الدروس المستخلصة منها
الاسباب و الاهداف

[قال جعفر سبحاني : ] نشير إلى بعض الوثائق الحية التي تمثّل درجة اهتمام الإمام الحسين (عليه السَّلام) بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ثورته لكي تتضح إجابة التساؤل الثالث أيضاً.
الف : وصية الإمام الدينية السياسية
كتب الإمام الحسين (عليه السَّلام) قبل أن يترك المدينة وصية إلى أخيه محمد بن الحنفية ذكر خلالها انّه خرج لإصلاح الأُمّة الإسلامية، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء سيرة جدّه وأبيه، وقد كتب بعد أن بين عقيدته في التوحيد والنبوة والمعاد بهذا النحو: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي وأبي، أُريد أن آمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحقّ فاللّه أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يحكم اللّه بيني و بين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
وكما نلاحظ انّ الإمام حصر دوافع ثورته في أربعة أُمور:
أ. اصلاح الأُمّة .
ب. الأمر بالمعروف.
ج. النهي عن المنكر.
د. السير على سيرة جده (صلَّى الله عليه وآله) وأبيه علي (عليه السَّلام) وإحياء سنّتهما.
ب : السكوت الذي لا يغفر
عندما انطلق الإمام الحسين نحو العراق نزل بمكان يسمّى بيضة وخطب بأصحابه وأصحاب الحر خطبة بيّن خلالها دوافع ثورته: «أيّها الناس انّ رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله) قال: من رآى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على اللّه أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام اللّه وحرّموا حلاله وأنا أحقّ مَنْ غيّر».
ج : تضييع السنّة وإشاعة البدع
أرسل الإمام الحسين (عليه السَّلام) بعد دخوله إلى مكة رسالة إلى رؤساء قبائل البصرة وبعد أن أشار إلى عهد الخلفاء الماضين الذين عزلوا أئمّة الإسلام الحقيقيّين عن القيادة السياسية والذين اختاروا الصمت حفاظاً على وحدة الأُمّة ومصالح الإسلام العليا وكتب فيها: «وقد بعثت برسولي هذا إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه (صلَّى الله عليه وآله) ، فإنّ السنّة قد أُميتت، وانّ البدعة قد أُحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته».
د : ألا ترون أنّ الحق لا يعمل به؟
وخطب الحسين (عليه السَّلام) في مسيره إلى العراق بمكان يدعى «ذي حُسُم» بأصحابه وقال: «إنّ هذه الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها، فلم يبقى منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس العيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحقّ، لا يعمل به وانّ الباطل لا ينتهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقاً فأنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برما، انّ الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محصّوا بالبلاء، قلّ الديانون».