الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

روى ابن الاثير و غيره من علماء العامة و أهل السير انّ النبي (صلى الله عليه واله)لما رجع من غزوة أحد سمع صوت بكاء نساء الانصار على قتلاهنّ، فقال صلّى اللّه عليه و آله: لكن حمزة لا بواكي له.
فلما بلغ ذلك الانصار علموا انّ رسول اللّه يحب أن يبكى على حمزة، فأمروا نساءهم بالبكاء على حمزة قبل البكاء على قتلاهنّ، فقال الواقدي: انّ البكاء على حمزة صار سنّة آنذاك بحيث كان يبتدئ ذو المصاب بالبكاء على حمزة أولا .
و من المعلوم انّ حبّ النبي (صلى الله عليه واله)لحمزة لم يكن أكثر من حبّه لسيد الشهداء (عليه السلام) فلو كان البكاء على حمزة مأمورا به فالبكاء على الحسين بطريق اولى مأمور به، فلا مجال لمخالفي الشيعة في الانكار عليهم باقامة مجالس العزاء و المأتم بل لا بد لهم من مواساتهم في اقامة هذه المجالس، بعد ما ظهر من فعل أهل المدينة بالبكاء على حمزة مواساة لرسول اللّه (صلى الله عليه واله)و امتثالا لأمره حيث قال: لكن حمزة لا بواكي له، و لم يعترض أحد على أهل المدينة بفعلهم هذا و سيرتهم هذه.
فيا للّه لقلب لا يتصدّع لتذكّر تلك الامور و يا عجبا من غفلة أهل الدهور و ما عذر أهل الاسلام و الايمان في اضاعة أقسام الأحزان، أ لم يعلموا انّ محمدا (صلى الله عليه واله)موتور وجيع و حبيبه مقهور صريع، و قد أصبح لحمه (عليه السلام) مجردا على الرمال و دمه الشريف مسفوكا بسيوف أهل الضلال، فيا ليت لفاطمة و أبيها عينا تنظر الى بناتها و بنيها و هم ما بين مسلوب و جريح و مسجون و ذبيح.
و اما ما جاء في الصحيحين من انّ الميت يعذّب ببكاء أهله عليه، و في رواية ببكاء الحيّ، و في رواية يعذب في قبره بما ينح عليه، فانّه خطأ من الراوي بحكم العقل و النقل.
فعن الفاضل النوويّ‏ ، قال: هذه الروايات كلّها من رواية عمر بن الخطاب و ابنه عبد اللّه، قال: و انكرت عائشة عليهما و نسبتهما الى النسيان و الاشتباه و احتجت بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [الأنعام: 164] .
قال صاحب المجالس الفاخرة: و انكر هذه الروايات أيضا عبد اللّه بن عباس و احتجّ على خطأ راويها و التفصيل في الصحيحين و شروحهما و ما زالت عائشة و عمر في هذه المسألة على طرفي نقيض حتى أخرج‏ الطبري في حوادث سنة (13) من تاريخه بالاسناد الى سعيد بن المسيّب قال: لما توفّى أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح (أي النائحات) فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهنّ عن البكاء على أبي بكر، فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن الوليد: أدخل فاخرج إليّ ابنة أبي قحافة، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: انّي أحرّج عليك بيتي، فقال عمر لهشام: أدخل فقد أذنت لك.
فدخل هشام فأخرج أمّ فروة اخت ابي بكر الى عمر فعلاها بالدرة فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك.
قلت: كأنّه لم يعلم تقرير النبي (صلى الله عليه واله)نساء الانصار على البكاء على موتاهنّ و لم يبلغه قوله صلّى اللّه عليه و آله: لكن حمزة لا بواكي له، و قوله: على مثل جعفر فلتبك البواكي، و لعلّه نسي نهي النبي (صلى الله عليه واله)ايّاه عن ضرب البواكي في يوم وفاة رقيّة، و في مقام آخر نتلوا خبرها عليك.
اخرج الامام احمد من مسنده من جملة حديث ذكر فيه موت رقية بنت رسول اللّه (صلى الله عليه واله)و بكاء النساء عليها قال: فجعل عمر يضربهنّ بسوطه فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: دعهنّ يبكين، ثم قال: مهما يكن من القلب و العين فمن اللّه و الرحمة و قعد على شفير القبر و فاطمة (عليها السلام)الى جنبه تبكي، قال: فجعل النبي (صلى الله عليه واله)يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها.
و اخرج أيضا حديثا في انّه مر على رسول اللّه (صلى الله عليه واله)جنازة معها بواكي فنهرهنّ عمر فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: دعهنّ فانّ النفس مصابة و العين دامعة، الى غير ذلك‏ من الاخبار الكثيرة التي لا يمكن احصاؤها هنا.