انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

إنّ الشريعة المقدسة أوجبت على الناس النهضة لسد باب المنكر و الردع عن الفساد و ألزمت الأمة بمتابعة الإمام في رد عادية الباغين على الخليفة المنصوب علما للعباد بعد أن يدعوهم إلى التوبة عما هم فيه من معاندة الحق و الرجوع إلى ساحة الشرع الأعظم سبحانه و تعالى كما قال في الحجرات، الآية : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات : 9] ، و قد نهض أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) أيام خلافته للدفاع عن قدس الشريعة و تنبيه الأمة من رقدة الجهل و كان الواجب على الناس الفي‏ء إليه لأنه إمام الحق المفروضة طاعته، و قد اعترف جمهور المسلمين بتمامية البيعة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) و حكموا بأن قتاله لمن خرج عليه حق حتى و هذه كلماتهم التي سجلوها في صحفهم شواهد متقنة على هذه الدعوى المدعومة بالعقل و النقل.
فهذا أبو حنيفة يقول: ما قاتل أحد عليا إلا و علي أولى بالحق منه و لو لا ما سار علي ( عليه السّلام ) فيهم ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين! و لا شك أنّ عليا ( عليه السّلام ) إنما قاتل طلحة و الزبير بعد أن بايعاه و خالفاه، و في يوم الجمل سار علي ( عليه السّلام ) فيهم بالعدل و هو أعلم المسلمين فكانت السنة في قتال أهل البغي‏ «1».
و اقتفاه تلميذه محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة 187 فقال: لو لم يقاتل معاوية عليا ( عليه السّلام ) ظالما له متعديا باغيا كنا لا نهتدي لقتال أهل البغي‏ «2».
و قال سفيان الثوري: ما قاتل علي ( عليه السّلام ) أحدا إلا كان علي أولى بالحق منه‏ «3».
و قال الشافعي: السكوت عن قتلى صفين حسن و إن كان علي ( عليه السّلام ) أولى بالحق من كل من قاتله‏ «4».
و قال أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص المتوفى سنة 370 كان علي محقا في قتال الفئة الباغية لم يخالف فيه أحد و كان معه من كبراء الصحابة و أهل بدر من قد علم مكانهم‏ «5».
و قال القاضي أبو بكر ابن العربي المتوفى سنة 546: كان علي إماما لأنهم اجتمعوا عليه و لم يمكنه ترك الناس لأنه أحقهم بالبيعة فقبلها حوطة على الأمة أن لا تسفك دماؤها بالتهارج فيتخرق الأمر و ربما تغير الدين و أنقض عمود الإسلام و طلب أهل الشام منه التمكين من قتلة عثمان فقال لهم علي عليه السّلام: ادخلوا في البيعة و اطلبوا الحق تصلوا إليه و كان علي ( عليه السّلام ) أسدّهم رأيا و أصوبهم قولا لأنه لو تعاطى القود لتعصبت لهم قبائلهم فتكون حربا ثالثة فانتظر بهم أن يستوثق الأمر و تنعقد البيعة العامة ثم ينظر في مجلس الحكم و يجري القضاء و لا خلاف بين الأمة أنّه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة و تشتيت الكلمة.
و حينئذ فكل من خرج على علي ( عليه السّلام ) باغ، و قتال الباغي واجب حتى يفي‏ء إلى الحق و ينقاد إلى الصلح و إنّ قتاله لأهل الشام الذين أبوا الدخول في البيعة و أهل الجمل و النهروان الذين خلعوا بيعته حق و كان حق الجميع أن يصلوا إليه و يجلسوا بين يديه و يطالبوه بما رأوا، فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة فتناولهم قوله تعالى: { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات : 9].
و لقد عتب معاوية على سعد بن أبي وقاص‏ «6» بعدم مشاركته في قتال‏ علي ( عليه السّلام ) فرد عليه سعد بأني ندمت على تأخيري عن قتال الفئة الباغية يعني معاوية و من تابعه‏ «7».
و قال أبو بكر محمد الباقلاني المتوفى سنة 403 ه بعد ذكر جملة من فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ عليا يصلح للخلافة ببعض هذه الخصال و دون هذه الفضائل و يستحق الإمامة فهو حقيق بما نظر فيه و تولاه فوجب الانقياد له بعقد من عقدها له من وجوه المهاجرين و الأنصار عشية اليوم الثالث من مقتل عثمان بعد امتناعه عليهم و اصرارهم عليه لأنّه أعلم من بقي و أفضلهم و أولاهم بهذا الأمر و ناشدوه اللّه تعالى في حفظ بقية الأمة و صيانة دار الهجرة فبايعوه قبل حضور الزبير و طلحة و مبايعتهما له تبع لغيرهما بعد وجوبها عليهما و لو تأخرا عن الانقياد لكانا مأثومين و قولهما له: «بايعناك مكرهين» «8» لا يضر بإمامة علي ( عليه السّلام ) لأنّ البيعة له تمت قبل ما بيعتهما و طلبهما منه قتل قتلة عثمان خطأ لأنّ عقد الإمامة لرجل على أن يقتل الجماعة بالواحد لا يصح بعد أن كان الإمام متعبدا باجتهاده فقد يؤدي إلى أنه لا يجوز قتل الجماعة بالواحد و إن أدى إليه اجتهاده فقد يجتهد ثانيا إلى عدمه و لو ثبت أن عليا ( عليه السّلام ) يرى جواز قتل الجماعة بالواحد لم يجز أن يقتل جميع‏ قتلة عثمان إلا بعد أن تقوم البينة على القتلة بأعيانهم و أن يحضر أولياء الدم مجلسه و يطالبون بدم أبيهم و وليهم و أن لا يؤدي القتل إلى هرج عظيم و فساد شديد قد يكون مثل قتلة عثمان أو أعظم منه و تأخير اقامة الحد إلى وقت امكانه أولى و أصلح للأمة و أنفى للفساد «9».
و قال أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه المعروف بالحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405: الأخبار الواردة في بيعة أمير المؤمنين كلها صحيحة مجمع عليها و فيها يقول خزيمة بن ثابت و هو واقف بين يدي المنبر:
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا أبو حسن مما نخاف من الفتن‏
وجدناه أولى الناس بالناس إنّه‏ أطب قريش بالكتاب و بالسنن‏
و إنّ قريشا ما تشق غباره‏ إذا ما جرى يوما على الضمر البدن‏
و فيه الذي فيهم من الخير كله‏ و ما فيهم كل الذي فيه من حسن‏

و ساق الذهبي جميعه في تلخيص المستدرك و لم يتعقبه‏ «10» ثم حكى الحاكم عن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب أنّه قال: ما وجدت في نفسي من شي‏ء من أمر هذه الآية : {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات : 9] ‏ إلا أنّي لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني اللّه تعالى‏ «11».
و حكى الحاكم النيسابوري عن أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه قال عهدت مشايخنا يقولون: إنّا نشهد بأن كل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي‏ طالب في خلافته فهو باغ و به قال ابن إدريس‏ «12».
و قال أبو منصور عبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429: أجمع أهل الحق على صحة إمامة علي ( عليه السّلام ) وقت انتصابه لها بعد قتل عثمان و أنه كان محقا مصيبا في التحكيم و في قتال أصحاب الجمل و أصحاب معاوية بصفين‏ «13».
و قال أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الفيروز آبادي المتوفى سنة 476:
إذا خرجت على الإمام طائفة من المسلمين و رأت خلعه بتأويل أو منعت حقا توجب عليها بتأويل و خرجت عن قبضة الإمام و امتنعت عليه بمنعة قاتلها الإمام لقوله عز و جل: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي‏ و لأن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة و قاتل علي أهل البصرة يوم الجمل و قاتل معاوية بصفين و قاتل الخوارج بالنهروان‏ «14» و ظاهره أنّ قتال علي ( عليه السّلام ) لهؤلاء بحق لأنه إمام حق وجبت بيعته في أعناقهم و خروجهم عن طاعته و إن كان بتأويل لا يبرر عملهم.
و قال إمام الحرمين الجويني المتوفى سنة 478: كان علي بن أبي طالب إماما حقا في توليته و مقاتلوه بغاة «15».
و قال علاء الدين الكاساني الحنفي المتوفى سنة 587: قاتل سيدنا علي أهل حروراء بالنهروان بحضرة الصحابة تصديقا لقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم لسيدنا علي عليه السّلام: إنك تقاتل على التأويل كما تقاتل على التنزيل و القتال على التأويل هو القتال مع الخوارج و دل الحديث على إمامة سيدنا علي لأن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم شبه قتال سيدنا علي بقتاله على التنزيل و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم محقا في قتاله على التنزيل فلزم أن يكون سيدنا علي محقا في قتاله اياهم لأن الدعوة قد بلغتهم لكونهم في دار الإسلام و من المسلمين و يجب على كل من دعاه إلى قتالهم أن يجيبه إلى ذلك و لا يسعه التخلف إذا كان عنده غنى و قدرة لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة، و ما روي عن أبي حنيفة إذا وقعت الفتنة بين المسلمين فينبغي للرجل أن‏ يلزم بيته محمول على وقت خاص و هو ألا يكون إمام يدعوه إلى قتال و أما إذا كان فدعاؤه يفترض عليه الإجابة لما ذكرنا «16».
و قال يحيى بن شرف النووي الشافعي المتوفى سنة 677: كان علي هو المحق المصيب في تلك الحروب و قال معظم الصحابة و التابعين و عامة علماء الإسلام يجب نصر المحق في الفتن و القيام معه بمقاتلة الباغين قال اللّه تعالى:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات : 9] ، و هذا هو الصحيح‏ «17».
و قال ابن همام الحنفي المتوفى سنة 681: كان علي ( عليه السّلام ) على الحق في قتال الجمل و قتال معاوية بصفين و قول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية و قد قتله أصحاب معاوية صريح بأنهم بغاة، و لقد أظهرت عائشة الندم كما ذكره أبو عمرو في الاستيعاب و قالت لعبد اللّه بن عمر: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال لها: رأيت رجلا قد غلبك- يعني ابن الزبير- فقالت: أما لو نهيتني ما خرجت‏ «18».
و قال ابن تيمية المتوفى سنة 728: لما قتل عثمان بايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) و هو أحق بالخلافة حينئذ و أفضل من بقي لكن كانت القلوب متفرقة و نار الفتنة موقدة فلم تتفق الكلمة و لم تنتظم الجماعة و لم يتمكن الخليفة و خيار الأمة من كل ما يرون من الخير إلى أن ظهرت الحرورية المارقة فقاتلوا أمير المؤمنين عليا و من معه فقتلهم بأمر اللّه تعالى و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم طاعة لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم إن الطائفة المارقة يقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق، فكان علي بن أبي طالب و من معه هم الذين قاتلوهم فدل كلام النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على أنهم أدنى إلى الحق من معاوية و من معه‏ «19».
وقال : كل فرقة من المتشيعين مقرة بأن معاوية ليس كفنا لعلي ( عليه السّلام ) بالخلافة، و لا يجوز أن يكون خليفة مع امكان استخلاف علي ( عليه السّلام ) فإن فضل علي و سابقته و علمه و دينه و شجاعته و سائر فضائله كانت عنده ظاهرة معروفة و لم يكن بقي من أهل الشورى غيره و غير سعد و قد ترك سعد هذا الأمر و توفي عثمان فلم يبق لها معين إلا علي‏ «20».
و قال الزيلعي المتوفى سنة 762: كان الحق بيد علي ( عليه السّلام ) في نوبته فالدليل عليه قول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية، و لا خلاف أنه كان مع علي ( عليه السّلام ) و قتله أصحاب معاوية ثم قال أجمعوا على أنّ عليا كان مصيبا في قتال أهل الجمل و هم طلحة و الزبير و عائشة و من معهم و أهل صفين و هم معاوية و عسكره ثم قال: لما ولي علي ( عليه السّلام ) الخلافة و كان معاوية بالشام قال لا ألي له شيئا و لا أبايعه و لا أقدم عليه‏ «21».
و قال ابن القيم الجوزية المتوفى سنة 751: كان علي في وقته سابق الأمة و أفضلها و لم يكن فيهم حين وليها أولى بها منه‏ «22».
و قال أبو عبد اللّه ابن محمد بن مفلح الحنبلي المتوفى سنة 763: كان علي ( عليه السّلام ) أقرب إلى الحق من معاوية و أكثر المنصفين في قتال أهل البغي يرى القتال من ناحية علي ( عليه السّلام ) و منهم من يرى الإمساك و قال ابن هبيرة في حديث أبي بكرة في ترك القتال في الفتنة أي في قتل عثمان فأما ما جرى بعده فلم يكن لأحد من المسلمين التخلف عن علي عليه السّلام، و لما تخلف عنه سعد و ابن عمر و أسامة و محمد بن مسلمة و مسروق و الأحنف ندموا، و كان عبد اللّه بن عمر يقول عند الموت: إنّي أخرج من الدنيا و ليس في قلبي حسرة إلا تخلفي عن علي ( عليه السّلام ) و كذا روي عن مسروق و غيره بسبب تخلفهم‏ «23» و قال ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 كان الإمام علي بن أبي طالب على الحق و الصواب‏ في قتال من قاتله في حروبه الجمل و صفين و غيرهما «24».
و يحكي محمود العيني المتوفى سنة 855 عن الجمهور أنّهم صرحوا بأنّ عليا ( عليه السّلام ) و اشياعه كانوا مصيبين إذ كان علي ( عليه السّلام ) أحق الناس بالخلافة و أفضل من على وجه الدنيا حينئذ «25».
و قال ابن حجر الهيثمي المتوفى سنة 974: إنّ أهل الجمل و صفين رموا عليا ( عليه السّلام ) بالمواطأة مع قتلة عثمان و هو بري‏ء من ذلك و حاشاه‏ «26» ثم قال : و يجب على الإمام قتال البغاة لاجماع الصحابة عليه و لا يقاتلهم حتى يبعث إليهم أمينا عدلا فطنا ناصحا يسألهم عما ينقمونه على الإمام تأسيا بعلي ( عليه السّلام ) في بعثه ابن عباس إلى الخوارج بالنهروان فرجع بعضهم إلى الطاعة «27».
و حديث مناظرة ابن عباس مع الخوارج مذكور في آخر خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 48.
و قال الشهاب الخفاجي المتوفى 1100: حديث النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم تقتل عمار الفئة الباغية و قد قتله أصحاب معاوية و كان مع علي ( عليه السّلام ) بصفين و هو صريح في أنّ الخليفة هو علي ( عليه السّلام ) و أنّ معاوية مخطى‏ء في اجتهاده و الباغية من البغي و هو الخروج بغير حق على الإمام، و في الحديث عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق و ابن سمية هو عمار كان مع علي ( عليه السّلام ) و هذا هو الذي ندين اللّه به و هو أنّ عليا كرم اللّه وجهه على الحق و مجتهد مصيب في عدم تسليم قتلة عثمان‏ «28».
و قال الشوكاني المتوفى سنة 1255 في حديث أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم:
تكون أمتي فرقتين يخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهما بالحق دلالة على أنّ عليا ( عليه السّلام ) و من معه هم المحقون و معاوية و من معه هم المبطلون‏ «29».
و حكى أبو الثناء الآلوسي المفسر عن بعض الحنابلة التصريح بوجوب قتال الباغين لأنّ عليا ( عليه السّلام ) اشتغل في زمان خلافته بقتال الباغين دون الجهاد فهو إذا أفضل من الجهاد ثم ذكر ندم عبد اللّه بن عمر على تركه المشاركة مع علي ( عليه السّلام ) في قتال الباغين و لم يتعقبه الآلوسي بشي‏ء «30».
و قال محمد كرد علي: ما خالف علي في البراءة من قتلة عثمان و قد كان‏ قتلته من أكثر القبائل و كانوا عددا ضخما لا طاقة لعلي عليهم و من المعتذر عليه أن يسلمهم أو بعضهم و هم عضده و لو كان يعرفهم بأعيانهم و قد وقعت المسألة على غير رضاه و ليس من مصلحته أن يستهدف لغضب عشائر كثيرة تقوم بنصرته اليوم و كان علي ( عليه السّلام ) يحلف باللّه أنّ بني أمية لو أرادوا منه أن يأتيهم بخمسين غلاما من بني هاشم يحلفون باللّه أنّي ما قتلت عثمان و لا مالأت عليه‏ «31».
هذه نصوص علماء السنة في أحقية علي بالخلافة من غيره و أنّ الخارج عليه باغ يستحق القتال حتى يثوب إلى الحق و لذا كان خيار الصحابة و التابعين معه و منهم أويس القرني فإنّه في الرجالة يوم صفين‏ «32».
و كان عبد اللّه بن عمرو بن العاص يقول ما وجدت في نفسي من شي‏ء مثل ما وجدت أنّي لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني اللّه تعالى و كان يحدث بما أخبر به النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّ ابن سمية عمارا تقتله الفئة الباغية و أنّ البغاة على الإمام علي معاوية و أصحابه و لما سئل عن المشاركة مع علي بن أبي طالب يوم صفين اعتذر بما لا يجديه يوم فصل الخطاب فقال: إني لم أضرب بالسيف و لم أطعن بالرمح و لكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال أطع أباك فأطعته‏ «33».
هذا هو التمويه و الخداع كيف يسوغ التذرع عن مخالفة الحق بحمل كلام النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على غير حقيقته؟ أتجوّز الشريعة حمل الحديث على وجوب طاعة الأب حتى إذا استلزمت ترك الفرائض أو ارتكاب المحرمات- كلا- إنّ طاعة الإمام الذي تمت له البيعة كانت مفروضة في أعناق المسلمين لا مناص للأمة حينئذ إلا الخضوع له و وجوب امتثال أمره فيما يدعوهم إليه و لا طاعة للأبوين في قبال طاعة الإمام ( عليه السّلام ) و لعل قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [لقمان : 15] شامل لذلك فإنّ المراد من الشرك المنهي عنه الكناية عن ترك الانقياد للّه سبحانه و يدخل فيه الإعراض عن طاعة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و الإمام الذي تمت له البيعة في أعناق المسلمين و لذلك كانت عائشة تتم في سفرها إلى البصرة في قتال‏ علي ( عليه السّلام ) فإنّ القصر عندها إنما يكون في سفر طاعة.
إنّ الشريعة المقدسة أوجبت على إمام الأمة إقامة الحجة على كل من عانده و خرج عن طاعته بتذكير آلاء اللّه تعالى المتتابعة على العباد مع ما هم عليه من التمرّد و الطغيان.
ثم يعرفهم بأنّ الدنيا الزائلة لا تعود على المنهمك فيها إلا بالخسران إذ لعل بالمواعظ القدسية و تلاوة الآيات المحكمة يستنير من اعمته الشهوات فيبصر سبيل الرّشاد و يلمس الحقيقة الناصعة.
و لقد سار أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) على هذه الخطة التي سنها قانون الإسلام في أيامه الثلاثة بعد الهتاف بأصحابه ألا يتعدوا مقررات الشريعة و منها عدم الاستعجال في القتال حتى تكون الفرقة المقابلة لهم هي العادية بقتال المؤمنين لتثبت الحجة على البادي بالظلم‏.
و قد أكثر سلام اللّه عليه و على أبنائه المعصومين من وعظ أهل الجمل و صفين و النهروان كيلا يبقى لأحد عذر يوم نشر الصحف و تدحض حجة كل من بلغته دعوته و أصر على الخلاف و العناد، فاستضاء بأنوار ارشاداته من هداه اللّه إلى الإيمان و ضل من ضل عن سبيل الحق.
______________________
(1) مناقب أبي حنيفة للخوارزمي ج 2 ص 83 و 84 حيدرآباد.
(2) الجواهر المضيئة طبقات الحنفية ج 2 ص 26.
(3) حلية الأولياء لأبي نعيم ج 7 ص 31.
(4) أدب الشافعي و مناقبه ص 314.
(5) أحكام القرآن ج 3 ص 492.
(6) في كامل ابن الأثير ج 3 ص 74 عند ذكر البيعة لأمير المؤمنين قال: لم يبايع سعد بن أبي وقاص و عبد اللّه بن عمر و حسان بن ثابت و كعب بن مالك و مسلمة بن مخلد و أبو-- سعيد الخدري و محمد بن ملسمة و النعمان بن بشير و زيد بن ثابت و رافع بن حديج و فضالة بن عبيد و كعب بن عجرة و عبد اللّه بن سلام و صهيب بن سنان و سلامة بن سلامة بن وقش و أسامة بن زيد و قدامة بن مظعون و المغيرة بن شعبة و تعرض لهم أبو منصور عبد القاهر البغدادي في أصول الدين ص 290 و الباقلاني في التمهيد ص 233 و ابن تيمية في الفتاوى المصرية ج 4 ص 226 و أبو جعفر الطبري في تاريخه أخبار الملوك و الأمم ج 3 ص 153 و تعرض لاعتزال سعد بن أبي وقاص الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 1 ص 79 إلى ص 83 و ذكر اعتذاره غير المقبول عند اللّه و عند رسوله و هو عدم اتباعه أحدا إلا أن يعطيه سيفا له لسان و عينان يعرف بهما المؤمن من الكافر و في ترجمته من الاستيعاب أن معاوية كتب إليه شعرا يستميله إليه فرد عليه بأبيات يقول فيها:
أتطمع في الذي أعطى عليا على ما قد طمعت به العفاء
ليوم منه خير منك حيا و ميتا أنت للمرء الفداء
فأما أمر عثمان فدعه‏ فإن الرأي أذهبه البلاء
(7) أحكام القرآن ج 2 ص 224 و 225 ط مصر سنة 1331 ه.
(8) في مستدرك الحاكم ج 3 ص 114 أول من بايعه طلحة فقال: هذه بيعة تنكث.
(9) التمهيد ص 229 إلى ص 232.
(10) المستدرك ج 3 ص 115 و زاد عليها السيد المرتضى في الفصول المختارة ج 2 ص 67 أبياتا أربعة و هي :
وصي رسول اللّه من دون أهله‏ و فارسه قد كان في سالف الزمن‏
و أول من صلى من الناس كلهم‏ سوى خيرة النسوان و اللّه ذو المنن‏
و صاحب كبش القوم في كل وقعة يكون لها نفس الشجاع لدى الذقن‏
فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه‏ امامهم حتى أغيب في الكفن‏
(11) المستدرك ج 2 ص 463.
(12) معرفة علوم الحديث ص 84.
(13) أصول الدين من ص 286 إلى 292.
(14) المهذب في الفقه الشافعي ج 2 ص 234 ط مصر سنة 1343 ه.
(15) الارشاد في أصول الاعتقاد ص 433.
(16) بدائع الصنائع ج 7 ص 140 أحكام المرتدين.
(17) شرح صحيح مسلم على هامش إرشاد الساري ج 10 ص 336 و ص 338.
(18) فتح القدير ج 5 ص 461 كتاب القضاء أدب القاضي و في تاريخ الطبري ج 5 ص 221 قالت عائشة: وددت أني مت قبل يوم الجمل بعشرين سنة و في العقد الفريد ج 2 ص 288 عند ذكر أصحاب الجمل و معارف ابن قتيبة ص 59 قيل لعائشة ندفنك مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قالت لا.
(19) مجموع فتاوى ابن تيمية ج 2 ص 251.
(20) مجموع فتاوى ابن تيمية ج 4 ص 224.
(21) نصب الراية ج 4 ص 69 في تخريج أحاديث الهداية كتاب أدب القاضي.
(22) بدائع الفوائد ج 3 ص 208 لابن القيم الجوزية.
(23) الفروع ج 3 ص 542 و 543.
(24) فتح الباري شرح البخاري ج 12 ص 244 كتاب استتابة المرتدين باب ترك قتال الخوارج للتأليف.
(25) عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج 11 ص 346 كتاب الفتن.
(26) في كامل ابن الأثير ج 2 ص 240 كان محمد بن سيرين يقول: ما علمت أن عليا أتهم في قتل عثمان حتى بويع اتهمه الناس، و في التمهيد للباقلاني ص 235: كان علي ( عليه السّلام ) يقول بالبصرة: و اللّه ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله و لكن اللّه قتله و أنا معه فظن قوم أنه أخبر عن نفسه بالقتل بقوله: «و أنا معه» و إنما أراد أن اللّه أماته و يميتني معه لأنه حلف و هو الصادق أنه ما قتله و لا مالأ عليه، و في العقد الفريد ج 2 ص 274 في باب براءة علي من دم عثمان كان علي ( عليه السّلام ) في الكوفة يقول و لئن شاءت بنو أمية لأباهلنهم عند الكعبة خمسين يمينا ما بدأت في حق عثمان بشي‏ء و في مجموع الفتاوى المصرية لابن تيمية ج 4 ص 224: كان علي ( عليه السّلام ) يحلف و هو البار الصادق بلا يمين أنه لم يقتل عثمان و لا رضي بقتله. و في تاج العروس شرح القاموس ج 8 ص 141 مادة نفل النفل الحلف و منه حديث علي عليه السّلام: لوددت أن بني أمية رضوا و نفلنا خمسين من بني هاشم يحلفون ما قتلنا عثمان و لا نعلم له قاتلا أي حلفنا لهم خمسين يمينا على البراءة. و في اصلاح المنطق لابن السكيت ص 170 باب ما يهمز و ترك العامة همزه في مادة «ملأ» يروى عن علي بن أبي طالب أنه قال: و اللّه ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله، و التمالؤ الاجتماع على الأمر. و في كتاب صفين لنصر ص 60 مصر قتل المغيرة بن الأخنس يوم الدار مع عثمان فقال ابنه شعرا يعذر عليا عن الاشتراك مع القوم فقال من أبيات:
فأما علي فاستغاث ببيته‏ فلا آمر فيها و لم يك ناهيا
ولابن أبي الحديد كلمة في شرح النهج ج 1 ص 112 مصر تدل على فقهه بالحوادث فقال: كان معاوية شديد الانحراف عن علي ( عليه السّلام ) لأنه يوم بدر قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و شرك في جده عتبة أو عمه شيبة و قتل من اعيان بني عبد شمس و أماثلهم نفرا كثيرا فمن هناك أشاع نسبة قتل عثمان إليه أو انضواء القتلة إليه و في كامل المبرد ج 2- - ص 240 كان عروة بن الزبير يقول كان علي ( عليه السّلام ) أتقى للّه من أن يعين على قتل عثمان.
(27) تحفة المحتاج شرح المنهاج للنووي ج 4 ص 110 و 112.
(28) شرح الشفا ج 3 ص 166 طبع سنة 1326.
(29) نيل الاوطار ج 7 ص 138.
(30) روح المعاني ج 26 ص 151 مصر.
(31) الإسلام و الحضارة العربية ج 2 ص 380.
(32) عمدة القاري للعيني ج 11 ص 346.
(33) عمدة القاري للعيني ج 11 ص 346.