انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

من كتاب الإرشاد للمفيد رحمه الله لما وصل رأس الحسين (عليه السلام) وصل ابن سعد من غد يوم وصوله و معه بنات الحسين (عليه السلام) و أهله جلس ابن زياد لعنه الله في قصر الإمارة وأذن للناس إذنا عاما و أمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه و يتبسم إليه و بيده قضيب يضرب به ثناياه (عليه السلام) و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله) و هو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (صلى الله عليه واله) عليهما ما لا أحصيه كثيرة يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد لعنه الله أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه و صار إلى منزله.
وأدخل عيال الحسين (عليه السلام) على ابن زياد لعنه الله فدخلت زينب أخت الحسين (عليه السلام) في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر و حف بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه التي انحازت و معها نساؤها فلم تجبه زينب فأعاد القول ثانية و ثالثة يسأل عنها فقال له بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله ص فأقبل عليها ابن زياد و قال لها الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحدوثتكم فقال زينب الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد ص و طهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا و الحمد لله فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك قالت كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك و بينهم فتحاجون إليه و تختصمون عنده .
فغضب ابن زياد و استشاط فقال له عمرو بن حريث أيها الأمير إنها امرأة و المرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها و لا تذم على خطئها فقال لها ابن زياد قد شفى الله نفسي من طاغيتك و العصاة من أهل بيتك .
فرقت زينب (عليه السلام) وبكت و قالت له لعمري لقد قتلت كهلي و أبرت أهلي و قطعت فرعي و اجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت .
فقال ابن زياد هذه سجاعة و لعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا .
فقالت ما للمرأة و السجاعة إن لي عن السجاعة لشغلا و لكن نفث صدري بما قلت.
قلت من سماع هذه الأقوال و استفظاع هذه الأفعال كنت أكره الخوض في ذكر مصرعه (عليه السلام) و بقيت سنين لم أسمعه يقرأ في عاشوراء كما جرت عوائد الناس بقراءته لأني كنت أجد لما جرى عليه و على أهل بيته (عليه السلام) ألما قويا و جزعا تاما و تحرقا مفرطا و انزعاجا بالغا و لوعة مبرحة ثم كان قصارى أن أبكي و ألعن ظالميه و أسبهم و لم أر ذلك مطفيا غليلي و لا مطامنا من غلواء حزني و جزعي و لا مسكنا حركة نفسي في طلب الانتقام من أعدائه.
ربما أخرج الحزين جوى الثكل إلى غير لائق بالسداد
مثل ما فاتت الصلاة سليمان فأنحى على رقاب الجياد
فلعن الله ابن زياد فلقد أوغل في عداوته و طغيانه و بالغ في تعديه و عدواته و شمر في استئصال أهل هذا البيت الشريف بسيف شمره و سنان سنانه و أبان عن دناءة أصله بقبح فعله و فعل أعوانه و ركب مركبا وعرا أطاع فيه داعي سلطانه و شيطانه و رجع إلى أصله الخبيث و نسبه المدخول فجرى على سننه ومضى لشأنه و ثقل وطأته على العترة الهاشمية فقضى ذلك بمروقه عن الدين و خفة ميزانه و ليته أخزاه الله إذ لم يكف عزب سيفه كف عزب لسانه و ليته قنع بتلك الأفعال الشنيعة و لم يلق النساء الكرائم بجبهة و بهتانه و لا عجب من قوله و فعله الدالين على سوء فرعه و أصله فإنه رجع إلى سنخه الخبيث و طبعه الدني فإن من قديمه ذلك القديم و حديثه هذا الحديث النغل الأديم فلا بد أن ينزع إلى نسبه و حسبه و يدل بفعله على سوء مذهبه فالإناء ينضح بما فيه و الولد سر أبيه.
ومن هنا ينقطع نسبه لأن أباه ابن أبيه و رضاه بهذا النسب سلبه النخوة و الحمية و نفى عنه المروءة و الأريحية و أقامه على دعوى الجاهلية فالولد للفراش في الشريعة المحمدية و الملة الحنيفية و من هذه الأوصاف الدنية و النعوت الغير المرضية أبيح دم الحسين (عليه السلام) و
يق أهله و حرمه كما تساق الإماء في العراق و الشام.
قال ابن هانئ المغربي فيها:
وقد غصت البيداء بالعيس فوقها كرائم أبناء النبي المكرم
فما في حريم بعدها من تحرج ولا هتك ستر بعدها بمحرم
يقول ابن هانئ المغربي فيها
بأسياف ذاك البغي أول سلها أصيب علي لا بسيف ابن ملجم
وبالحقد حقد الجاهلية أنه إلى الآن لم يذهب و لم يتصرم
فأبعد الله تلك الأنفس الخبيثة و العقول المختلة و الهمم الساقطة و العقائد الواهية و الأديان المدخولة و الأحلام الطائشة و الأصول الفاسدة و القلوب التي لا تهتدي إلى رشاد و العيون التي لا تنظر إلى سداد و قد غطي عليها الغين و فيهم يقال أعمى القلب و العين و صلوات الله على الحسين و أهله السادات الأفاضل ثمال اليتامى عصمة الأرامل المعروفين بالمعروف و
لفواضل ليوث الجدال و الجلاد في الجمع الحافل الآمرين بالقسط و الناطقين بالحق المتحلين بالصدق العادلين في الحكم الفارعين بمجدهم الحبال الشم الآخذين بالعفو و الحلم المعصومين من الزلل المبرءين من الخطايا و الخطل الضاربين الهام و القلل المعروفين بالمعروف الناهين عن المنكر البدور الطوالع الغيوث الهوامع السيول الدوافع الفاخرين فلا مساجل و لا منازع القائمين بأمر الله الراضين بحكم الله الممسوسين في ذات الله الفرحين بلقاء الله.
نجوم طوالع جبال فوارع غيوث هوامع سيول دوافع
مضوا و كأن المكرمات لديهم لكثرة ما أوصوا بهن شرائع
فأي يد مدت إلى المجد لم يكن لها راحة من جودهم و أضايع
بها ليل لو عاينت فيض أكفهم تيقنت أن الرزق في الأرض واسع
إذا خفقت بالبذل أرواح جودهم حداها الندى و استنشقتها المطامع
وعرض عليه علي بن الحسين (عليه السلام) فقال له من أنت فقال أنا علي بن الحسين فقال أليس الله قد قتل علي بن الحسين .
فقال له علي (عليه السلام) قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس.
فقال له ابن زياد بل الله قتله فقال علي بن الحسين (عليه السلام) {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] .
فغضب ابن زياد لعنه الله فقال له و بك جرأة على جوابي و بك بقية للرد علي اذهبوا به و
ضربوا عنقه .
فتعلقت به زينب عمته و قالت له يا ابن زياد حسبك من دمائنا و اعتنقته.
و قالت و الله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه .
فنظر ابن زياد إليه ساعة ثم قال عجبا للرحم و الله و إني لأظنها ودت أني قتلتها معه دعوه فإني أراه لما به.
ثم قام من مجلسه حتى خرج من القصر ودخل المسجد فصعد المنبر فقال الحمد لله الذي أظهر الحق و أهله و نصر أمير المؤمنين يزيد و حزبه و قتل الكذاب بن الكذاب و شيعته فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي و كان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا عدو الله إن الكاذب أنت و أبوك و الذي ولاك و أبوه يا ابن مرجانة تقتل أولاد النبيين و تقوم على المنابر مقام الصديقين فقال ابن زياد علي به فأخذته الجلاوزة فنادى بشعار الأزد فاجتمع منهم سبعمائة رجل فانتزعوه من الجلاوزة فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه و صلبه في السبخة رحمه الله عليه.
و لما أصبح ابن زياد لعنه الله بعث برأس الحسين (عليه السلام) فدير به في سكك الكوفة كلها و قبائلها فروي عن زيد بن أرقم أنه قال مر به علي و هو على رمح و أنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ أَصْحابَ {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا } [الكهف: 9] فقف و الله شعري و ناديت رأسك و الله يا ابن رسول الله و أمرك أعجب و أعجب.
قلت قد تركت أمورا جرت من هؤلاء الطغاة الأجلاف لعنهم الله و أبعدهم من رحمته عند قتله (عليه السلام) وما فعلوه من قطع يده و رشقه بالسهام و الحراب و ذبحه و أخذ رأسه و إيطاء الخيل جسده فلما كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين (عليه السلام) بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته و لا يرون شخصه.
أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل
كل من في السماء يدعو عليكم من نبي و ملائك و قبيل
قد لعنتم على لسان بن داود وموسى و صاحب الإنجيل
قلت أجاد ديك الجن عبد السلام في قوله من قصيدة يرثي بها الحسين (عليه السلام)
ويكبرون بأن قتلت و إنما قتلوا بك التكبير و التهليلا
ومن شعري
إن في الرزء بالحسين الشهيد لعناء يؤدي بصبر الجليد
إن رزء الحسين أضرم نارا لا تني في القلوب ذات وقود
إن رزء الحسين نجل علي هد ركنا ما كان بالمهدود
حادث أحزن الولي و أضناه و خطب أقر عين الحسود
يا لها نكبة أباحت حمي الصبر و أجرت مدامعا في خدود
ومصابا عم البرية بالحزن وأعزى العيون بالتسهيد
يا قتيلا ثوى بقتله الدين وأمسى الإسلام واهي العمود
ووحيدا في معشر من عدو لهف نفسي على الفريد الوحيد
ونزيفا يسقي المنية صرفا ظاميا يرتوي بماء الوريد
وصريعا تبكي السماء عليه فتروي بالدمع ظامي الصعيد
وغريبا بين الأعادي يعاني منهم ما يشيب رأس الوليد
قتلوه مع علمهم أنه خير البرايا من سيد و مسود
استباحوا دم النبي رسول الله إذ أظهروا قديم الحقود
وأضاعوا حق الرسول التزاما بطليق و رغبة في طريد
وأتوها صماء شنعاء شوهاء أكانت قلوبهم من حديد
وجروا في العماء إلى الغاية القصوى أما كان فيهم من رشيد
أسخطوا الله في رضى ابن زياد وعصوه قضاء حق يزيد
وأرى الحر كان حرا و لكن ابن سعد في الخزي كابن سعيد
ومن شعر كنت قلته في أيام الحداثة لم أذكر غزلها :
و إذا ما الشباب ولى فما أنت على فعل أهله معذور
فاتباع الهوى و قد وحظ الشيب وأودى غصن التصابي غرور
فاله عن حاجز و سلع و دع وصل الغواني فوصلهن قصير
و تعرض إلى ولاء أناس حبل معروفهم قوي مرير
خيرة الله في الأنام و من وجه مواليهم بهي منير
أمناء الله الكرام و أرباب المعالي ففضلهم مشهور
المفيدون حين يخفق سعي والمجيرون حين عز المجير
كرموا مولدا و طابوا أصولا فبطون زكية و ظهور
عترة المصطفى و حسبك فخرا أيها السائل البشير النذير
بعلي شيدت معالم دين الله والأرض بالعناد تمور
وبه أيد الإله رسول الله إذ ليس في الأنام نصير
وبأسيافه أقيمت حدود صعرت برهة و خرت نحور
وبأولاد الهداة إلى الحق أضاء المستبهم الديجور
سل حنينا عنه و بدرا فما يخبر عما سألت إلا الخبير
إذ جلا هبوة الخطوب و للحرب زناد يشب منها سعير
أسد ما له إذا استحفل الناس سوى رنة السلاح زئير
ثابت الجأش لا يروعه الخطب و لا يعتريه فيه فتور
أعرب السيف منه إذ أعجم الرمح لأن العدى لديه سطور
عزمات أمضى من القدر المحتوم يجري بحكمه المقدور
ومزايا مفاخر عطر الأفق شذاها و يخال فيها عبير
وأحاديث سؤدد هي في الدنيا على رغم حاسديه تسير
وترى المشركين يبغي رضاء الله تعالى و أنه موتور
حسدوه على مآثر شتى وكفاهم حقدا عليه الغدير
كتموا داء دخلهم و

كشحا و قالوا صرف الليالي يدور
ورموا نجله الحسين بأحقاد تبوخ النيران و هي تفور
لهف نفسي طول الزمان و ينمي الحزن عندي إذا أتى عاشور
لهف نفسي عليه لهف حزين ظل صرف الردي عليه يجور
أسفا غير بالغ كنه ما أكفي وحزنا تضيق عنه الصدور
يا لها وقعة لقد شمل الإسلام منها رزء جليل خطير
ليث غاب تغيث فيه كلاب وعظيم سطا عليه حقير
يا بني أحمد نداء ولي مخلص جهرة لكم و الضمير
لكم صدق وده و على أعدائكم سيف نطقه مشهور
هواكم طوق له و سوار وعليه من المخاوف سور
أنتم ذخره إذا أخفق السعي وأضحى في فعله تقصير
أنتم عونه إذا دهمته حادثات و فاجأته أمور
أنتم غوثه و عروته الوثقى إذا ما تضمنته القبور
وإليكم يهدى المديح اعتقادا و بكم في معاده يستجير
بعلي يرجو علي أمانا من سعير شرارها مستطير
هاتان القصيدتان قلتهما قديما و كان عهدي بهما بعيدا و لما جرى القلم بجمع هذا الكتاب عزمت على أن أمدح كل واحد من الأئمة ع بقصيدة لا لأنها تزيد أقدارهم أو ترفع منارهم فهم أعلى رتبة و أسمى مكانة من أن يزيد هم مجدا على مجدهم الأثيل أو شرفا على شرفهم الأصيل و لكن كان جهد المقل و نصرة من تعذرت عليه النصرة باليد و لأني أحببت أن أخلد لي ذكرا بذكرهم و حمدهم و أنبه على أني عبدهم بل عبد عبدهم فلما انتهيت إلى أخبار الحسين ع و أثبت تينك القصيدتين خطر أنك قلتهما قديما و الثواب عليهما حصل أولا و لا بد الآن من قصيدة وفق ما عزمت عليه فسمحت القريحة بهذه القطعة مع بعد عهد بالشعر و عمله و من الله أستمد التوفيق فيما أبتغيه و الإعانة على ما يختاره و يرتضيه و هي
يا ابن بنت النبي دعوة عبد مخلص في ولائه لا يحول
لكم محض وده و على أعدائكم سيف نطقه مسلول
أنتم عونه و عروته الوثقى إذا انكسر الخليل الخليل
وإليكم ينضي ركاب الأماني فلها نحوكم سرى و ذميل
كرمت منكم و طابت فروع و زكت منكم و طابت أصول
فليوث إذا دعوا لنزال و غيوث إذا دعاهم نزيل
المجيرون من صروف الليالي و المنيلين حين عز المنيل
شرف شائع و فضل شهير و علاء سام و مجد أثيل
وحلوم عن الجناة و عفو و ندي فائض و رأى أصيل
لي فيكم عقيدة و ولاء لاح لي فيهما و قام الدليل
لم أقلد فيكم و كيف و قد شاركني في ولائكم جبرئيل
جزتم رتبة المديح جلالا و كفاكم عن مدحي التنزيل
غير أنا نقول ودا و حبا لا على قدركم فذاك جليل
للإمام الحسين أهديت مدحا راق حتى كأنه سلسبيل
وبودي لو كنت بين يديه باذلا مهجتي و ذاك قليل
دونه مجيبا دعاه مستميثا على عداه أصول
قاضيا حق جده و أبيه فهما غاية المنى و السئول
فعليهم مني التحية ما لاح سنا بارق و هبت قبول.