انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

اعلم أنه لما أجاز يزيد بن معاوية لبنات رسول اللّه و الذرية الطيبة أن ينحن على الحسين (عليه السلام) و يقمن المآتم عليه و وعد علي بن الحسين (عليه السلام) أن يقضي له ثلاث حاجات فأقمن المآتم أياما- و قيل سبعة أيام- فلما كان اليوم الثامن دعاهم يزيد و عرض عليهم المقام بدمشق فأبوا ذلك و قالوا بل ردنا إلى المدينة فإنها مهاجر جدنا (صلى اللّه عليه و آله). فقال للنعمان بن بشير صاحب رسول اللّه: جهز هؤلاء النسوة بما يصلحهم و ابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا و ابعث معهم خيلا و أعوانا ثم كساهم و حباهم و فرض لهم الأرزاق و الأنزال.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): و لما أراد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين (عليه السلام) فاستخلى به ثم قال: لعن اللّه ابن مرجانة أم و اللّه لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا الا أعطيته إياها و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لكن اللّه قضى ما رأيت كاتبني من المدينة و انه إلي كل حاجة تكون لك. و تقدم بكسوته و كسوة أهله و أنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل و يكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا انتحى عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم و ينزل منهم بحيث إن أراد إنسان من جماعتهم‏ وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم فصار معهم في جملة النعمان و لم يزل ينازلهم في الطريق و يرفق بهم كما وصاه يزيد و يرعاهم حتى دخلوا المدينة- انتهى‏ .
و نقل عن اليافعي قال: ذكر الحافظ أبو علاء الهمداني: أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين (عليه السلام) بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم و ضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين (عليه السلام) و من بقي من أهله و جهزهم بكل شي‏ء و لم يدع لهم حاجة إلا أمر لهم بها .
و في اللهوف: و قال لعلي بن الحسين عليه السلام: اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن. فقال عليه السلام: الأولى أن تريني وجه سيدي و مولاي و أبي الحسين (عليه السلام) فأتزود منه و الثانية أن ترد علينا ما أخذ منا و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن.
فقال: أما وجه أبيك فلن تراه أبدا و أما قتلك فقد عفوت عنك. و أما النساء فما يردهن غيرك إلى المدينة و أما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته.
فقال عليه السلام: أما مالك فلا نريده و هو موفر عليك و إنما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد (صلى اللّه عليه و آله) و مقنعتها و قلادتها و قميصها.
فأمر برد ذلك و زاد فيه من عنده مائتي دينار فأخذها زين العابدين (عليه السلام) و فرقها في الفقراء ثم أمر برد الأسارى و سبايا الحسين (عليه السلام) إلى أوطانهن بمدينة الرسول (صلى اللّه عليه و آله)‏ .
و في بعض المقاتل: لما أرادوا الرجوع إلى المدينة أحضر يزيد لهم المحامل و زينها و أمر بالانطاع (من ظ) الابريسم و صب عليها الأموال و قال: يا أم كلثوم خذوا هذه الأموال عوض ما أصابكم. فقالت أم كلثوم: يا يزيد ما أقل حياؤك و أصلب وجهك تقتل أخي و أهل بيتي و تعطيني عوضهم مالا و اللّه لا كان ذلك أبدا .
من أين تخجل أوجه أموية سكبت بلذات الفجور حياءها
و في الكامل البهائي: روي أن أم كلثوم أخت الحسين (عليه السلام) توفيت بدمشق سلام اللّه عليها .
و قال أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه المعروف بابن بطوطة المعاصر لفخر المحققين ابن العلامة في رحلته المسماة بتحفة النظار في غرائب الأمصار: و بقرية قبلي البلد- أي بلدة دمشق- على فرسخ منها مشهد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) من فاطمة عليها السلام و يقال ان اسمها زينب عليها السلام و كناها النبي (صلى اللّه عليه و آله) أم كلثوم لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و عليه مسجد كبير و حوله مساكن و له أوقاف و يسميه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم‏ .
قال السيد (رحمه الله): فأما رأس الحسين فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده لشريف و كان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه و رويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركنا وضعها لئلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب‏ .
أقول: اختلفت الكلمات في مدفن الرأس الشريف عليه أفضل التسليمات فقال قوم: أنه بعث به يزيد إلى عمرو بن سعيد بن العاص عامله على المدينة فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إلي ثم أمر به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها السلام.
و قيل: إنه كان في خزانة يزيد إلى أن دخل منصور بن جمهور خزانته فوجده في جونة حمراء و هو مخضوب بالسواد فدفنه بدمشق عند باب الفراديس.
و قيل: وجده سليمان بن عبد الملك بن مروان في خزانة يزيد فكساه خمسة من الديباج و صلى عليه في جماعة من أصحابه و قبره‏ .
و الذي اشتهر بين علمائنا الامامية أنه أما دفن مع جسده الشريف رده علي بن الحسين عليه السلام و أنه دفن عند أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في أخبار كثيرة.
قال ابن شهرآشوب: ذكر المرتضى في بعض مسائله أن رأس الحسين رد إلى بدنه بكربلاء من الشام و ضم إليه. و قال الطوسي: و منه زيارة الأربعين‏ .
و في تاريخ حبيب السير: أن يزيد بن معاوية سلم رءوس الشهداء إلى علي ابن الحسين (عليهما السلام) فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر ثم توجه إلى المدينة الطيبة. و قال: هذا أصح الروايات الواردة في مدفن الرأس المكرم‏ .
و ذكر السبط في التذكرة فيه خمسة أقوال: دفنه بكربلاء و في المدينة عند قبر أمه عليها السلام و بدمشق و بمسجد الرقة و في القاهرة.
و قال: أشهرها أنه رده إلى المدينة مع السبايا ثم رد إلى الجسد بكربلاء فدفن معه- إلى أن قال- و في الجملة ففي أي مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب و الضمائر قاطن في الأسرار و الخواطر أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى:
لا تطلبوا المولى الحسين‏ بأرض شرق أو بغرب‏
ودعوا الجميع و عرجوا نحوي فمشهده بقلبي‏
و في اللهوف: قال الراوي: و لما رجع نساء الحسين (عليه السلام) و عياله من الشام و بلغوا العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رحمه الله) و جماعة من بني هاشم و رجالا من‏ آل رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام فوافوا في وقت واحد و تلاقوا بالبكاء و الحزن و اللطم و أقاموا المآتم المقرحة للأكباد و اجتمع إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا على ذلك أياما .
و في مقتل الشيخ ابن نما ما يقرب منه‏ .
قال السيد: قال الراوي: ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة. قال بشير ابن جذلم: فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين (عليه السلام) فحط رحله و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و قال: يا بشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شي‏ء منه؟ فقال: بلى يا بن رسول اللّه إني لشاعر. فقال (عليه السلام) أدخل المدينة و انع أبا عبد اللّه. قال بشير: فركبت فرسي و ركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي (صلى اللّه عليه و آله) رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت أقول:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج‏ و الرأس منه على القناة يدار
قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين (عليهما السلام) مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم و أنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه. قال: فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجبة إلا برزن من خدورهن يدعون بالويل و الثبور فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و لا يوما أمر على المسلمين منه و سمعت جارية تنوح على الحسين (عليه السلام) فتقول:
نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا و أمرضني ناع نعاه فأفجعا
فعيني جودا بالدموع و اسكبا وجودا بدمع بعد دمعكما معا
على من دهى عرش الجليل فزعزعا فأصبح هذا المجد و الدين أجدعا
على ابن نبي اللّه و ابن وصيه‏ و ان كان عنا شاحط الدار أشسعا

ثم قالت: أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد اللّه (عليه السلام) و خدشت منا قروحا لما تندمل فمن أنت رحمك اللّه؟ فقلت: أنا بشير بن جذلم و جهني مولاي علي بن الحسين (عليه السلام) و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) و نسائه. قال: فتركوني مكاني و بادروني فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع فنزلت عن فرسي و تخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط و كان علي بن الحسين (عليه السلام) داخلا فخرج و معه خرقة يمسح بها دموعه و خلفه خادم معه كرسي فوضعه له و جلس عليه و هو لا يتمالك من العبرة و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء و حنين النسوان و الجواري و الناس يعزونه من كل ناحية فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم.
فقال: الحمد للّه رب العالمين مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى و قرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور و فجائع الدهور و ألم الفجائع و مضاضة اللواذع و جليل الرزء و عظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة.
أيها القوم ان اللّه و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد اللّه الحسين (عليه السلام) و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل (عال) السنان و هذه الرزية التي لا مثلها رزية.
أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله أم أية عين منكم تحبس دمعها و تضن عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها و السماوات بأركانها و الأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقربون و أهل السماوات أجمعون.
يا أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام و لم يصم.
أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين و شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه و لا ثلمة في الإسلام‏ ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا الا اختلاق. و اللّه لو أن النبي (صلى اللّه عليه و آله) تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا فإنا للّه و إنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها و أوجعها و أفجعها و أكظها و أفظعها و أمرها و أفدحها فعند اللّه نحتسب فيما أصابنا و ما بلغ بنا فإنه عزيز ذو انتقام.
قال الراوي: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان- و كان زمنا- فاعتذر إليه صلوات اللّه عليه بما عنده من زمانة رجليه فأجابه بقبول معذرته و حسن الظن فيه و شكر له و ترحم على أبيه‏ .
قال الجزري و ابن الصباغ المالكي: ان يزيد سير مع أهل بيت النبوة رجلا أمينا من أهل الشام و أوصاه بهم و معه خيل يسير بهم إلى المدينة .
و في أخبار الدول: أنه [أرسل‏] النعمان بن بشير مع ثلاثين رجلا فكان يسايرهم ليلا فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه و إذا نزلوا تنحى عنهم هو و أصحابه فكانوا حولهم كهيئة الحرس و كان يسألهم عن حاجتهم و يلطف بهم حتى دخلوا المدينة فقالت فاطمة بنت علي لأختها زينب عليها السلام: لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشي‏ء؟ فقالت: و اللّه ما معنا ما نصله به إلا حلينا فأخرجتا سوارين و دملجين لهما فبعثتا به إليه و اعتذرتا فرد الجميع و قال: لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني و لكن و اللّه ما فعلته إلا للّه و لقرابتكم من رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)‏ .
و كان مع الحسين (عليه السلام) امرأته الرباب بنت امرئ القيس و هي أم ابنته سكينة و حملت إلى الشام فيمن حمل من أهله ثم عادت إلى المدينة فخطبها الأشراف من قريش فقالت: ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول اللّه (صلى اللّه عليه‏ و آله) و بقيت بعده سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت و ماتت كمدا .
و قيل: إنها أقامت على قبره سنة و عادت إلى المدينة فماتت أسفا عليه‏ .
و في بعض المقاتل: ان أم كلثوم حين توجهت إلى المدينة جعلت تبكي و تقول:
مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الأحزان جينا
ألا فاخبر رسول اللّه عنا بأنا قد فجعنا في أبينا
الأبيات و من جملتها:
مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الأحزان جينا
خرجنا منك بالأهلين جمعا رجعنا لا رجال و لا بنينا
و كنا في الخروج بجمع شمل‏ رجعنا حاسرين مسلبينا
و كنا في أمان اللّه جهرا رجعنا بالقطيعة خائفينا
و مولانا الحسين لنا أنيس‏ رجعنا و الحسين به رهينا
فنحن الضائعات بلا كفيل‏ و نحن النائحات على أخينا
ألا يا جدنا قتلوا حسينا و لم يرعوا جناب اللّه فينا
ألا يا جدنا بلغت عدانا مناها و اشتفى الاعداء فينا
لقد هتكوا النساء و حملوها على الأقتاب قهرا أجمعينا
و الأبيات أكثر من هذه لم نذكرها خوف الإطالة .
قال الراوي: أما زينب فإنها أخذت بعضادتي باب المسجد و نادت: يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين و هي مع ذلك لا تجف لها عبرة و لا تفتر من البكاء و النحيب و كلما نظرت إلى علي بن الحسين (عليه السلام) تجدد حزنها و زاد وجدها .
قال السيد (رحمه الله): و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: أن زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضر الافطار جاءه غلامه بطعامه و شرابه فيضعه بين يديه و يقول: كل يا مولاي. فيقول: قتل ابن رسول اللّه جائعا قتل ابن رسول اللّه عطشانا. فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق باللّه عز و جل.
و حدث مولى له (عليه السلام) أنه برز يوما إلى الصحراء. قال: فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة و أنا أسمع شهيقه و بكاؤه و أحصيت عليه ألف مرة «لا إله إلا اللّه حقا حقا لا إله إلا اللّه تعبدا ورقا لا إله إلا اللّه إيمانا و صدقا». ثم رفع رأسه من السجود و ان لحيته و وجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه فقلت: يا سيدي أ ما آن لحزنك أن ينقضي و لبكائك أن يقل؟ فقال لي: ويحك ان يعقوب بن اسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام كان نبيا ابن نبي كان له اثني عشر ابنا فغيب اللّه سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن و احدودب ظهره من الغم و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا و أنا فقدت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي‏ .
و روى الشيخ أبو جعفر الطوسي عطر اللّه مرقده بسنده عن خالد بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له. فقال: لا بأس قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون (عليهما السلام)؛ و لا يشق الوالد على ولده و لا زوج على امرأته و تشق المرأة على زوجها- إلى أن قال عليه السلام: و لقد شققت الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام) و على مثله تلطم الخدود و تشق الجيوب‏ .
و عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: أنه نيح على‏ الحسين بن علي (عليهما السلام) سنة كل يوم و ليلة و ثلاث سنين من اليوم الذي أصيب فيه‏ .
و روى البرقي (رحمه الله): أنه لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) لبس نساء بني هاشم السواد و المسوح و كن لا يشتكين من حر و لا برد و كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعمل لهن الطعام للمآتم‏ .
و روى ثقة الاسلام الكليني برد اللّه مضجعه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) أقامت امرأته الكلبية عليه مأتما و بكت و بكين النساء و الخدم حتى جفت دموعهن و ذهبت فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل فدعتها فقالت لها: ما لك أنت من بيننا تسيل دموعك؟ قالت: إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق. قال: فأمرت بالطعام و الأسوقة فأكلت و شربت و أطعمت و سقت و قالت: أنما نريد بذلك أن نتقوى على البكاء على الحسين. قال: و أهدي إلى الكلبية جونا لتستعين بها على مأتم الحسين فلما رأت الجون قالت: ما هذه؟ قالوا: هدية أهداها فلان لتستعيني بها على مأتم الحسين عليه السلام. فقالت: لسنا في عرس فما نصنع بها. ثم أمرت بهن فأخرجن من الدار فلما أخرجن من الدار لم يحس لها حس كأنما طرن بين السماء و الأرض و لم ير لهن بعد خروجهن من الدار أثر .
و روى عن الصادق (عليه السلام) قال: ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه تعالى‏ .
و نقل عن تاريخ الذهبي أنه قال: و في سنة 253 في يوم عاشوراء الزم معز الدولة أهل بغداد بالمأتم و النوح على الحسين بن علي (عليهما السلام) و أمر بأن‏ تغلق الأسواق و أن يعلق عليها المسوح و أن لا يطبخ طباخ و خرجت نساء الشيعة مسخمات الوجوه يلطمن و ينحن ثم فعل ذلك سنوات‏ .
و عن تاريخ ابن الوردي قال: و في سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمائة أمر معز الدولة بالنياحة و اللطم و نشر شعور النساء و تسويد وجوههن على الحسين عليه السلام و عجزت السنة عن منع ذلك لكون السلطان مع الشيعة .
و عن كتاب الخطط و الآثار للمقريزي قال: قال ابن ذولاق في كتاب سيرة المعز لدين اللّه: في يوم عاشوراء من سنة ثلاث و ستين و ثلاثمائة انصرف خلق من الشيعة و أشياعهم إلى المشهدين قبر أم كلثوم و نفيسة و معهم جماعة من الفرسان المغاربة و رجالتهم بالنياحة و البكاء على الحسين (عليه السلام) .
و في بعض الكتب: و في سنة 422 أقيم ببغداد مأتم الحسين (عليه السلام) بالعويل فثارت السنة و وقع القتال حتى قتل جماعة و خربت الأسواق.
و عن أبي ريحان في الآثار الباقية: و كانوا يعظمون هذا اليوم (أي يوم عاشوراء) إلى أن اتفق فيه قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و فعل به و بهم ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالعطش و السيف و الاحراق و صلب الرءوس و اجراء الخيول على الأجساد فتشاءموا به فأما بنو أمية فقد لبسوا فيه ما تجدد و تزينوا و اكتحلوا و عيدوا و أقاموا الولائم و الضيافات و طعموا الحلاوات و الطيبات و جرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم و بقي فيهم بعد زواله عنهم و أما الشيعة فإنهم ينوحون و يبكون أسفا لقتل سيد الشهداء فيه و يظهرون ذلك بمدينة السلام و أمثالها من المدن و البلاد و يزورون فيه التربة المسعودة بكربلاء و لذلك كره فيه العامة تجديد الأواني و الأثاث‏.