انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

لما فرغ القوم من التطواف بالرأس المطهر بالكوفة ردوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس و دفع إليه رءوس أصحابه (عليه السلام) و سرحه إلى يزيد بن معاوية و أنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي و طارق بن أبي ظبيان (طارق خ ل) في جماعة من أهل الكوفة حتى وردوا بها على يزيد .
أقول: و يحق لي أن أطيل البكاء و أتمثل بقول أمير المؤمنين سيد الأوصياء صلوات اللّه عليه: اين الذين تعاقدوا على المنية و أبرد برءوسهم إلى الفجرة و أن أتمثل بقول الشاعر:
بنفسي رءوس معلنات‏ على القنا الى الشام تهدى بارقات الأسنة
بنفسي خدود في التراب تعفرت‏ بنفسي جسوم بالعراء تعرت‏
ربيع اليتامى و الأرامل فابكها مدارس للقرآن في كل سحرة
و أعلام دين المصطفى و ولاته‏ و أصحاب قربان و حج و عمرة
روي عن عبد اللّه بن ربيعة الحميري قال: إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه فقال له يزيد: ويلك ما وراؤك و ما عندك؟
فقال: أبشر بفتح اللّه و نصره ورد علينا الحسين بن علي عليهما السلام في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا و ينزلوا على حكم الأمير عبيد اللّه بن زياد أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم جعلوا يتهربون (يهربون خ ل ينهزمون خ ل) الى غير وزر و يلوذون منا بالآكام و الحفر لواذا كما لاذ الحمائم من صقر فو اللّه يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة و ثيابهم مرملة و خدودهم معفرة تصهرهم الشموس و تسفي عليهم الرياح زوارهم العقبان و الرخم بقاع‏ سبسب. فأطرق يزيد هنيهة ثم رفع رأسه و قال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أني كنت صاحبه لعفوت عنه فرحم اللّه الحسين. و لم يصله بشي‏ء .
و في رواية نور الأبصار للسيد الشبلنجي و تذكرة السبط: و أخرجه من عنده و لم يصله بشي‏ء. انتهى‏ .
قلت: و قد أخبر (عليه السلام) عن ذلك كما روي عن أبي جعفر محمد بن جرير بسنده عن إبراهيم بن سعيد- و كان هو مع زهير بن القين حين صحب الحسين عليه السلام- فقال له: يا زهير أعلم أن هاهنا مشهدي و يحمل هذا من جسدي- يعني رأسه- زحر بن قيس فيدخل على يزيد و يرجو نائله فلا يعطيه شيئا .
ثم إن عبيد اللّه بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين (عليه السلام) أمر بصبيانه و نسائه فجهزوا و أمر بعلي بن الحسين (عليه السلام) فغل بغل إلى عنقه ثم سرح بهم في أثر الرأس مع مخفر بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس و لم يكن علي بن الحسين عليهما السلام يكلم أحدا منهم (من القوم خ ل) في الطريق كله حتى بلغوا دمشق‏ .
للسيد حيدر الحلي «ره»:
فمن مبلغ المختار أن بقية الآ ل الفتى السجاد في القيد يرسف‏
و من مبلغ الزهراء أن بناتها عليها الرزايا و المصائب عكف‏
تطوف بها الأعداء في كل بلدة فمن بلد أضحت لآخر تقذف‏
و روي عن كتب الفريقين أن حاملي الرأس الشريف لما نزلوا في أول مرحلة جعلوا يشربون و يتبجحون‏ بالرأس فيما بينهم فخرجت عليهم كف من الحائط معها قلم من حديد فكتبت أسطرا بدم:
أ ترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب‏
ففزعوا من ذلك و ارتاعوا و رحلوا من ذلك المنزل‏ .
و في تذكرة السبط: قال ابن سيرين: وجد حجر قبل مبعث النبي (صلى اللّه عليه و آله) بخمس مائة سنة عليه مكتوب بالسريانية فنقلوه بالعربية فإذا هو:
أ ترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب‏
و قال سليمان بن يسار وجد حجر عليه مكتوب:
لا بد أن ترد القيامة فاطمة و قميصها بدم الحسين ملطخ‏
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه‏ و الصور في يوم القيامة ينفخ‏
و عن تاريخ الخميس قال: فساروا إلى أن وصلوا إلى دير في الطريق فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا مكتوبا إلى بعض جدرانه:
أ ترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب‏
فسألوا الراهب عن السطر و من كتبه فقال: إنه مكتوب هاهنا من قبل أن يبعث نبيكم بخمس مائة عام‏ .
و روى السبط ابن الجوزي مسندا عن أبي محمد عبد الملك بن هشام النحوي البصري في حديث: إن القوم كلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدوه له فوضعوه على رمح و حرسوه طول الليل الى وقت الرحيل ثم يعيدوه إلى الصندوق و يرحلوا فنزلوا بعض المنازل و في ذلك المنزل دير فيه راهب فأخرجوا الرأس على عادتهم و وضعوه على الرمح و حرسه الحرس على عادته و أسندوا الرمح إلى الدير فلما كان في نصف الليل رأى الراهب نورا من مكان الرأس إلى عنان‏ السماء فأشرف على القوم و قال: من أنتم؟ قالوا: نحن أصحاب ابن زياد. قال:
و هذا رأس من؟ قالوا: رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله). قال: نبيكم؟ قالوا: نعم. قال: بئس القوم أنتم لو كان للمسيح ولد لأسكناه أحداقنا. ثم قال: هل لكم في شي‏ء؟ قالوا: و ما هو؟ قال:
عندي عشرة آلاف دينار تأخذوها و تعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة و إذا رحلتم تأخذوه. قالوا: و ما يضرنا. فناولوه الرأس و ناولهم الدينار (الدنانير ظ) فأخذه الراهب فغسله و طيبه و تركه على فخذه و قعد يبكي الليل كله فلما أسفر الصبح قال: يا رأس لا أملك الا نفسي و أنا أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن جدك محمدا رسول اللّه و أشهد أنني مولاك و عبدك. ثم خرج عن الدير و ما فيه و صار يخدم أهل البيت عليهم السلام.
قال ابن هشام في السيرة: ثم إنهم أخذوا الرأس و ساروا فلما قربوا من دمشق قال بعضهم لبعض: تعالوا حتى نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منا.
فأخذوا الأكياس و فتحوها و إذا الدنانير قد تحولت خزفا و على أحد جانبي الدينار مكتوب : {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] و على الجانب الآخر: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] ‏ فرموها في بردى‏ .
و روى الشيخ الأجل سعيد بن هبة اللّه الراوندي في الخرائج هذا الخبر مفصلا و فيه: أن لراهب لما رد الرأس الشريف نزل من الدير فلحق ببعض الجبال يعبد اللّه تعالى و أن القوم كان رئيسهم عمر بن سعد و هو أخذ الدراهم من الراهب و لما رآها قد تحولت خزفا أمر غلمانه أن يطرحوها في النهر .
أقول: الذي يظهر من التواريخ و السير أن عمر بن سعد لم يكن مع القوم في سيرهم إلى الشام فكونه معهم بعيد و أبعد من هذا قوله رحمه اللّه في آخر الخبر:
و مضى عمر بن سعد إلى الري فما لحق بسلطانه و محق اللّه عمره فأهلك بالطريق فإنه قد ثبت أن عمر بن سعد قتله المختار في منزله بالكوفة و استجاب اللّه دعاء مولانا الحسين (عليه السلام) عليه بقوله «و سلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك». و اللّه العالم.
قال السيد «ره»: روى ابن لهيعة و غيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة قال:
كنت أطوف بالبيت إذا برجل يقول: اللهم اغفر لي و ما أراك فاعلا. فقلت له: يا عبد اللّه اتق اللّه و لا تقل مثل ذلك فإن ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار و ورق الأشجار فاستغفرت اللّه غفرها لك و إنه غفور رحيم. قال: فقال لي: تعال حتى أخبرك بقصتي فأتيته فقال: أعلم أنا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين (عليه السلام) إلى الشام فكنا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر حول التابوت فشرب أصحابي ليلة حتى سكروا و لم أشرب معهم فلما جن الليل سمعت رعدا و رأيت برقا فإذا أبواب السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبينا محمد (صلى اللّه عليه و آله) و معه جبرئيل و خلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت و أخرج الرأس و ضمه إلى نفسه و قبله ثم كذلك فعل الأنبياء كلهم و بكى النبي (صلى اللّه عليه و آله) على رأس الحسين (عليه السلام) و عزاه الأنبياء و قال له جبرئيل: يا محمد إن اللّه تبارك و تعالى أمرني أن أطيعك في أمتك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط. فقال النبي (صلى اللّه عليه و آله): لا يا يا جبرئيل فإن لهم معي موقفا بين يدي اللّه تعالى يوم القيامة. ثم جاء الملائكة نحونا ليقتلونا فقلت: الأمان الأمان يا رسول اللّه. فقال: اذهب فلا غفر اللّه لك‏.