الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها
ورد على سماحة مولانا الإمام كاشف الغطاء رسالة في أول رجب سنة 1365 من الفاضل المهذب أحمد بدران (مترجم مديرية الميناء في البصرة) فذكر فيها أن جماعة من المستشرقين الإنجليز مشغولون بتأليف دائرة معارف يضمّنونها شتى المعلومات و المعارف و أنه كلف من قبل من اتصلوا به أن يبحث لهم عن مصدر يزودهم بالمعلومات الكافية عن تأريخ التربة الحسينية و كيف نشأت من بعد مقتل الحسين (عليه السلام).
و هل كان لها تأريخ من قبل؟ و ما إلى ذلك من المعلومات التي تخص هذا الموضوع ليقوم بترجمته إلى اللغة الإنجليزية فيكون مصدرا شافيا عن موضوع هذه التربة بعد أن يدرجها المستشرقون في دائرة معارفهم الجديدة و هذا نص الرسالة‌
الرسالة الأولى:
سماحة حجة الإسلام الأكبر آية اللّٰه الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء دام ظله آمين.
بعد أن ألثم هاتيك الأنامل الشريفة التي أقر بالرق كتاب الأنام لها و أتبرّك بالدعاء لتلك الطلعة الغرّاء التي انجاب بها عن سماء الإسلام الظلم و الظلم.
أعرض لسماحتكم أن أحد المستشرقين من علماء الإفرنج قد أخذ على عاتقه تأليف دائرة معارف كبرى يضمنها المنقول و المعقول و قد أراد أن يلم بتأريخ التربة الحسينية إلماما واسعا بحيث يكون مرجعا للتأريخ في المستقبل. فهو يريد أن يعرف السبب الحقيقي في نشأتها و كيف أنها وجدت بعد عهد الحسين (عليه السلام) و هي لم تكن قبله و لا في عهده و من أول من صلى عليها من المسلمين؟ و خلاصة الأمر أنه يريد تأريخا حقيقيا شاملا لجميع نواحي هذه التربة الحسينية لدرجة في دائرة المعارف الإنجليزية طلب هذا العالم إلى أحد موظفي الميناء أن يزوده بهذا التأريخ و هذا الموظف كلفني بدوره أن أتقصى ذلك و ما كان مني إلا أن يممت العالم الجليل السيد عباس شبّر و بعد أن عرضت المسألة عليه رأى من الأجدر أن تعرض على سماحتكم علما منه بأنكم خير من يقصد للاستفسار في مثل هذه المسائل و على هذا فإني أضرع لسماحتكم أن تتكرموا بإرسال تأريخ مفصل عن هذه التربة الحسينية بوساطة العالم الجليل السيد عباس شبّر في البصرة لكي أتمكن من ترجمته و إرساله إلى العالم الإنجليزي.
و غير خفي على سماحتكم أن في ذلك إظهارا للحق و إزالة للباطل و دفعا للشبهة و الشك و الظن و التقول و أن الكتاب الذي سيؤلفه هذا العالم سوف تطالعه ملايين من البشر و سيعرفون حقيقة هذه التربة و سيضربون عرض الحائط ما علق بأذهانهم عنها حتى الآن.
هذا و ختاما تكرموا يا صاحب السماحة بقبول فائق شكري و احترامي و إخلاصي و تحيات العالم الجليل السيد عباس شبّر و دمتم ذخرا و ركنا للمسلمين جميعا.
خادمكم المخلص أحمد بدران مترجم مديرية الميناء ثم كتب فضيلة السيد عباس شبّر الحسيني كتابا ورد إلى الامام أوضح فيه حضرته أن الأديب الفاضل صاحب الرسالة المذكور من‌ قبل هذا قد راجعه في هذا الأمر و طلب إليه أن يهديه إلى المرجع الثقة في هذا الموضوع فأشار عليه بذلك ثم استعجل سماحة الامام بإنجاز هذا البحث الذي سيكون مرجعا وثيقا ينهل منه طالبو الحقيقة و هذا نص الرسالة:
الرسالة الثانية:
صاحب السماحة الإمام آية اللّٰه العلّامة الأكبر الشيخ محمد الحسين دام ظله.
سلام اللّٰه الأسنى و تحاياه الزاكيات الحسنى على مولانا و رحمة اللّٰه و بركاته.
المعروض على خاطركم الكريم أنه سبق منذ مدة قد تكون طويلة إن الأديب اللامع أحمد بدران و هو من شبابنا المثقف النبيل الغيور على دينه و أمته و وظيفته الترجمة في دائرة ميناء البصرة أخبرني أن مستشرقا كبيرا انجليزيا قد عزم على المساهمة في الكتابة بموسوعة (دائرة المعارف الانجليزية الجديدة). و قد اختار أن تكون كتابته في موضوع التربة الحسينية و تأريخها عند الشيعة الإمامية و لأجل الحصول على المعلومات الكافية راجع دائرة ميناء البصرة يطلب منها أن تأخذ له المعلومات الصحيحة عن أحد علماء الشيعة و كانت هذه‌
الدائرة في الوقت قد راجعت بعض المعممين فكتب في الجواب ما لا يسمن و لا يغني فلم يرتح هذا الشاب النبيل للجواب عند ما عرض عليه للترجمة و طلب من رئيس الإدارة أن يراجع في الأمر غير هذا الكاتب بالنظر لأهمية الموضوع فأجيب طلبه فعرض ما كتب جوابا علي ليتعرف على رأيي فأشرت عليه بأن يراجع سماحتكم و قلت له:
لا يجوز فيما أرى لغير قلم مولانا كاشف الغطاء أن يتناول هذا الموضوع الذي يخص مائة مليون من المسلمين و عليه فقد استمهل الإدارة و كتب لسماحتكم. و قد أخبرني أنه طلب ان يكون إرسال الجواب اليه بواسطتي و هو لا يزال يسألني عن وصول الجواب لأن الإدارة تلحّ عليه بالتعجيل فالرجاء ان تتفضلوا بتحرير ما ترونه مناسبا في مثل هذا المقام مجملا. و بالختام تقبلوا فائق الاحترام و السلام.
من المخلص عباس شبّر الحسيني و كان سماحة الإمام قد بدأ في تأليف رسالة وافية في هذا الموضوع لما رأى في ذلك من إنارة أفكار القراء الأجانب و لفت نظرهم إلى‌
موضوع خطير من مواضيع مذهب الإمامية الاثني عشرية الذي يعد سماحته العلم الأكبر بين أعلامه بما في ذلك من رفع الجهل أو التجاهل بحقائق مذهب الطائفة النبيلة الذي ظهرت آثاره في التأريخ الخاص منها و العام نتيجة لسوء البحث أو لسوء النية. و بعد أن بعث سماحته بهذه الرسالة عند إنجازها إلى فضيلة السيد عباس شبّر جاء منه الكتاب التالي:
الرسالة الثالثة:
سماحة العلّامة الأكبر آية اللّٰه الشيخ محمد الحسين دام ظلّه العالي.
السلام على مولانا و رحمة اللّٰه و بركاته و تحياته الصالحات المباركات و الابتهال إلى اللّٰه سبحانه من صميم القلب أن يمتّعنا و العالم الإسلامي أجمع بدوام ظلّكم على مدى الأيام:
بقيت بقاء الدهر يا غوث أهله و ذاك دعاء للبرية شامل
تشرّفت الساعة برسالتكم العزيزة في البريد المسجل و تلوتها بكل إعجاب و أكبار شاكرا داعيا لسماحتكم و سأجتمع في أقرب فرصة إن شاء اللّٰه بأحمد بدران و أوكد عليه بالاهتمام التام في هذه النفحة القدسية و العبقة السماوية التي خص بها يراع المجاهد اليراع الذي اختاره اللّٰه سبحانه لنصرة دينه و إرشاد عباده فكان آية من آياته‌
يراع يراع به الجاحدون و يرعى به المؤمن المتّقي
حسام جراز غداة الكفاح و في السلم كالغصن المورق
تخيره اللّٰه للمعضلات و فتح مقفلها المغلق
فأصبح في عصرنا المستنير معجزة الدين و المنطق
و بعد فما عساني أن أقول في نعت هذا اليراع الكريم الملهم و وصف رشحاته التي يقصر دون إطرائها البيان و ان (هذه من علاه إحدى المعالي و ما عسى أن يقال في وصف صحاح الجوهر؟ أستغفر اللّٰه ما قيمة الجوهر) إلى جانب هذه السموط الفردوسية و هي (من جوهر التراب) فاقترح على الأستاذ أحمد بدران عرضها بعد ترجمتها على لجنة من شبابنا المتأدب باللغتين العربية و الإنجليزية لإخراج الترجمة تخريجا عاليا كما تحبون و نحب إن شاء اللّٰه و سوف نرسل لسماحتكم نسخة من الأصل و نسخة من الترجمة تشرّفت قبل رسالتكم هذه بكتابين من سماحتكم كان ثانيهما جوابا لكتابي الذي أرسلته إليكم و قد كان لي شبه عزم على زيارة النصف من شعبان فأكون أنا جواب الجواب ذلك ما أخّرني عن الإجابة بوقته و كان كتابي إليكم قبل تشرّفي بكتابكم الأول. و بالختام تقبّلوا فائق الثناء و الاحترام و السلام... .
الرسالة الرابعة:
سماحة العلّامة الأكبر ملاذ الإسلام و مرجع المسلمين آية اللّٰه الشيخ محمد الحسين دام ظلّه:
بك ازدانت الأعياد و افترّ ثغرها و عمّت كما عمّت مآثرك الخلقا
فغرّد في روض الشرور هزارها يهنّي بك الإسلام و الدين و الشرقا
بعد السلام على مولاي و رحمة اللّٰه و بركاته و تقديم أجمل التهاني و أزكاها و أطيب التمنيات و أعلاها بمناسبة هذا العيد السعيد و الابتهال إلى اللّٰه سبحانه أن يجعل أيامنا كلها بوجود مولانا أعيادا تتجدد بالخير و المسرة و البركات.
غرّد طير البشر لما بدا هلال شوال بأفق السعود
فأسلم و دم ظلّا لنا شاملا و افطر بعيد الفطر قلب الحسود
سبق أن أرسلت لمولاي رسالة عرفته فيها بوصول رسالته الثمينة في التربة الحسينية و قد دفعتها لأحمد بدران ليستنسخها و يترجمها
الأرض و التربة الحسينية ص: 15‌
و لأعرض الترجمة على لجنة أختارها ممن يجيد اللغتين و أرسل الأصل العربي و نسخة من الترجمة لسماحتكم. و قد اجتمعت بابن بدران في شهر رمضان مرّتين و ألححت عليه بالإسراع في إنجاز الترجمة فوعد خيرا و لكنه أخبرني اليوم بأنه لم يكمل الترجمة بعد لطارئ صحي و أنه سيكملها في القريب العاجل فطلبت منه أن يدفع لي الأصل العربي أو نسخة منه لإرسالها مقدما لسماحتكم لتطبع.
و أخبرته بالكتاب الذي تناولته بالأمس من الأستاذ الشيخ عبد الغني الخضري في ذلك فأخبرني أن الأصل و الصور التي استنسخها بالآلة الطابعة في دائرة الميناء و سيجي‌ء إلى بنسخة بعد عطلة العيد بلا تأخير و سأتسلمها منه و أرسلها إليكم على الفور إن شاء اللّٰه ثم أرسل نسخة من الترجمة بعد إكمالها و تمحيصها بأنظار اللجنة التي اختارها للنظر في مطابقتها للأصل. و ختاما تفضلوا بقبول فائق التهاني و الاحترام و السلام.
من المخلص الصميم عباس شبّر الحسيني و هذه الرسالة التي دبّجتها يراع الإمام جوابا على ذلك الطلب إنما هي حقا بحث واف في موضوع خطير لم يسبق أن اهتم به أحد من‌ الأعلام. أما لعجز يعذر معه أو لتعاجز إزاء خدمة هذه الطائفة و إبلاغ حقائق مذهبها إلى العالمين. أما سماحة الإمام فهو الرجل الذي لم يتوان جهده في اغتنام الفرص و العمل المجيد حيال الواجب الديني المقدس الذي لم يشأ أحد من أئمة المذهب ليوقف شيئا من جهده لتدعيم مظاهرة و بث حقائقه إلا الصفوة القليلة من رجال العلم و الفضيلة و حملة نور الإيمان ممن يعدّ سماحة الإمام مولانا الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء على رأسهم و في مقدمتهم. فهي بحث طريف في موضوع بكر لم يسبقه إليه سابق و لا يستطيعه لا حق. و قد توسّع فيه إلى البحث عن مطلق الأرض و خيراتها و أركانها و قدسيتها بنحو بديع ديني أدبي تأريخي ثم تخلص منه إلى التربة الحسينية.
و حيثما يضع سماحة هذا الإمام الفذ قلمه يأت بالمعجز و المدهش كما تشهد لذلك عامة مؤلفاته التي أنافت على الثمانين. و ستكون لهذه الرسالة السامية نتائج معنوية كبرى هي أهل بمقام الإمام و جهاده.
حسين محمد الطيب‌
الرسالة
و هذا نص البيان الذي تفضل به يراع الإمام و رشح به قلمه المبارك.
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
يقول اللّٰه جل شأنه في فرقانه المجيد { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] .
حقا إن من أعظم تلك الآيات التي نمرّ عليها في كل وقت و على كل حال هي هذه الأرض التي نعيش عليها و نعيش منها و نعيش بها منها بدؤنا و إليها معادنا. {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55]. لا نزال نمشي على الأرض و نثير ترابها في الحرث و النسل و نقلبها للغرس و الزرع و نتقلب عليها للضرع و المرع و نزاولها في عامة شئون الحياة. و لا تزال تدر علينا بخيراتها و بركاتها و نحن ساهون لأهون و عن آياتها‌ معرضون غافلون عما فيها من عظيم القدرة و باهر الصنعة و دلائل العظمة و القوة هذا التراب الذي قد نعدّه من أحقر الأشياء و أهونها و الذي هو في رأي العين شي‌ء واحد و عنصر فرد كم يحتوي على عناصر لا تحصى و خواص لا تتناهى تنثر فيه حب القمح مثلا فيعطيك أضعافا من نوعه و تنثر فيه الفول و العدس و أمثالهما من القطانيات المختلفة في الطعوم و الخواص فتعيدها إليك مضاعفة مترادفة و تغرس في نفس ذلك التراب نواة النخل و بذرة الكرم و أقلام التين و التفاح و أمثالها من الفواكه فتثمر تلك الثمار الشهية المختلفة الأذواق المتغايرة الخواص.
التراب يخرج لك البطيخ بأنواعه: أصفره و أحمرة و أبيضه بتلك الروائح الطبيعية العطرة و كلّه حلو منعش و يخرج لك الحنظل و كلّه مر مهلك كل هذا و الشكل متشابه و الخضرة متماثلة و الماء واحد و التربة واحدة كما في القرآن يُسْقىٰ بِمٰاءٍ وٰاحِدٍ و الماء ماء و لما يستوي الشجر التراب واحد و المستقي واحد و الثمرات و النتائج مختلفة فمن أين جاء هذا الاختلاف العظيم؟ أ ليست كلها عناصر في الأرض يأخذ كل واحد من تلك البذور ما يلائمه من تلك العناصر الكامنة في التراب المكونة لتلك الثمرة و الأنواع المختلفة لا يختلط واحد بالآخر و لا يشتبه نوع بنوع؟ كل ذلك على نظام متسق و وزن متفق و عيار معين كل فاكهة في فصلها و موسمها فربيعية لا تدرك في الخريف و خريفية لا تنضج في الصيف و صيفية لا توجد في الشتاء. و أعظم من هذا أثرا و عبرا ما تخرجه الأرض من المعادن. انظر إلى هذه المعادن الثمينة و الأحجار الكريمة من الذهب و الفضة و الياقوت و الفيروزج و نظائرها هل هي إلا من التراب و من ثمرات الأرض؟ بل ذكر لي بعض المولعين بالصنعة القديمة «علم الكيمياء» ان الإكسير الأعظم الذي يتطلبه أهل هذا الفن و به يحولون الفلزات من واحد لآخر حتى ينتهي إلى الذهب هو أيضا من التراب و لقد أبدع العارف الرباني الشيخ محمود الشبستري في رسالته المنظومة الموسوعة (كلشن راز) حيث يقول فيها:
شعاع آفتاب از جرم أفلاك نگردد منعكس جز بر سر خاك
تو بودى عكس معبود ملائك از آن گشتۀ تو مسجود ملائك
و ملخص ترجمته: ان الشمس و هي في الفلك الرابع (على الهيئة القديمة) لا ينعكس شعاعها إلا على التراب و لو لا التراب لما كان لأشعة الشمس فائدة و أثر. ثم يقول: انعكست فيك صفات معبود الملائك أيها الإنسان لهذا صرت محل سجود الملائكة. نعم نعود إلى الأرض فنقول: و الأرض هي أم المواليد الثلاثة: الجماد و النبات و الحيوان و تحوطها العناية بالروافد الثلاثة: الماء و الهواء و الشمس فهي الحياة و هي الممات و فيها الداء و منها الدواء و قد تحصى نجوم السماء أما نجوم الأرض فلا تحصى.
نعم لا تحصى نجوم الأرض و لا معادن الأرض و لا عناصر الأرض و لا تزال الشريعة الإسلامية قرآنها و حديثها يعظم شأن الأرض و ينوّه عنها صراحة و تلميحا فيقول : {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 25 26] {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} [النازعات: 30 31] {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 24 - 31].
دع عنك ما تخرجه الأرض من نبات و أشجار و حبوب و ثمار و معادن و أحجار و لكن هلمّ إلى هذا الإنسان ذي العقل الجبار الذي سخر الأثير و البخار و الكهرباء و الذرة فهل يكون إلا من التراب؟
و هل عناصره و أجزاؤه التي التام جسمه منها إلا من التراب؟ و هل يتلاشى و يعود إلا إلى التراب؟
و لعلّ من أجل شرف التراب و قداسته و عظيم خيراته و بركاته كنّى رسول اللّٰه صلّى اللّه عليه و آله وصيه و أحب الخلق اليه عليا (عليه السلام) بأبي تراب و كانت أحب الكنى إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و منها قد استخرج عبد الباقي العمري معنى شعريا عرفانيا حيث قال:
خلق اللّٰه آدما من تراب فهو ابن له و أنت أبوه
و لعلّ من هنا أيضا ينكشف سرّ تقبيل الأرض بين يدي الملوك تعظيما لهم يعنى قدس الأرض التي أنشأتك و منها تكوّنت. و قال الحكيم العارف (الخيّام) في بعض رباعياته:
اى خاك اگر سينۀ تو بشكافند بس گوهر قيمتى است در سينه تو
و ترجمته: أيها التراب لو يشقون عن قلبك و ينظرون إلى باطنك لوجدوا فيه الكثير من الجواهر الكريمة ذوات القيمة العظيمة و أبدع من هذا قول بعض أكابر العرفان الشامخين في (ترجيع بند) له فيه بدائع الأسرار و الحكم يقول فيه:
دل هر ذرۀ كه بشكافى آفتابش در ميان بينى
و ترجمته: قلب كل ذرة إذا شققته و نظرت فيه تجد شمسا منيرة فيه.
و قد حاول بعض الرجال البارزين من المصريين ممن له إلمام بالأدب الفارسي أن يجعل هذا النظم إشارة إلى الذرة التي هي من مخترعات هذه العصور. أما هذا العاجز فلا شك أنه أراد هذه الذرة التي ملأت الأجزاء و منها تكونت الأشياء و أراد بالشمس تلك الشمس التي أشرقت منها الشموس و الأقمار فعميت عن إدراكها البصائر و الأبصار.
نعم فهذه الأرض المباركة ذات الآيات الباهرة ألا تستحق التكريم و التعظيم و التعزيز و التقديس؟ و في الأحاديث النبوية أيضا إشارة إلى ذلك حيث يقول صلّى اللّه عليه و آله: «تمسحوا بالأرض فإنها بكم برّة» .
و في آخر: «تحفّظوا من الأرض فإنها أمّكم» . و «أكرموا النخلة فإنها عمتكم» . و «خلق اللّٰه عز و جل النخلة من فضلة طينة آدم (عليه السلام)» .
و هذه كلها رموز و إشارات لا تخفى مغازيها على اللبيب إذا فلا يتبين من هذا سر أمر الباري جل شأنه للملائكة جميعا أن يسجدوا لآدم الذي خلقه من تراب و أنشأه من الأرض و أودع فيه جميع خواصها و عناصرها و فيه انطوى العالم الأكبر. و قد حدثتنا الكتب السماوية عن السجود لآدم بأساليبها المختلفة فليسجدوا لآدم عبادة اللّٰه و تقديسا و تكريما للأرض ذات الخيرات و البركات و المحيا و الممات.
و منه تعرف أيضا سر امتناع إبليس المخلوق من النار عن السجود للأرض و العداء و النفرة طبيعي بين النار و الأرض.
الأرض مجمعة و النار مفرقة و الجمع قوة و الفرقة ضعف الأرض باردة معتدلة و النار محرقة مشتعلة الأرض نمو و زيادة و النار إفناء‌ و إبادة الأرض يعيش بها كل حي و النار يهلك بها كل حي إذا فليسجد الملائكة لآدم و ليسجد أبناؤه للّٰه على الأرض فإنها أمهم البرّة الحنون.
و من سموّ الأرض على النار و شرفها الذي أشرنا إلى طرف منه و من بعض نواحيه يتضح لك أيضا اندفاع مغالطة الشاعر القديم بشار بن برد في انتصاره لإبليس في تفضيل النار على الأرض بقوله من أبيات:
الأرض مظلمة و النار مشرقة و النار معبودة مذ كانت النار
و هذه الحجّة الواهية تستند إلى دعامتين ساقطتين الاولى: أن الأرض مظلمة. و مما تلوناه عليك من منافع الأرض و بركاتها تعرف أن الأرض هي المشرقة و النار هي المظلمة الأرض حياة و الحياة هي النور و النار لا حياة فيها بل تنعدم بها الحياة و عدم الحياة ظلمة الأرض أم الحياة و النار أم الموت و أين الحياة من الموت؟ و كفى بالنار أن اللّٰه جعلها عقابا و مآبا للعاصين و كفى بالأرض أن جعلها جنّة عدن للمتقين.
الثانية: ان النار معبودة مذ كانت النار. و هذه أسقط من سابقتها فأن النار لم يعبدها من الأمم إلّا المجوس حتى قيل:
مثل المجوسي في ظلالته تحرقه النار و هو يعبدها
و أما الأرض فلم تزل معبودة على أوليات الدهر بأصنامها‌ و أوثانها و هياكلها و نواديها و الجميع من الأرض و لا تزال أكثر الأمم وثنية إلى اليوم. و حيث تجلّى شرف الأرض و قداستها إذن فليسجد الملائكة الذين ليسوا هم من الأرض لآدم وليد الأرض و لا يجوز السجود في شريعة الإسلام- سجود عبادة- إلا للّٰه و إلا على الأرض أو نبات الأرض و من أجل ما في الأرض من المواد المعقمة و العناصر المنقية جعلها الشارع في الإسلام مطهرة من الحدث تارة أي القذارة المعنوية التي لا يزيلها إلا الماء فإذا لم يوجد الماء أو لم يمكن استعماله فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً اقصدوا ترابا خالصا نظيفا طيبا فامسحوا فيه الجبين الذي هو و اليدان أحوج الأعضاء إلى النظافة و إماطة الغبار و الأكدار عنهما لمزاولة اليد للأعمال و مباشرتها للأجسام المختلفة في الأسناخ و الأوساخ فالتراب يقوم مقام الماء التراب أخو الماء و الأرض أخته و مطهرة من الخبث أخرى حتى مع التمكّن من الماء فتطهر باطن الحذاء و القدم و كثيرا من أمثالها كأسفل العصا و نحوها. فلو تنجّس باطن القدم أو الحذاء و مشيت على الأرض خطوات و زالت العين طهرت القدم و لا حاجة إلى تطهيرها بالماء . فالأرض مسجد و الأرض طهور و إليه قصد‌ الحديث النبوي المشهور «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا» أي أينما أدركتني الصلاة سجدت و صلّيت و متى أعوزني الماء بها تطهرت فهي طاهرة و مطهرة. نعم و هي مطهرة بما هو أوسع و أدق و أعمق معاني التطهير فإنّ فيها المواد المعقمة و العناصر المهلكة لجميع جراثيم الأوبئة و الأمراض. و من أجل هذه الصفة و الخصوصية في الأرض أوجبت الشرائع السماوية و بالأخص شريعة الإسلام دفن الأموات فيها و لا يجوز دفن الميت في غيرها و أن يوضع خده على الأرض و لا يجوز حتى إلقاؤه في البحر مع التمكّن من دفنه بالأرض بل و لا إحراقه بالنار مع أن المتبادر بادئ النظر أنه أبلغ في قمع جراثيم الأموات المضرّة بالإحياء كما يصنعه البراهمة الذين يحرقون أمواتهم و لكن أ ليس من الجائز القريب أن يكون جثمان الإنسان يحمل أو تحمل فيه عند مفارقته الحياة مواد من ناشرات الأوبئة التي لو أحست بحرارة النار تطايرت في الفضاء قبل أن تحترق فتأخذ مفعولها في نشر الأمراض و تلويث الهواء؟ و كذا لو ألقيت في البحار أو الأنهار تنمو و تشتد بخلاف ما لو دفنت في التراب. و لعل فيه مواد من خاصيتها تلف تلك الجراثيم المختلفة الأنواع التي لو انتشرت لأهلكت كل حي حتى النبات. و قد أيّد العلم الحديث هذه النظرية حيث‌ اكتشف بعض علماء الغرب- حسبما نقل- أن في التراب مادة تقتل مكروب كل مرض من الأمراض كالسل و التيفوئيد و الملاريا و غيرهما و لو لا تلك المادة المعقمة في التراب لانتشر من جسد كل ميت أنواع من الأمراض تقضي بالفناء على كل الإحياء أو لعل إليه الإشارة بقوله تعالى {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 25 26].
فقد ذكر اللغويون أن معاني «الكفت»: الجمع و الضم و الإماتة .
يقال كفته اللّٰه أي أماته فيكون المعنى المشار إليه في الآية أن الأرض تجمع و تضم الأحياء ثم تجمع جراثيمها بعد الموت و تميتها فإن تمت هذه الاستفادة فهي إحدى معجزات القرآن و هل ترى أن قدماء الفلاسفة و متأخّريهم من اليونان و الهند و الفرس و غيرهم فيما استخرجوه من خواص الأرض و معادنها و حيوانها قد أحصوا كل ما أودعه الصانع الحكيم فيها من الكنوز و الرموز و الخزائن و الدفائن؟
كلا و لا عشر معاشر منها و لعل نسبة ما وصلوا إليه مما تمنّع عليهم نسبة الذرة من الفضاء و القطرة من الدماء و لا يزال العلم و البحث يأتي بالعجائب و لا تنتهي حتى تنتهي الدنيا و لن تنتهي.
و إنما الغرض الإشارة إلى أنّ هذه الأرض هي من أعظم آيات اللّٰه الباهرة نمرّ عليها ليلا و نهارا و نحن عنها معرضون و لو عرفنا اليسير من منافعها و طبائعها لتجلّى لنا أنها الأم الحنون البارّة بنا التي ولدتنا‌ و أرضعتنا من أخلاف نعمها و خيراتها. و ما هذا البشر إلا غرس من غرسها و شجرة نامية من أشجارها أولدتنا على ظهرها و غذتنا من منتوجاتها و تردنا إلى أحشائها. و في الحديث النبوي «إن الأرض بكم برّة تتيمّمون منها و تصلّون عليها في الحياة الدنيا و هي لكم كفات في الممات و ذلك من نعمة اللّٰه له الحمد و أفضل ما يسجد عليه المصلّي الأرض النقية» .
و قد نوّه عن بعض تلك المزايا الشاعر الحكيم العربي القديم الذي أدرك أول بزوغ شمس الإسلام و لم يسلم لأنه كان قد رشّح نفسه للنبوة و لم تساعده العناية و تخطّته إلى من هو أحق بها و أجدر ذلك أمية بن أبي الصلت و كان ينظم المطولات الرنانة في السماء و العالم و المبدأ و المعاد و القبر و البرزخ و الحشر و النشر و الأفلاك و الأملاك.
ففي بعض مطوّلاته يقول عن الأرض:
الأرض معقلنا و كانت أمنا فيها مقابرنا و منها نولد
و في أخرى:
هي القرار فما نبغي بها بدلا ما أرحم الأرض إلا أننا كفر
منها خلقنا و كانت أمنا خلقت و نحن أبناؤها لو أننا شكر
و من الأيام الزكية في شريعة الإسلام هو يوم (دحو الأرض) و هو‌ اليوم الخامس و العشرين من شهر ذي القعدة الحرام و هو من الأيام التي يستحب فيها الصيام و فيه دحا اللّٰه الأرض من تحت الكعبة (أي بسطها و مدها). و فيه دعاء جليل أوله: «اللهم داحي الكعبة و فالق الحبة و صارف اللّزبة و كاشف كل كربة أسألك في هذا اليوم من أيامك التي أعظمت حقها و أقدمت سبقها و جعلتها عند المؤمنين وديعة و إليك ذريعة» إلى آخر الدعاء. و إليه الإشارة بقوله تعالى:
وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحٰاهٰا.
نعود فنقول أ ليست هذه الأرض حرية إذا بالتقديس و الكرامة و الإجلال و العظمة؟ و أن نسجد عبودية للّٰه على النظيف منها تكريما لها و شكرا لعظيم نعمته تعالى علينا بها و تنشيطا للحركة الفكرية للانتقال من عظمتها إلى عظمة خالقها و التفاتا إلى أنها مع عجز العقول و الأفكار و الأيدي العاملة في تحليل جميع عناصرها و استخراج كل جواهرها ليست هي بالنسبة إلى سائر الكرات و الكواكب و الأنظمة الشمسية التي أحصي منها الملايين و ما أحصي إلا اليسير منها ما هي إلا ذرة تسبح في بحر هذا الفضاء غير المتناهي.
فما أعظم الخالق؟ و ما أدهش قدرته و عظمته و أبدع صنائعه و خليقته؟
و كل ما ذكرنا من فضل هذه الكرة السابحة في بحر هذا الكون الذي لا ساحل له و هي الأرض معلوم واضح كما أن من المعلوم الواضح‌ أن هذه الأرض مع وحدتها و تساوي بقاعها و أجزائها ظاهرا و لكنها في الامتحان و في ظاهر العيان أيضا مختلفة أشد الاختلاف في البقاع و الطباع و الأوضاع ففيها الطيبة و الخبيثة و الحلوة و المالحة و السبخة و المرة و إليه الإشارة بقوله تعالى وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجٰاوِرٰاتٌ . و هذا الاختلاف شي‌ء محسوس فقد يلقي الحارث في أرض قبضة قمح فيعود عليه ريعها بأضعاف البذر سبعين مرة و قد يلقيه في أخرى فيخيس و يحترق و لا يحصل حتى على البذر. و لا شك أن الطيب النافع هو الحري بالكرامة و التقديس و لا يبعد أن تكون تربة العراق على الإجمال من أطيب بقاع الأرض في دماثة طينتها و سعة سهولها و كثرة أشجارها و نخيلها و جريان الرافدين عليها و ما يجلبان من الأبليز و هو الذهب الإبريز و اللجين الجاري و الياقوت و الذهب الأسود. ثم لو تحرّينا هذه السهول العراقية وجدنا من القريب إلى السداد القول إن أسمى تلك البقاع أنقاها تربة و أطيبها طينة و أذكاها نفحة هي تربة كربلاء تلك التربة الحمراء الزكية . و كانت قبل الإسلام قد اتخذت نواويس و معابد و مدافن‌ للأمم الغابرة كما يشعر به كلام الحسين سلام اللّٰه عليه في إحدى خطبه المشهورة حيث يقول:
«كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء» .
و هذه التربة هي التي يسميها أبو ريحان البيروني في كتابه الجليل (الآثار الباقية) التربة المسعودة في كربلاء .
نعم و إنما يعرف طيب كلّ شي‌ء بطيب آثاره و كثرة منافعه و غزارة فوائده. و يدل على طيب الأرض و امتيازها على غيرها طيب ثمارها و رواء أشجارها و قوة ينعها و ريعها. و قد امتازت تربة كربلاء من حيث المادة و المنفعة بكثرة الفواكه و تنوعها و جودتها و غزارتها حتى أنها في الغالب هي التي تمون أكثر حواضر العراق و بواديه بكثير من الثمار اليانعة التي تختصها و لا توجد في غيرها.
إذا أ فليس من صميم الحق و الحق الصميم أن تكون أطيب بقعة في الأرض مرقدا و ضريحا لأكرم شخصية في الدهر؟ نعم لم تزل الدنيا تمخض لتلد أكمل فرد في الإنسانية و أجمع ذات لأحسن ما يمكن من‌ مزايا العبقرية في الطبيعة البشرية و أسمى روح ملكوتية في اصقاع الملكوت و جوامع الجبروت فولدت نورا واحدا شطرته نصفين سيد الأنبياء محمدا (صلّى اللّٰه عليه و آله) و سيد الأوصياء عليا (عليه السلام) ثم جمعتهما ثانيا فكان الحسين (عليه السلام) مجمع النورين و خلاصة الجوهرين كما قال (صلّى اللّٰه عليه و آله): «حسين مني و أنا من حسين» ثم عقمت أن تلد لهم الأنداد أبد الآباد و إذا كان من حق الأرض السجود عليها و عدم السجود على غيرها أ فليس من الأفضل و الأحرى أن يكون السجود على أفضل و أطهر تربة من الأرض؟ و هي التربة الحسينية و ما ذلك إلا لأنها أكرم مادة و أطهر عنصرا و أصفى جوهرا من سائر البقاع. فكيف و قد انضم شرفها الجوهري إلى طيبها العنصري؟ و لما تسامت الروح و المادة و تساوت الحقيقة و الصورة صارت هي أشرف بقاع الأرض بالضرورة كما صرح بذلك بعض الأفاضل من كتاب هذا العصر
و شهد به الكثير من الأخبار و الآثار و إليه أشار السيد قدس سره في منظومة الفقه الشهيرة بالبيت المشهور:
و من حديث كربلاء و الكعبة لكربلا بان علوّ الرتبة
و قد تلاقفت ذلك الشعراء من زمن الشهادة إلى اليوم و تفننوا في بيان فضل هذه التربة و قداستها و شرفها و استطالتها على جميع بقاع الأرض بالفضل و الشرف و لو جمع كل ما قيل فيها لجاء مجلدا ضخما.
و في زيارة الشهداء مع الحسين سلام اللّٰه عليه و عليهم «اشهد لقد طبتم و طابت الأرض التي فيها دفنتم» . و قد اتفقت كلمات فقهائنا في مؤلفاتهم- مختصرة و مطولة- على أن السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما ينبت منها غير المأكول و الملبوس و أفضله السجود على التربة الحسينية. و من تلك المؤلفات الجليلة (سفينة النجاة) لأخينا المرجع الأعظم في عصره الشيخ أحمد كاشف الغطاء قدس سره و قد طبعنا في العام الماضي جزأه الأول مع تعليقاتنا عليه و أكملنا بتوفيقه تعالى تعاليق الجزء الثاني و هو جاهز للطبع. و قد علقنا على تلك الفقرة من الكتاب قبل أن يردنا هذا السؤال و نتصدى لتحرير هذا الجواب بما نصه بحرفة:
(و لعل السر في التزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية‌ مضافا إلى ما ورد في فضلها من الأخبار و مضافا إلى أنها أسلم من حيث النظافة و النزاهة من السجود على سائر الأراضي و ما يطرح عليها من الفرش و البواري و الحصر الملوثة و المملوءة غالبا بالغبار و المكروبات الكامنة فيها مضافا إلى كل ذلك لعل من جملة الأغراض العالية و المقاصد السامية أن يتذكر المصلّي حين يضع جبهته على تلك التربة تضحية ذلك الإمام بنفسه و آل بيته و الصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة و المبدأ و تحطّم هياكل الجور و الفساد و الظلم و الاستبداد و لما كان السجود أعظم أركان الصلاة و في الحديث «أقرب ما يكون العبد إلى اللّٰه و هو ساجد» . مناسب أن يتذكر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق و ارتفعت أرواحهم إلى الملإ الأعلى ليخشع و يخضع و يتلازم الوضع و الرفع و يحتقر هذه الدنيا الزائفة و زخارفها الزائلة.
و لعل هذا المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع- كما في الخبر الآتي ذكره- فيكون حينئذ في السجود سر الصعود و العروج من التراب إلى رب الأرباب إلى غير ذلك من لطائف الحكم و دقائق الأسرار انتهى).
فإذا وقفت على بعض ما للأرض و التربة الحسينية من المزايا‌ و الخواص لم يبق لك عجب و استغراب إذا قيل إن الشفاء قد يحصل من التراب و إن تربة الحسين (عليه السلام) هي تربة الشفاء كما ورد في كثير من الأخبار و الآثار التي تكاد تكون متواترة كتواتر الحوادث و الوقائع التي حصل الشفاء فيها لمن استشفى بها من الأمراض التي عجز الأطباء عن شفائها أفلا يجوز أن تكون تلك الطينة عناصر كيمياوية تكون بلسما شافيا من جملة من الأسقام قاتلة للميكروبات؟
و قد اتفق علماء الإمامية و تضافرت الأخبار بحرمة أكل الطين إلا من تربة قبر الحسين (عليه السلام) بآداب مخصوصة و بمقدار معين و هو أن يكون أقل من حمصة و أن يكون أخذها من القبر بكيفية خاصة و أدعية معينة .
و لا نكران و لا غرابة فتلك و صفة روحية من طبيب ربّاني يرى بنور الوحي و الإلهام ما في طبائع الأشياء و يعرف أسرار الطبيعة و كنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد. و لعل البحث و التحرّي و المثابرة سوف يوصل إليها و يكشف سرها و يحل طلسمها كما اكتشف سر كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين و لم يكن ليخطر على بال واحد منهم مع تقدمهم و سمو أفكارهم و عظم آثارهم. و كم من سر دفين و منفعة جليلة في‌ موجودات حقيرة و ضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال و لا تمر على خيال؟ و كفى (بالبنسلين) و أشباهه شاهدا على ذلك. نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن اللّٰه للباحثين بحل رموزها و استخراج كنوزها و الأمور مرهونة بأوقاتها و لكل كتاب أجل و لكل أجل كتاب. و لا يزال العلم في تجدد فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم و حصل لهم الشفاء بقوة روحية و أصابع خفية من استعمال التربة الحسينية أو من الدعاء و الالتجاء إلى القدرة الأزلية أو ببركة دعاء بعض الصالحين. نعم ليس من الحزم البدار إلى الإنكار فضلا عن السخرية بل اللازم الرجوع في أمثال هذه القضايا و الحوادث الغريبة إلى قاعدة الشيخ الرئيس المشهورة «كلما فزع سمعك من غرائب الأكوان فذره في بقعة الإمكان حتى يذودك عنه قائم البرهان» هذا بعض ما تيسّر للقلم أن ينفث به مترسلا بذكر شي‌ء من مزايا الأرض و فلسفة السجود عليها و على التربة الحسينية بعد أن اتضح أن الشيعة يقولون بوجوب السجود عليها و عدم جواز السجود على غيرها من الأرض الطاهرة النقية.
و إنما يقولون إن السجود على الأرض فريضة و على التربة الحسينية سنّة و فضيلة و من السخافة أو العصبية الحمقاء قول بعض من يحمل أسوأ البغض للشيعة إن هذه التربة التي يسجدون عليها صنم يسجدون له. هذا مع أن الشيعة لا يزالون يهتفون و يعلنون في ألسنتهم‌ و مؤلفاتهم أن السجود لا يجوز إلا للّٰه تعالى و أن السجود على التربة سجود له عليها لا سجود لها. و لكن أولئك الضعفاء من المسلمين لا يحسنون الفرق بين السجود للشي‌ء و السجود على الشي‌ء السجود للّٰه عز شأنه و لكن على الأرض المقدسة و التربة الطاهرة و سجود الملائكة كان للّٰه و بأمر من اللّٰه تكريما لآدم نعم قد صار السجود على التربة الحسينية من عهد قديم شعارا شائعا لهذه الطائفة (الشيعية) يحملون ألواحها في جيوبهم للصلاة عليها و يضعونها في سجّاداتهم و مساجدهم و تجدها منثورة في مساجدهم و معابدهم و ربما يتخيل بعض عوامهم ان الصلاة لا تصح إلا بالسجود عليها و منشأ هذا الانتشار و مبدأ تكوّن هذه العادة و العبادة و كيفية نشوئها و نموها و تعيين أول من صلّى عليها من المسلمين ثم شاعت و انتشرت هذا الانتشار الغريب هو أن في بدء بزوغ شمس الإسلام في المدينة أعني في السنة الثالثة من الهجرة وقعت الحرب الهائلة بين المسلمين و قريش في (أحد) و انهدّ فيها أعظم ركن للإسلام و أقوى حامية من حماته و هو حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و أخوه من الرضاعة فعظمت مصيبته على النبي صلى اللّٰه عليه و آله و على عموم المسلمين و لا سيما و قد مثّلت به بنو أمية أعني هندا أم معاوية تلك المثلة الشنيعة فقطعت أعضاءه و استخرجت كبده فلاكتها ثم لفظتها و أمر‌ النبي (صلى اللّٰه عليه و آله) نساء المسلمين بالنياحة عليه في كل ما تم و اتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبرّكون به و يسجدون عليه للّٰه تعالى و يعملون المسبحات منه. و تنص بعض المصادر أن فاطمة بنت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) جرت على ذلك أو لعلها أول من ابتدأ بهذا العمل في حياة أبيها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و لعلّ بعض المسلمين اقتدى بها. و كان لقب حمزة يومئذ سيد الشهداء و سماه النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) أسد اللّٰه و أسد رسوله . و يعلق بخاطري عن بعض المصادر ما نصه تقريبا:
[حمزة دفن في أحد و كان يسمى سيد الشهداء و يسجدون على تراب قبره. و لما قتل الحسين (عليه السلام) صار هو سيد الشهداء و صاروا يسجدون على تربته] انتهى.
و يؤيده ما في مزار البحار للمجلسي قدس سره و نصه: [عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام قال: إن فاطمة بنت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) كانت سبحتها من خيط صوف مفتّل معقود عليه عدد التكبيرات و كانت عليها السّلام تديرها بيدها تكبّر و تسبّح حتى قتل حمزة بن عبد المطلب فاستعملت تربته و عملت منها التسابيح فاستعملها الناس فلما قتل الحسين صلوات اللّٰه عليه عدل بالأمر إليه فاستعملوا‌ أما أول من صلّى عليها من المسلمين بل من أئمة المسلمين فالذي استفدته من الآثار و تلقيته من حملة أخبار أهل البيت (عليهم السلام) و مهرة الحديث من أساتيذي الأساطين الذين تخرجت عليهم برهة من العمر هو أن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام بعد أن فرغ من دفن أبيه و أهل بيته و أنصاره أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الشريف الذي بضعته السيوف كلحم على وضم فشد تلك التربة في صرة و عمل منها سجادة و مسبحة و هي السبحة التي كان يديرها بيده حين أدخلوه الشام على يزيد فسأله ما هذه التي تديرها بيدك؟
فروى له عن جده رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) خبرا محصله: أن من يحمل السبحة صباحا و يقرأ الدعاء المخصوص لا يزال يكتب له ثواب التسبيح و إن لم يسبح . و لما رجع الإمام (عليه السلام) هو و أهل بيته إلى المدينة صار يتبرّك بتلك التربة و يسجد عليها و يعالج بعض مرضى عائلته بها فشاع هذا عند العلويين و أتباعهم و من يقتدي بهم. فأول من صلّى على هذه التربة و استعملها هو زين العابدين (عليه السلام) الإمام الرابع من أئمة الشيعة الاثني عشر المعصومين (عليهم السلام). و يشير إلى ذلك المجلسسي في البحار في أحوال الإمام المزبور . ثم تلاه ولده محمد الباقر (عليه السلام) الخامس من‌ الأئمة (عليهم السلام) و تأثر في هذه الدعوة فبالغ في حث أصحابه عليها و نشر فضلها و بركاتها . ثم زاد على ذلك ولده جعفر الصادق (عليه السلام) فإنه نوّه بها لشيعته و كانت الشيعة قد تكاثرت في عهده و صارت من كبريات طوائف المسلمين و حملة العلم و الآثار كما أوعزنا إليه في رسائلنا (أصل الشيعة) و قد التزم الإمام (عليه السلام) و لازم السجود عليها بنفسه.
ففي (مصباح المتهجد) لشيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره روى بسنده أنه: كان لأبي عبد اللّٰه [الصادق] (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللّٰه [الحسين] (عليه السلام) فكان إذا حضر الصلاة صبّه على سجادته و سجد عليه ثم قال (عليه السلام): السجود على تربة أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) يخرق الحجب السبع . و لعل المراد بالحجب السبع هي الحاءات السبع من الرذائل التي تحجب النفس عن الاستضاءة بأنوار الحق و هي: (الحقد الحسد الحرص الحدة الحماقة الحيلة الحقارة) فالسجود على التربة من عظيم التواضع و التوسل بأصفياء الحق يمزقها و يخرقها و يبدلها بالحاءات السبع من الفضائل و هي: (الحكمة الحزم الحلم الحنان الحصافة الحياء الحب). و لذا يروي صاحب الوسائل عن الديلمي‌
قال: كان الصادق (عليه السلام) لا يسجد إلا على تراب من تربة الحسين (عليه السلام) تذلّلا للّٰه تعالى و استكانة إليه . و لم تزل الأئمة (عليه السلام) من أولاده و أحفاده تحرّك العواطف و تحفّز الهمم و توفّر الدواعي إلى السجود عليها و الالتزام بها و بيان تضاعف الأجر و الثواب في التبرّك بها و المواظبة عليها حتى التزمت بها الشيعة إلى اليوم هذا الالتزام مع عظيم الاهتمام.
و لم يمض على زمن الصادق (عليه السلام) قرن واحد حتى صارت الشيعة تصنعها ألواحا و تضعها في جيوبها كما هو المتعارف اليوم.
فقد روي في الوسائل عن الإمام الثاني عشر الحجة (عليه السلام) أن الحميري كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين قبر الحسين (عليه السلام) هل فيه فضل؟ فأجاب (عليه السلام): يجوز لك و فيه الفضل. ثم سأله عن السبحة فأجاب بمثل ذلك فيظهر أن صنع التربة أقراصا و ألواحا كما هو المتعارف اليوم كان متعارفا من ذلك العصر أي وسط القرن الثالث حدود المائتين و خمسين هجرية و فيها قال: روي عن الصادق (عليه السلام): «أن السجود على طين قبر الحسين ينوّر الأرضين السبع و من كانت معه سبحة من طين قبر الحسين كتب مسبحا و إن لم يسبح‌ فيها» و ليست أحاديث فضل هذه التربة الحسينية و قداستها منحصرة بالشيعة و أحاديثهم عن أئمتهم (عليه السلام) بل لها في أمهات كتب حديث علماء السنة شهرة وافرة و أخبار متضافرة و تشهد بمجموعها أن لها في عصر جده رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) نبأ شائعا و ذكرا واسعا و الحسين (عليه السلام) يومئذ طفل صغير يدرج. بل لعل بعضها قبل ولادته و النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) ينوّه بقتل الحسين (عليه السلام) و آل بيته و أنصاره فيها و إذا أردت الوقوف على صدق هذه الدعوى و مكانها من الصحة فراجع كتاب الخصائص الكبرى للسيوطي طبع حيدرآباد سنة 1320 ه‍ في باب أخبار النبي بقتل الحسين (عليه السلام) .
فقد روى فيه ما يناهز العشرين حديثا عن أكابر الثقات من رواة علماء السنّة و مشاهيرهم كالحاكم و البيهقي و أبي نعيم و أضرابهم عن أم الفضل بنت الحارث و أم سلمة و عائشة و أنس و أكثرها عن ابن عباس و أم سلمة و أنس صاحب رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و خادمه الخاص به. يقول الراوي في أكثرها: إنه دخل على رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) و الحسين في حجره و عينا رسول اللّٰه تهرقان الدموع و في يده تربة حمراء فيقول الراوي: ما هذه التربة يا رسول اللّٰه؟ فقال: أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا و أتاني بتربة من تربته حمراء و هي هذه. و في طائفة أخرى أنه يقتل بأرض العراق و هذه تربتها و أنه أودع تلك التربة عند أم سلمة زوجته فقال (صلّى اللّٰه عليه و آله): إذا رأيتيها و قد فاضت دما فاعلمي أن الحسين قتل. و كانت تتعهدها حتى إذا كان يوم عاشوراء عام شهادة الحسين وجدتها قد فاضت دما فعلمت أن الحسين قد قتل. بل في هذا الكتاب (الخصائص) و في (العقد الفريد) لابن عبد ربه أخرج البيهقي و أبو نعيم عن الزهري قال: بلغني أنه يوم قتل الحسين لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط .
و عن أم حيان: يوم قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثا و لم يمس أحدهم من زعفرانهم شيئا إلا احترق و لم يقلب حجر في بيت‌ المقدس إلا وجد تحته دم عبيط .
أما أحاديث التربة الحسينية و قارورة أم سلمة و غيرها و شيوع ذكرها في حياة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و إخباره عن فضلها و عن قتل الحسين (عليه السلام) فيها قبل ولادة الحسين (عليه السلام) و بعد ولادته و هو طفل صغير المروية في كتب الشيعة و التأريخ و المقاتل فهي كثيرة مشهورة متضافرة بل متواترة لو اجتمعت لجاءت كتابا مستقلا . و من باب الاستطراد و المناسبة نقول: إن نبينا (صلّى اللّٰه عليه و آله) كما أخبر بقتل ولده الحسين (عليه السلام) في كربلاء قبل وقوعه و دفع لزوجته أم سلمة من تربتها و أراها لجملة من أصحابه كذلك أخبر بحوادث كثيرة و وقائع خطيرة قبل وقوعها فوقع بعضها في حياته و بعضها بعد رحلته من الدنيا.
(فمن الأول) إخباره بفتح مكة و دخولهم المسجد الحرام آمنين مطمئنين كما في القرآن الكريم و إخباره بغلبة الروم على الفرس في بضع سنين كما في القرآن أيضا و إخباره بأن كسرى قد مات أو قتل و إخباره بالكتاب الذي مع حاطب بن بلتعة و كثير من‌ أمثالها.
(و من الثاني) إخباره بأن أصحابه يفتحون ممالك كسرى و قيصر و أن أصحابه يختلفون في الخلافة من بعده و إخباره بمقتل عثمان و شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) بسيف ابن ملجم و بسم ولده الحسن (عليه السلام) و غلبة بني أمية على الأمة و بشهادة قيس بن ثابت الشماس و بفتح الحيرة البيضاء و قضية المرأة التي و هبها لبعض أصحابه و لما فتح الحيرة خالد بن الوليد طلبها منه و استشهد بشاهدين من الصحابة فدفعها له و هي الشماء أخت عبد المسيح بن بقيلة كبير النصارى و قسهم الأعظم إلى كثير من أمثال هذه الوقائع التي لو جمعت لكانت كتابا مستقلا أيضا.
تتمة فيها فوائد مهمة
حيث أننا ذكرنا في صدر هذه النبذة الوجيزة جملا تتعلق بالأرض و أحوالها و ناحية من شئونها و خيراتها و بركاتها رأينا من المناسب تعميم الفائدة بالتوسع في ذكر نواح أخرى تتعلق بالأرض تشريعية أو تكوينية حسبما يخطر على البال مع جري القلم و لا ندعي الاستيعاب و الإحاطة فإنه يحتاج إلى استفراغ واسع لا يساعد عليه تراكم أشغالنا و وفرة أعمالنا و تهاجم العلل و الأسقام على قوانا و إنما‌ نذكر ما خطر و تيسر على جهة الأنموذج و لعل المتتبع يجد أكثر مما ذكرنا و يستدرك بالكثير و القليل علينا و باللّه المستعان و عليه التكلان.
الفائدة الأولى:
ورد في جملة من أخبارنا المروية في كتب الحديث المعتبرة بل هي أقصى مراتب الاعتبار و الوثاقة عندنا مثل كتاب (الكافي) الذي هو أجل و أوثق كتاب عند الشيعة الإمامية نعم ورد فيه و في أمثاله من الكتب العالية الرفيعة كعلل الشرائع للصدوق أعلى اللّٰه مقامه فضلا عن غيره من المتأخرين (كالبحار) و غيره عدة أخبار و لعل فيها الصحيح و الموثق مضمونها الشائع عند العوام أن الأرض يحملها حوت أو ثور وضعها على قرنه فإذا شاء أن تكون في الأرض زلزلة حرك قرنه فتزلزل الأرض مثل ما في (روضة الكافي)