الدروس المستخلصة منها
الاسباب و الاهداف

قبل الحديث عن رأي الدكتور صبحي و غيره في التفسير الشيعي لمقتل الحسين (عليه السلام) أود أن أشير إلى رأي الشيعة في مقتل الحسين كما يعتقده الشيعة و إن كنت قد تحدثت عن ذلك خلال الفصول السابقة بما يكفي لدحض مزاعم المفترين الذين يحاولون تشويه العقيدة الشيعية بقصد أو بدون قصد لوجود بعض المرويات بين أحاديثهم لا يعتمد عليها الشيعة و لا يحسبون لها حسابا، و التمني على المؤلفين في هذه المواضيع أن لا يتسرعوا في أحكامهم قبل التتبع و التحقيق حتى لا تأتي أحكامهم بهذا المستوى الرخيص.
يعتقد الشيعة ان الحسين بن علي (عليه السلام) هو الإمام الثالث بعد أبيه و أخيه الحسن و قد نص على إمامته و إمامة أخيه الحسن (عليه السلام) جدهما المصطفى (صلى اله عليه واله) في حديث قد اشتهر بين جميع المحدثين من سنيين و شيعيين و صححه أكثر محدثي السنّة، الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا، و قد ذكرناه من مصادره في الفصول الأولى من هذا الكتاب، كما ذكرنا بعض ما جاء عن جده فيه و في أخيه و أبيه من المرويات التي تكاد أن تكون متواترة في معناها.
و كان المسلمون طيلة حياته يقدسونه و يعظمونه و يرون فيه شبه جده لا لأنه ابن الرسول المقرب، بل لأنه كان يجسد سيرة جده و تعاليم الإسلام و المثل العليا في سيرته و سلوكه و جميع مواقفه كما أشرنا إلى بعض هذه الجوانب من سيرته خلال حديثنا عنه في الفصول السابقة.
و لما اصبح الحكم بيد الأمويين و أسرفوا في تعاطي المنكرات، و استهتروا بالقيم و تعاليم الإسلام، و مارسوا أسوأ أنواع الظلم و الجور مع الصلحاء و الأبرياء و لاذ المسلمون بالحسين حفيد الرسول و حامي الشريعة لم يجد بدأ من الوقوف في وجه اولئك الطغاة مهما كلفه ذلك من ثمن، و قد استعرض جميع جوانب الموقف السلبي من حكومة يزيد بن معاوية و جميع ما يمكن ان ينتجه من الآثار لمصلحة الإسلام، فلم يجد أجدى و أنفع من تضحيته بنفسه و بتلك الحفنة من بنيه و أهل و أنصاره و تعريض نسائه و أطفاله للسبي من بلد إلى بلد، فمضى بمن معه من بنيه و اخوته و بني عمومته و أصحابه و هو على بينة من أمره و يقين من مصيره غير مبال بنصح من نصحه بعدم الخروج و لا بلوم من لامه عليه فعاش بطلا و مات بطلا و أبى الا أن يكون القدوة الحسنة و الأسوة الصالحة و المثل الأعلى لكل أبي كريم يؤثر الموت تحت ظلال الأسنة على الحياة مع الطغاة المستبدين، و مضى في الطريق الذي يفرضه عليه الواجب و هو يقول: لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما.
و لم يحدث التاريخ عن معركة كان لها من الآثار الطيبة الخيرة لمصلحة المهزومين كما كان لمعركته مع الأمويين، و لم تقم ثورة من بعده إلا و استمدت من مبادئه و عزيمته و نضاله.
و لرب نصر عاد شر هزيمة تركت بيوت الظالمين طلولا


من هذه الزاوية ينظر الشيعة إلى مقتل الحسين و هم إذ يحتفلون بذكراه في كل عام و في كثير من الأوقات يحرصون على أن تبقى تلك الجذوة المشتعلة متقدة لا تخبو و لا تخمد لتستمد منها الأجيال نهضتها و قوتها في وجه الظلم و الطغيان في كل عصر و مكان.
و كان الأئمة من أهل البيت يحرصون على بقاء هذه الذكرى حية خالدة فأمروا بإحيائها و انتشارها لأنها لا تنفصل عن أهداف الإسلام العليا و مقاصده السامية، و قال الإمام الصادق (عليه السلام) لجماعة من أصحابه في اليوم العاشر من المحرم: أ تذكرون ما صنع بجدي الحسين (عليه السلام) لقد ذبح و اللّه كما يذبح الكبش و قتل معه سبعة عشر شابا من بنيه و أهل بيته و إخوته ما لهم على وجه الأرض من مثيل.
و يرى العارفون من الشيعة أن الإمام (عليه السلام) لم يقصد بذلك ان يثير عواطفهم و أحزانهم و يستدرجهم للبكاء و النحيب، بل يريد من ترديد تلك المآسي على مسامعهم ان يغرس في نفوسهم عظمة الحق الذي قتل الحسين و أهل بيته من أجله و الاستهانة في سبيله بكل شي‏ء كما صنع الحسين و ضحى بكل ما لديه من مال و بنين و أخيرا بنفسه الكريمة.
و يقول الإمام الرضا (عليه السلام) و هو يحدث جماعة من أصحابه عما جرى على الحسين و أهله و بنيه و يعيد إلى أذهانهم أحداث كربلاء: قولوا متى ما ذكرتموهم يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما فهو يريد من أصحابه و شيعته و من عامة المسلمين أن يكونوا مع الحسين بأرواحهم و عزيمتهم مع العاملين بمبادئ القرآن و سنن الأنبياء و المصلحين العاملين لخير الإنسان في كل زمان و مكان لأن الحسين بثورته على الظلم كان يجسد هذه النواحي من الإسلام.
يريد الإمام الرضا ان يقول لأصحابه و شيعته: في كل زمان ظالم كيزيد و جبابرة كبني أميّة فكونوا في كل زمان على الظالمين و الجبابرة و الطغاة كما كان الحسين في زمانه على يزيد و أعوانه إلى كثير من أمثال هذه الموقف التي كان الأئمة (عليه السلام) يحاولون فيها ان يشحنوا النفوس بالنقمة على الظالمين و الاستهانة بكل شي‏ء في سبيل الحق و كرامة الإنسان و حريته.
و إذا اساء بعض عوام الشيعة فهم الاهداف لنهضة الحسين و انحرفوا في الذكريات التي تقام للحسين في كل عام هنا و هناك عن أهدافها الصحيحة و أدخلوا عليها بعض ما لا يجدي شيئا فذاك لا يعبر عن رأي الشيعة و لا عن عقيدتهم في الحسين و مقتله و آثاره.
و لقد كتب الدكتور احمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة عن الشيعة و أئمتهم و كان منسجما مع الواقع و مجردا في بعض فصول كتابه كباحث يريد الحقيقة و يتحراها حيث كانت و هذا ما نقدره فيه و في كل كاتب مهما كان لونه و جنسه، و لكنه في بعضها الآخر يبدو و كأنه يكتب بغير الروح و العقلية التي كتب فيها تلك الفصول و إلى القراء مثلا من ذلك، لقد جاء في ص 344 من كتابه المذكور تحت عنوان التفسير الشيعي لمقتل الحسين: يعتقد الشيعة أنه لما أظهر النبي (صلى اله عليه واله) الحزن و الجزع لوفاة ولده ابراهيم و بكى على قبره قائلا: ان العين لتدمع و إن القلب ليخشع و إنا عليك يا إبراهيم لمحزونون أطلعه اللّه على سر وفاته و نزل عليه جبرائيل فقال له: ان الرب يقرئك السلام و يقول لك: اما ان تختار حياة إبراهيم فيرده عليك حيا و يورثه النبوة من بعدك فتقتله امتك من بعدك و يدخلها اللّه النار، أو يبقى ميتا و يبقى لك الحسين فيجعله اللّه إماما ثم يقتله نصف امتك بين قاتل له و معين عليه و خاذل له و راض بقتله فيدخلهم اللّه النار فاختار أهون الضررين بأمته و رضي بمقتل الحسين، و أضاف إلى ذلك أن العقيدة الشيعية في مقتل الحسين لم تجد انسب من عقيدة النصارى في مقتل المسيح فهو قد ضحى مختارا ليخلص شيعته المذنبين كما يقول النصارى في المسيح، و نقل عن المستشرق رونلدسن في كتابه عقيدة الشيعة ما يتضمن هذا المعنى.
و مضى يقول: و لا يخفي الشيعة هذا التشابه الذي أوجدته فكرة الخلاص بين التشيع و المسيحية اذ يذكرون أوجه الشبه بين المسيح و الحسين فيقولون: لم يولد قط لستة أشهر من الحمل إلا عيسى بن مريم و الحسين، و استطرد الدكتور صبحي يقول: ان بعض الهنود المعاصرين وصف الحسين بأنه الباعث الأصلي على الوجود و الرابطة الجوهرية بين العلة و المعلول و الحلقة الذهبية بين اللّه و الانسان، و انتهى من ذلك إلى أن الكاتب الهندي الشيعي قد أضفى على الحسين صفات إلهية نجد نظيرا لها في عقيدة المسيحيين في المسيح إلى غير ذلك مما جاء في كتابه حول هذا الموضوع مما لا عين له و لا أثر بين معتقدات الشيعة في مقتل الحسين لشي‏ء منه كما و ان ما ذكره من الحوار بين جبرائيل و النبي بخصوص حياة إبراهيم و موته لا وجود له بين المرويات الشيعية الصحيحة و لا يلزم به احد منهم، و التفسير الصحيح لمقتل الحسين (عليه السلام) عند الشيعة و علمائهم و أئمتهم الكرام لا يعدو ما ذكرناه أكثر من مرة خلال حديثنا عن سيرته الغنية بالمثل و التضحيات و الآداب و الأخلاق و كل ما يرفع من شأن الإنسان في دنياه و آخرته.