الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

لقد كان حديث مقتل الحسين من أسرار الخليقة و ودائع النبوات فكان هذا النّبأ العظيم مألكة «1» أفواه النبيين دائرة بين أشداق الوصيين و حملة الأسرار ليعرفهم المولى سبحانه عظمة هذا الناهض الكريم و منته على الجميع بحفظ الشريعة الخاتمة التي جاؤوا لتمهيد أمرها و توطيد الطريق إليها و تمرين النفوس لها فيثيبهم بحزنهم و استيائهم لتلك الفاجعة المؤلمة فبكاه آدم و الخليل و موسى و لعن عيسى قاتله و أمر بني إسرائيل بلعنه و قال من أدرك أيامه فليقاتل معه فإنه كالشهيد مع الأنبياء مقبلا غير مدبر و كأني أنظر إلى بقعته، و ما من نبي إلا وزارها و قال إنك لبقعة كثيرة الخير، فيك يدفن القمر الزاهر «2».
و شاء إسماعيل صادق الوعد الأسوة به لما أنبى‏ء بشهادته فيكون الآخذ بثأره الإمام المنتظر عجل اللّه فرجه‏ «3».
و اختار يحيى أن يطاف برأسه‏ و له التأسي بالحسين يكون‏

و حديث مقتل الحسين أبكى الرسول الأقدس و أشجاه‏ «4» و هو حي فكيف به لو رآه صريعا بكربلا في عصابة من آله كأنهم مصابيح الدجى و قد حلؤوه و من معه عن الورد المباح لعامة الحيوانات.
نعم شهد نبي الرحمة فلذة كبده بتلك الحالة التي تنفطر لها السموات و رأى ذلك الجمع المغمور بالاضاليل متألبا على استئصال آله من جديد الأرض فشاهده بعض من حضر ينظر الجمع مرة و السماء أخرى مسلما للقضاء «5».
و لما مر أمير المؤمنين بكربلا في مسيره إلى صفين نزل فيها و أومأ بيده إلى موضع منها فقال: ههنا موضع رحالهم و مناخ ركابهم، ثم أشار إلى موضع آخر و قال: ههنا مهراق دمائهم، ثقل لآل محمد ينزل ههنا ثم قال: واها لك يا تربة ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب‏ «6» و ارسل عبرته و بكى من معه لبكائه و أعلم الخواص من صحبه بأن ولده الحسين يقتل ههنا في عصابة من أهل بيته و صحبه هم سادة الشهداء لا يسبقهم سابق و لا يلحقهم لاحق‏ «7».
و في حديثه الآخر بعد الإخبار بأن في موضع كربلا يقتل فتية من آل محمد قال تبكي عليهم السماء و الأرض‏ «8» بأبي من لا ناصر له إلا اللّه‏ «9» ثم قال: لا يزال بنو أمية يمعنون في سجل ضلالتهم حتى يهريقوا الدم الحرام في الشهر الحرام و لكأني أنظر إلى غرنوق من قريش يتشحط في دمه فإذا فعلوا ذلك لم يبق لهم في الأرض عاذر و لم يبق ملك لهم‏ «10» و مر سلمان الفارسي على كربلا حين مجيئه إلى المدائن فقال هذه مصارع إخواني و هذا موضع مناخهم و مهراق دمائهم يقتل بها ابن خير الأولين و الآخرين‏ «11» و مر عيسى بن مريم عليه السّلام بأرض كربلا فرأى ظباء ترعى هناك فكلمته بأنها ترعى هنا شوقا إلى تربة الفرخ المبارك فرخ الرسول أحمد و أنها آمنة في هذه الأرض ثم أخذ المسيح عليه السّلام من أبعارها وشمه و قال : اللهم‏ أبقه حتى يشمها أبوه فتكون له عزاء و سلوة فبقيت الأبعار إلى مجي‏ء أمير المؤمنين بكربلا و قد اصفرت لطول المدة فأخذها و شمها و بكى ثم دفعها إلى ابن عباس و قال احتفظ بها فإذا رأيتها تفور دما فاعلم أن الحسين قد قتل و في يوم عاشوراء بعد الظهر رآها تفور دما .
______________________________
(1) في مقاييس اللغة لابن فارس ج 1 ص 133 قال الخليل الألوك الرسالة و هي المألكة على مفعلة و إنما سميت الرسالة ألوكا لأنها تؤلك في الفم مشتق من قول العرب الفرس يألك اللجام و يعلكه إذا مضغ الحديد و يجوز تذكير المألكة.
(2) كامل الزيارات- ص 67 لابن قولويه المتوفى سنة 367.
(3) كامل الزيارات- ص 65.
(4) خصائص السيوطي ج 2 ص 125 من حديث أم الفضل و أنس و رواه الماوردي في أعلام النبوة ص 83 من حديث عائشة قالت و كان في المجلس علي و أبو بكر و عمر و حذيفة و عمار و أبو ذر و رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ج 9 ص 188 عن عائشة و رواه زكريا الأنصاري في فتح الباقي شرح ألفية العراقي طبع في ذيل الألفية ج 1 ص 25.
(5) كامل الزيارات.
(6) كتاب صفين لنصر بن مزاحم من ص 157- 159.
(7) كامل الزيارات ص 27.
(8) دلائل النبوة لأبي نعيم ج 3 ص 211.
(9) أسد الغابة ج 4 ص 169.
(10) شرح النهج الحديدي ج 4 ص 363 مصر طبع أول.
(11) رجال الكشي ص 13 هند.