انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

كان للبقية الباقية من أهل بيت الإمام الحسين دور كبير في الكشف عن حقيقة سلطة يزيد الخبيثة وإيصال رسالة الثورة الحسينية وبث مبادئها من خلال رحلتهم إلى الشام. فقد أدّوا واجبهم المقدّس وجاهدوا ـ و بزي الأسر ـ بنفس ذلك الجهاد الذي جاهد به الحسين بزي الدم والشهادة، و كان وقوفهم في الشام قد منحهم فرصة مناسبة لتوعية الشاميين الذين لم يكن لديهم أية معرفة صحيحة وسليمة عن الإسلام وأهل البيت (عليهم السَّلام) جرّاء الإعلام المضلّل الذي مارسه معاوية طيلة الأربعين عاماً من حكمه لذلك حاول آل الحسين أن يستغلوا أي فرصة ممكنة لهذا الغرض. نّ لخطبة الإمام السجاد التي خطبها في أحد أيّام وقوفه في الشام دوراً كبيراً حاسماً، وقد فضحت يزيد وسلطته للداني والبعيد، وكتب المرحوم العلاّمة المجلسي
نقلاً عن صاحب المناقب وغيره: وروي انّ يزيد دعا الخاطب وأمره أن يصعد المنبر ويذم الحسين وأباه (عليه السَّلام) ، فصعد وبالغ في سبّ أمير المؤمنين والحسين عليمها السَّلام والمدح لمعاوية ويزيد فصاح به الإمام السجاد (عليه السَّلام) : «ويلك أيها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار». ثمّ قال: «أتأذن لي يا يزيد أن أصعد المنبر فأتكلم بكلمات فيهن للّه رضا ولهؤلاء الجلساء أجر»
أبى يزيد، فقال الناس، يا أمير المؤمنين إئذن فليصعد فلعلنا نسمع منه شيئاً، فقال: إنّه إن صعد لم ينزل إلاّ بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان.
فقيل له: وما قد يحسن هذا؟ فقال: إنّه من أهل بيت زقّوا العلم زقّاً، فلم يزالوا به حتى اذن له، فصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى بها العيون وأوجل منها القلوب.
ثمّ قال: «أيّها الناس أُعطينا ستاً وفضلنا بسبع، أعطينا: العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين.
وفضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمداً (صلى الله عليه واله)، ومنّا الصديق، ومنّا الطيّار ومنّا أسد اللّه وأسد رسول اللّه، ومنّا خيرة نساء العالمين، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين.
أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من أتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن من حجّ ولبّى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى اللّه الجليل إليه ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لاإله إلاّ اللّه أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر باللّه طرفة عين أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وزين العابدين وتاج البكّائين وأمير الصابرين وأفضل العالمين وأفضل القائمين من آل طه وياسين. أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور ، وسهم مرامي اللّه على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، وناصر دين اللّه وولي أمر اللّه وبستان حكمة اللّه وعيبة علمه.
ثمّ قال: أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء...».
فلم يزل الإمام يعرّف نفسه ويقدّمها، ويعرف في الواقع أصل الإمامة والرسالة حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب والأنين وخاف يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن ، فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر.
فقال الإمام:« اللّه أكبر من كلّ شيء، فلما قال: أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه التفت الإمام إلى يزيد وقال: محمّد هذا جدي أم جدّك يا يزيد؟ فإن زعمت انّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت انّه جدي فلِمَ قتلت عترته؟».
وكتب عماد الدين الطبري من علماء القرن السابع الهجري في كتاب كامل بهائي عند نهاية خطبة السجاد: ...قال الإمام السجاد: «يا يزيد هذا الرسول العزيز الكريم جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت انّه جدّك فقد كذبت ويعلم الناس ذلك، وإن زعمت انّه جدّي فلم قتلت أبي بلا ذنب ونهبت ماله وأسرت نساءه» .
قال الإمام ذلك وضرب بيده وشق ثيابه وراح يبكي وقال: «واللّه لو كان على الأرض أحد جدّه رسول اللّه غيري فلم قتل هذا الرجل أبي ظلماً وأسرونا كما يأسر أهل الروم؟».
فقال (عليه السَّلام) : «فعلت فعلتك هذه يا يزيد وتقول محمّد رسول اللّه وتستقبل القبلة؟! ويلك خصمك جدّي وأبي يوم القيامة».
وفي هذه الأثناء أمر يزيد اللعين المؤذن أن أذن، فسمعت ضجة وصخب عظيم بين الناس وتفرقوا، منهم من صلّى ومنهم من لم يصلّ.