انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

خرج نافع بن هلال الجملي‏ للبراز مرتجزا:
انا ابن هلال الجمليّ‏ انا على دين عليّ‏
فجاء إليه مزاحم بن حريث و قال: انا على دين عثمان، فقال له نافع: أنت على دين الشيطان فحمل عليه و قتله، فلما رأى عمرو بن الحجاج ذلك، صاح بالناس: يا حمقى أ تدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر و تقاتلون قوما مستميتين لا يبرز إليهم منكم أحد فانّهم قليل و قلّ ما يبقون و اللّه لو ترمونهم الا بالحجارة لقتلتموهم.
فقال له عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، فأرسل الى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم، ثم حمل عمرو بن الحجاج و أصحابه على ميمنة الحسين (عليه السلام) من نحو الفرات، و كان يحرض هؤلاء المنافقين على قتل الحسين (عليه السلام) و يقول:
يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الامام، (فضّ اللّه فاك و ألجمك لجاما من نار جهنم بهذه الكلمات التي قلتها و جرحت قلب الحسين (عليه السلام) بها).
ثم اضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الاسدي رحمه اللّه، و انصرف عمر و اصحابه و انقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا فمشى إليه الحسين (عليه السلام) فاذا به رمق فقال: رحمك اللّه يا مسلم: ... { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عزّ عليّ مصرعك، يا مسلم أبشر بالجنة فقال له مسلم قولا ضعيفا: بشرك اللّه بخير، فقال له حبيب: لو لا انّي أعلم انّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمّك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة و الدين، قال: بل أنا أوصيك بهذا رحمك اللّه و أهوى بيده الى الحسين (عليه السلام) أن تموت دونه،
قال: أفعل و ربّ الكعبة، فما كان بأسرع من أن مات بين أيديهم و صاحت جارية له فقالت: يا ابن عوسجتاه يا سيداه‏ .
و كان مسلم بن عوسجة من شجعان ذلك العصر كما نقل شبت شجاعته في حرب آذربيجان، و كان أيضا وكيل مسلم بن عقيل في قبض الاموال و ابتياع الاسلحة و أخذ البيعة مضافا الى انّه كان من عبّاد الدهر ملازما لمسجد الكوفة يعبد اللّه بجنب اسطوانة كما يظهر ذلك من الأخبار الطوال للدينوري، و قال أصحاب السير فيه انّه من اوائل اصحاب الحسين (عليه السلام) و قد قرأت آنفا قوله ليلة عاشوراء. و قاتل يوم عاشوراء قتالا شديدا و هو يقول:
ان تسألوا عنّي فانّي ذو لبد من فرغ قوم من ذرى بني أسد
فمن بغانا حائد عن الرشد و كافر بدين جبّار صمد
و كنيته أبو جحل‏ كما أشار إليه الكميت الأسدي في شعره:
و انّ أبا جحل قليل مجحل‏

و قاتله مسلم الضبابي و عبد الرحمن البجلي.
ثم تراجع القوم الى الحسين (عليه السلام) فحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة، فثبتوا له و طاعنوه و حمل على الحسين (عليه السلام) و اصحابه من كل جانب و قاتلهم أصحاب الحسين (عليه السلام) قتالا شديدا فأخذت خيلهم تحمل و إنمّا هي اثنان و ثلاثون فرسا فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة الا كشفته، فلما رأى ذلك عروة بن قيس- من قواد الجيش- و هو على خيل أهل الكوفة، بعث الى عمر بن سعد: أ ما ترى ما يلقي خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة، ابعث إليهم الرجال و الرماة، فبعث بالرماة و أمرهم برمي أصحاب الحسين (عليه السلام).
قال الراوي: و قاتل اصحاب الحسين (عليه السلام) القوم أشدّ القتال حتى انتصف النهار، فلما رأى‏ الحصين بن تميم- و كان على الرماة- صبر أصحاب الحسين (عليه السلام) تقدم الى أصحابه و كانوا خمسمائة نابل أن يرشقوا أصحاب الحسين (عليه السلام) بالنبل، فرشقوهم فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم و جرحوا الرجال و أرجلوهم‏ .
قال الراوي: و قاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه اللّه، و أخذوا لا يقدرون على ان يأتوهم الّا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم و تقارب بعضها من بعض، فلمّا رأى ذلك عمر بن سد أرسل رجالا يقوّضونها عن أيمانهم و عن شمائلهم ليحيطوا بهم، فأخذ الثلاثة و الاربعة من أصحاب الحسين (عليه السلام) يتخللون البيوت فيشدون على الرجل و هو يقوّض و ينتهب، فيقتلونه و يرمونه من قريب و يعقرونه، فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال: احرقوها بالنار و لا تدخلوا بيتا و لا تقوضوه.
فجاءوا بالنار فأخذوا يحرقون فقال الحسين (عليه السلام): دعوهم فليحرّقوها فانّهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها، و كان كذلك و أخذوا لا يقاتلونهم الّا من وجه واحد.
قال الراوي: و حمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين (عليه السلام) برمحه و نادى: عليّ بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله، قال: فصاح النساء و خرجن من الفسطاط، فصاح به الحسين (عليه السلام): يا ابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي حرّقك اللّه بالنار.
قال حميد بن مسلم: قلت لشمر بن ذي الجوشن: سبحان اللّه انّ هذا لا يصلح لك، أ تريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب اللّه و تقتل الولدان و النساء، و اللّه انّ في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك، فقال لي: من أنت؟ قلت: لا أخبرك من انا و خشيت و اللّه أن لو عرفني أن يضرّني عند السلطان.
فجاءه رجل كان أطوع له منّي شبث بن ربعي، فقال: ما رأيت مقالا أسوأ من قولك و لا موقفا أقبح من موقفك، أ مرعبا للنساء صرت؟ قال: فأشهد انه استحيا فذهب لينصرف و حمل عليه زهير بن القين رحمه اللّه في رجال عشرة، فشد على شمر و أصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها، فصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه و كان من أصحاب شمر، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين (عليه السلام) قد قتل فاذا قتل منهم الرجل و الرجلان تبين فيهم و اولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم‏ ، فاشتدّ القتال حتى حان الزوال.