انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

و في البحار أن ابن زياد لا يزال يرسل إلى ابن سعد بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس و راجل ثم كتب إليه ابن زياد: إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل و الرجال فانظر لا أصبح و لا أمسي إلا و خبرك عندي غدوة و عشية».
و كان ابن زياد يستحث عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم.
و أقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين (عليه السلام) فقال: يا ابن رسول اللّه هاهنا حي من بني أسد بالقرب منا تأذن لي في المصير إليهم فادعوهم إلى نصرتك فعسى اللّه أن يدفع بهم عنك. قال: قد أذنت لك.
فخرج حبيب إليهم في جوف الليل مستنكرا حتى أتى إليهم فعرفوه أنه من بني أسد فقالوا: ما حاجتك؟ فقال: إني قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم فإنه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من ألف رجل لن يخذلوه و لن يسلموه أبدا و هذا عمر بن سعد قد أحاط به و أنتم قومي و عشيرتي و قد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة فإني أقسم باللّه لا يقتل أحد منكم في سبيل اللّه مع ابن بنت رسول اللّه صابرا محتسبا إلا كان رفيقا لمحمد في عليين.
قال: فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبد اللّه بن بشير فقال: أنا أول من يجيب هذه الدعوة. ثم جعل يرتجز و يقول:
قد علم القوم إذا تواكلوا و أحجم الفرسان إذ تثاقلوا
اني شجاع بطل مقاتل‏ كأنني ليث عرين باسل‏
ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام و خرج رجل من ذلك الوقت من الحي حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال فدعا ابن سعد رجلا من أصحابه يقال له الأزرق فضم‏ إليه أربعمائة فارس و وجهه نحو حي بني أسد فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين (عليه السلام) في جوف الليل إذ استقبلهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات و بينهم و بين عسكر الحسين (عليه السلام) اليسير فناوش القوم بعضهم بعضا و اقتتلوا قتالا شديدا.
و صاح حبيب بن مظاهر بالأزرق: ويلك ما لك و ما لنا انصرف عنا دعنا يشقى بنا غيرك فأبى الأزرق أن يرجع و علمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم ثم انهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيتهم و رجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين (عليه السلام) فخبره بذلك فقال: لا حول و لا قوة إلا باللّه.
قال: و رجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات فحالوا بين الحسين (عليه السلام) و أصحابه و بين الماء و أضر العطش بالحسين (عليه السلام) و أصحابه فأخذ الحسين (عليه السلام) فأسا و جاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب فشرب الحسين (عليه السلام) و شرب الناس بأجمعهم و ملأوا أسقيتهم ثم غارت العين فلم ير لها أثر. فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل الى عمر بن سعد: بلغني أن الحسين (عليه السلام) يحفر الآبار و يصيب الماء فيشرب هو و أصحابه فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت و ضيق عليهم و لا تدعهم يذوقوا الماء و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان. فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييف‏ .
قال محمد بن طلحة و علي بن عيسى الأربلي: و اشتد بهم العطش فقال انسان من أصحاب الحسين (عليه السلام) يقال له يزيد بن حصين الهمداني- و كان زاهدا- للحسين (متعلق بقال أي قال للحسين عليه السلام): ائذن لي يا ابن رسول اللّه لآتي ابن سعد فأكلمه في أمر الماء عساه أن يرتدع. فقال له: ذلك إليك.
فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد فدخل عليه و لم يسلم قال: يا أخا همدان ما منعك من السلام؟ أ لست مسلما أعرف اللّه و رسوله؟ فقال له الهمداني: لو كنت مسلما كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله تريد قتلهم و بعد فهذا ماء الفرات يشرب منه كلاب السواد و خنازيرها و هذا الحسين بن علي و إخوته و نساؤه و أهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم و بين ماء الفرات أن يشربوه و تزعم أنك تعرف اللّه و رسوله. فأطرق عمر بن سعد ثم قال: و اللّه يا أخا همدان إني أعلم حرمة أذاهم لكن:
دعاني عبيد اللّه من دون قومه‏ إلى خطة فيها خرجت لحيني‏
فو اللّه لا أدري و إني لواقف‏ على خطر لا أرتضيه و مين‏
أ أترك ملك الري و الري منيتي‏ أم أرجع مطلوبا بقتل حسين‏
و في قتله النار التي ليس دونها حجاب و ملك الري قرة عيني‏
يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري. فرجع يزيد بن حصين الهمداني فقال للحسين عليه السلام: يا ابن رسول اللّه إن عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بولاية الري‏ .
قال أبو جعفر الطبري و أبو الفرج الأصبهاني: لما اشتد على الحسين (عليه السلام) و أصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين (ثلاثين خ ل) راجلا و بعث معهم بعشرين قربة فجاؤوا حتى دنوا من الماء ليلا و استقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي (البجلي خ ل) نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه. قال: فاشرب هنيئا قال: و اللّه لا أشرب منه قطرة و حسين عطشان و من ترى من أصحابه فطلعوا عليه فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء. فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله: املئوا قربكم فشد الرجالة فملئوا قربهم و ثار إليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه فحمل عليهم العباس بن علي عليهما السلام و نافع ابن هلال فكفوهم ثم انصرفوا إلى رحالهم فقالوا: امضوا وقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه و اطردوا قليلا ثم أن رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظن أنها ليست بشي‏ء ثم إنها انتقضت بعد ذلك فمات منها و جاء أصحاب الحسين (عليه السلام) بالقرب فأدخلوها عليه‏ .
قال الطبري: قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب عن هاني بن ثبيت الحضرمي و كان قد شهد قتل الحسين (عليه السلام) أنه بعث الحسين (عليه السلام) إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري‏ أن القني الليل بين عسكري و عسكرك.
قال: فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا و أقبل الحسين في مثل ذلك فلما التقوا أمر الحسين (عليه السلام) أصحابه أن يتنحوا عنه‏ و أمر عمر بن‏ سعد أصحابه بمثل ذلك. قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما و لا كلامهما فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع‏ ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه و تحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه أن حسينا قال لعمر بن سعد أخرج معي إلى يزيد بن معاوية و ندع العسكرين. قال عمر: إذن تهدم داري.
قال: أنا أبنيها لك. قال: إذن تؤخذ ضياعي. قال: إذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز. قال: فتكره ذلك عمر. قال: فتحدث الناس بذلك و شاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه‏ .
قال الشيخ المفيد: إن الحسين (عليه السلام) أنفذ إلى عمر بن سعد إني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر بن سعد إلى مكانه.
و كتب إلى عبيد اللّه بن زياد:
«أما بعد فإن اللّه قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن تسيره إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه و في هذا لكم رضى و للأمة صلاح» .
و في رواية أبي الفرج: فوجه إليه رسولا يعلمه ذلك و يقول: لو سألك هذا بعض الديلم و لم تقبل ظلمته‏ .
أقول: روى الطبري و الجزري و غيرهما عن عقبة بن سمعان أنه قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة و من مكة إلى العراق و لم أفارقه حتى قتل عليه السلام و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر إلى يوم مقتله إلا و قد سمعتها لا و اللّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية و لا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين و لكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس‏ .
فصل (في ورود شمر بكربلاء و وقائع يوم تاسوعاء)
و لما وصل كتاب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد و قرأ قال: هذا كتاب ناصح لأميره مشفق على قومه. فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه و قد نزل بأرضك و إلى جنبك؛ و اللّه لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة و لتكونن أولى بالضعف و العجز فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن و لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة و إن عفوت كان ذلك لك.
فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت الرأي رأيك أخرج بهذا الكتاب إلى عمر ابن سعد فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما و إن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له و أطع و إن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش و اضرب عنقه و ابعث إلي برأسه‏ .
و كتب إلى عمر بن سعد: «إني لم أبعثك إلى الحسين (عليه السلام) لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء و لا لتعتذر له عندي (عنه خ ل) و لا لتكون عندي شافعا أنظر فإن‏ نزل الحسين و أصحابه على حكمي و استسلموا فابعث بهم إلي سلما و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون و إن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره و ظهره فإنه عاق (عات خ ل) ظلوم و لست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا و لكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا. و السلام» .
و في رواية أبي الفرج: فوجه إليه ابن زياد: طمعت يا بن سعد في الراحة و ركنت إلى دعة ناجز الرجل و قاتله و لا ترض منه إلا أن ينزل على حكمي‏ .
و في تاريخ الطبري: قال أبو مخنف: عن الحارث بن حصيرة عن عبد اللّه ابن شريك العامري قال: لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو و عبد اللّه ابن أبي المحل و كانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) فولدت له العباس و عبد اللّه و جعفرا و عثمان فقال عبد اللّه بن أبي المحل ابن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب: أصلح اللّه الأمير ان بني أختنا مع الحسين (عليه السلام) فإن رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت.
قال: نعم و نعمة عين فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا فبعث به عبد اللّه بن أبي المحل مع مولى له يقال له كزمان (كرمان) فلما قدم عليهم دعاهم فقال: هذا أمان بعث به خالكم. فقال له الفتية: أقرئ خالنا السلام و قل له: أن لا حاجة لنا في أمانكم أمان اللّه خير من أمان ابن سمية .
فأقبل شمر بكتاب عبيد اللّه إلى عمر بن سعد فلما قدم عليه و قرأ قال له عمر: ما لك ويلك لاقرب اللّه دارك و قبح اللّه ما قدمت به علي و اللّه إني لأظنك أنك ثنيته (نهيته خ ل) أن يقبل ما كتبت به إليه و أفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح لا يستسلم و اللّه الحسين ان نفس أبيه‏ لبين جنبيه. فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع تمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوه و الا فخل بيني و بين الجند و العسكر.
فقال: لا و لا كرامة لك و لكني أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة.
و نهض عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) عشية الخميس لتسع مضين من المحرم‏ .
و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس و جعفر و عبد اللّه و عثمان بنو علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالوا: ما تريد. فقال: أنتم يا بني أختي آمنون. فقالت له الفتية: لعنك اللّه و لعن أمانك أ تؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له.
و في رواية: فناداه العباس عليه السلام: تبت يداك و بئس ما جئتنا به من أمانك يا عدو اللّه أ تأمرنا أن نترك أخانا و سيدنا الحسين بن فاطمة عليهما السلام و ندخل في طاعة اللعناء و أولاد اللعناء .
قلت: بعثتهم النفوس الأبية على مصادمة خيول أهل الغواية و حركتهم‏ الحمية الهاشمية على اقتناص أرواح أهل الضلالة فكانوا كما وصفهم بعض أهل البصائر بأنهم أمراء العساكر و خطباء المنابر:
نفوس أبت إلا تراث أبيهم‏ فهم بين موتور لذاك و واتر
لقد ألفت أرواحهم حومة الوغى‏ كما أنست أقدامهم بالمنابر
قال: فرجع شمر لعنه اللّه إلى عسكره مغضبا ثم نادى عمر بن سعد: يا خيل اللّه اركبي و بالجنة أبشري. فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر .
و في الحديث المروي عن الصادق (عليه السلام) قال: تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) و أصحابه بكربلاء و اجتمع عليه خيل أهل الشام و أناخوا عليه و فرح ابن مرجانة و عمر بن سعد بتوافر الخيل و كثرتها و استضعفوا فيه الحسين (عليه السلام) و أصحابه و أيقنوا أنه لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر و لا يمده أهل العراق. بأبي المستضعف الغريب‏ .
فلما نادى عمر بن سعد أصحابه بالركوب ركب أصحابه و اقتربوا نحو خيم الحسين (عليه السلام) و الحسين جالس أمام بيته محتب (محتبيا خ ل) بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت أخته زينب الضجة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أ ما تسمع الأصوات قد اقتربت. فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال: اني رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الساعة في المنام فقال لي: انك تروح إلينا. فلطمت أخته وجهها و نادت بالويل فقال لها الحسين عليه السلام: ليس لك الويل يا أخية أسكني (اسكتي خ ل) رحمك اللّه‏ .
و قال له العباس بن علي عليهما السلام: يا أخي قد أتاك القوم. قال: فنهض ثم قال: يا عباس اركب بنفسي‏ أنت يا أخي حتى تلقاهم و تقول لهم ما لكم و ما بدا لكم و تسألهم عما جاءهم. فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير ابن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس: ما بدا لكم و ما تريدون؟ قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم. قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد اللّه فأعرض عليه ما ذكرتم. فوقفوا و قالوا: القه فأعلمه ثم القنا بما يقول لك. فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين (عليه السلام) يخبره الخبر و وقف أصحابه يخاطبون القوم‏ .
فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم إن شئت و إن شئت كلمتهم. فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم. فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما و اللّه لبئس القوم عند اللّه غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه و عترته و أهل بيته و عباد أهل هذا المصر المجتهدين‏ بالأسحار و الذاكرين اللّه كثيرا.
فقال له عزرة بن قيس: انك لتزكي نفسك ما استطعت. فقال له زهير: يا عزرة ان اللّه قد زكاها و هداها فاتق اللّه يا عزرة فإني لك من الناصحين أنشدك اللّه يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلالة على قتل النفوس الزكية. قال: يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت انما كنت عثمانيا. قال: أ فلست تستدل بموقفي هذا أني منهم أما و اللّه ما كتبت إليه كتابا قط و لا أرسلت إليه رسولا قط و لا وعدته نصرتي قط و لكن الطريق جمع بيني و بينه فلما رأيته ذكرت به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و مكانه منه و عرفت ما يقدم عليه من عدوه و حزبكم فرأيت أن أنصره و أن أكون في حزبه و أن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق اللّه و حق رسوله.
قال: و أقبل العباس بن علي عليهما السلام إلى الحسين (عليه السلام) فأخبره بما قال القوم: فقال: ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة و تدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار. فمضى العباس إلى القوم و رجع من عندهم و معه رسول من قبل عمر بن سعد فقام حيث يسمع الصوت‏ فقال: إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى أميرنا عبيد اللّه بن زياد و إن أبيتم فلسنا تاركيكم. فانصرف‏ .
فصل : في ذكر وقائع ليلة عاشوراء
فجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء. قال علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم و أنا إذ ذاك مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه: أثني على اللّه أحسن الثناء و أحمده على السراء و الضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة و علمتنا القرآن و فقهتنا في الدين و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة فاجعلنا من الشاكرين. أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي و لا أهل بيت أبر و لا أوصل و لا أفضل من أهل بيتي فجزاكم اللّه عني خيرا إلا و اني لأظن يوما لنا من هؤلاء الأعداء ألا و اني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم و مدائنكم حتى يفرج اللّه فإن القوم إنما يطلبوني و لو قد أصابوني للهوا عن طلب غيري.
فقال له إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد اللّه بن جعفر: و لم نفعل ذلك؟
لنبقى بعدك لا أرانا اللّه ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن علي عليهما السلام و اتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله و نحوه.
فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم.
قالوا: سبحان اللّه فما يقول الناس لنا؟ يقولون‏ : أنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام و لم نرم معهم بسهم و لم نطعن معهم برمح و لم نضرب معهم بسيف و لا ندري ما صنعوا لا و اللّه لا نفعل ذلك و لكن تفديك أنفسنا و أموالنا و أهلونا و نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح اللّه العيش بعدك‏ .
و قام إليه مسلم بن عوسجة رضي اللّه عنه فقال: أ نحن نخلي عنك و لما نعذر إلى اللّه في أداء حقك اما و اللّه حتى أطعن في صدورهم برمحي و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و اللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فيك و اللّه لو علمت أني أقتل ثم أحيى ثم أقتل ثم أحرق ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك و كيف لا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة العظمى التي لا انقضاء لها أبدا.
و قام زهير بن القين رحمه اللّه فقال: و اللّه لوددت أنني (أني خ ل) قتلت ثم انشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة و أن اللّه جل و عز يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.
و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فقالوا:
و اللّه لا نفارقك و لكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا و جباهنا و أيدينا فإذا نحن‏ قتلنا كنا و فينا و قضينا ما علينا .
أقول: و كأن لسان حال كل واحد منهم ما قاله الشاعر:
شاها من أر بعرش رسانم سرير فضل‏ مملوك اين جنابم و محتاج اين درم‏
كر بركنم دل از تو و برادرم ار تو مهر اين مهر بر كه افكنم آن دل كجا برم‏
فجزاهم الحسين (عليه السلام) خيرا و انصرف إلى منزله.
للّه درهم من فتية صبروا ما ان رأيت لهم في الناس أمثالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن‏ شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
قال السيد قدس سره: و قيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال:
قد أسر ابنك بثغر الري. فقال: عند اللّه أحتسبه و نفسي ما كنت أحب أن يؤسر و أنا أبقى بعده. فسمع الحسين (عليه السلام) قوله فقال: رحمك اللّه أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك. فقال: أكلتني السباع حيا إن فارقتك. قال: فاعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه. فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار .
روى الحسين بن حمدان الحضيني (الخصيبي ( بإسناده عن أبي حمزة الثمالي و السيد البحراني في مدينة المعاجز مرسلا عنه قال: سمعت علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام يقول: لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبي جمع أهله و أصحابه في ليلة ذلك اليوم فقال لهم: يا أهلي و شيعتي اتخذوا هذا الليل جمالكم (جملا لكم خ ل) و انجوا بأنفسكم فليس المطلوب غيري و لو قتلوني ما فكروا فيكم فانجوا رحمكم اللّه و أنتم في حل و سعة من بيعتي و عهدي الذي عاهدتموني.
فقال إخوته و أهله و أنصاره بلسان واحد: و اللّه يا سيدنا يا أبا عبد اللّه لا خذلناك أبدا و اللّه لا قال الناس تركوا إمامهم و كبيرهم و سيدهم وحده حتى قتل و نبلوا بيننا و بين اللّه عذرا و لا نخليك أو نقتل دونك.
فقال لهم: يا قوم إني غدا أقتل و تقتلون كلكم معي و لا يبقى منكم واحد.
فقالوا: الحمد للّه الذي أكرمنا بنصرك و شرفنا بالقتل معك أولا ترضى أن نكون معك في درجتك يا بن رسول اللّه. فقال: جزاكم اللّه خيرا. و دعا لهم بخير فأصبح و قتل و قتلوا معه أجمعون.
فقال له القاسم بن الحسن عليه السلام: و أنا فيمن يقتل؟ فأشفق عليه فقال له:
يا بني كيف الموت عندك. قال: يا عم أحلى من العسل. فقال: أي و اللّه فداك عمك إنك لأحد من يقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاء عظيم و ابني عبد اللّه.
فقال: يا عم و يصلون إلى النساء حتى يقتل عبد اللّه و هو رضيع؟ فقال: فداك عمك يقتل عبد اللّه إذ جفت روحي عطشا و صرت إلى خيمنا فطلبت ماء و لبنا فلا أجد قط فأقول: ناولوني ابني لأشرب من فيه فيأتوني به فيضعونه على يدي فأحمله لأدنيه من في فيرميه فاسق بسهم فينحره و هو يناغي فيفيض دمه في كفي فأرفعه إلى السماء و أقول: اللهم صبرا و احتسابا فيك فتعجلني الأسنة فيهم و النار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم فأكر عليهم في أمر أوقات في الدنيا فيكون ما يريد اللّه فبكى و بكينا و ارتفع البكاء و الصراخ من ذراري رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في الخيم. الخ‏ .
و روى القطب الراوندي قدس سره عن الثمالي قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه: هذا الليل فاتخذوه جنة فإن القوم إنما يريدونني و لو قتلوني لم يلتفتوا إليكم و أنتم في حل و سعة. فقالوا: و اللّه لا يكون هذا أبدا. فقال: انكم تقتلون غدا كلكم و لا يفلت منكم رجل. قالوا: الحمد للّه الذي شرفنا بالقتل معك.
ثم دعا فقال لهم: ارفعوا رءوسكم و انظروا فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم و منازلهم من الجنة و هو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل إلى منزله من الجنة .
و في الصادقي المروي في أمالي الصدوق قدس سره قال بعد مكالمة الحسين مع أصحابه: ثم إن الحسين (عليه السلام) أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق و أمر فحشيت حطبا و أرسل عليا ابنه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم على وجل شديد و أنشأ الحسين (عليه السلام) يقول «يا دهر أف لك من خليل»- الأبيات ثم قال لأصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضئوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم‏ .
قال الشيخ المفيد «ره»: قال علي بن الحسين عليه السلام: إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها و عندي عمتي زينب تمرضني إذ اعتزل أبي في خباء له و عنده حوي‏ مولى أبي ذر الغفاري و هو يعالج سيفه و يصلحه و أبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل‏ كم لك بالاشراق و الأصيل‏
من صاحب و طالب قتيل‏ و الدهر لا يقنع بالقليل‏
و إنما الأمر إلى الجليل‏ و كل حي سالك سبيلي‏
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها و عرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها و لزمت السكوت و علمت أن البلاء قد نزل.
و أما عمتي فإنها سمعت ما سمعت و هي امرأة و من شأن النساء الرقة و الجزع فلم تملك نفسها ان و ثبت تجر ثوبها و انها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت: وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن يا خليفة الماضي و ثمال الباقي. فنظر إليها الحسين (عليه السلام) و قال لها يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان. و ترقرقت عيناه بالدموع و قال: لو ترك القطا ليلا لنام.
فقالت: يا ويلتاه أ فتغتصب نفسك اغتصابا فذاك أقرح لقلبي و أشد على نفسي. ثم لطمت وجهها و هوت إلى جيبها فشقته و خرت مغشية عليها.
فقام إليها الحسين (عليه السلام) فصب على وجهها الماء و قال لها: يا أختاه اتقي اللّه و تعزي بعزاء اللّه و اعلمي أن أهل الأرض يموتون و أن أهل السماء لا يبقون و أن كل شي‏ء هالك الا وجه اللّه الذي خلق الخلق بقدرته و يبعث الخلق و يعودون (و يعيدهم خ ل) و هو فرد وحده (جدي خير مني وخ) أبي خير مني و أمي خير مني و أخي خير مني (ولي خ ل) و لكل مسلم برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أسوة.
فعزاها بهذا و نحوه و قال لها: يا أخية إني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا و لا تخمشي علي وجها و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا أنا هلكت.
ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرب (يقرن خ ل) بيوتهم بعضهم من بعض و أن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض و أن يكونوا بين البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد (جهة واحدة خ ل) و البيوت من ورائهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم قد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم.
و رجع (عليه السلام) إلى مكانه فقام الليل كله يصلي و يستغفر و يدعو و يتضرع و قام أصحابه كذلك يصلون و يدعون و يستغفرون‏ .
قلت: فباتوا و لهم دوي كدوي النحل ما بين راكع و ساجد و قائم و قاعد و كذا كانت سجية الحسين (عليه السلام) في كثرة صلاته و كمال صفاته و كان صلوات اللّه عليه كما وصفه ابنه إمامنا المهدي صلوات اللّه عليه: للقرآن سندا و للأمة عضدا و في الطاعة مجتهدا حافظا للعهد و الميثاق ناكبا عن سبل الفساق باذلا للمجهود طويل الركوع و السجود زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ناظرا إليها بعين المستوحشين منها .
ذكر ابو عمر أحمد بن محمد القرطبي المرواني في كتاب العقد الفريد: أنه قيل لعلي بن الحسين عليه السلام: ما كان أقل ولد أبيك؟ قال: العجب كيف ولدت له كان (عليه السلام) يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة فمتى كان يتفرغ للنساء .
قلت: و روي أنه لما كان وقت السحر خفق الحسين (عليه السلام) برأسه خفقة ثم استيقظ فقال: أ تعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ فقالوا: و ما الذي رأيت يا بن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله؟ فقال: رأيت كأن كلابا قد شدت علي لتنهشني و فيها كلب أبقع رأيته أشدها علي و أظن أن الذي يتولى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم ثم اني رأيت بعد ذلك جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و معه جماعة من أصحابه و هو يقول لي: يا بني أنت شهيد آل محمد و قد استبشر بك أهل السماوات و أهل الصفيح الأعلى فليكن افطارك عندي الليلة عجل و لا تؤخر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء فهذا ما رأيت و قد أنف الأمر و اقترب الرحيل من هذه الدنيا لا شك في ذلك‏ .
روى الطبري عن أبي مخنف عن عبد اللّه بن عاصم عن الضحاك بن عبد اللّه‏ المشرقي قال: فلما أمسى الحسين (عليه السلام) و أصحابه قاموا الليل كله يصلون و يستغفرون و يدعون و يتضرعون. قال: فتمر بنا خيل لهم تحرسنا و ان حسينا (عليه السلام) ليقرأ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 178، 179].
فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال: نحن و رب الكعبة الطيبون ميزنا منكم. قال: فعرفته فقلت لبرير بن خضير: تدري من هذا؟ قال: لا.
قلت: هذا أبو حرب السبيعي عبد اللّه بن شهر (شمير خ ل) و كان مضحاكا بطالا (بطلا خ ل) و كان شريفا شجاعا فاتكا و كان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك اللّه في الطيبين. فقال له: من أنت؟
قال: أنا برير بن خضير. قال: انا للّه عز علي هلكت و اللّه يا برير. قال: يا أبا حرب هل لك أن تتوب إلى اللّه من ذنوبك العظام فو اللّه إنا لنحن الطيبون و لكنكم لأنتم الخبيثون. قال: و أنا على ذلك من الشاهدين. قلت: ويحك أ فلا ينفعك معرفتك.
قال: جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل. قال: ها هو ذا معي. قال: قبح اللّه رأيك على كل حال أنت سفيه. قال: ثم انصرف عنا و كان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الأحمسي و كان على الخيل‏ .
قال السيد: فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان و ثلاثون رجلا .
و في كتاب العقد الفريد بعد أن ذكر قول الحسين (عليه السلام) لعمر بن سعد: اختر مني إحدى ثلاث خصال. قال: و كان مع عمر بن سعد اثنان و ثلاثون رجلا من أهل الكوفة فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول اللّه ثلاث خصال فلا تقبلون منها شيئا. فتحولوا مع الحسين (عليه السلام) فقاتلوا (فقتلوا ظ ل) .
فصل : في ذكر وقائع يوم عاشوراء و تعبئة الصفوف من الجانبين و احتجاج الحسين (عليه السلام) على أهل الكوفة
و أصبح الحسين (عليه السلام) فصلى بأصحابه الفجر ثم قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال لأصحابه: إن اللّه عز و جل قد أذن في قتلكم اليوم و قتلي و عليكم بالصبر. رواه المسعودي في إثبات الوصية .
ثم دعا (عليه السلام) بفرس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المرتجز فركبه و عبأ أصحابه للقتال و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا.
و روي عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنهم كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل‏ .
و روي غير ذلك.
و في إثبات الوصية: و روي أن عدتهم في ذلك اليوم كانت واحدا و ستين رجلا و أن اللّه عز و جل انتصر و ينتصر لدينه منذ أول الدهر إلى آخره بألف رجل فسئل عن تفصيلهم فقال: ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب طالوت و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب يوم بدر مع النبي صلى اللّه عليه و آله و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب القائم (عليه السلام) بقي أحد و ستون رجلا الذين قتلوا مع الحسين (عليه السلام) في يوم الطف- انتهى‏ .
فجعل (عليه السلام) زهير بن القين في ميمنة أصحابه و حبيب بن مظاهر في‏ ميسرة أصحابه و أعطى رايته العباس أخاه عليه السلام و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كأنه ساقية عملوه في ساعة من الليل و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم فنفعهم ذلك‏ .
و أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم و خرج بالناس و جعل على ربع أهل المدينة عبد اللّه بن زهير الأزدي و على ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث بن قيس و على ربع مذحج و أسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي و على ربع تميم و همدان الحر بن يزيد الرياحي فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين (عليه السلام) إلا الحر بن يزيد فإنه عدل إلى الحسين (عليه السلام) و قتل معه.
و جعل عمر أيضا على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي و على ميسرته شمر ابن ذي الجوشن‏ و على الخيل عروة بن قيس الأحمسي و على الرجال شبث ابن ربعي اليربوعي التميمي و أعطى الراية دريدا مولاه‏ .
قال أبو مخنف: حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري قال: كنت مع مولاي: فلما حضر الناس و أقبلوا الى الحسين أمر الحسين (عليه السلام) بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة. قال: ثم دخل الحسين (عليه السلام) ذلك الفسطاط ليطلي بالنورة. قال: و مولاي عبد الرحمن بن عبد ربه و برير بن خضير الهمداني‏
على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما أيهما يطلي على أثره فجعل برير يهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن: دعنا فو اللّه ما هذا بساعة باطل. فقال له برير: و اللّه لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابا و لا كهلا و لكن و اللّه إني لمستبشر بما نحن لاقون و اللّه إن بيننا و بين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم و لوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم‏ .
قال: فلما فرغ الحسين (عليه السلام) دخلنا فأطلينا. قال: ثم إن الحسين صلوات اللّه عليه ركب دابته و دعا بمصحف فوضعه أمامه. قال: فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا فلما رأيت القوم قد صرعوا أفلت و تركتهم‏ .
روى أبو مخنف الأزدي‏ عن أبي خالد الكاهلي و روى الشيخ المفيد عن مولانا علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام أنه قال: لما صبحت‏ الخيل الحسين (عليه السلام) رفع يديه و قال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب و أنت رجائي في كل شدة و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد و تقل فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت فيه العدو انزلته بك و شكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته (عني خ ل) و كشفته (و كفيتنيه خ) فأنت ولي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهى كل رغبة .
قال: و أقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين (عليه السلام) .
قال الأزدي: فحدثني عبد اللّه بن عاصم قال حدثني عبد اللّه بن الضحاك المشرقي قال: لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب و القصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة فلم يكلمنا حتى مر على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته: يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة. فقال الحسين عليه السلام: من هذا؟
كأنه شمر بن ذي الجوشن. فقالوا: نعم أصلحك اللّه هو هو فقال له: يا بن راعية المعزى أنت أولى بها صليا.
و رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين (عليه السلام) من ذلك فقال له: دعني حتى أرميه فإنه الفاسق من عظماء الجبارين و قد أمكن اللّه منه.
فقال له الحسين عليه السلام: لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم‏ .
و كان مع الحسين (عليه السلام) فرس له يدعى «لاحقا» حمل عليه ابنه علي ابن الحسين عليه السلام. قال: فلما دنا منه القوم دعا براحلته فركبها ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جل الناس: أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوني حتى أعظكم بما يحق لكم علي و حتى أعذر إليكم من مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري و صدقتم قولي و أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد و لم يكن لكم علي سبيل و إن لم تقبلوا مني العذر و لم تعطوا النصف من أنفسكم‏
{ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ‏ } [الأعراف: 195-196].
قال: فلما سمع أخواته كلامه هذا صحن و بكين و بكت بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي عليهما السلام و عليا ابنه و قال لهما اسكتاهن فلعمري فليكثرن بكاؤهن‏ .
[فلما ذهبا ليسكتاهن قال: لا يبعد ابن عباس. قال: فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكائهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن‏] .
فلما سكتن حمد اللّه و أثنى عليه و ذكر اللّه بما هو أهله و صلى على النبي صلى اللّه عليه و آله و على ملائكة اللّه و أنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه‏ .
ثم قال: أما بعد فانسبوني و انظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ أ لست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين المصدق لرسول اللّه بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي (عم أبي خ ل)؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟
أو لم يبلغكم ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لي و لأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق و اللّه ما تعمدت كذبا منذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله و إن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري و أبا سعيد الخدري و سهل بن سعد الساعدي و زيد ابن أرقم و أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه لي و لأخي أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي.
فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد اللّه على حرف إن كان يدري ما تقول. فقال حبيب بن مظاهر : و اللّه إني لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفا و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع اللّه على قلبك.
ثم قال لهم الحسين عليه السلام: فإن كنتم في شك من هذا أ فتشكون أني ابن بنت نبيكم فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم و يحكم أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال استهلكته أو بقصاص جراحة؟
فأخذوا لا يكلمونه فنادى يا شبث بن ربعي و يا حجار بن أبجر و يا قيس بن الأشعث و يا يزيد بن الحارث أ لم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار و اخضر الجناب و إنما تقدم على جند لك مجندة فأقبل. فقالوا له: لم نفعل. فقال: سبحان اللّه بلى و اللّه لقد فعلتم.
ثم قال: أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول و لكن أنزل على حكم بني عمك فانهم لن يروك إلا ما تحب. فقال له الحسين عليه السلام: لا و اللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد.
ثم نادى يا عباد اللّه‏ {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} [الدخان: 20]{إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر: 27]. ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها و أقبلوا يزحفون نحوه‏ .
قال الأزدي: فحدثني علي بن حنظلة بن أسعد الشامي عن رجل من قومه‏ شهد مقتل الحسين (عليه السلام) حين قتل صلوات اللّه عليه يقال له كثير بن عبد اللّه الشعبي قال: لما زحفنا قبل الحسين (عليه السلام) خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح‏ فقال: يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب اللّه نذار أن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم و نحن حتى الآن إخوة على دين واحد و ملة واحدة ما لم يقع بيننا و بينكم السيف و أنتم للنصيحة منا أهل فإذا وقع السيف انقطعت العصمة و كنا نحن أمة و أنتم أمة ان اللّه قد ابتلانا و إياكم بذرية نبيه محمد صلى اللّه عليه و آله لينظر ما نحن و أنتم عاملون انا ندعوكم إلى نصرهم و خذلان الطاغية بن الطاغية عبيد اللّه بن زياد فإنكم لا تدركون منهما إلا سوءا يسملان أعينكم و يقطعان أيديكم و أرجلكم و يمثلان بكم و يرفعانكم على جذوع النخل و يقتلان أماثلكم و قراءكم أمثال حجر بن عدي و أصحابه و هانئ بن عروة و أشباهه. قال: فسبوه و أثنوا على ابن زياد و قالوا: و اللّه لا نبرح حتى نقتل صاحبك و من معه أو نبعث به و بأصحابه إلى الأمير عبيد اللّه بن زياد سلما.
فقال لهم: يا عباد اللّه إن ولد فاطمة عليها السلام أحق بالود و النصر من ابن سمية فإن لم تنصروهم فأعيذكم باللّه أن تقتلوهم خلوا بين هذا الرجل و بين ابن عمه يزيد بن معاوية فلعمري ان يزيد ليرضى عن طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام.
فرماه شمر بسهم و قال: اسكت اسكن اللّه نأمتك‏ أبرمتنا بكثرة كلامك.
فقال له زهير رحمه اللّه: يا بن البوال على عقبيه ما إياك أخاطب إنما أنت بهيمة و اللّه ما أظنك تحكم من كتاب اللّه آيتين فابشر بالخزي يوم القيامة و العذاب الأليم فقال له شمر: إن اللّه قاتلك و صاحبك عن ساعة. قال: أ فبالموت تخوفني فو اللّه للموت معه أحب إلي من الخلد معكم.
قال: ثم أقبل على الناس رافعا صوته فقال: يا عباد اللّه لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي و أشباهه فو اللّه لا تنال شفاعة محمد صلى اللّه عليه و آله قوما أهرقوا دماء ذريته و أهل بيته و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم قال: فناداه رجل فقال له: إن أبا عبد اللّه يقول لك أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و أبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الإبلاغ‏ .
و في البحار قال محمد بن أبي طالب: و ركب أصحاب عمر بن سعد فقرب إلى الحسين (عليه السلام) فرسه فاستوى عليه و تقدم نحو القوم في نفر من أصحابه و بين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام: كلم القوم. فتقدم برير فقال: يا قوم اتقوا اللّه فإن ثقل محمد صلى اللّه عليه و آله قد أصبح بين أظهركم هؤلاء ذريته و عترته و بناته و حرمه فهاتوا ما عندكم و ما الذي تريدون أن تصنعوه بهم.
فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير عبيد اللّه بن زياد فيرى رأيه فيهم. فقال لهم برير: أ فلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم و عهودكم التي أعطيتموها و أشهدتم اللّه عليها يا ويلكم أ دعوتم أهل بيت نبيكم و زعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد و حلأتموهم من ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ما لكم لا سقاكم اللّه يوم القيامة فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول. فقال برير: الحمد اللّه الذي زادني فيكم بصيرة اللهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك و أنت عليهم غضبان. فجعل القوم‏ يرمونه بسهام فرجع برير إلى ورائه.
و تقدم الحسين (عليه السلام) حتى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل و نظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة.
فقال عليه السلام: الحمد للّه الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء و زوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته و الشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه‏ الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها و تخيب طمع من طمع فيها و أراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم اللّه فيه عليكم و أعرض بوجهه الكريم عنكم و أحل بكم نقمته و جنبكم رحمته فنعم الرب ربنا و بئس العبد أنتم أقررتم بالطاعة و آمنتم بالرسول محمد صلى اللّه عليه و آله ثم إنكم رجفتم إلى ذريته و عترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم فتبا لكم و لما تريدون انا للّه و إنا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظالمين.
فقال عمر: ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه لو وقف فيكم هكذا يوما جريدا لما انقطع و لما حصر فكلموه.
فتقدم شمر فقال: يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم. فقال عليه السلام: أقول اتقوا اللّه ربكم و لا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي و لا انتهاك حرمتي فإني ابن بنت نبيكم و جدتي خديجة زوجة نبيكم و لعله قد بلغكم قول نبيكم «الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة»- إلى آخر ما ذكرناه برواية المفيد و غيره‏ .
و في البحار أيضا: و في المناقب: روى بإسناده عن عبد اللّه بن محمد بن سليمان بن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عن جده عن عبد اللّه قال: لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي عليهما السلام و رتبهم مراتبهم و أقام الرايات في مواضعها و عبأ أصحاب الميمنة و الميسرة فقال لأصحاب القلب:
اثبتوا و أحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة فخرج حتى أتى الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم: ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلي و تسمعوا قولي و إنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد فمن أطاعني كان من المرشدين و من عصاني كان من المهلكين و كلكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام و طبع على قلوبكم ويلكم أ لا تنصفون أ لا تسمعون. فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم و قالوا: أنصتوا له. فقام الحسين (عليه السلام) ثم قال: تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا - إلى آخر ما سيأتي برواية السيد.
ثم قال: أين عمر بن سعد ادعوا لي عمر. فدعي له و كان كارها لا يحب أن يأتيه فقال عليه السلام: يا عمر أ تقتلني بزعم أن يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري و جرجان و اللّه لا تتهنأ بذلك أبدا عهدا معهودا فاصنع ما أنت صانع فإنك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة و كأني برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة يتراماه الصبيان و يتخذونه غرضا بينهم. فاغتاظ عمر من كلامه ثم صرف بوجهه عنه و نادى بأصحابه: ما تنظرون به احملوا بأجمعكم إنما هي أكلة واحدة- انتهى‏ .
(خطبة الحسين (عليه السلام) لأهل الكوفة)
و أما الخطبة برواية السيد ابن طاوس رضي اللّه عنه قال:
فركب الحسين (عليه السلام) ناقته و قيل فرسه فاستنصتهم فنصتوا فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكره بما هو أهله و صلى على الملائكة و الأنبياء و الرسل و أبلغ في المقال ثم قال: تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا حين (لحين خ ل) استصرختمونا و الهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا و عدوكم فأصبحتم إلبا لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل افشوه فيكم و لا أمل أصبح لكم فيهم فهلا لكم الويلات تركتمونا و السيف مشيم و الجاش طامن و الرأي لما يستصحف (يستسخف ظ) و لكن أسرعتم إليها كطيرة دبى (الذباب خ ل) و تداعيتم إليها كتهافت الفراش فسحقا لكم يا عبيد الأمة و شذاذ الأحزاب و نبذة الكتاب و محرفي الكلم و عصبة الآثام و نفثة الشيطان و مطفئي السنن أ هؤلاء تعضدون و عنا تتخاذلون (تخاذلون خ ل) أجل و اللّه غدر فيكم قديم‏ و شجت إليه (عليه خ ل) أصولكم و تأزرت عليه فروعكم فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر و أكلة للناصب (للغاصب) ألا و إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى اللّه ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا و اني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد و خذلة الناصر .
أقول: و يعجبني في هذا المقام نقل كلام ابن أبي الحديد في شرح النهج عند ذكر الأبين من احتمال الضيم و الذل.
قال: سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية و الموت تحت ظلال السيوف اختيارا له على الدنية أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عرض عليه الأمان و أصحابه فأنف من الذل ثم ذكر قو