الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

من تلك الفوائد ما ورد في الحث الكثير البالغ حد التواتر على البكاء لما أصاب سيد الشهداء حتى جاء في ثواب من خرج من عينه كجناح الذباب أنه يطفى‏ء حر جهنم، فإن الغرض ليس إلا أن الدمعة لا تفاض إلا عند انفعال النفس و تأثرها مما يصيبها أو يصيب من تمتّ به بنحو من أسباب الصلة، و لا شك أنا نرى النفس عند تأثرها بذلك تكون متأثرة بشي‏ء آخر و هو العداء و البغض لكل من أوقع الفوادح و الآلام، فالأئمة حيث إنهم أعرف الناس بمقتضيات الأحوال و الملابسات التي تؤكد دعوتهم. فكانوا يتحرون التوصل إلى أغراضهم بكل صورة و كان من الوسائل التي توجب انحراف الأمة عن أعداء اللّه و رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلم أمرهم بالبكاء على مصاب الحسين لما فيه من استلزام تذكر تلك القساوة المستلزم لانفعال النفس و انقباضها عما لا يلائم خطتهم، و هذا هو المغزى لقول الحسين عليه السّلام: «أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر» «1» فالمؤمن حيث يمتّ بالحسين بالولاء و المشايعة كان ذلك موجبا لتأثر نفسه و احتدام قلبه على كل من يوجه إليه الأضرار و الاخطار و يشتد هذا التأثر عند تناهي تلك الفوادح.
(و بالجملة) لم يقصد سيد الشهداء بهذه الجملة (أنا قتيل العبرة) خصوص التعريف بأن قتله كان لأجل أن يبكي عليه فيستحق به الأجر في الآخرة بحيث لا يكون هناك أثر آخر يترتب على قتله سوى البكاء عليه كيف و هنالك آثار أخر أهمها إحياء شريعة الحق و تقويم ما اعوج من علم الهداية و نشر الاصلاح بين الأمة و تعريف الملأ ما عليه امراء الجور من السير وراء المطامع.
و لكن الوجه في هذه الإضافة تأكد الصلة بين ذكر مقتله و بين البكاء عليه فإن لوعة المصاب به لا تطفأ و مضض الاستياء له لا ينفد لاجتماع الكوارث عليه و ملاقاته لها بصدر رحيب و صبر تعجبت منه ملائكة السماء فأول ما يتأثر به السامع لها أن تستدر دموعه فلا يذكر الحسين عليه السّلام إلا و العبرة تسبق الذكر أضف إلى ذلك المودة الكامنة له في قلوب أحبائه بحيث إذا انضمت إلى تلك كانت ادعى لتأكد الصلة بين ذكره و بين البكاء عليه فمن هنا استحق اضافة القتل إليه فقال: (أنا قتيل العبرة).
و على هذا سار العرب في كلامهم فإنهم إذا رأوا بين الإنسان و بين بعض حالاته و صفاته صلة أكيدة اضافوه إلى ذلك الحال فقالوا مضر الحمراء و ربيعة الخيل و زيد النار و صبية النار و مسمة الأزواج فإن ربيعة و مضر لم يتخليا عن كل صفة حميدة سوى اللواء و الخيل و لا زيد بن موسى بن جعفر عليه السّلام لم يتصف بشي‏ء حسن أو قبيح إلا حرقه دور بني العباس بالبصرة و لا أن أولاد ابن أبي معيط لم يحصلوا على نعت من نعوت الإنسانية إلا النار التي أضافها لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يوم أمر بقتل عقبة بن أبي معيط و كان كافرا فقال يا محمد من للصبية؟
قال (صلى اللّه عليه و آله و سلم) (لهم النار).
و لا أن جعدة بنت الأشعث لم تتصف بالرذائل إلا السم الذي ناولته أبا محمد الحسن السبط عليه السّلام و لكن لما كانت هذه الآثار هي الظاهرة بين الناس قيل لمضر الحمراء و لربيعة الخيل و لزيد النار و لجعدة مسمة الأزواج.
فقول الحسين أنا قتيل العبرة و قول الصادق عليه السّلام بأبي قتيل العبرة من هذا القبيل و هو ما ذكرناه من تأكد الصلة بين ذكر مقتله و بين استدرار الدموع.
_______________
(1) كامل الزيارة ص 108.