الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

كلّ مَن وقف على ما سلف من هذه المُقدّمة يعلم أنّه لا وجه للإنكار علينا في مآتمنا المختصّة بسيّد الشهداء (عليه السّلام) ؛ ضرورة أنّه لا تشتمل إلاّ على تلك المطالب الخمسة وقد عرفت إباحتها بالنّسبة إلى مطلق الموتى من كافّة المؤمنين .
وما أدري كيف يستنكرون مآتم انعقدت لمواساة النّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) واُسّست على الحزن لحزنه ؟! أيبكي ـ بأبي هو واُمّي ـ قبل الفاجعة ونحن لا نبكي بعدها ؟! ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه والمقتصّ لأثره إنّ هذا إلاّ خروج عن قواعد المتأسّين بل عدول عن سنن النّبيِّين .
بكاء النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السّلام) في مصادر العامّة :
ألم يروِ الإمام أحمد بن حنبل من حديث عليٍّ (عليه السّلام) في مسنده 1 / 85 بالإسناد إلى عبد الله بن نجا عن أبيه : أنّه سار مع عليٍّ (عليه السّلام) فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين نادى : صَبراً أبا عبدِ اللهِ صبراً أبا عبدِ اللهِ بِشطِّ الفُرات . قال : قلتُ : وما ذاك ؟ قال (عليه السلام) : دَخلتُ على رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) ذاتَ يومٍ وعيناهُ تفيضان قلتُ : يا نبيَّ اللهِ ما شأنُ عينَيكَ تفيضان ؟ قال : قامَ من عندِي جبرئيلُ قبلُ فحدّثني أنّ ولدِي الحُسينَ يُقتل بشطِّ الفُراتِ . قال : فقال : هل لك إلى أنْ أشمّكَ مِنْ تُربتِهِ ؟ قال : قلتُ : نعمْ . فمدَّ يدَهُ فقَبضَ قبضةً مِن تُرابٍ فأعطانيهِ فلَمْ أملك عَينَيَّ إنْ فاضتا .
وأخرج ابن سعد كما في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر من الصواعق المحرقة لابن حجر عن الشعبي قال : مرّ عليٌّ (رضي الله عنه) بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى فوقف وسأل عن اسم الأرض فقيل : كربلاء . فبكى حتّى بلّ الأرض من دموعه ثمّ قال : دَخلتُ على رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) وهو يبكِي فقلتُ : ما يُبكيك ـ بأبي أنت واُمّي ـ ؟ قال : كانَ عندي جِبرائيلُ آنفاً وأخبرني أنّ ولديَ الحسينَ يُقتلُ بشاطئِ الفُراتِ بمَوضعٍ يُقال لَهُ كربَلاء.
وأخرج الملاّ كما في الصواعق أيضاً : أنّ عليّاً مرّ بموضع قبر الحسين (عليهما السّلام) فقال : ها هُنا مناخُ ركابِهمْ وها هُنا موضِعُ رحالِهمْ وها هُنا مِهراق دِمائِهمْ ؛ فتيةٌ مِن آلِ مُحمّدٍ يُقتلون بهذهِ العرصة تبكِي عليهم السّماءُ والأرضُ .
ومن حديث اُمّ سلمة كما نصّ عليه ابن عبد ربّه المالكي حيث ذكر مقتل الحسين (عليه السلام) في الجزء الثاني من العقد الفريد قالت : كان عندي النّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) ومعي الحسين (عليه السلام) فدنا من النّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) فأخذته فبكى فتركته فدنا منه (صلى الله عليه واله) فأخذته فبكى فتركته فقال له جبرئيل : أتحبّهُ يا محمّد ؟ قال : نَعَم . قال : أما إنّ اُمّتك ستقتله وإنْ شئتَ أريتك الأرض التي يُقتل بها . فبكى النّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) .
وروى الماوردي الشافعي ـ في باب إنذار النّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) بما سيحدث بعده من كتابه أعلام النبوّة ـ عن عروة عن عائشة قالت : دخل الحسينُ بن عليٍّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يوحى إليه فقال جبرائيل : إنّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك . ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء وقال : في هذه يُقتل ابنك اسمها الطفِّ . قال : فلمّا ذهب جبرائيل خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى أصحابه والتربة بيده وفيهم : أبو بكر وعمر وعليٌّ (عليه السلام) وحذيفة وعثمان وأبو ذر وهو يبكي فقالوا : ما يُبكيك يا رسول الله ؟ فقال : أخبَرني جِبرائيلُ : أنّ ابني الحسَينَ يُقتل بَعدي بأرضِ الطَّفِّ وجاءني بِهذهِ التُّربةِ فأخبَرَنِي أنّ فيها مَضجَعهُ .
وأخرج الترمذي كما في الصواعق وغيرها : أنّ اُمّ سلمة رأت النّبيَّ (صلّى الله عليه وآله) فيما يراه النائم باكياً وبرأسه ولحيته التراب فسألته فقال (صلى الله عليه واله) : قُتلَ الحُسينُ آنفاً .
قال في الصواعق : وكذلك رآه ابن عبّاس نصف النّهار أشعثاً أغبراً بيده قارورة فيها دم يلتقطه فسأله فقال (صلى الله عليه واله) : دَمُ الحُسينِ وأصحابِهِ لَم أزَلْ أتتبّعه مُنذُ اليومِ . قال : فنظروا فوجدوه قد قُتل في ذلك اليوم .
بكاء النّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السّلام) في مصادر الشيعة :
وأمّا صحاحنا فإنّها متواترة في بكائه (صلّى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السّلام) في مقامات عديدة : يوم ولادته وقبله ويوم السّابع من مولده وبعده في بيت فاطمة وفي حجرته
وعلى منبره وفي بعض أسفاره .
تارة يبكيه وحده يُقبّله في نحره ويبكي ويُقبّله في شفتَيه ويبكي وإذا رآه فَرِحاً يبكي وإذا رآه حَزِناً يبكي ؛ بل صحّ أنّه قد بكاه : آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وزكريّا ويحيى والخضر وسليمان (عليهم السّلام) . وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانّه من كتب الحديث .
إقامة الأئمّة (عليهم السّلام) المأتم على الحسين (عليه السّلام) وحث أولياؤهم على ذلك وأمّا أئمّة العترة الطاهرة (عليهم السّلام) الذين هم كسفينة نوح وباب حطّة وأمان أهل الأرض وأحد الثقلين اللذين لا يضلّ مَن تمسّك بهما ولا يهتدي إلى الله من صدّ عنهما فقد استمرّت سيرتهم على النّدب والعويل وأمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن جيلاً بعد جيل .
فعن الصادق (عليه السّلام) فيما رواه ابن قولويه في الكامل وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهما : إنَّ عليَّ بنَ الحسين (عليهما السّلام) بكى على أبيهِ مُدّةَ حياتِهِ وما وُضِعَ بَينَ يدَيهِ طعامٌ إلاّ بكى ولا اُتِيَ بشرابٍ إلاّ بكى حتّى قال له أحدُ مواليه: جُعلتُ فِداك يابن رسولِ الله إنّي أخافُ أنْ تكون مِنَ الهالكين . قال (عليه السّلام) : إنّما أشكو بثِّي وحُزني إلى الله وأعلمُ مِن اللهِ ما لا تَعلمونَ .
وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضاً وغيرهما : أنّه لمّا كثر بكاؤه قال له مولاه : أما آنَ لحُزنك أنْ ينقضي ؟ فقال : وَيحَك ! إنّ يعقوبَ (عليه السّلام) كانَ لَه اثنا عَشرَ وَلداً فَغيّبَ اللهُ واحداً مِنهُمْ فابيضّتْ عَيناهُ مِنْ كثرةِ بُكائِهِ عليهِ واحدَودَب ظهرُه مِن الغَمِّ وابنُه حَيٌّ في الدُّنيا وأنا نَظرتُ إلى أبي وأخي وعمومَتي وسبعةَ عشرَ مِن أهلِ بَيتي مقتولين حَولي فَكيف ينقَضي حُزني ؟! .
وعن الباقر (عليه السّلام) قال : كانَ أبي عليُّ بنُ الحسينِ (صَلواتُ اللهِ عليهِ) يقول : أيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه لِقتلِ الحسين بن عليٍّ (عليه السّلام) دَمعةً حتّى تسيلُ على خَدّه بوّأه اللهُ تعالى في الجنّةِ غُرفاً يسكنها أحقاباً .
وأيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه حتّى تَسيلَ على خدِّه فينا لأذىً مَسّنا مِن عدوِّنا في الدُّنيا بوّأه الله في الجنَّة مبوّأ صِدقٍ وأيّما مُؤمنٍ مَسّهُ أذىً فينا فدمعت عيناه حتّى تسيلَ على خدِّه صرفَ اللهُ عن وجههِ الأذى وآمنَهُ يومَ القيامةِ مِن سخطهِ والنّارِ .
وقال الرضا (عليه السلام) وهو الثامن من أئمّة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم) : إنّ المُحرّمَ شهرٌ كان أهلُ الجاهليّة يُحرّمونَ فيه القتالَ فاستُحلَّتْ فيه دِماؤنَا وهُتكتْ فيه حُرمتُنَا وسُبيتْ فيه ذرارينَا ونساؤنَا واُضرِمتْ فيه النّارُ في مَضارِبنَا وانتُهبَ ما فيها مِن ثقلِنا ولَمْ ترعَ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) حُرمةٌ في أمرِنا .
إنّ يومَ الحُسينِ أقرحَ جفونَنا وأسبلَ دموعَنا وأذلّ عزيزَنا . . . . فَعلى مثلِ الحسينِ فليبكِ الباكون ؛ فإنّ البكاءَ عليه يحطّ الذنوبَ العِظام . ثمّ قال (عليه السّلام) : كانَ أبي إذا دخلَ شهرُ المُحرّمِ لا يُرى ضاحِكاً وكانت الكآبةُ تغلبُ عليه حتّى يمضي منه عشرةُ أيّام فإذا كانَ يوم العاشرِ كانَ ذلك اليوم يومَ مصيبتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ . وقال (عليه السّلام) : مَنْ تذكَّرَ مُصابَنا وبكى لِما ارتُكِبَ منّا كانَ معنا في درجتِنَا يومَ القيامةِ ومَن ذكَر مُصابَنَا فَبكى وأبكى لَم تبكِ عينُهُ يومَ تبكي العيونُ ومَنْ جَلَس مَجلِساً يُحيَى فيهِ أمرُنا لَم يمُتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ .
وعن الريّان بن شبيب فيما أخرجه الشيخ الصدوق في العيون قال : دخلتُ على الرِّضا (عليه السّلام) في أوّل يوم من المُحرّم فقال لي : يابنَ شَبيب إنّ المُحرّمَ هو الشّهرُ الذي كانَ أهلُ الجاهليّةِ فيما مَضى يُحرّمون فيهِ الظُّلمَ والقِتالَ لِحُرمَتِهِ فَما عرفتْ هذه الاُمّةُ حُرمةَ شهرِها ولا حُرمَةَ نبيِّها (صلّى الله عليه وآله) ; إذ قَتلوا في هذا الشَّهرِ ذُرِّيَّتهُ وسَبَوا نساءَه وانتهبُوا ثِقلَهُ . . . يابنَ شَبيب إنْ كُنتَ باكِياً لِشيءٍ فابكِ لِلحسينِ (عليه السّلام) ؛ فإنّه ذُبِحَ كما يُذبَحُ الكَبشُ وقُتِل معه مِن أهلِ بيتهِ ثمانيةَ عشرَ رجلاً ما لَهُمْ في الأرضِ مِنْ شَبيهٍ ولَقد بَكتْ السّماواتُ السَّبع لِقتلِه ... .
إلى أنْ قال : يابنَ شَبيب إنْ سَرّكَ أنْ تكونَ معنا في الدَّرجاتِ العُلا من الجنانِ فاحزَنْ لِحُزنِنا وافرَحْ لِفَرحِنا وعليكَ بولايَتِنا ... .
وقال (عليه السّلام) فيما أخرجه الصدوق في أماليه : مَن تَركَ السَّعيَ في حوائِجِهِ يومَ عاشوراء قضَى اللهُ لهُ حوائجَ الدُّنيا والآخِرةِ ومَن كانَ يومُ عاشوراء يومَ مُصيبَتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ ، جعلَ اللهُ عزّ وجل يومَ القيامةِ يومَ فَرحِهِ وسرورِهِ وقرّت بنا في الجنانِ عينُه ... .
وبكى (صلوات الله عليه) إذ أنشده دعبل بن عليٍّ الخُزاعي قصيدته التائيّة السائرة التي اُغمي عليه في أثنائها مرّتين كما نصّ عليه الفاضل العبّاسي في ترجمة دعبل من معاهد التنصيص وغيره من أهل الأخبار .
وفي البحار وغيره : أنّه (عليه السّلام) أمر ـ قبل إنشادها ـ بسترٍ فضُرب دون عقائله فجلسنَ خلفه يسمعن الرثاء ويبكينَ على جدّهن سيد الشهداء (عليه السلام) وأنّه قال يومئذ : يا دِعبلُ مَن بَكى أو أبكَى على مُصابِنا ولَو واحداً كانَ أجرُهُ على اللهِ . يا دعبلُ مَنْ ذرفتْ عَيناهُ على مُصابِنا حشرَه اللهُ مَعنا .
وحدّث محمّد بن سهل كما في ترجمة الكميت من معاهد التنصيص قال : دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام) في أيّام التشريق فقال له : جُعلت فداك ! ألا أنشدك ؟ قال : إنّها أيّامٌ عِظام . قال : إنّها فيكم . قال (عليه السلام) : هاتْ . وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب فأنشده في رثاء الحسين (عليه السّلام) فكثر البكاء حتّى أتى على هذا البيت :
يُصيبُ به الرَّامُونَ عَنْ قَوسِ غَيرِهِمْ فَيَا آخِراً أسدَّى له الغَيَّ أوَّلُ
قال : فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يدَيهِ فقال : اللهمّ اغفِرْ للكُميتْ ما قدَّمَ وما أخّرَ وما أسرَّ وما أعلنَ حتّى يَرضَى .
وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى عبد الله بن غالب قال : دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السّلام) فأنشدتُه مرثيّة للحسين (عليه السّلام) فلمّا انتهيتُ إلى قولي :
لبليّة تسقو حُسيناً بمسقاةِ الثَّرى غير التُّرابِ
صاحت باكية من وراء الستر : يا أبتاه ! .
وروى الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال وابن قولَويه بأسانيد معتبرة عن أبي عمارة قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السّلام) : يا أبا عُمارة أنشِدْني في الحسين (عليه السلام) . فأنشدته فبكى ثمّ أنشدته فبكى . قال : فو الله . ما زِلتُ أنشده وهو يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار . قال : فقال لي : يا أبا عُمارة مَن أنشدَ في الحسينِ بن عليٍّ (عليهما السّلام) فأبكى خمسينَ فلَهُ الجنّة ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى ثلاثينَ فلَه الجنّة ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرينَ فله الجنّة ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرةً فله الجنّة ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى واحداً فله الجنّة ومَن أنشدَ في الحسينِ فبكى فَلَهُ الجنّة ومَن أنشدَ في الحسينِ فتباكى فلَه الجنّة .
وروى الصدوق في ثواب الأعمال بالإسناد إلى هارون المكفوف قال : دخلتُ على أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) فقال لي : يا أبا هارونَ أنشِدْني في الحسين (عليه السّلام) . فأنشدته فقال لي : أنشِدْني كما تُنشدونَ ـ يعني بالرقّة ـ . قال : فأنشدته :
اُمرُرْ على جَدثِ الحُسيـْـنِ فقُلْ لأعظُمِهِ الزَّكيّهْ
قال : فبكى ثمّ قال : زدني . فأنشدته القصيدة الاُخرى . قال : فبكى وسمعتُ البكاء من خلف السّتر . قال : فلمّا فرغت قال : يا أبا هارونَ مَن أنشدَ في الحُسينِ فبكَى وأبكَى عشرةً كُتبتْ لهُمْ الجنّة . . . إلى أنْ قال : ومَن ذُكر الحسينُ عندَه فخرجَ مِنْ عَينَيهِ مِنَ الدَّمعِ مقدارُ جناحِ ذبابةٍ كانَ ثوابُهُ على اللهِ عزّ وجل ولم يرضَ له بدونِ الجنّةِ .
وروى الكشِّي بسند معتبر عن زيد الشحّام قال : كنّا عند أبي عبد الله (عليه السّلام) فدخل عليه جعفر بن عثمان فقرّبه وأدناه ثمّ قال : يا جعفر . قال : لبّيك جعلني الله فداك . قال: بلَغنِي أنّكَ تقولُ الشّعرَ في الحُسينِ (عليه السّلام) وتُجيدُ . فقال له : نعم جعلني الله فداك . قال : قُلْ . فأنشدته فبكى ومَن حوله حتّى صارت الدموع على وجهه ولحيته ثمّ قال : يا جعفرُ واللهِ لقد شهَدتْ الملائكةُ المُقرَّبونَ ها هُنا يسمعون قولَك في الحسينِ (عليه السّلام) ولقد بكَوا كَما بَكينا وأكثر . . . إلى أنْ قال : ما مِن أحدٍ قالَ في الحُسينِ شعراً فبكَى وأبكَى بهِ إلاّ أوجب اللهُ لَه الجنّةَ وغَفَرَ لَهُ .
وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر حديثاً عن الصادق (عليه السّلام) جاء فيه : وكانَ جدّي عليُّ بنُ الحُسينِ (عليهما السّلام) إذا ذكرَه ( يعني : الحسين (عليه السّلام) ) بَكى حتّى تملأ عيناه لحيته وحتّى يبكي لِبكائِهِ ـ رَحمةً لَه ـ مَنْ رآه وأنّ الملائِكَةَ الذين عند قبرِهِ لَيبكون فيبكي لِبكائِهمْ كُلُّ مَن في الهواء والسّماء . وما مِن باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصلَ فاطمةَ وأسعدَها ووصلَ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) وأدّى حقّنا ... .
وفي قرب الإسناد عن بكر بن محمّد الأزدي قال : قال أبو عبد الله الصادق (عليه السّلام) لفضيل بن يسار : أتجلسون وتُحدّثون ؟ . قال : نعم جعلتُ فداك . قال (عليه السّلام) : إنّ تلكَ المجالِسَ اُحبُّها فأحيوا أمرَنا ؛ فرَحمَ اللهُ مَن أحيا أمرَنا . يا فُضيلُ مَن ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عندهُ فخرجَ مِن عَينِهِ مثلُ جناحِ الذُّباب غفرَ اللهُ له ذنوبَه .
وفي خصال الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال : إنّ اللهَ تبارَك وتعالى اطّلَعَ إلى الأرضِ فاختارَنا واختارَ لَنا شيعةً يَنصرونَنا ويفرحونَ لِفَرَحِنا ويَحزَنونَ لِحُزنِنا ويَبذلون أموالَهُمْ وأنفُسَهمْ فِينا أُولئِكَ مِنّا وإلَينا .
وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى أبي عمارة المنشد قال : ما ذُكر الحسينُ (عليه السّلام) عند أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) في يوم قط فرؤيَ مُتبسِّماً في ذلك اليوم إلى الليل .
قال : وكان أبو عبد الله (عليه السّلام) يقول : الحسينُ (عليه السلام) عَبرَةُ كُلِّ مُؤمنٍ .
وفيه بالإسناد إلى الصادق (عليه السّلام) قال : قال الحسينُ (عليه السّلام) : أنا قتيلُ العَبرَة لا يَذكُرنِي مُؤمِنٌ إلاّ استعبَرَ .
إلى غير ذلك من صحاح الأخبار المتواترة عن الأئمّة الأبرار(عليهم السّلام) .