انصاره عليهم السلام
اهل بيته عليهم السلام

قال ابن جرير: أرسل ابن زياد عبد الملك بن الحارث السلمي إلى المدينة ليبشر عمرو بن سعيد الأشدق‏ «1» بقتل الحسين فاعتذر بالمرض فلم يقبل منه و كان ابن زياد شديد الوطأة «لا يصطلى بناره» و أمره أن يجد السير فإن قامت به الراحلة يشتري غيرها و لا يسبقه الخبر من غيره فسار مجدا حتى إذا وصل المدينة لقيه رجل من قريش و سأله عما عنده فقال له الخبر عند الأمير و لما أعلم ابن سعيد بقتل الحسين فرح و إهتز بشرا و شماتة.
و أمر المنادي أن يعلن بقتله في أزقة المدينة فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على سيد شباب أهل الجنة و اتصلت الصيحة بدار «الأشدق» فضحك و تمثل بقول عمرو بن معد يكرب :
عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب‏

ثم قال واعية بواعية عثمان‏ «2».
و التفت إلى قبر رسول اللّه و قال: يوم بيوم بدر يا رسول اللّه فأنكر عليه قوم‏ من الأنصار «3».
ثم رقي المنبر و قال: أيها الناس إنها لدمة بلدمة و صدمة بصدمة كم خطبة بعد خطبة حكمة بالغة فما تغني النذر لقد كان يسبنا و نمدحه و يقطعنا و نصله كعادتنا و عادته و لكن كيف نصنع بمن سل سيفه علينا يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا.
فقام إليه عبد اللّه بن السائب و قال: لو كانت فاطمة حية و رأت رأس الحسين لبكت عليه.
فزجره عمرو بن سعيد و قال: نحن أحق بفاطمة منك، أبوها عمنا و زوجها أخونا و أمها ابنتنا و لو كانت فاطمة حية لبكت عينها و ما لامت من قتله و دفعه عن نفسه‏ «4».
و كان عمرو فظا غليظا قاسيا أمر صاحب شرطته على المدينة عمرو بن الزبير بن العوام‏ «5» بعد قتل الحسين أن يهدم دور بني هاشم ففعل و بلغ منهم كل مبلغ و هدم دار ابن مطيع و ضرب الناس ضربا شديدا فهربوا منه إلى ابن الزبير «6» و سمي بالأشدق لأنه أصابه اعوجاج في حلقه إلى الجانب الآخر لإغراقه في شتم علي بن أبي طالب عليه السّلام‏ «7» و عاقبه اللّه شرّ عقوبة حيث حمل إلى عبد الملك بن مروان مقيدا بالحديد و بعد أن أكثر من عتابه أمر به فقتل‏ «8».
و خرجت بنت عقيل بن أبي طالب في جماعة من نساء قومها حتى انتهت إلى قبر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فلاذت به و شهقت عنده ثم التفتت إلى المهاجرين و الأنصار تقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم‏ يوم الحساب و صدق القول مسموع‏
خذلتموا عترتي أو كنتم غيبا و الحق عند ولي الأمر مجموع‏
أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما منكم له اليوم عند اللّه مشفوع‏
ما كان عند غداة الطف إذ حضروا تلك المنايا و لا عنهن مدفوع‏

فأبكت من حضر و لم ير باك و باكية أكثر من ذلك اليوم‏ «9».
و كانت أختها زينب تندب الحسين بأشجى ندبة و تقول:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم‏ ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم‏
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي‏ منهم أسارى و منهم ضرجوا بدم‏
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم‏ أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي‏ «10»


___________
(1) في مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ج 5 ص 240 و تطهير الجنان على هامش الصواعق المحرقة ص 141 عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: «ليرعفنّ على منبري جبار من جبابرة بني أمية فيسيل رعافه» و قد رعف عمرو بن سعيد و هو على منبره صلى اللّه عليه و آله و سلم حتى سال رعافه.
(2) الطبري ج 6 ص 268.
(3) نفس المهموم ص 222 و شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 361.
(4) مقتل العوالم ص 131.
(5) في أنساب الأشراف للبلاذري ج 4 ص 23 كانت أم عمرو بن الزبير أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص و كان على جيش أرسله عمرو بن سعيد الأشدق إلى محاربة عبد اللّه بن الزبير بمكة فقبض جيش عبد اللّه على عمرو بن الزبير فأمر عبد اللّه أن يضربه بالسياط كل من له مظلمة عنده فمات من ذلك.
(6) الأغاني ج 4 ص 155.
(7) معجم الشعراء للمرزباني ص 231.
(8) (جمهرة الأمثال) لأبي هلال العسكري ص 9 طبع الهند مادة: أمكرا و أنت في الحديد.
(9) أمالي ابن الشيخ الطوسي ص 55 و سماها ابن شهرآشوب في المناقب ج 2 ص 227 أسماء.
(10) الأبيات بهذا اللفظ في مثير الأحزان لابن نما ص 51 و اللهوف لابن طاووس ص 96 و الكامل لابن الأثير ج 4 ص 36 و عنده أنها لبنت عقيل بن أبي طالب و مثله أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية ص 329. و ابن جرير في التاريخ ج 6 ص 268 إلا أنه ذكر الأول و الثاني و في رواية ابن قتيبة في عيون الأخبار ج 1 ص 212 للأبيات خلاف، و في مقتل الخوارزمي ج 2 ص 76: إن زينب بنت عقيل بن أبي طالب قالت البيتين الأولين، و في رواية أخرى أن بنت عقيل بن أبي طالب قالت و ذكر أربعة أبيات و الرابع منهما :
ضيعتم حقنا و اللّه أوجبه‏ و قد رعى الفيل حق البيت و الحرم‏

و نسب ابن شهراشوب في المناقب إلى زينب بنت أمير المؤمنين عليه السّلام أنها أنشأت الأبيات الثلاثة بعد خطبتها بالكوفة. و في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 151:
أن زينب بنت عقيل بن أبي طالب قالت، و ذكر أربعة أبيات و كان الرابع في روايته :
ذريتي و بنو عمي بمضيعة منهم أسارى و قتلى ضرجوا بدم‏

و نسب ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 200 الأبيات الثلاثة إلى زينب بنت عقيل بن أبي طالب ثم قال و قال أبو الأسود الدؤلي :
أقول و زادني حنقا و غيظا أزال اللّه ملك بني زياد
و أبعدهم كما بعدوا و خانوا كما بعدت ثمود و قوم عاد
و لا رجعت ركائبهم إليهم‏ إذا وقفت إلى يوم التناد

و في الإرشاد للشيخ المفيد، لما سمعت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب نعي الحسين - خرجت تنعاه و معها من أخواتها أم هاني و أسماء و رملة و زينب و ذكر الأبيات الثلاث.