الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

دأب محبو أهل البيت (عليهم السلام) على زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام ومن كل فجٍّ عميق، وذلك في اليوم العشرين من صفر – أي بعد اربعين يوما من مقتل الإمام (عليه السلام) (1) - ولهم في ذلك غايات لا يفهمها إلا من تذوق رحيق الموالاة، وتربى على غذاء التضحية الذي لا يقدم إلا في موائد آل البيت العامرة بالتقوى وخوف الله تعالى في السر والعلانية ، ومن هذه الغايات : تجديد الولاء للأمام الحسين (عليه السلام) وخطه الثوري ويأخذ هذا الولاء شكلاً استثنائيا يتمثل بتأدية الزيارة مشياً على الأقدام ومن مناطق بعيدة جداً.
تدريب النفوس المشتاقة لرؤيا الحسين (عليه السلام) على الأناة والصبر في التعامل مع الأمور ، فالسير لأيام عديدة وفي أماكن نائية خالية من العمران يعتبر تجربة لا يمكن إلغاء تأثيراتها الروحية بحال من الأحوال.
إرسال رسالة واضحة لمن لا يفهم علاقة الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) بأئمتهم، بأن تلك العلاقة هي علاقة غير طبيعية ، تذوب عندها المسافات وترتفع حجب المسافات ، فلا فرق بين الوصول واللاوصول ، فهي علاقة أثيرية خارج نطاق الزمان والمكان.
التأسي والاقتداء بمسير سبايا الإمام الحسين (عليه السلام) حين رجعوا من الشام الى المدينة ، فكأن المحبين يقولون «إن كنتم يا عيال الحسين (عليه السلام) قاسيتم حر الهجير ، ووعثاء السفر ، فان محبيكم مسافرون على مدى التاريخ ، ومواسون لكم في كل سنة تمرّ، حاملين على أكتافنا شدو الخلود ونشيد التضحية , قال الشهيد الثاني :
كيف ترقى بعد الحسين الدموع
ويلّذ الكرى لنا والهجوع
وجناب الحسين (عليه السلام) ذلك الرفيع
قد دهاه من العدا ما يروعُ.
ولقد حثت الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) على تجديد هذه الزيارة وغيرها مشيأ على الاقدام ، متقربين بتلك الشعيرة الى الله ، ومن هذه الروايات :
ما روي عن الحسين (عليه السلام) بن ثوير بن أبي فاختة ، قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) : «يا حسين ، من خرج من منزله يريد زيارة الحسين (عليه السلام) ، ان كان ماشياً كتبه الله بكل خطوة حسنة وحط بها عنه سيئة حتى اذا صار بالحائر كتبه الله من المفلحين»(2).
ما روي عن ابي عبد الله قال : «يا علي زر الحسين (عليه السلام) ولا تدعه ، قلت : ما لمن زاره من الثواب ؟ قال : من أتاه ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، وترفع له درجة»(3).
ما روي عن ابي سعيد القاضي ، قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في غرفة له فسمعته يقول : «من أتى قبر الحسين ماشياً كتب الله له بكل خطوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل»(4).
وقد يقول قائل : هذه الأحاديث عامة وليس فيها تقييد بزيارة الأربعين ، ونحن نقول : نعم ، فنحن لا نقّيد استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مشياً بالزيارة الاربعينية، ولكن فلسفة الزيارة مشياً وحقيقتها تتجلى في خصوص زيارة الأربعين لأنها تجديد لحادثة عاشوراء وتكريس لاستمرارية الحزن والأسى بمصاب ابي عبد الله(عليه السلام) ، ذلك المصاب الذي يملأ القلوب همّاً وشقاءً لا ينتهي ، فزيارة الأربعين هي أول زيارة بعد عاشوراء، فاستحقت ان تكون بعظمة وخلود عاشوراء ولا يتأتى الخلود بزيارة خاطفة يزول أثرها بعد أيام قلائل ، بل لابد من تظاهرة تجترّ الحزن. ويفيض منها التقوى والخشوع ، ليذكر بأيام الله تعالى التي أحياها إمامنا بتضحية رائعة لا يفعلها الا الصدّيقون ، فهنيئاً لمن مشى في دروب الصالحين ، وخطا تلك الخطوات العظيمة في طريق يغمره الباري برحمته وبركاته ، فالكل ينادي بصوت واحد تحفظه رمال البرية وحجر الدروب «ابد والله لن ننسى حسينا.. ابد والله لن ننسى حسينا».
__________
(1) يبدو أن لبعض الأرقام دلالات خاصة عند الشعوب الشرقية وبالخصوص السامية ومنهم العرب فجرى الاسلام على ما اعتادوه وأقر ذلك ومن تلك الارقام «الاربعون» حيث ورد في القران هذا الرقم اربع مرات «البقرة 51 المائدة 26 الاعراف 142 الاحقاف 15». وورد في الاثر« من أحصى عليَّ أربعون حديثا فقد دخل الجنة» وفي حديث اخر «من اخلص لله اربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة على يديه» وتذكر التوراة ان صيام عيسى لربه كان اربعين متواصلة وجاء في الفقه عند ابي حنيفة ومن وافقه: ان اكثر النفاس عند المرأة هو اربعون يوماً وان حد الاحتكار حال السعة اربعون يوما ويستحب الدعاء لاربعين مؤمن في صلاة الليل وقد نزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه واله) وعمره اربعون عاما وفي الحضارة المصرية فان عملية تحنيط الموتى كانت تستغرق اربعين يوما وتتم بعدها مراسم الدفن . وفي امثالنا الشعبية يقال : كل من عاشر القوم اربعين يوما صار منهم .
(2) جامع احاديث الشيعة ج12 ص431.
(3) وسائل الشيعة ج10 ص342.
(4) نفس المصدر السابق.