الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

قد كثُر الكلام حول الشعائر الدينيّة واختلفت أطراف الكلام في بحثها بين النقض والإبرام والتأييد والانتقاد وقبل الخوض في تفاصيل البحث وفروعه المختلفة لا بأس بذكر جوانبٍ لها ارتباط بالبحث:
الجانب الأوّل : تنوّع موارد الشعائر
فمنها : ما يُثار من قِبَل أتباع بعض الفِرق الإسلاميّة حول إحياء المواليد والذكريات حيث ينتقدون المظاهر لإحياء المواليد ومراسم الاحتفالات والمناسبات الدينيّة العامّة ويطعنون عليها بأنّها مُستحدَثة وكلّ مستحدَث بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار.
ومنها : محاولة إنكار ضرورة الاهتمام بأيّام الإسلام الخالدة الأخرى التي وقعت فيها حوادث هامّة وانتصارات خالدة مثل : غزوة بدر الكبرى غزوة الخندق فتح مكّة ذكرى المبعث النبوي الشريف ذكرى الإسراء والمعراج ذكرى هجرة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ذكرى يوم المباهلة وذكرى واقعة الغدير وغير ذلك.
ومنها : البحث بدرجة من الشدّة والخطورة بين المسلمين حول مسألة بناء القبور وعمرانها وتَعاهُدها ومن المعلوم أنّ أتباع بعض الفِرق يحاربون ظاهرة عمران القبور وتعاهدها ويتّهمون زوّارها بالضلال بل يُكفِّرون عُمّارها حتّى لو كانت تلك القبور هي قبور النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأهل بيته الطاهرين (عليه السلام).
ومنها : الاهتمام بالأماكن الجغرافيّة والآثار المكانيّة الخالدة لمواضع النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولمواقع إسلاميّة مشهورة والاختلاف إليها من قبيل : موضع غزوة بدر وموضع غدير خُمّ وغار حراء والمساجد التي تشرّفت بصلاة النبي وما شابه ذلك.
وتُثار الشكوك ويتوجّه الطعن حول تكريم تلك البقاع تذرّعاً بما يُروى عن عمر بن الخطاب بأنّه : أمرَ بقطع الشجرة التي بويعَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تحتها بيعة الرضوان في عُمرة الحُدَيبيّة واستفادوا من ذلك : أنّ زيارة تلك الآثار المكانيّة أو الجغرافيّة يسبّب إزواء المسجد الحرام أو بيت الله الحرام أو المسجد النبوي والتقليل من أهمّيّتها فتجنّباً عن خمول الذكر وإهمال العمران للمسجد النبوي حملة عشواء لمحاربة الأماكن المقدّسة الأخرى وفي هذه الذريعة يتمسّكون بعموم الحديث النبوي : لا تُشدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى.
لذا نجد المحاولات الحثيثة والمستمرّة لطمس تلك الآثار المكانيّة والمواقع الجغرافيّة في المدينة المنوّرة وفي مكّة المكرّمة أو في غيرها.
ومنها : الشعائر الحسينيّة (وهو محلّ البحث في نفس الوسط الداخليّ للطائفة من جهة وكذلك بينها وبين الطوائف الأخرى) فقد أُثيرت حول هذا المورد بالخصوص كثير من التساؤلات واحتفّ به المزيد من الشكوك.
ومنها : الأدعية والأوراد والختومات إذا عُقِدت وأُقيمت على نحو جماعي مشترك فتكون شعيرة تُتّخَذ وطقساً من الطقوس.
ورُبّما تُستجدّ وتُستحدَث طقوس ورسوم شعيريّة تُتّخذ من أبناء الطائفة الواحدة في مراسم أخرى غير الشعائر الحسينيّة مثل : شعائر ذكريات ومناسبات تتعلّق بإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) فتُواجه بالنكير من الوسط الخاص للطائفة نفسها أو من الوسط الإسلامي العام.
الجانب الثاني : الإشكالات حول الشعائر الدينيّة
نذكر الانتقادات والإشكالات الّتي توجّه أو تُثار حول الشعائر الدينيّة ؛ لنعرف مدى جدّيّة البحث وحسّاسيّته وحيويّته إضافةً إلى خطورته في الممارسات والانتقادات الدينيّة وأهمّ هذه الإشكالات:
الإشكال الأوّل : وهو الذي يوجِّه النكير والانتقاد إلى الرسوم والشعائر معتمداً على مبنىً معيّن وقاعدة محدّدة هي : أنّ كلّ شعيرة ورسم وطَقس يُتّخذ ينبغي أن يكون جَعلهُ واتّخاذه من الشارع نفسه وإلاّ فهو بدعة وضلال وافتراء على الله سبحانه.
وهذا المبنى أو هذه المقولة أعمّ من كونه إشكالاً موجّهاً من قِبَل الطوائف الأخرى أو أنّه موجّه من طائفة خاصّة متعصّبة أو لعلّه ينقدح في انتقادات الوسط الداخلي للطائفة.
وهذا النمط من الإشكال مُعتمد على هذه القاعدة أو هذا المبنى القائل : بأنّ أيّ شعيرة أو رسم أو طقس من الطقوس يجب أن يستند بخصوصيّاته إلى جعل الشارع وتشريعه وإلاّ فهو ممّا يصدق عليه البدعة والضلالة.
الإشكال الثاني : أنّ الشارع المقدّس لو فوّضَ أمر الشعائر والطقوس وأوكلها إلى العرف والمتشرِّعة لنتجَ من ذلك أنّهم سيتحوّلون إلى مشرِّعين حيث فوّضَ أمر التشريع إليهم وهذا التفويض غير صحيح وهو ممتنع..
الإشكال الثالث : لو أوكلَ الشارعُ المقدّس أمر الشعائر والرسوم الدينيّة إلى العرف لنتجَ من ذلك تحليل الحرام وتحريم الحلال.
حيث إنّ العرف قد يتّخذ ما هو محرّم ومبغوض للشرع شعيرةً وقد يتّخذ ما هو محلّل شعيرة يجب احترامها ويحرم هتكها فيلزم من ذلك تحليل الحرام وتحريم الحلال.
الإشكال الرابع : وهذا من سنخ الإشكالَين السابقَين وهو : لو أنّنا جعلنا اتّخاذ الشعائر والرسوم والطقوس بيد العرف للزمَ من ذلك العبث بثوابت الشريعة الناتج من قِبَل العُرف والمتشرّعة بسبب اختلاف الظروف الزمنيّة والبيئيّة.
مثلاً : اتّخاذ موضع ما مزاراً ؛ لأنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد صلّى فيه أو انتصر فيه وهكذا سوف تحصل مزارات عديدة وكثيرة جدّاً وسوف يصعب الموازنة بين هذه المزارات العديدة وبين ما جعلهُ الشارع المقدّس وحثّ عليه بالخصوص..
الإشكال الخامس : لا وجه في تخصيص صلاحيّة المتشرِّعة باتّخاذ الشعائر والرسوم والطقوس الدينيّة في أبواب خاصّة وعدم تسويغ ذلك في أبواب أخرى.
إذ لو كان ذلك الأمر جائزاً وسائغاً لأجريناه في أبواب : الصلاة والصيام والحجّ والزكاة والخُمس ولاتّخذ المتشرِّعة في هذه الأبواب شرائط وقيود وموانع حسبَ ما يرونه مناسباً ثُمّ يتشكّل في بوتقة الشعائر ويَتَعَنْوَن بعِنوان الشعيرة ،
فليس هناك دليل على التفكيك بين الأبواب المختلفة.
الإشكال السادس : الهتك والإساءة لمباني الإسلام وأركان الشريعة ومعاني الدين والمذهب العالية الشامخة ؛ فقد يقال : بأنّ مقتضى هذا الرسم أو الطقس أو الشعيرة التي أوكلناها إلى العرف قد لا تناسب مُجريات العصر ولا تتّفق مع لغة العصر وقد يكون فيها إساءة لذات المضامين الشامخة والتعاليم الإسلاميّة الفاضلة.
الإشكال السابع : لزوم الضرر من بعض الطقوس خصوصاً بعض الشعائر الحسينيّة أو غيرها ويجب شرعاً دفع الضرر بكلّ درجاته ومراتبه وأشكاله.
هذه هي أهمّ الإشكالات والانتقادات والتشكيكات التي تُثار حول الشعائر الدينيّة وسنحاول معالجة ذلك بالتفصيل من خلال طيّات البحث..
الجانب الثالث:
إنّ بحث الشعائر لم يُبحث بالتفصيل كقاعدةٍ فقهيّة أو كلاميّة من قِبَل العلماء والمحققين إلاّ نادراً.
وقد تظهر الإشارة إليه من خلال كلمات العلماء بشكلٍ متناثر وفي أبواب متعدّدة مع ما له من الأهميّة القصوى في حفظ العناوين الخالدة والرموز السامية للدين الحنيف.
وهذا البحث وإن كان بالنظر الأوّلي واضحاً وجليّاً إجمالاً.
أمّا بالنظر الدقيق العلمي فهو يفتقر إلى الموازين الاستدلاليّة وإعمال الخبرة الأصوليّة والفقهيّة في أبوابه المختلفة وموارده المتنوّعة..
لذلك تبدو في أفق بحث الشعائر الدينيّة التساؤلات التالية:
هل الشعائر الدينيّة هي من مقولة العناوين الثانويّة أم من مقولة العناوين الأوّليّة؟
هل هي حقيقة شرعيّة أم هي حقيقة عُرفيّة؟
ما هو حكمها ؟ وما هي حدود موضوعها؟
هل أنّ الحُكم فيها يُغاير حكم الأبواب الفقهيّة أم هو حكم مُندمج ومتّحد مع حكم الأبواب الفقهيّة المتنوّعة؟
هل الشعائر في الحجّ تحمل نفس حكم أعمال الحجّ أم لها حكم آخر متميّز ومنفرد بها..
ما هي النسبة بين بحث الشعائر كعنوان ـ سواء جعلناه حكماً أوّليّاً أو جعلناه حُكماً ثانويّاً ـ وبين العناوين الأوّليّة من جهة وبينه وبين العناوين الثانويّة من جهة أخرى؟
إلى غير ذلك من الأبحاث الكثيرة والمتعدّدة.
هذه الأمور والاحتمالات التي طرحناها لم تُعرض ضمن بحث مستقلٍ منفرد ومتميّز في الكتب أو الأبواب الفقهيّة.
وقد يجدها المتتبّع في طيّات كلمات الفقهاء وأبحاثهم هنا وهناك في موارد متفرّقة ومواضع مختلفة.
مثلاً : قد يجدها المتتبّع في موضوع حرمة تنجيس القرآن أو وجوب تطهيره إذا لاقته النجاسة.
وفي بحث الوقف والصدقات وإحياء الموات وقضيّة حُرمة المؤمن وحُرمة الكعبة وفي باب الحدود في حكم سبّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ـ والعياذ بالله تعالى ـ أو هتك مقدّسات الدين حيث يبحث العلماء في هذه الموارد عن الشعائر الدينيّة وإنّ هتكها هل هو موجب للكفر أم لا؟
ومضافاً إلى ذلك هناك بعض الكتب والرسائل التي أُلِّفت في بحث الشعائر الحسينيّة وقد ذكروا فيها بعض الضوابط الشرعيّة إلى حدّ ما فمن الجدير مراجعة تلك الكتب وملاحظة الخطوط العامّة لهذا البحث وما تتضمّنه من نقض وإبرام.
الشعائر الحسينيّة في الميزان الفقهي لآية الله الشيخ عبد الحسين الحلّي (رحمه الله).
نصرة المظلوم لآية الله الشيخ حسن المظفّر (رحمه الله).
الشعائر الحسينيّة سماحة السيّد حسن الشيرازيّ (رحمه الله).
نجاة الأمّة في إقامة العزاء الحاج السيّد محمّد رضا الحسيني الحائري.
الشعائر الحسينيّة سُنّة أم بدعة الشيخ أحمد الماحوزي.
الجانبُ الرابع : إطار موضوع القاعدة
قد تُضافُ الشعائر إلى لفظ الجلالة (الله) فنقول : (شعائر الله) كما في الآيات الكريمة ومنها قوله تعالى : { {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] .
وأيضاً الشعائر أو الشعيرة أو الشعارة ـ على اختلاف هيئات المادّة ـ قد تضاف إلى المذهب فيقال : شعائر المذهب.
وأيضاً قد تضاف إلى الحسين (عليه السلام) باسم الشعائر الحسينيّة.
وأيضاً قد تضاف إلى الدين فتُعرف باسم شعائر الدين وشعائر الإسلام.
وسيتبيّن أنّ هذه الإضافات ما هي إلاّ تفريعات وتطبيقات لنفس القاعدة الواحدة فيقال : شعائر الله أو يقال : الشعائر الحسينيّة أو يقال : شعائر المذهب أو يقال : شعائر الإسلام أو شعائر الدين وهي ـ على كلّ حال ـ تبويبات وتصنيفات لذكر فروع لأصل واحد أو تكون مرادفات لنفس المسمّى.
وسيظهر ما في هذا التعبير من نواحٍ تربويّة متعدّدة وتفريعات لنكاتٍ فقهيّة مختلفة.
الجانبُ الخامس :
جرياً على ديدن العلماء في تصنيف كلّ مسألة بإدراجها في باب من الأبواب الفقهية ففي أيّ باب من الأبواب يمكن درج هذه القاعدة ؟ هل في باب الفقه السياسي أم في باب الفقه الاجتماعي أم باب فقه القضاء أم فقه المعاملات ؟
وسيظهر خلال مراحل البحث : أنّ من خصائص هذه القاعدة وهذا الواجب الدينيّ العظيم أنّ هذا الواجب ليس واجباً ملقى على عاتق رموز الدولة الإسلاميّة أو الحكومة فحسب وليس مُلقى على عاتق المرجعيّة فقط الّتي قد تُسمّى بالاصطلاح الأكاديمي الحديث حكومة المرجع ولا على عاتق الهيئات الدينيّة دون غيرها.
وإنّما هذا الواجب ـ كما سيتبيّن ـ هو واجب كفائيّ يُلقى على عاتق عموم المسلمين ويتحمّل مسؤوليّة إقامته جميع طبقات وشرائح المجتمع الإسلامي ومن ثُمّ كان الأولَى إدراج هذه القاعدة في أبواب فقه الاجتماع من قبيل : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا في خصوص الفقه السياسي ولا في خصوص فقه الأبواب الأُخرى بل يكون انضمامها تحت باب الفقه الاجتماعي هو الأنسب لهذه القاعدة.
هذه جوانب ذكرناها بعنوان ديباجة وتمهيد للبحث أمّا بالنسبة إلى تبويب وتصنيف جهات البحث ؛ فإنّ البحث سيقع ـ إن شاء الله تعالى ـ في مقامين رئيسيّين:
المقامُ الأول
في عُموم قاعِدة الشَعائر الدينيّة
وهذا المقام يتألّف من الجهات التالية:
الجهة الأولى : الأدلّة الإجماليّة الواردة في هذه القاعدة.
الجهة الثانية : أقوال الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين والمحدّثين حول قاعدة الشعائر الدينيّة.
الجهة الثالثة : البحث في معنى وماهيّة الموضوع وهو الشعيرة والشعائر من الناحية اللُّغويّة.
الجهة الرابعة : كيفيّة تحقّق الموضوع وهو الشعيرة والشعائر ومعالجة العديد من قواعد التشريع.
الجهة الخامسة : البحث في متعلّق الحكم لقاعدة الشعائر.
الجهة السادسة : نسبة حكم الشعائر مع العناوين الأوّليّة للأحكام من جهة ومع العناوين الثانويّة للأحكام من جهة أُخرى.
الجهة السابعة : الموانع الطارئة على الشعائر كالخرافة والاستهزاء والهتك والشنعة.
المقامُ الثاني
الشَعائرُ الحُسينيّة
يقع البحث في خصوصيات الشعائر الحسينيّة ودراسة قوّة وتماميّة الأدلّة الخاصّة الواردة فيها وردّ الإشكالات والانتقادات التي وُجِّهت لها وأُثيرَت حولها .
وهل يختلف حكمها عن الأحكام العامّة في الشعائر ؟
أم هي تتضمّن الأحكام العامّة للشعائر وزيادة ؟
ويقع البحث خلال الجهات الآتية :
الجهة الأولى : أهداف النهضة الحسينيّة.
الجهة الثانية : أدلّة الشعائر الحسينيّة.
الجهة الثالثة : أقسام الشعائر الحسينيّة.
الجهة الرابعة : الرواية في الشعائر الحسينيّة.
الجهة الخامسة : البكاء.
الجهة السادسة : الشعائر الحسينيّة والضرر.
الجهة السابعة : لبس السواد.
الجهة الثامنة : ضرورة لعن أعداء الدين.
الجهة التاسعة : العزاء والرثاء سُنّة قرآنيّة.