن ، فتقدّم بين يديه وأخذ ينادي : {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر: 30 - 33] يا قوم لا تقتلوا {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] ، فقال الحسين (عليه السلام) : يا ابن أسعد ، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين »! قال : صدقت ، جعلت فداك! أفلا نروح إلى ربّنا ونلحق بإخواننا؟ قال : رح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى » ، فقال حنظلة : السلام عليك يا أبا عبد الله ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرّف بينك وبيننا في جنّته ، فقال الحسين : آمين آمين ثمّ تقدّم إلى القوم مصلتا سيفه يضرب فيهم قدما حتّى تعطفوا عليه فقتلوه في حومة الحرب رضوان الله عليه .
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( الشبامي ) : بالشين المعجمة والباء المفردة والألف والميم والياء منسوب إلى شبام على زنة كتاب ، ويمضى في بعض الكتب الشامي نسبة إلى الشام وهو غلط فاضح.
عبد الرحمن الأرحبي
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن بن أرحب بن دعام بن مالك بن معاوية بن صعب بن رومان بن بكير الهمداني الأرحبي ، وبنو أرحب بطن من همدان كان عبد الرحمن وجها تابعيّا شجاعا مقداما.
قال أهل السير : أوفده أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام) في مكّة مع قيس بن مسهّر ومعهما كتب نحو من ثلاث وخمسين صحيفة يدعونه فيها كلّ صحيفة من جماعة. وكانت وفادته ثانية الوفادات ، فإنّ وفادة عبد الله بن سبع وعبد الله بن وال الأولى ، ووفادة قيس وعبد الرحمن الثانية ، ووفادة سعيد بن عبد الله الحنفي وهاني ابن هاني السبعي الثالثة.
قال : فدخل مكّة عبد الرحمن لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وتلاقت الرسل ثمة.
وقال أبو مخنف : ولمّا دعا الحسين مسلما وسرّحه قبله إلى الكوفة سرّح معه قيسا وعبد الرحمن وعمارة بن عبيد السلولي . وكان من جملة الوفود ، ثمّ عاد عبد الرحمن إليه فكان من جملة أصحابه ، حتّى إذا كان اليوم العاشر ورأى الحال استأذن في القتال ، فأذن له الحسين (عليه السلام) فتقدّم يضرب بسيفه في القوم وهو يقول :
صبرا على الأسياف والأسنّة صبرا عليها لدخول الجنّة
ولم يزل يقاتل حتّى قتل ، رضوان الله عليه.
سيف بن الحرث بن سريع بن جابر الهمداني الجابري
ومالك بن عبد الله بن سريع بن جابر الهمداني الجابري
وبنو جابر بطن من همدان. كان سيف ومالك الجابريّان ابني عم وأخوين لأم جاءا إلى الحسين (عليه السلام) ومعهما شبيب مولاهما فدخلا في عسكره وانضمّا إليه.
قالوا : فلمّا رأيا الحسين (عليه السلام) في اليوم العاشر بتلك الحال ، جاءا إليه وهما يبكيان ، فقال لهما الحسين (عليه السلام) : أي ابني أخويّ ما يبكيكما؟ فو الله إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين » ، فقالا : جعلنا الله فداك ، لا والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك بأكثر من أنفسنا ، فقال الحسين (عليه السلام) : جزاكما الله يا ابني أخوي عن وجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي أحسن جزاء المتّقين » .
قال أبو مخنف : فهما في ذلك إذ تقدّم حنظلة بن أسعد يعظ القوم فوعظ وقاتل فقتل كما تقدّم. فاستقدما يتسابقان إلى القوم ويلتفتان إلى الحسين (عليه السلام) فيقولان : السلام عليك يا ابن رسول الله ، ويقول الحسين (عليه السلام) : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ثمّ جعلا يقاتلان جميعا وأنّ أحدهما ليحمي ظهر صاحبه حتّى قتلا .
شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري
كان شبيب بطلا شجاعا جاء مع سيف ومالك ابني سريع ، قال ابن شهرآشوب :
قتل في الحملة الأولى التي قتل فيها جملة من أصحاب الحسين ، وذلك قبل الظهر في اليوم العاشر .
عمّار الدالاني
هو عمّار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران بن راس بن دالان ، أبو سلامة الهمداني الدالاني. وبنو دالان بطن من همدان.
كان أبو سلامة ، عمّار صحابيّا له رؤية كما ذكره الكلبي وابن حجر.
وقال أبو جعفر الطبري : وكان من أصحاب علي (عليه السلام) ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث ، وهو الذي سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عند ما سار من ذي قار إلى البصرة ، فقال : يا أمير المؤمنين إذا قدمت عليهم فما ذا تصنع؟ فقال : أدعوهم إلى الله وطاعته ، فإن أبوا قاتلتهم ، فقال أبو سلامة : إذن لن يغلبوا داعي الله . في كلام له.
وقال ابن حجر في الإصابة : إنّه أتى إلى الحسين (عليه السلام) في الطف وقتل معه .
وذكر صاحب الحدائق والسروي : أنّه قتل في الحملة الأولى حيث قتل جملة من أصحاب الحسين (عليه السلام) .
حبشي بن قيس النهمي
هو حبشي بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان بن سلمة بن حارثة الهمداني النهمي. وبنو نهم بطن من همدان.
كان سلمة صحابيّا ذكره جماعة من أهل الطبقات. وابنه قيس له إدراك ورؤية ، وابن قيس حبشي ممّن حضر الطف وجاء الحسين (عليه السلام) فيمن جاء أيّام الهدنة.
قال ابن حجر : وقتل مع الحسين (عليه السلام) .
زياد أبو عمرة الهمداني الصائدي
هو زياد بن عريب بن حنظلة بن دارم بن عبد الله بن كعب الصائد بن شرحبيل بن شراحيل بن عمرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان ، أبو عمرة الهمداني الصائدي. وبنو الصائد بطن من همدان.
كان عريب صحابيّا ذكره جملة من أهل الطبقات. وأبو عمرة ولده هذا له إدراك وكان شجاعا ناسكا معروفا بالعبادة ، قال صاحب الإصابة : إنّه حضر وقتل مع الحسين (عليه السلام) .
وروى الشيخ ابن نما عن مهران الكاهلي مولى لهم ، قال : شهدت كربلا مع الحسين (عليه السلام) فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل على قوم إلاّ كشفهم ، ثمّ يرجع إلى الحسين (عليه السلام) فيقول له :
أبشر هديت الرشد يا ابن أحمدا في جنّة الفردوس تعلو صعّدا
فقلت : من هذا؟ قالوا : أبو عمرة الحنظلي . فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني تيم اللات بن ثعلبة فقتله واحتزّ رأسه ، قال : وكان متهجدا .
سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمير بن نهم الهمداني النهدي
كان سوار ممّا أتى إلى الحسين (عليه السلام) أيّام الهدنة وقاتل في الحملة الأولى فجرح وصرع.
قال في الحدائق الورديّة : قاتل سوار حتّى إذا صرع ، أتي به أسيرا إلى عمر بن سعد ، فأراد قتله ، فشفع فيه قومه ، وبقي عندهم جريحا حتّى توفي على رأس ستّة أشهر .
وقال بعض المؤرّخين : إنّه بقي أسيرا حتّى توفي ، وإنّما كانت شفاعة قومه الدفع عن قتله ، ويشهد له ما ذكر في القائميّات من قوله (عليه السلام) : السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي عمير النهمي » على أنّه يمكن حمل العبارة على أسره في أوّل الأمر.
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( النهمي ) : بالنون المفتوحة والهاء الساكنة والميم والياء المثنّاة تحت. ويمضى في بعض الكتب الفهمي بالفاء وهو تصحيف واضح وغلط فاضح.
عمرو بن عبد الله الهمداني الجندعي
وبنو جندع بطن من همدان. كان عمرو الجندعي ممّن أتى إلى الحسين (عليه السلام) أيّام المهادنة في الطف ، وبقي معه.
قال في الحدائق : إنّه قاتل مع الحسين (عليه السلام) فوقع صريعا مرتثا بالجراحات قد وقعت ضربة على رأسه بلغت منه ، فاحتمله قومه وبقي مريضا من الضربة صريع فراش سنة كاملة ، ثمّ توفي على رأس السنة ، 2. ويشهد له ما ذكر في القائميّات من قوله (عليه السلام) : السلام على الجريح المرتث عمرو الجندعي .
( ضبط الغريب )
ممّا وقع في هذه الترجمة :
( الجندعي ) : بالجيم والنون والدال والعين المهملتين والياء للنسبة إلى جندع زنة قنفذ.