انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

قال السيّد ابن طاووس: و سار ابن سعد بالسبايا، فلمّا قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهنّ، فأشرقت امرأة من الكوفيات فقالت: من أيّ الأسارى أنتنّ؟ فقلن: نحن أسارى محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) فنزلت و جمعت مقانع فأعطتهن فتغطين فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون.
فقال عليّ بن الحسين (عليهما السّلام): أتنوحون و تبكون من أجلنا، فمن قتلنا؟!
و خطبت أمّ كلثوم بنت عليّ (عليه السّلام) في ذلك اليوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت: يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و ورثتموه و سبيتم نساءه و نكبتموه، فتبّا لكم و سحقا ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم و أيّ وزر على ظهوركم حملتم و أيّ دماء سفكتموها و أيّ كريمة أصبتموها و أيّ حبيبة سلبتموها و أيّ أموال انتهبتموها؟
فضجّ الناس بالبكاء و الحنين و نشر النساء شعورهنّ و وضعن التراب على رؤوسهنّ فلم ير باكيا و باكية من ذلك اليوم، ثمّ قام زين العابدين (عليه السّلام) و قال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين بن علي، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، أنا ابن من انتهك حريمه و سلب نعيمه و انتهب ماله و سبي عياله سوءة لكم بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) إذ يقول لكم: قتلتم عترتي فلستم من أمّتي؟
فقالوا كلّهم: نحن يابن رسول اللّه سامعون مطيعون فمرنا بأمرك، فقال: هيهات هيهات أيّها الغدرة المكرة حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل، كلّا و ربّ الراقصات فإنّ الجرح لمّا يندمل ثمّ قال شعر:
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي‏ أصيب حسين كان ذلك أعظما
قتيل بشط النهر روحي فداءه‏ جزاء الذي أرداه نار جهنّما
ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر و أذن إذنا عامّا و جي‏ء برأس الحسين (عليه السّلام) فوضع بين يديه و ادخل نساء الحسين و صبيانه‏ .
و روي عن مسلم الجصّاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة فبينما أنا أجصّص الأبواب، فإذا بالأصوات ارتفعت من جوانب الكوفة فسألت، فقالوا: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد فقلت: من هذا؟
فقالوا: الحسين بن عليّ، فلطمت وجهي و خرجت فرأيت أربعين جملا تحمل عليها السبايا و الحرم و إذا بعليّ بن الحسين على البعير بغير وطاء و أوداجه تشخب دما و هو مع ذلك يبكي و يقول شعر:
يا امّة السوء لا سقيا لربعكم‏ يا امّة لم تراعى جدّنا فينا
لو أنّنا و رسول اللّه يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا
تسيّرونا على الأقتاب عارية كأنّنا لم نشيد فيكم دينا
تصفقون علينا كفّكم فرحا و أنتم في فجاج الأرض تسبونا
يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزنا و اللّه يهتك أستار المسيئينا


قال: و صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز، فصاحت بهم امّ كلثوم و قالت: يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي به إلى الأرض، قال: و إذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول اللّه و لحيته قد نصل عنها الخضاب و وجهه دارة قمر طالع و الريح تلعب بلحيته يمينا و شمالا، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فضربت رأسها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و جعلت تقول، شعر:
يا هلالا لما استتمّ كمالا غاله خسفه فزيد غروبا
ما توهّمت يا شقيق فؤادي‏ كان هذا مقدّرا مكتوبا
يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها فقد كاد قلبها أن يذوبا
يا أخي قلبك الشفيق علينا ماله قد قسى و صار صليبا
ما أذلّ اليتيم حين ينادي‏ بأبيه و لا يراه مجيبا
ثمّ وضع رأس الحسين (عليه السّلام) بين يدي ابن زياد و ادخل عليه نساء الحسين و صبيانه.
فجلست زينب بنت عليّ متنكّرة، فقال لها ابن زياد: الحمد للّه الذي فضحكم، فقالت: إنّما يفتضح الفاسق، فقال: كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت إلّا جميلا؛ هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللّه بينك و بينهم، فتحاجّ و تخاصم.
و قال المفيد: لمّا وضع الرأس بين يديه جعل ينظر إليه و يتبسّم و بيده قضيب يضرب به ثناياه، و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللّه شيخ كبير، فقال: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو اللّه الذي لا إله إلّا هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) عليها ما لا أحصيه، ثمّ انتحب باكيا، فقال ابن زياد: أتبكي لفتح اللّه لولا أنّك شيخ كبير قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم باكيا إلى منزله، ثمّ أمر ابن زياد بنساء الحسين فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت عليّ: لا يدخلن علينا عربية إلّا امّ ولد أو مملوكة فإنّهنّ سبيتا و نحن قد سبيتا، ثمّ أمر برأس الحسين (عليه السّلام) فطيف به في سكك الكوفة، شعر:
رأس ابن بنت محمّد و وصيّه‏ للناظرين على قناة يرفع‏
و المسلمون بمنظر و بمسمع‏ لا منكر منهم و لا متفجّع‏
كحلت بمنظرك العيون عماتة و اصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع‏
ما روضة إلّا تمنّت أنّها لك حفرة و لخط قبرك مضجع‏
أيقظت أجفانا و كنت لها كرى‏ و أنمت عينا لم يكن بك تهجع‏
ثمّ إنّ ابن زياد صعد المنبر، و قال في بعض كلامه: الحمد للّه الذي أظهر الحقّ و أهله و نصر المؤمنين و أشياعه و قتل الكذّاب ابن الكذّاب، فقام إليه ابن عفيف الأزدي و كان من الشيعة ذهبت إحدى عينيه في يوم الجمل و الاخرى يوم صفّين فقال: يابن مرجانة إنّ‏ الكذّاب ابن الكذّاب أنت و أبوك و من استعملك و أبوه، يا عدوّ اللّه تقتلون أبناء النبيّين و تتكلّمون بهذا الكلام على المنابر.
قال: عليّ به، فتبادرته الجلاوزة و أمر بقتله فقال: الحمد للّه ربّ العالمين أمّا إنّي قد كنت أسأل اللّه ربّي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمّك، و أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه.
فلمّا كفّ بصري يئست من الشهادة، و الآن الحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها، فقال ابن زياد لعنه اللّه: اضربوا عنقه، فضربت عنقه و صلب في السبخة.
و قال المفيد: لمّا أصبح ابن زياد بعث برأس الحسين (عليه السّلام) فدير به في سكك الكوفة.
فروي عن زيد بن أرقم أنّه لمّا مرّ به و هو على رمح و أنا في غرفة لي، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9]فوقف و اللّه شعري و ناديت: رأسك و اللّه يابن رسول اللّه أعجب و أعجب، ثمّ أنفذ برأس الحسين (عليه السّلام) و كتب إلى والي المدينة يبشّره بقتل الحسين، فنادى في المدينة بقتله فلم يسمع بكاء قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين حين سمعوا النداء بقتله فدخل بعض موالي عبد اللّه بن جعفر الطيّار فنعى إليه ابنيه فاسترجع، فقال أبو السلاسل مولى عبد اللّه هذا: و اللّه لو شهدته لأحببت أن أقتل معه، الحمد للّه أصيبا مع أخي و ابن عمّي الحمد للّه عزّ عليّ مصرع الحسين أن لا أكون واسيته بيدي فقد آساءه ولداي، فخرجت امّ لقمان بنت عقيل حين سمعت نعي الحسين حاسرة و معها أخواتها تبكي قتلاها بالطفّ و تقول، شعر:
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم‏ ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم‏
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي‏ منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم‏
ما كان هذا جزائي إذ نصحته لكم‏ أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي‏
و سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي، شعر:
أيّها القاتلون جهلا حسينا ابشروا بالعذاب و التنكيل‏
كلّ أهل السماء يدعو عليكم‏ من نبيّ و مرسل و قبيل‏
قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و صاحب الإنجيل‏
و سمع قائل في الهوى بالمدينة يقول، شعر:
يا من يقول بفضل آل محمّد بلّغ رسالتنا بغير تواني‏
قتلت شرار بني اميّة سيّدا خير البرية ماجدا ذا شأني‏
ابن المفضّل في السماء و أرضها سبط النبيّ و هادم الأوثان‏
بكت المشارق و المغارب بعدما بكت الأنام له بكلّ لسان‏
و أمّا يزيد بن معاوية، فكتب إلى ابن زياد يأمره بحمل رأس الحسين و أصحابه و نساءه و ثقله، فاستدى ابن زياد بمفخر بن ثعلبة فسلّم إليه الرؤوس و النساء فسار بهم كما يسار بسبايا الكفّار يتفصّح وجوههنّ أهل الأقطار فنزلوا أوّل مرحلة و جعلوا يشربون، فخرجت عليهم كفّ من الحائط معها قلم من حديد فكتب سطر بدم، شعر:
أترجوا أمّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب‏
و روى ابن لهيعة و غيره قال: كنت أطوف بالبيت، فإذا برجل يقول: اللّهم اغفر لي و ما أراك فاعلا، فقلت له: يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّه غفور رحيم.
قال: قصّتي إنّنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسين إلى الشام، و كنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر، فشرب أصحابي ليلة و لم أشرب.
فلمّا جنّ الليل سمعت رعدا و برقا، فإذا السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمّه إلى صدره و قبّله و كذلك فعل الأنبياء و بكى النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) على رأس الحسين، فقال جبرائيل: يا محمّد إنّ اللّه أمرني أن أطيعك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط، فقال: لا يا جبرئيل إنّ لي معهم موقفا يوم القيامة بين يدي اللّه، ثمّ صلّوا عليه ثمّ أتى قوم من الملائكة و قالوا: إنّ اللّه تعالى أمرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): شأنكم بهم فجعلوا يضربونهم بالحربات، ثمّ قصدني واحد منهم بحربة فقلت: الأمان الأمان يا رسول اللّه فقال: اذهب فلا غفر اللّه لك، فلمّا أصبحت رأيت أصحابي كلّهم رمادا.
قال السيّد ابن طاووس: و قال ابن طاووس رحمه اللّه: و ساروا برأس الحسين و السبايا إلى‏
الشام، فلمّا قربوا من دمشق قالت امّ كلثوم للشمر: حاجتي إليك إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة و قل لهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا، فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل و سلك بهم بين الناس حتّى أتى باب دمشق فوقفوا على باب المسجد الجامع حيث يقام السبي‏ .
و روي عن سهل بن سعد قال: خرجت إلى باب المقدس حتّى أتيت الشام، فإذا أنا بمدينة قد علّقوا الأستار و الحجب و هم مستبشرون و نساؤهم يلعبن بالدفوف و الطبول فقلت:
هذا ليس يوم عيد، فسألتهم، فقالوا؛ هذا رأس الحسين يهدى من أرض العراق، فقلت:
وا عجبا يهدي رأس الحسين و الناس يفرحون، فرأيت الرايات يتلو بعضها بعضا، فإذا فارس على رمحه رأس أشبه الناس برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و من ورائه نسوة على جمال، فدنوت من أولاهم فقلت: يا جارية من أنت؟
فقالت: سكينة بنت الحسين، فقلت: أ لك حاجة؟
فقالت: قل لصاحب هذا الرأس يقدمه أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول اللّه، فدنوت من صاحب الرأس و أعطيته أربعمائة دينار حتّى قدّم الرأس أمام الحرم و دخلوا على يزيد و دخلت معهم و كان جالسا على السرير و على رأسه تاج مكلّل بالدرّ و الياقوت، فدخل صاحب الرأس و هو يقول، شعرا:
املأ ركابي ذهبا و فضّة أنا قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس أمّا و أبا إذ ينسبون النسبا
قال: لو علمت أنّه خير الناس لم قتلته؟
قال: رجوت الجائزة منك، فأمر بضرب عنقه و خرّ رأسه و وضع رأس الحسين على طبق من ذهب و هو يقول: كيف رأيت يا حسين ثمّ قال: لعن اللّه ابن مرجانة إذ قدم على قتل الحسين بن فاطمة لو كنت صاحبه لما فعلت هذا، ثمّ قال، شعر:
نعلّق هامات من أناس أعزّة علينا و هم كانوا أعقّ و أظلما
و لمّا وضع رأس الحسين ورآه عليّ بن الحسين لم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا.
و قال عليّ بن الحسين: فقلت لزيد و أنا مغلول: ما ظنّك برسول اللّه لو رآني في الغلّ؟
فقال لمن حوله: حلّوه، و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته هوت إلى جيبها فشقّته ثمّ نادت بصوت حزين: يا حسيناه يابن مكّة و منى يابن فاطمة الزهراء يابن بنت المصطفى فأبكت من في المجلس، ثمّ دعا بقضيب خيزران فجعل ينكث به ثنايا الحسين فأقبل عليه الأسلمي و قال: ويحك أتنكث ثغر الحسين و لقد رأيت النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، فقتل اللّه قاتلكما و لعنه و أعدّ له جهنّم، فغضب يزيد و أمر بإخراجه.
ثمّ قال عليّ بن الحسين: ائذن لي يا يزيد حتّى أصعد المنبر، فأذن له.
فلمّا صعد قال في بعض كلامه: أيّها الناس، أنا ابن مكّة و منى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من حجّ و لبّى أنا ابن من حمل على البرق في الهوى أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلّا اللّه، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع البيعتين و قاتل ببدر و حنين، أنا ابن قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين، بستان حكمة اللّه و عيبة علمه سمح سخيّ بهيّ أبطحيّ مقدام صابر صوّام قاطع الأصلاب و مفرّق الأحزاب أسد باسل يطحنهم في الحروب طحن الرحاء، ليث الحجاز و كبش العراق، مكيّ مدنيّ خيفيّ عقبيّ بدريّ أحديّ شجريّ مهاجريّ من العرب سيّدها و من الوغا ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء.
فضجّ الناس بالبكاء و النحيب و أمر يزيد المؤذّن فقطع عليه الكلام، فلمّا قال المؤذّن:
أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه التفت عليّ بن الحسين (عليه السّلام) من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته.
و كان في مجلس يزيد حبر من أحبار اليهود فقال: من هذا الغلام؟
قال يزيد: عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و امّه فاطمة بنت محمّد، فقال:
يا سبحان اللّه، فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة بئسما خلفتموه في ذرّيته و اللّه لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظنّنا انّا كنّا نعبده من دون ربّنا و أنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه سوء لكم من أمّة، فأمر به يزيد فضرب على حلقه فقام و هو يقول: إن شئتم فاضربوني و إن شئتم فاقتلوني أو قدروني فإنّي وجدت في التوراة أنّ من قتل ذرّية نبيّ لا يزال ملعونا في الدّنيا و إذا مات يصليه اللّه نار جهنّم.
ثمّ إنّ يزيد أمر بنساء الحسين (عليه السّلام) فحبسن في محبس لا يكنّهم من حرّ و لا برد حتّى تقشّرت وجوههم، و لم يرفع في بيت المقدس حجر على وجه الأرض إلّا و تحته دم عبيط و أبصروا الشمس على الحيطان حمراء إلى أن خرج عليّ بن الحسين بالنسوة و ردّ رأس الحسين إلى كربلاء .
و روي أنّ سكينة رأت في منامها و هي في الشام كأنّ خمس نوق من نور أقبلت و على كلّ ناقة شيخ و الملائكة محدّقة بهم و معهم و صيف يمشي، فقال لي الوصيف: يا سكينة إنّ جدّك يسلّم عليك، فقلت: و على رسول اللّه السلام، من أنت؟
قال: وصيف من وصائف الجنّة قلت: من هؤلاء المشايخ؟
قال: الأوّل آدم صفيّ اللّه و الثاني إبراهيم خليل اللّه و الثالث موسى كليم اللّه و الرابع عيسى روح اللّه، فقلت: من هذا القابض على لحيته يسقط مرّة و يقوم اخرى؟
فقال: جدّك رسول اللّه، قاصدون إلى أبيك الحسين فجئت أشكو إليه فرأيت خمسة هوادج من نور في كلّ هودج امرأة فقلت: من هذه النسوة؟
قال: الأولى حوّاء امّ البشر و الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم بنت عمران و الرابعة خديجة بنت خويلد و الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرّة و تقوم أخرى، فقال:
جدّتك فاطمة بنت محمّد فوقفت بين يديها أبكي و أقول: يا أمّتاه استباحوا و اللّه حريمنا و قتلوا الحسين أبانا فقالت: يا سكينة كفّي صوتك أقرحت كبدي و قطّعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتّى ألقى اللّه به، ثمّ انتبهت‏ .
و روي عن محمّد بن عبد الرحمن قال: لقيني عالم النصارى فقال: و اللّه إنّ بيني و بين داود سبعين أبا و أنّ اليهود لتلقاني فتعظّمني، و أنتم ليس بينكم و بين ابن نبيّكم إلّا أب واحد قتلتموه‏ .
و روي عن زين العابدين (عليه السّلام) إنّه لمّا أتى برأس الحسين (عليه السّلام) إلى يزيد كان يشرب الخمر فحضر مجلسه رسول ملك الروم، فقال: هذا رأس من؟
قال: رأس الحسين بن علي أمّه فاطمة بنت رسول اللّه، فقال النصراني: أف لك و لدينك إنّ أبي من نسل داود و النصارى يأخذون من تراب قدمي تبرّكا بي، و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه ما بينه و بينكم إلّا امّ واحدة، ثمّ قال: إنّ بين عمّان و الصين بحرا ليس فيه عمران إلّا بلدة واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين و منها يحمل الكافور و الياقوت، أشجارهم العود و العنبر و هي في أيدي النصارى و فيها كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلّقة فيها حافر يقولون إنّه حافر حمار عيسى يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى يطوفون حولها و يقبّلونها، و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه؟
فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني لئلّا يفضحني في بلاده.
فلمّا أحسّ بالقتل قال: إنّي رأيت البارحة نبيّكم في المنام يقول لي: يا نصراني أنت من أهل الجنّة فتعجّبت، و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، ثمّ ضمّ رأس الحسين إلى صدره و جعل يقبّله و يبكي حتّى قتل‏ .
و روي أنّ يزيد لعنه اللّه أمر بأن يصلب الرأس على باب داره، فخرجت بنت عبد اللّه بن عامر امرأة يزيد و كانت قبل ذلك تحت الحسين (عليه السّلام) حتّى شقّت الستر و هي حاسرة فوثبت إلى يزيد و هو في مجلس عام فقالت: يا يزيد رأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب على فناء داري، فوثب إليها يزيد فغطّاها و قال: ابكي على ابنت بنت رسول اللّه عجّل عليه ابن زياد لعنه اللّه فقتله قتله اللّه.
و خرج زين العابدين (عليه السّلام) يوما يمشي في أسواق دمشق فقيل له: كيف أمسيت يابن رسول اللّه؟
قال: أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبّحون أبناءهم و يستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا عربي و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّدا منها، و أمسينا معشر أهل بيته مغصوبون مقتولون مشرّدون فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و للّه درّ مهيار حيث قال، شعر:
يعظّمون له أعواد منبره‏ و تحت أرجلهم أولاده وضعوا
بأيّ حكم بنوه يتبعونكم‏ و فخركم أنّكم صحب له تبع‏
و دعى يزيد يوما بعليّ بن الحسين و عمرو بن الحسن و عمره إحدى عشر سنة فقال لابن الحسن: أتصارع ابني خالدا؟
فقال له عمر: لا، ولكن أعطني سكّينا و اعطه سكّينا ثمّ أقاتله، قال يزيد: شنشنة أعرفها من أخزم، و هل تلد الحيّة إلّا الحيّة.
و قال لعليّ بن الحسين: اذكر حاجاتك الثلاث اللّاتي وعدتك بقضائهنّ؟
فقال: الاولى أن تريني وجه أبي الحسين فأودّعه، و الثانية أن تردّ إلينا ما اخذ منّا، و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهم.
فقال: أمّا وجه أبيك فلن تراه أبدا و أمّا قتلك فقد عفوت عنك، و أمّا النساء ما يؤدّيهن إلى المدينة غيرك، و أمّا ما اخذ منكم فأنا أعوّضكم أضعاف قيمته، فقال: إنّما طلبت ما اخذ منّا لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد و مقنعتها و قلادتها و قميصها، فأمر بردّ ذلك‏ .
الأقوال في الرأس‏
قال ابن نما: و أمّا الرأس الشريف اختلف الناس فيه، فقال قوم: إنّ عمر بن سعد دفنه بالمدينة لأنّ يزيد أرسل الرأس إلى المدينة بشارة للناس بذلك.
و عن منصور بن جمهور: إنّه دخل خزانة يزيد ثمّ اخرج بعده و دفن بدمشق عند باب مراديس عند برج الثالث كما بيّن مشرف، و حدّثني جماعة من أهل مصر أنّ مشهد الرأس عندهم يسمّونه المشهد الكريم عليه من الذهب شي‏ء كثير يقصدونه في المواسم و يزورونه و يزعمون أنّه مدفون هناك، و الذي عليه المعوّل من الأقوال إنّه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه.
و قال السيّد طاب ثراه: فأمّا رأس الحسين (عليه السّلام) فروي إنّه اعيد و دفن بكربلاء مع جسده الشريف، و كان عمل الطائفة على هذا المعنى.
و روى أبو العلاء الحافظ: إنّه دفن بالبقيع عند قبر أمّه فاطمة (عليها السّلام)‏ .
و ذكروا أنّ سليمان بن عبد الملك بن مروان أخرج الرأس من خزائن بني أميّة و دفنه بدمشق في مقابر المسلمين، فلمّا ولّي ابن عبد العزيز نبشه و أخذه، و اللّه أعلم ما صنع به، فالظاهر من دينه إنّه بعثه إلى كربلاء فدفن مع جسده (عليه السّلام).
هذه الأقوال للعامّة و المشهور بين علماء الطائفة: إنّه دفن مع جسده ردّه عليّ بن الحسين.
و في أخبار كثيرة: إنّه دفن عند قبر أمير المؤمنين (عليه السّلام)‏ .
و روي إنّ يزيد بعث عليّ بن الحسين و النساء إلى المدينة و مرّوا على كربلاء فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري و جماعة من بني هاشم أتوا إلى زيارة قبر الحسين (عليه السّلام) و اجتمع‏ عليهم نساء تلك القرى و تلاقوا بالبكاء و الحزن و اللطم و أقاموا المآتم المقرحة للأكباد .
و عن أبي حبّاب الكلبي قال: حدّثنا الجصّاصون قالوا: كنّا نخرج إلى الجبّانة في الليل عند مقتل الحسين (عليه السّلام) فنسمع الجنّ ينوحون عليه فيقولون، شعر:
مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود
فانفصلوا من العراق إلى المدينة، فلمّا قرب عليّ بن الحسين (عليه السّلام) من المدينة ضرب فسطاطه و نزل و قال: يا بشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا، فهل تقدر على شي‏ء منه؟
قلت: بلى إنّي شاعر، قال: فادخل المدينة وانع أبا عبد اللّه، قال: فدخلت المدينة راكبا، فلمّا بلغت مسجد النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) رفعت صوتي بالبكاء و قلت شعر:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلا مضرّج‏ و الرأس منه على القناة يدار


ثمّ قلت: هذا عليّ بن الحسين مع نسائه نزلوا بساحتكم و أنا رسوله إليكم أخبركم بقدومه، فما بقيت في المدينة مخدّرة إلّا برزن من خدورهنّ مكشوفة شعورهنّ مخمّشة وجوههنّ ضاربات خدودهنّ، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و سمعت جارية تنوح على الحسين و تقول، شعر:
نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا و أمرضني ناع نعاه فأفجعا
فعيناي جودا بالدموع و اسكبا وجودا بدمع بعد دمعكما معا
على من دعى عرش الجليل فأفزعا فأصبح هذا المجد و الدّين أجدعا
على ابن نبيّ اللّه و ابن وصيّه‏ و إن كان عنّا شاحط الدار شسعا
فخرج الناس من المدينة إلى عليّ بن الحسين، فأتيت إليه و هو داخل الفسطاط فخرج يبكي و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء، فأشار إلى الناس بالسكوت. ثمّ خطب و قال في خطبته: أيّها الناس إنّ للّه و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة؛ قتل أبو عبد اللّه و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، فأيّ عين منكم تحبس دمعها عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها و السماوات بأركانها و الأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقرّبون و أهل السماوات أجمعون، أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشردّين مبعدين عن الأمصار كأنّا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه، و اللّه لو أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها و أوجعها و أفجعها .
و روي عن الصادق (عليه السّلام): أنّ زين العابدين (عليه السّلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله، فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه و شرابه فيقول: كل يا مولاي فيقول: قتل ابن رسول اللّه جائعا، قتل ابن رسول اللّه عطشانا، فيكرّر ذلك و يبكي حتّى يبل طعامه من دموعه ثمّ يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتّى لحق باللّه عزّ و جلّ.
و روي أنّه قال له: يا سيّدي أما آن لحزنك أن ينقضي و لبكائك أن يقلّ؟
فقال لي: ويحك إنّ يعقوب كان نبيّا ابن نبيّ كان له اثنا عشر ابنا، فغيّب اللّه سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغمّ و ذهب بصره من البكاء و ابنه حيّ في دار الدّنيا، و أنا فقدت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقلّ بكائي؟
و عن الرضا (عليه السّلام) تقريرا: أنّ زين العابدين (عليه السّلام) كان في حبس ابن زياد و قد أمكنه اللّه تعالى، فخرج و ولّى تجهيز أبيه الحسين (عليه السّلام) لأنّ الإمام لا يلي أمره و دفنه إلّا إمام مثله.
و في الكافي عن عبد اللّه الأودي قال: لمّا قتل الحسين (عليه السّلام) أراد القوم أن يوطئوه الخيل.
فقالت فضّة لزينب: يا سيّدتي إنّ سفينة كسرت به في البحر فخرج به إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال: يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللّه، فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطريق و الأسد رابض في ناحيته، فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا، قال: فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث فرفع رأسه، ثمّ قالت: أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد اللّه؟
يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره قال: فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين (عليه السّلام)، فأقبلت الخيل، فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللّه: فتنة لا تثيروها انصرفوا، فانصرفوا.
تقول: سفينة بفتح (السين) و كسر (الفاء) مولى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و قد كسرت به السفينة في البحر، فخرج على جزيرة من جزائر البحر و دلّه الأسد على الطريق‏ .
و عن عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) قال: لمّا قتل الحسين (عليه السّلام) جاء غراب فتمرّغ في دمه ثمّ طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين فنظرت إليه و بكت و قالت، شعر:
نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب‏ قال الإمام فقلت من قال الموفّق للصواب‏
إنّ الحسين بكربلاء بين الأسنّة و الضراب‏ فنعته لأهل المدينة فقالوا: قد جاءتنا بسحر عبد المطّلب، فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين (عليه السّلام)‏ .
و روي أنّه لمّا حمل رأسه إلى الشام جنّ عليهم الليل فنزلوا عند رجل من اليهود، فلمّا شربوا و سكروا قالوا: عندنا رأس الحسين، فقال: أروه لي و هو في الصندوق يسطع منه، النور فاستودعه اليهودي منهم و قال للرأس: اشفع لي عند جدّك، فقال الرأس: إنّما شفاعتي للمحمّديّين و لست بمحمّدي فجمع اليهود أقرباءه فوضع الرأس في طشت و صبّ عليه ماء الورد و وضع عليه العنبر و قال لأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد ثمّ قال: يا لهفاه حيث لم أجد جدّك محمّدا فأسلم على يديه و لم أجدك حيّا فأسلم على يديك و أقاتل بين يديك لتشفع لي يوم القيامة، فقال الرأس: إن أسلمت فأنا لك شفيع، فأسلم الرجل و أقرباؤه.
و لعلّ هذا اليهودي كما قيل كان شاعر قنسرين، لأنّه أسلم بسبب رأس الحسين (عليه السّلام) و جاء ذكره في المراثي و الأشعار .
و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: قلت جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارة
الحسين (عليه السّلام) و هو يقدر على ذلك؟
قال: إنّه قد عقّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و عقنا و استخف بأمر هو له، و من زاره كان اللّه له من وراء حوائجه و كفى ما أهمّه من أمر دنياه، و إنّه ليجلب الرزق على العبد و يخلف عليه ما أنفق و يغفر له ذنوب خمسين سنة و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته و فتح له باب إلى الجنّة يدخل عليها روحها حتّى ينشر، و إن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه فجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم و إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر لك و ذخرها لك عنده و الحمد للّه‏ .
و روي أنّ موضع حبس زين العابدين (عليه السّلام) هو اليوم مسجد- يعنى للفرح- يحبسه فيه‏ .
و عن الرضا (عليه السّلام): أنّ يزيد لعنه اللّه وضع رأس الحسين (عليه السّلام) أمامه و كان يلعب بالشطرنج و يشرب الفقاع، فمن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين (عليه السّلام) و ليلعن يزيد و آل زياد، يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم‏ .
و عن يزيد بن عمر بن طلحة قال: ركب أبو عبد اللّه (عليه السّلام) مع ابنه إسماعيل و أنا معهم حتّى إذا جاز الثوية بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض فنزل و صلّى هناك و قال لابنه إسماعيل: قم فسلم على جدّك الحسين فقلت: جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟
فقال: نعم، ولكن لمّا حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا و دفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما .
و عنه (عليه السّلام) قال: إنّ الملعون ابن زياد لمّا بعث برأس الحسين إلى الشام ردّ إلى الكوفة فقال: اخرجوه منها لا يفتننّ به أهلها، فصيّره اللّه عند أمير المؤمنين (عليه السّلام) فالرأس مع الجسد و الجسد مع الرأس‏ .
أقول: لعلّ المعنى أنّه بعد ردّه إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) صار إلى كربلاء مع الجسد، و قيل: المعنى أنّه صعد به مع الجسد إلى السماء كما ورد في بعض الأخبار، أو أنّ بدن أمير المؤمنين (عليه السّلام) كالبدن لذلك الرأس، لأنّهما من نور واحد.
و روى الشيخ و الكليني قدّس اللّه روحهما أخبارا كثيرة في أنّ الرأس بعد ردّه دفن عند قبر أمير المؤمنين (عليه السّلام).
حديث عجيب‏
و عن زين العابدين (عليه السّلام) في حديث طويل يقول فيه: قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): فإذا برز الحسين (عليه السّلام) و أصحابه إلى مضاجعهم تولّى اللّه عزّ و جلّ قبض أرواحهم بيده و هبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت و الزمرّد مملوّة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنّة و طيب من طيب الجنّة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء و ألبسوها الحلل و حنّطوها بذلك الطيب و صلّى الملائكة صفّا صفّا عليهم. ثمّ يبعث اللّه قوما لا يعرفهم الكفّار فيوارون أجسامهم و يقيمون رسما لسيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحقّ و سببا للمؤمنين إلى الفوز. و يتحفه ملائكة كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم و ليلة يصلّون عليه و يسبّحون اللّه عنده و يستغفرون اللّه لزوّاره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا متقرّبا إلى اللّه و إلى رسوله و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش اللّه، هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الأنبياء.
فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار و يعرفون به ويلتقطهم الملائكة و النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) يوم القيامة بذلك النور حتّى ينجيهم من هول ذلك اليوم، و لقد قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله): إنّ إبليس يوم قتل الحسين يطير فرحا فيجول الأرض كلّها في شياطينه و عفاريته فيقول: يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرّية آدم الطلبة و بلغنا في هلاكهم الغاية و أورثناهم النار إلّا من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم و حملهم على عداوتهم حتّى لا ينجو منهم ناج.
ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) بعدما حدّث بهذا الحديث: خذ إليك ما لو ضربت في طلبه اباط الإبل حولا لكان قليلا .
و في كتاب الخرائج و الجرائح عن سلمان بن مهران قال: بينما أنا في الطواف إذا رأيت‏
رجلا يقول: اللّهم اغفر لي و أنا أعلم أنّك لا تغفر؟ فقلت: يا هذا أنت في حرم اللّه، فلم تيأس من المغفرة؟
فقال: يا هذا ذنبي أعظم من الجبال الرواسي، فخرج بي من الحرم ثمّ حدّثني و قال: أنا كنت في عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد، فنزلنا في طريق الشام على دير النصارى و الرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام لنأكل فإذا كفّ في حائط الدير يكتب شعر:
أترجو أمّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب‏


فأهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذها فغابت ثمّ عدنا إلى الطعام، فإذا الكفّ قد عادت تكتب:
فلا و اللّه ليس لهم شفيع‏ و هم يوم القيامة في العذاب‏
فقام أصحابنا إليها فغابت ثمّ عادوا إلى الطعام فعادت تكتب:
و قد قتلوا الحسين بحكم جور و خالف حكمهم حكم الكتاب‏
فأشرف علينا راهب من الدّير فرأى نورا ساطعا من الرأس فقال لنا: من أين جئتم؟
قلنا: حاربنا الحسين بن فاطمة و هذا رأسه.
قال: هلاكا لكم و اللّه، لو كان لعيسى ابن مريم ابن حملناه على أحداقنا، ولكن قولوا لرئيسكم: عندي عشرة آلاف درهم يأخذها و يعطيني الرأس إلى وقت الرحيل ثمّ أردّه فأخبروا عمر بن سعد فقال: خذوا منه المال فدفع إليهم جرابين فانتقدها ابن سعد و سلّمها إلى خازنه، فأخذ الراهب الرأس فغسله و حشّاه بمسك و كافور و جعله في حريرة و وضعه في حجره و لم يزل ينوح و يبكي حتّى طلبوا منه الرأس فقال: يا رأس الحسين لا أملك إلّا نفسي، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدّك محمّد إنّي أشهد أنّ لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله أسلمت على يديك، فأعطاهم الرأس و لحق بالجبال يعبد اللّه.
فلمّا دنى ابن سعد من الشام قال لأصحابه: اطلبوا الجرابين فأحضرت فنظر إلى خاتمه و فتحها فإذا الدنانير تحوّلت خزفا فنظر في سكّتها، فإذا على جانب مكتوب: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] ‏ و على الجانب الآخر مكتوب: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] فقال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون خسرت الدّنيا و الآخرة، فقال لغلمانه: اطرحوها في النهر، فأدخل الرأس على يزيد و وضعه بإزاء القبّة التي يشرب فيها و وكلنا بالرأس، فلمّا مضى جانب من الليل سمعت دويّا من السماء فإذا مناديا ينادي: يا آدم اهبط، يا عيسى اهبط يا محمّد اهبط، فهبطوا مع خلق كثير من الملائكة فدخل محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) القبّة و أخذ الرأس منها و جاء به إلى آدم فقال: يا أبي آدم ما ترى ما فعلت امّتي بولدي؟ فاقشعر لذلك جلدي، فقال جبرئيل: مرني ازلزل بهم الأرض، قال: لا.
قال: دعني مع هؤلاء الأربعين، فجعل ينفخ بواحد واحد. فدنى منّي، فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): دعوه دعوه لا يغفر اللّه له، فتركني فأخذوا الرأس و مضوا، فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرفت له خبر.
قال سليمان [الأعمش‏] : فقلت للرجل: تنحّ عنّي لا تحرقني بنارك‏ .
و في ذلك الكتاب أيضا عن المنهال قال: رأيت رأس الحسين (عليه السّلام) حين حمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فقال رأس الحسين بلسان فصيح: أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي‏ .
و في كتاب المحاسن عن عمر بن علي بن الحسين قال: لمّا قتل الحسين بن عليّ (عليهما السّلام) لبسن نساء بني هاشم السواد و كنّ لا يشتكين من حرّ و لا برد، و كان عليّ بن الحسين يعمل لهنّ الطعام للمآتم‏ .
و في الكافي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: جدّدت أربعة مساجد بالكوفة فرحا بقتل الحسين (عليه السّلام): مسجد الأشعث و مسجد جرير و مسجد سماك و مسجد شبث بن ربعي‏ .
و روي في بعض مؤلّفات أصحابنا مرسلا: أنّ نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد لعنه اللّه و قد حضر المجلس الذي أتي فيه برأس الحسين (عليه السّلام)، فبكى النصراني و صاح ثمّ قال: اعلم يا يزيد إنّي دخلت المدينة تاجرا في حياة النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) فسألت أصحابه أيّ شي‏ء أحبّ إليه من الهدايا؟
فقالوا: الطيب، فحملت إليه من المسك و العنبر و هو يومئذ في بيت زوجته أمّ سلمة الطيور فرأيت نورا ساطعا فتعلّق قلبي بمحبّته فقلت: هذا هدية محقرة فقال لي: إن قبلت منّي الإسلام و أنا وزير ملك الروم، و لمّا كنت في حضرة النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) رأيت هذا الذي رأسه بين يديك دخل على جدّه من باب الحجرة و النبيّ فاتح باعه ليأخذه فوضعه في حجره و جعل يقبّل شفتيه و ثناياه و يقول: لعن اللّه من قتلك يا حسين و أعان على قتلك، و هو مع ذلك يبكي، فلمّا كان اليوم الثاني كنت مع النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن و قال: يا جدّاه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر، و إنّما نريد أن تعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر.
فقال: يا حبيبي إنّ التصارع لا يليق بكما ولكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطّه أحسن كذلك تكون قوّته أكثر، فكتب كلّ واحد منهما سطر و أتيا جدّهما فأعطياه اللوح ليقضي بينهما فنظر و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال: إنّي امّي لا أعرف الخط اذهبا إلى أبيكما يحكم بينكما، فقام النبي معهما و دخلوا بيت فاطمة فما كان إلّا ساعة حتّى أقبل النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) و سلمان الفارسي فقلت: يا سلمان بحقّ دين الإسلام إلّا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟
فقال: لمّا أتيا إلى أبيهما لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال: امضيا إلى أمّكما فعرضا عليها ما كتبا فتفكّرت و قالت: إنّي أقطع قلادتي على رأسكما فأيّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن و قوّته أكثر، و كان في قلادتها سبع لؤلؤات فقطعت القلادة فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات و التقط الحسين ثلاث لؤلؤات فبقيت الاخرى فمدّا أيديهما إليها، فأمر اللّه تعالى جبرئيل أن يقدّها بجناحه نصفين فأخذ كلّ واحد منهما نصفا، فانظر يا يزيد كيف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و أمير المؤمنين و فاطمة و ربّ العزّة لم يريدوا كسر قلب أحدهما، و أنت هكذا تفعل بابن بنت رسول اللّه؟! أف لك يا يزيد، ثمّ قام النصراني إلى رأس الحسين و جعل يقبّله و يبكي و يقول: يا حسين اشهد لي عند جدّك المصطفى و عند أبيك المرتضى و عند أمّك فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين‏ .
قال: و روي من طريق أهل البيت (عليهم السّلام) أنّه لمّا قتل الحسين (عليه السّلام) بقي في كربلاء صريعا و دمه على الأرض مسفوحا، و إذا بطائر أبيض أتى و تمرّغ بدمه و جاء و الدم يقطر منه فرأى طيورا على الأشجار كلّ منهم يذكر الحب و العلف و الماء فقال لهم: ويلكم تشتغلون بالدّنيا و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ ملقى على التراب مذبوح و دمه مسفوح؟
فصارت الطيور إلى كربلاء، فرأوا الحسين على الأرض جثّة بلا رأس و لا غسل و لا كفن عليه التراب و بدنه قد هشّمته الخيل بحوافرها زوّاره الوحوش و الجنّ، قد أضاء به التراب و جوّ السماء، [فلما رأته الطيور تصايحن و أعلنّ بالبكاء و الثبور، و تواقعن‏] و تمرغن في دمه و طار كلّ واحد إلى ناحية يعلم أهلها، فقصد طير منها مدينة الرسول فجاء يرفرف و الدم يقطر من أجنحته و دار حول قبر سيّدنا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و قال: ألا قتل الحسين بكربلاء، ألا ذبح الحسين بكربلاء، فاجتمعت عليه الطيور ينوحون، فلمّا رأى أهل المدينة النوح و تقاطر الدم لم يعلموا ما الخبر حتّى جاءهم بعد أيّام خبر مقتل الحسين (عليه السّلام) فعلموا أنّ ذلك الطير كان يخبر بقتله.
و قد نقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء به الطير إلى المدينة كان رجل يهودي في المدينة و له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة مجذومة، فجاء ذلك الطائر و الدم يقاطر منه و وقع على شجرة يبكي طول ليله و كان اليهودي قد أخرج ابنته إلى خارج المدينة و تركها في البستان الذي وقع فيه الطير فعرض لليهودي عارض فدخل المدينة و بقي ليلته، و أمّا البنت فبقيت ساهرة على أبيها فسمعت حنين الطير و بكاءه على الشجرة فقطرت من جناح الطير قطرة دم على إحدى عينيها فبرئت و قطرت على الاخرة قطرة فبرئت فقطر على كلّ عضو منها قطرة، فعوفيت بإذن اللّه تعالى.
فلمّا أتى أبوها البستان ورآها صحيحة تعجّب من أمرها فأتت به إلى الطير على الشجرة و حكت له قصّة تقاطر الدم، فقال اليهودي للطير: أقسمت عليك بالذي خلقك أن تكلّمني بقدرة اللّه تعالى، فتكلّم الطير و حكى له قضية الحسين (عليه السّلام) و قتله بكربلاء و أنّ ذلك الدم من دمه، فأسلم اليهودي مع ابنته و خمسمائة من قومه‏ .
قال: و حكي عن رجل أسدي قال: كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني أميّة، فرأيت الرياح إذا هبّت تهبّ على مثل روائح المسك و العنبر و إذا سكنت أرى نجوما تهوى من السماء إلى الأرض و نجوما مثلها تصعد إلى السماء و أرى أسدا يأتي من القبلة، فإذا أصبح ذهب فقلت: هذه الليلة أرقب هذا الأسد لأرى ما يصنع بهذه الأبدان.
فلمّا غربت الشمس أقبل الأسد يهمهم فخفت منه، فرأيته يتخطّى القتلى حتّى وقف على جسد كأنّه الشمس فمرّغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم فجعلت أحرسه حتّى جنّ الظلام، و إذا بشموع معلّقة و إذا ببكاء و نوح فقصدت الأصوات فإذا هي تحت الأرض و سمعت صوتا يقول: وا حسيناه وا إماماه، فاقشعر جلدي فأقسمت على الباكي من أنتم؟
فقالوا: نساء من الجنّ ننوح على الحسين الذبيح العطشان، قلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟
قالوا: نعم، و هذا الأسد أبوه عليّ بن أبي طالب، فرجعت و دموعي تجري على خدّي‏ .
ثواب التسبيح و إن لم يسبّح‏
و في دعوات الراوندي: روي أنّه لمّا حمل عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) إلى يزيد لعنه اللّه همّ بقتله فوقفه بين يديه ليتكلّم كلمة توجب بها قتله و هو (عليه السّلام) يجيبه حسب ما يكلّمه و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلّم، فقال له يزيد: اكلّمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك، فكيف يجوز ذلك؟
فقال: حدّثني أبي عن جدّي أنّه كان إذا صلّى الغداء و انفتل لا يتكلّم حتّى يأخذ سبحة بين يديه فيقول: اللّهم إنّي أصبحت اسبّحك و امجّدك و أحمدك و اهلّلك بعدد ما ادير به سبحتي و يأخذ السبحة و يديرها و هو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلّم بالتسبيح و ذلك محتسب له و هو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا آوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ففعلت هذا اقتداء بجدّي، فقال له يزيد: لست أكلّم أحدا منكم إلّا و يجيبني بما يعوذ به، فعفى عنه فأمر بإطلاقه‏ .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم رضى اللّه عنه بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: مرّ عليه رجل عدوّ للّه و رسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ‏ ثمّ مرّ عليه الحسين (عليه السّلام) فقال: فقال هذا لتبكين عليه السماء و الأرض و ما بكت السماء و الأرض إلّا على يحيى بن زكريا و الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما .
و في الأمالي عن الفضيل بن يسار قال: قلت للصادق (عليه السّلام): إنّي أحضر مجالس هؤلاء القوم- يعني المخالفين- فأذكركم في نفسي فأيّ شي‏ء أقول؟
فقال: قلّ اللّهم أرنا الرخاء و السرور فإنّك تأتي على ما تريد، قلت: فإنّي أذكر الحسين‏ فأيّ شي‏ء أقول؟
فقال: قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا، ثمّ قال: لمّا قتل الحسين (عليه السّلام) بكى عليه كلّ شي‏ء إلّا ثلاثة أشياء: البصرة و دمشق و آل الحكم بن أبي العاص‏ .
أقول: يجوز أن يراد أهل البصرة و أهل دمشق على حذف المضاف و يجوز أن يراد أرضها لما مرّ من أنّ الأرض كلّها بكت عليه مع أهلها.
كلّ شي‏ء يبكي على الحسين عليه السلام‏
و في حديث ميثم التمّار: أنّه يبكي على الحسين (عليه السّلام) الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحر و الطير في السماء، و يبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الأرض و الإنس و الجنّ و الملائكة و الأرضون و مالك و حملة العرش، و تمطر السماء دما و رمادا .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فقال: يا أبا جعفر نريد أن نسألك مسألة؟
فقال: نعم.
قال: اخبرني عن الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب بمّ استدلّ به الغائب عن الكوفة على قتله؟
قال: إنّه لمّا كان تلك الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب لم يرفع حجر عن وجه الأرض إلّا وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر، و كذلك الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى، و كذلك الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون، و كذلك الليلة التي قتل فيها شمعون و كذلك الليلة التي قتل فيها الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)، فتغيّر وجه هشام و قال لأبي: اعطني ميثاقا أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتّى أموت، فأعطاه أبي ما أرضاه‏ .
و عن أحمد بن عبد اللّه بإسناده إلى رجل من أهل بيت المقدس قال: و اللّه لقد عرفنا أهل بيت المقدس و نواحيها عشية قتل الحسين، و ذلك إنّا ما رفعنا حجرا و لا مدرا إلّا و رأينا تحتها دما يغلي و احمرّت الحيطان كالدم و مطرنا ثلاثة أيّام دما عبيطا و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل شعر:
أ ترجو أمّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب‏
معاذ اللّه لا نلتم يقينا شفاعة أحمد و أبي تراب‏
قتلتم خير من ركب المطايا و خير الشيب طرّا و الشباب‏
و انكسفت الشمس ثلاثة أيّام و اشتبكت النجوم، فلمّا كان من الغد رجفنا بقتله حتّى أتانا الخبر اليقين‏ .
و عن الحارث الأعور قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): بأبي و امّي ال