انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

جاءت الشريعة المطهرة الحافلة بمكارم الأخلاق الحاثة على السلام والوئام فأقرت تلك الفضيلة ، وأدخلت التحسينات فيها حتى أجازت الإجارة للمشركين قصدا للتأليف ، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ } [التوبة : 6] فكان رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول : « المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم » وفسّره الامام الصادق (عليه السلام) بأن جيش المسلمين اذا حاصر قوما من المشركين فأشرف رجل وقال : اعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم واناظره ، فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به (1).
وقام الأئمة من أبنائه (عليه السلام) بالمحافظة على هذه النواميس التي فيها الإبقاء على الجامعة ، فما زالوا يوصون شيعتهم بحرمة الجوار وان كان المجير عبدا أو امرأة ، وتناهوا فيه حتى عدّوا الإيماء بالأمان لازم الوفاء به ، وان من أعطى الأمان بأي لغة فلا تخفر ذمته ووجب الوفاء به (2).
وانت اذا عرفت ما هتفت به العادة من حُسن حماية الجوار والذبّ عن النزيل ، وما أيّته الشريعة الإلهية تعرف أن ما قام به « هاني بن عروة » من هذه المأثرة في حماية ابن عقيل (عليه السلام) واجارته مما يمدح عليه في حد ذاته ، لكن في الحقيقة ان ما قام به « هاني » منبعث عما هو أرقى من تلك الناحية وهو جهة دينية وعقيدة راسخة بأن الحسين (عليه السلام) هو الإمام المفترض طاعته ، وحيث ان « مسلما » ممثل حجة الله على الخلق كان الواجب الأخذ بعضده والدفاع عنه وكلاءته عن عادية الشقي وأنه من أداء أجر الرسالة.
وان صبّه في مجلس ابن زياد في قالب التقليد والعادة فقال : إني ما دعوته الى منزلي حتى رأيته على باب داري ، وسألني النزول فاستحييت من ردّه ودخلني من ذلك ذمام ، فأدخلته داري وضيّفته وآويته ـ الخ.
فان هانيا لم يسعه في ذلك الموقف الحرج إلا أن يعتذر بما يقتضيه الحفاظ والغيرة. كيف لا وهو بين ناب الدعيّ و مخلبه مغلوب على أمره فحسب أنه سوف يجديه اخفاء أمر مسلم لكنه لم ينتفع بهذه المعاذير بعد قيام « معقل » جاسوس ابن مرجانة وقد أعلم ابن زياد بكل ما وقف عليه من أمر مسلم في دار هاني.
وعلى هذا فما ذكره ابن جرير الطبري من قول هاني لمسلم : لقد كلّفتني شططاً ولولا دخولك داري لسألتك الخروج عنّي غير إنّي يأخذني من ذلك ذمام وليس يردّ مثلي على مثلك عن جهل ، ثم آواه ، وكذا ما ذكره من أن هانيا قال لشريك : لا أحبّ أن يقتل ابن زياد في داري (3) ، لا يعبؤ به ؛ لأن ولاء هاني لأهل هذا البيت واعتقاده بكون مناصرتهم واجبه الديني لا يرتاب فيه من يقرأ حياته المفعمة بالمآثر والمفاخر.
ومما يشهد له أن هانيا لو كانت اجارته لمسلم لمحض وقوفه على باب داره ودخوله عليه ، فما الذي ألزمه بإدخال الشيعة على مسلم وقد اعترف به ابن جرير حيث قال : « وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هاني بن عروة » (4).
وكان يهيّء له الأمور يدبر الشؤون يرتّب العساكر ويجمع المال والعتاد (5) ، وفي وسعه أن يقول لمسلم : ادخل أنت وحدك ولا تهج عليّ امرا ساكنا ولا يدخل عليك أحد.
ثم أن المؤامرة الواقعة بين شريك الأعور وبين مسلم بالفتك بابن زياد كانت بمشهد من هاني فلم يمنع منها ، حتى أن مسلما لما اعتذر عن الفتك بأن امرأة هاني سألته أن لا يفعله في دارهم ، قال هاني : يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرت منه وقعت فيه.
أليس هذا يشفّ عن مرضاة هاني بالفتك بابن مرجانة لما رسخ بين جنبيه من وجوب التنكيل بأعداء آل الرسول؟ ومن هنا قال لمسلم : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا (6).
__________________
1) الوسائل ج2 ص425 عين الدولة.
2) المستدرك للنوري ج2 ص250.
3) الطبري ج6 ص204 وص203.
4) الطبري ج6 ص203 ، والاخبار الطوال ص235.
5) الاخبار الطوال ص235.
6) تاريخ الطبري ج6 ص204 وابن الأثير ج4 ص11.