الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

إن مجتمعات الزيارة كمواسم جاء الحث عليها حيث إن المزور دعامة من دعائم الدين و منار هداه و منه تأخذ التعاليم و تدرس المعارف فإذا ازدلف الزائرون إلى قبره من شتى النواحي و تعرف كل بالآخر و شاهد كل منهم ذلك الزحام المعجب و التهافت المتواصل و التهالك دون ذلك المقصد الشريف بما أن صاحب المشهد صاحب دعوة إلهية و داعية إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة.
عظم في عينه الشخص المزور و نزعته و دعوته و ثلج صدره بذلك المنظر المبهج ورق له قلبه و ثبت به يقينه و بطبع الحال ينجذب إلى تتبع تعاليمه و درس أحواله و اقتصاص أثره و تعرف مظلوميته إلى ما هنالك من فوائد لا تحصى و هناك معنى آخر و هو أن الزيارة تحكم رابطة الأخوة بين المؤمنين التي دعا إليها الكتاب المجيد: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فإن الزائرين باجتماعهم عند القبر و في الطريق إليه يتبادلون المعروف و المكافاة عليه و يتفاهمون في التوجيه نحو الدين الصحيح فينكشف الخطأ في اعتقاد الطوائف الأخرى و شذوذها و تصبح الرابطة بينهما حكيمة الأساس.
هذه هي الحقيقة في زيارة أئمة الهدى أجمع فإنهم الطريق المهيع و السبيل الجدد إلى كل هدى متبع، و ناموس مصلح، و طقس مهذب و رشد هاد، و معرفة كاملة، كما أنه يجب أن يعتقد فيهم ذلك بعد الوقوف على فضلهم الظاهر، و علومهم الجمة، و ورعهم الموصوف، و معاجزهم الخارجة عن حد الاحصاء و لا شك أن في المثول حول مشاهدهم المقدسة بداعي الزلفى للمولى سبحانه مزيدا لهاتيك العقيدة و رسوخها.
هذا هو السبب الوحيد لتشريع الزيارة و أما تخصيص سيد الشهداء بزيارات خاصة في أيام السنة زائدا على ما جاء في الحث المتأكد على زيارته المطلقة دون سائر الأئمة بل لم يخصص سيد المرسلين بزيارة خاصة يتصور لذلك علل و أسباب.
أهمها: أن النزعة الأموية لم تزل تنجم و تخبو في الفينة بعد الفينة تتعاوى بها ذوو أغراض مستهدفة و إن أصبح الأمويون رمما بالية و لم يبق منهم إلا شية العار و سبة عند كل ذكر، لكن بما أنها إلحادية يتحراها لفيفهم و من انضوى إليهم من كل الاجيال، فكان همّ أهل البيت عليهم السّلام اخمادها و لفت الانظار إلى ما فيها من المروق عما جاء به المنقذ الأكبر الذي لاقى المتاعب في سبيل نشر دعوته و احيائها، و من الطرق الموجبة لتوجيه النفوس نحوها و تعريف مظلوميتهم و دفعهم عن الحق الالهي المجعول لهم من الشرع الأعظم ذكر قضية سيد الشهداء لاحتفافها بمصائب يرق لها قلب العدو الألد فضلا عن الموالي المشايع لهم المعترف بما له من خلافة مغتصبة.
فأراد الأئمة أن يكون شيعتهم على طول السنة و ممر الأيام غير غافلين عما عليه السلطة الغاشمة من الابتعاد عن النهج القويم فحملوهم على المثول حول مرقد سيد شباب أهل الجنة في مواسم خاصة و غيرها فإن طبع الحال قاض بأنهم في هذا المجتمع يتذاكرون تلك القساوة التي استعملها الأمويون من ذبح الأطفال و تسفير حرم الرسالة من بلد لآخر:
مغلولة الأيدي إلى الأعناق‏ تسبى على عجف من النياق‏
حاسرة الوجه بغير برقع‏ لا ستر غير ساعد و اذرع‏ «1»

و إن الحمية و الشهامة تأبى لكل أحد أن يخضع لمن أتى بهذا الفعل الشنيع مع كل أحد فضلا عن آل الرسول الأقدس فتحتدم إذ ذاك النفوس و تثور العاطفة و يحكم على هؤلاء الارجاس بالمروق عن دين الإسلام و طبعا هذا الداعي في سيد الشهداء ألزم من غيره من الأئمة لاشتمال قضيته على ما يرقق القلوب، فمن هنا اتخذه المعصومون حجة يصولون بها على أعدائهم فأمروا شيعتهم بالبكاء تارة و الاحتفال بأمره بأي نوع كان طورا و زيارته ثالثة إلى غير ذلك مما ترك الأمة حسينية الذكر كما أنها حسينية المبدأ و لا تلفظ نفسها الأخير إلا و هي حسينية المنتهى.
و إن دعاء الإمام الصادق عليه السّلام في سجوده الذي يرويه معاوية بن وهب مما يبعث إلى القلوب نورا و للعقيدة رسوخا و للنفوس ارتياحا و يوقفنا على أسرار غامضة مما تأتي بها الأمة من هذه الأعمال.
______________________________
(1) للحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء قدس سره.