الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

أمّا حُزن الصحابة ـ ومَن على شاكلتهم، ونياحتهم على الإمام الشهيد (عليه السلام) وفي مختلف العصور والأدوار ـ فقد مَلأت أخبارها بطون الكتب والأسفار، وتحدّث بها الركبان، وتناقَلتها الألسِنة.
وقد بَدأ ذلك منذ وقوع الحادث المفجع وحتى الوقت الحاضر، ولم تقتصر هذه النياحات على فئة خاصة، من: المشايخ، والصحابة، والأمراء، والوزراء، والعلماء، والعظماء، والأماجد، بل شملت جميعهم..
وفيما يلي نأتي على ذكر طائفة قليلة من أسماء هؤلاء الذين ناحوا على الحسين وبكوه ورثوه وحزنوا عليه، منذُ اليوم الذي احتُز رأسه في ساحة كربلاء، ثُمّ نُقل إلى الكوفة، ثُمّ إلى دمشق وغيرها من المُدن والأمصار وخاصّة منهم مَن كان قريب عهد بتلك المجزرة الرهيبة..
1 ـ جاء في (الصواعق المحرقة) لابن حجر، و(تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي، وغيرهما من رواة الحديث السُنّة: أنّه روى ابن أبي الدنيا عند ذكر وضع رأسه الحسين (عليه السلام) بين يدي ابن زياد في الكوفة، وضربهُ ثنايا الإمام (عليه السلام) بالقضيب ما نصّه: إنّه كان عند ابن زياد الصحابي زيد بن الأرقم، فقال لابن زياد: ارفع قضيبك، فو الله لطالَما رأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقبِّل ما بين هاتين الشَفَتين، ثُمّ جعلَ زيد يبكي. فقال له ابن زياد: أبكى الله عينك، لولا أنّك شيخٌ قد خَرفتَ لضربتُ عُنقك. فنهضَ زيد وهو يقول: أيّها الناس، أنتم العبيد بعد اليوم، قَتلتم ابن فاطمة وأمّرتُم ابن مرجانة، والله ليقتلنّ خياركم، وليستعبدنّ شِراركم، فبُعداً لمَن رضيَ بالذل والعار.
ثُمّ قال: يا بن زياد، لأحدِّثنّك بما هو أغلظ عليك من هذا: رأيتُ رسول الله أقعدَ حَسَناً على فخذه اليمنى، وحُسيناً على فخذه اليسرى، ثُمّ وضعَ يده على يافوخيهما، ثُمّ قال: اللهمّ إنّي أستودعُك إيّاهما وصالحَ المؤمنين)، فكيف كانت وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندكَ يا بن زياد؟.. .
ونقلَ هذا الحادث الطبري أيضاً بسنده عن حميد بن مسلم، وأورده ابن الأثير في تاريخه باختصار، وكذا أبو حنيفة الدينوري في (الأخبار الطوال)، وكذا (منتخب كنز العمّال) للشيخ علي الهندي، ولكن بعبارات قليلة الاختلاف.
2 ـ ومن التابعين الذين بكوا الحسين بغزارة الحسن البصري، ففي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي: قال الزهري: (لمّا بلغَ الحسن البصري قتلَ الحسين بكى حتى اختلج صدغاه، ثُمّ قال: وأذل أُمّة قَتلت ابن بنت نبيّها، والله ليردّنّ رأس الحسين إلى جسده، ثُمّ لينتقمنّ له جدّه وأبوه من ابن مرجانة).
3 ـ وممّن بكى الحسين ـ وكان قد رآه قبل استشهاده ـ أم سلمة زوجة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والربيع بن خيثم، وأنس بن مالك وغيرهم.
فقد جاء في الصفحة (67) من كتاب (إقناع اللائم) ما عبارته: وفي تذكرة الخواص: ذكرَ ابن سعد عن أُم سلمة أنّها لمّا بَلغها قتلَ الحسين قالت: أوَ فعلوها؟ مَلأ الله قبورهم ناراً، ثُمّ بكت حتى غُشي عليها..)، ونُقلَ هذا الخبر في (الصواعق المحرقة) لابن حجر.
ويستطرد (إقناع اللائم) فيقول: ومن الصحابة الذين بكوا الحسين أنس بن مالك، ففي (الصواعق المحرقة): ولمّا حُملَ رأسه ـ رأس الحسين ـ لابن زياد، جعلهُ في طست، وجعلَ يضرب ثناياه بقضيب ويُدخله في أنفه، ويقول: ما رأيتُ مثلَ هذا حُسناً، إنّه كان لحُسن الثغر، وكان عنده أنس بن مالك فبكى وقال: أشبَهَهم برسول الله ، وروى هذا الحديث الترمذي وغيره.
4 ـ وفي الصفحة (71) من (إقناع اللائم) ما نصّه: ومن الأُلى الذين بكوا على الحسين الربيع بن خيثم، ففي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي الحنفي ما نصّه: قال الزهري: لمّا بلغَ الربيع بن خيثم قتلَ الحسين بكى وقال: لقد قَتلوا فتية لو رآهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأحبّهم وأطعَمهم بيده، وأجلَسهم على فخذه.
5 ـ وجاء في الصفحة (156) من الكتاب نفسه ما عبارته: وقال جعفر بن عفّان، وهو من أصحاب الصادق جعفر بن محمد، يرثي الحسين:
ليبكِ على الإسلام مَن كان باكياً فقد ضُيّعت أحكامه واستحلّت
غداة حسين للرماح دريئة وقد نَهلت منه السيوف وعلّت
وغودرَ في الصحراء لحماً مبدّداً عليه عناق الطير باتت وظلّت
فما نَصَرتهُ أُمّة السوء إذ دعا لقد طاشت الأحلام منها وضلّت
ألا بل محوا أنوارهم بأكفّهم فلا سَلمت تلك الأكف وشلّت
وناداهم جهداً بحق محمد فإنّ ابنه من نفسه حيث حلّت
فلا حفظوا قربى الرسول ولا رعوا وزلّت بهم أقدامهم واستزلّت
أذاقته حرّ القتل أُمّة جدّه هفت نعلها في كربلاء وزلّت
فلا قدّسَ الرحمان أُمّة جدّه وإن هي صامت للإله وصلّت
كما فُجعت بنت الرسول بنسلها وكانوا حُماة الحرب حيث استقلّت
6 ـ وممّن بكى الحسين ورثاه الإمام الشافعي، ففي الصفحة (157) من الكتاب نفسه ما عبارته:
وفي البحار: عن بعض كتب المناقب القديمة: أخبَرَني سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي، عن محيي السنّة أبي الفتح أحاد قال: أنشَدَني أبو الطيّب البابلي، أنشَدَني أبو النجم بدر بن إبراهيم بالدينور، للشافعي محمد بن إدريس، وفي ينابيع المودّة قال الحافظ جمال الدين الزرندي المدني في كتاب (معراج الوصول في معرفة آل الرسول): نقلَ أبو القاسم الفضل بن محمد المستحلي: إنّ القاضي أبا بكر سهل بن محمد حدّثه قال: قال أبو القاسم بن الطيّب: بَلَغني أنّ الشافعي أنشدَ هذه الأبيات.
أقول: وأوردَها ابن شهر آشوب في المناقب للشافعي، وهي:
تأوّب همّي والفؤاد كئيب وأرّق عيني والرقاد غريب
وممّا نَفى جسمي وشيّب لمّتي تصاديف أيّام لهنّ خُطوب
فمَن مبلِّغ عنّي الحسين رسالة وإن كرَهتها أنفس وقلوب
قتيلاً بلا جرم كأنّ قميصه صبيغٌ بماء الأرجوان خضيب
وللسيف إعوال وللرمح رنّة وللخيل من بعد الصهيل نحيب
تزَلزلت الدنيا لآل محمّد وكادت لها صم الجبال تذوب
يصلّى على المهدي من آل هاشم ويُغزى بنوه إنّ ذا لعجيب
لئن كان ذنبي حبّ آل محمد فذلك ذنبٌ لستُ منه أتوب
نُصلّي على المختار من آل هاشم ونعزّي بنيه إنّ ذلك عجيب
هم شُفعائي يوم حشري وموقفي وحبّهم للشافعي ذنوب
7 ـ وقال مؤلِّف (إقناع اللائم) في الصفحة (159) ما نصّه:
قال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص: ذكر جدّي في كتاب التبصرة قال: إنّما سارَ الحسين إلى القوم؛ لأنّه رأى الشريعة قد دُثرت فجدّ في رفع قواعد أصلها، فلمّا حصروه فقالوا له: انزِل على حكم ابن زياد، فقال: لا أفعل، واختارَ القتل على الذل، وهكذا النفوس الأبيّة ، ثُمّ أنشدَ جدّي (رحمه الله):
ولمّا رأوا بعض الحياة مذلّة عليهم وعزّ الموت غير محرّم
أبَوا أن يذوقوا العيش والذلّ واقع عليه وماتوا ميتة لم تُذمم
ولا عجبَ للأسد إن ظَفَرت بها كلاب الأعادي من فصيح وأعجم
فحربةُ وحشي سقَت حمزة الرَدى وحتفُ علي من حسام ابن ملجم
8 ـ جاء في الصفحة (22) من تاريخ (الكامل) لابن الأثير، المجلّد الثامن، في حوادث سنة (294 هـ)، ما نصّه: لمّا توفيَ القدّاح قام بعده ابنه أحمد، وصَحبهُ إنسان يقال له: رستم بن راذان النجار، من أهل الكوفة، وكانا يقصدان المشاهد. وكان باليمن رجل اسمه محمد بن الفضل، كثير المال والعشيرة، من أهل الجند، يتشيّع، فجاء إلى مشهد الحسين بن علي يزوره، فرآه أحمد ورستم يبكي كثيراً، فلمّا خرجَ اجتمعَ به أحمد وطمعَ فيه لمَا رأى من بكائه، وألقى إليه مذهبه فقبلهُ، وسُيّر معه النجار إلى اليمن .
9 ـ في الصفحة (526) من كتاب (مقاتل الطالبيين) السالف الذكر، في حوادث سنة (199 هـ)، عند ذكر قصّة لحاق أبي السرايا السري بن المنصور بمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا، وقيامهما ضدّ السلطة العباسيّة، قوله: وأقبلَ أبو السرايا على طريق البرّ حتى وردَ عين التمر ـ وهي شفاثا الحاليّة بالعراق ـ في فوارس معه لا راجل فيهم، وأخذَ على النهرين حتى وردَ إلى نينوى، فجاء إلى قبر الحسين (عليه السلام)، قال نصر بن مزاحم: فحدّثَني رجل من أهل المدائن قال: إنّي لعندَ قبر الحسين في تلك الليلة وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر، إذ بفرسان قد أقبلوا فترجّلوا، ودَخلوا إلى القبر، فسلّموا، وأطالَ رجلٌ منهم الزيارة، ثُمّ جعلَ يتمثل بأبيات منصور بن الزبرقان الثمري وهو يبكي:
نفسي فداء الحسين يوم عدا إلى المنايــا عَــدوَ الأقافل
ثُمّ أقبلَ عليّ وقال: ممّن الرجل؟ قلتُ: رجل من الدهّاقين من أهل المدائن.
10 ـ في الصفحة (21) من كتاب (مدينة الحسين) المارّ ذكره ما عبارته: روى الطوسي في أماليه، بسنده عن أبي علي القماري , وممّا يجب الإشارة إليه في هذه الفترة من الزمن: أنّه في حوادث أواسط المائة الثانية من الهجرة سألَ أحد المسيحيين المدعو يوحنّا بن سرافيون بن موسى بن سريع، أحد زملائه من المسلمين: لمَن هذا القبر الذي يحجّه المسلمون على شاطئ الفرات؟ فقيلَ له: قبرُ الإمام الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) قتيل الطف.
فعند ذلك خرجَ يوحنّا قاصداً كربلاء في صفوف الزائرين، وشاهدَ ما يعمله المسلمون المحبّون لأهل البيت من النياح والبكاء عند القبر المطهّر، ثُمّ يتبرّكون بتربة القبر.. وعلى أثره استسلمَ يوحنّا وأخذَ يزور قبر الحسين كلّ مرّة مع الزائرين والوافدين الذين يقصدون زيارة قبر الحسين (عليه السلام)).
11 ـ وفي الصفحة (110) من الكتاب نفسه ما عبارته: كما روى ابن الأثير: إنّه وفدَ إلى كربلاء، صبيحة يوم عرفة سنة (296 هـ)، أحد أقطاب الشعوبيين المدعو أحمد بن عبد الله القدّاح ابن ميمون الديصان وبرفقته أحد دعاتهم، المدعو رستم بن الحسين النجار ابن جوشب بن دادان الكوفي، وصادفَ ـ عند وصولهم الحائر ـ وجود محمد بن الفضل اليماني، الذي كان قادماً من اليمن لزيارة قبر الحسين، ومحمد هذا من رجال المال والثراء والعشيرة في اليمن، يتبعه كثير من الجُند والخيل، فشاهدهُ يُكثر البكاء عند قبر الحسين، فاستغلّ ابن القدّاح كثرة بكائه، ولمّا انتهى من الزيارة وهمّ بالخروج من الحائر تبعهُ حتى اجتمع إليه وأفشى له سرّه، مُعلِناً له مطالبته بدم الحسين، الأمر الذي دعا بمحمد أن يطاوعه وراحَ يشدّ أزرهم بماله ورجاله، فتعاقدوا على بث الدعاية للخليفة الفاطمي، محمد بن عبيد الله بن أحمد بن حسين بن عبد الله، بن محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق القائم بالقيروان .
12 ـ وجاء في الصفحة (119) من الكتاب نفسه ما هو آت، عند ذكر زيارة الأمير دبيس بن صدقة بن منصور، بن دبيس بن علي بن فريد، أبو الأغر الأسدي، للمرقد الحسيني سنة (513 هـ) قال: ولمّا وردَ كربلاء دخلَ إلى الحائر الحسيني باكياً حافياً، متضرِّعاً إلى الله أن يمنّ عليه بالتوفيق، وينصره على أعدائه... .
هذه نبذة موجزة جداً عن أسماء بعض الصحابة والتابعين والأُمراء وغيرهم، ممّن زاروا قبر الحسين بكربلاء وبكوه ورثوه، جئتُ بها على سبيل الإيجاز، إذ لو أردتُ إيراد التفاصيل في هذا الفصل لطالَ بي الكلام.