الدروس المستخلصة منها
الاسباب و الاهداف

تحدثنا في الليالي السابقة عن دوافع ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وبعد أستبعاد التفسيرات الفاسدة والمنافية لمعتقداتنا في حق الأئمة "عليهم السلام" قلنا أن هنالك ثلاث نظريات وتفسيرات مطروحة أو يمكن أن تطرح لشرح وتبيين دوافع هذه الثورة المباركة تحدثنا عن النظرية والتفسير الغيبي مع المناقشات التي تقدمت فننتقل إلى التفسير الثاني ما سمّيناه بـ(النظرية السياسية) في شرح دوافع الثورة الحسينية .
التفسير السياسي : يدّعي أصحاب هذا التفسير وهذه النظرية أن التحرك الذي قام به الإمام العظيم كان يخطّط من وراءه أستلام الحكم والسلطة لإقامة حكم الله في الأرض .
طبعاً لا بد أن يعلم ويعرف أن أصحاب هذا التفسير وهذه النظرية لا يريدون من هذه النظرية أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان دافعه التسلّط والتأمّر على الناس فإنّ هذا خلاف منطق الإمام الحسين(عليه السلام) ولا يتناسب مع مقام الإمام الحسين (عليه السلام) وعصمه الإمام الحسين (عليه السلام) هذا واضح إنّما كان تخطيطه أن يقيم حكم الله في الأرض يستلم السلطة من باب أن أستلام السلطة والحكم هو الطريق الشرعي بالنسبة للمعصوم لإقامة حكم الله في الأرض حيث أن الرسالة، واحكامها وأنظمتها في زمن المعصوم لا يمكن أن تقوم إلاّ من خلال حاكمية المعصوم وخلافته وحكومته على الناس .... فالهدف السياسي وهو أستلام السلطة الذي كان يخطّط له الإمام الحسين (عليه السلام) كان بدافع من التكليف الشرعي وبدافع من أداء المسؤولية القيادية الملقاة على عاتق المعصومين . مثل موقف النبي (صلى الله عليه واله) حينما كان يتصدّى لأستلام السلطة في المدينة وفي مكة لإقامة الحكم الإسلامي في الأرض عندما فتح مكة مثلاً كان يريد أن يتسلط بما هو نبي لا بما هو سلطان وبما أن هذه السلطة هي الطريق المنحصر بحسب الحقيقة سيّما في تلك الفترات لإقامة حكم الله في الأرض إذن فلا ينبغي أن يتصور أن هذا التفسير السياسي يقصد منه أن الإمام الحسين كان ينوي التسلط على الناس بل كان ينوي إقامة حكم الله في الناس . وهو متوقف على أن يكون هو ولي أمر الناس كما كان تشريعاً وقانوناً هو ولي أمرهم لابد لهذا الولي التشريعي أن يكون ولياً بالفعل وماسكاً بزمام الأمور ومبسوط اليد بالفعل لكي يمكن أن يقوم بأعمال الولاية وأعباء القيادة والخلافة والمسؤولية الملقاة على عاتقه .
إذن فاستلام السلطة كان بدافع التكليف الشرعي وتحمّل المسؤولية الرسالية ويقول أصحاب هذا التفسير أن الإمام الحسين(عليه السلام) تحركه منذ البداية كان واضحاً أنه من أجل الوصول إلى هذا الهدف وبما هو إنسان وبشر كان يخطّط للوصول إلى هذا الهدف الرسالي وهو أستلام السلطة وأرجاع قيادة التجربة الإسلامية إلى أصحابها وأوليائها الشرعيين ،وإقامة أحكام الله بالشكل الصحيح الكامل وكان التخطيط والتحرك من أجل الوصول إلى هذا الهدف إلاّ أنه بعد أن مشى في هذا الهدف ووصل إلى العراق نتيجة بعض المصادفات والاتفاقات أنعكس الأمر ولم يصل هذا التخطيط إلى نهايته بل أنقلب أهل الكوفة عليه فأنتهى إلى ذلك المصير المأساوي المفجع .
ففرق بين أن نشخّص ما هو تخطيط الإمام الحسين(عليه السلام) وبين أن الإمام الحسين (عليه السلام) توصل إلى هذه النتيجة أو لم يتوصل ربّما كان تخطيط الإمام ودافع الإمام وتحركه هو الوصول إلى نتيجة معيّنة لكنه من خلال التحرّك إلى تلك النتيجة في الأثناء ينكشف أن تلك النتيجة لا يمكن الوصول إليها أو تعترض بعض العقبات التي تمنع الإمام (عليه السلام) من الوصول إلى تلك النتيجة بقول الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): (عرفت الله بفسخ العزائم وحل العقود ونقض الهمم)، فكون الإمام الحسين (عليه السلام) خطط للوصول إلى هذه النتيجة لا يلازم أن هذه النتيجة حتماً سوف تتحقق بدليل أن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) أيضاً خطّط لأن يزيل معاوية من الحكم ويحاربه ويسقطه في حرب صفين، جيش الجيوش وخطّط وأخرج الناس إلى صفين ووقعت المعركة وكثر القتلى والضحايا إلاّ أن النتيجة ماذا كانت ؟؟ كانت لصالح معاوية بعد ما أعترض الطريق لعبه معاوية وعمرو بن العاص ومسألة التحكيم ورفع المصحف وكل تلك المسائل .
فالتصدي والتخطيط لأستلام الحكم من قبل إمام ما، لا يعني أن تلك النتيجة لا بد وأن تتحقق ربما لا تتحقق تلك النتيجة لأن هؤلاء في عملهم الأجتماعي كما أشرنا إليه لا يخرجون عن الجانب البشري في العمل مع الناس ومن خلال الأمة ومع الأمة لا يخرج النبي أو الإمام عن كونه بشراً ولا يعمل بعلم الغيب والوسائل الغيبية إلا في بعض الحالات الخاصة، بأن يكون هناك توجه إلهي خاص إلى عالم الشهادة فتأتي مبادرة غيبية وتسعف الموقف وإلاّ فبشكل عام عمل الأوصياء والأنبياء والأئمة في المجتمعات، العمل الاجتماعي والتغير الاجتماعي يكون طبعاً لنفس الأساليب والوسائل البشرية،النبي(صلى الله عليه واله) خطّط في معركة أحد لحرب المشركين وأخرج الناس إلى هذه الوقعة مع ذلك النتيجة كانت لصالح المشركين والجيش الإسلامي أندحر فلا يعني عدم النجاح لظروف طارئة أو لخصوصيات أو خلل في الناس أو بعض الجوانب الخارجة عن أختيار النبي أو الإمام المعصوم . أن الإمام لم يكن يخطط، فقضية الإمام الحسين (عليه السلام) تشبه بقضية صفّين والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقضية النبي (صلى الله عليه واله) في معركة أحد فالحسين (عليه السلام) كان مخطّطاً نتيجة ما كان يعلم به من اكتمال الشرائط اللازمة في الأمة للتحرك ضد السلطة والثورة ضد الطاغين الحاكمين ،كان بحسب القنوات التي من خلالها كان يرتبط بالناس بأهل الكوفة والموالين والشيعة، غير أنّ الأرضية متغيرة فخطّط لذلك، أرسل مسلم بن عقيل ووقع ما وقع في الكوفة أنعكس الأمر مكائد أبن زياد وحيله والدجل الذي مارسه في مقابل مندوبه مسلم الذي لم يقتله غيلة في بيت هاني بن عروة (تلك الألاعيب الشيطانيه) أستطاعت أن تقلب القضية ولا يصل هذا التخطيط الصادر من الإمام الحسين(عليه السلام) إلى النتيجة، إلاّ أن الخيبة وقعت في النهاية بعد ما كان الإمام(عليه السلام) مصمّماً على المجيء ومتوجهاً إلى العراق ولهذا وصل إليه هذا الخبر وهو قريب من العراق هكذا يقول أصحاب هذا التفسير .
وقد حاول أصحاب هذه النظرية أن يستدلّوا على هذا التفسير ببعض النصوص الصادرة من الإمام الحسين نفسه (عليه السلام) قبل أن ندخل في هذه النصوص توجد نقطة في هذه النظرية أو هذا التفسير تعتبر ايجابية إلى حد ما .

أمتيازات التفسير السياسي على التفسير الغيبي :

أولاً : إن هذا التفسير يجعل قضية الإمام الحسين (عليه السلام) أولاً قضية معقولة أجتماعياً وعلى مستوى الرأي العام معقولة لآ أنّها كالتفسير الأول قضية غيبية مبهمة ومن الأمور الخاصة ومختصة بالمعصومين .
وثانياً : من مميّزات هذا التفسير عن التفسير الغيبي أنه سوف يكون لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) مدلولاً روحياً ورسالياً تثبت أن المسؤولية الرسالية والتكليف السياسي من جملة التكاليف المتوجهة إلى كل مسلم لأنه يجعل من القضية المأساوية ولهذه القضية الكبيرة هدفاً مشخصاً واضحاً سياسياً وهو أستلام الحكم . ولهذا يثبت للناس أن مسألة أستلام السلطة أستلام الإسلام للسلطة من أساسيات الرسالة وأصول الرسالة والتكاليف الشرعية فليس الرسالة الإسلامية عبارة عن مجموعة تكاليف وأحكام مرتبطة بالجانب الفردي للإنسان صلاة صوم حج وعبادات من هذا القبيل .... بل هناك مسؤوليات أخرى وتكاليف أخرى هذا التكليف له أولوية على كل التكاليف الأخرى وهو التكليف السياسي والمسؤولية السياسية للإنسان، كل إنسان مسلم كما هو مكلف بأن يصلّي ويصوم ويحج عليه أن يقيم حكم الله في الأرض، ويسعى لذلك لكي يكون النظام نظاماً إسلاميا والشخص الحاكم واجداً للحاكمية الإسلامية وطبقاً لمبادىء الإسلام هذه من المسؤوليات الملقاة على عاتق كل فرد والإمام الحسين (عليه السلام) لهذه المسؤولية قد تحرك . إذن فهذه المسؤولية من أعظم التكاليف الشرعية التكليف الذي يحرّك الإمام الحسين (عليه السلام) ويجعله يعطي ويبذل دمه وأهله وعشيرته ووضعه ... .
إذن يدل على ان هذا التكليف من أصول المسؤوليات الشرعية والتكاليف بحيث قدّمها الإمام على كل الأعمال الأخرى، والتكاليف الشرعية التي يمكن أن يمارسها لو بقى حياً وترك هذا الجانب السياسي والأجتماعي من وضع الأمة الإسلامية وأنشغل كما أنشغل البعض الآخرين من الصلوات والعبادات في المساجد، أقتصروا على الأعمال الفردية والشخصية ففي هذا التفسير توجد هذه الميزة والايجابية وهو أن هذا التفسير يعلّمنا هذا الدرس، درس أنّ الجانب السياسي والعمل الأجتماعي السياسي من أركان الواجبات الشرعية وأي فرد مسلم يجب أن لا يدع هذا الجانب ويتركه ويتصور أن الرسالة الإسلامية لا تضمن إلاّ الأشتغال بالجوانب الفردية والأجتماعية البعيدة عن الجانب السياسي، هذا المفهوم الذي أوجدته السلطات في أذهان المسلمين، مفهوم الفصل بين الدين والسياسة، هذا المفهوم ليس مفهوماً جديداً، ليس من المفاهيم التي طرحها الاستعمار اليوم بل قد طرحه بنو أميّة أيضاً تقرءون في التاريخ انّه كانت تأتي الأم والأب ويأخذون بيد أبنهم ويقولون مالك وشغل السلاطين كان هذا المفهوم مطروحاً من قبل السلطة الجائرة كان مطروحاً أن السياسة والسلطة ليست من أمور الدين وليست واردة ضمن مسؤوليات إنسان مسلم، هذا المفهوم طرحة بنو أمية أيضاً لفصل الدين عن السياسة وجعل الساحة السياسية ملكاً طلقا لهم لا يفكر فيها ولا يزاحمهم أحد من المسلمين بدافع التكليف الشرعي هذا التفسير لقضية الإمام الحسين(عليه السلام) فيه هذا الأمتياز إنه يجعل من القضية السياسية قضية رسالية محورية تتقدم على كل المسؤوليات الشرعية الأخرى وعلى كل الواجبات الفردية الأخرى هذه نقطه من هذا التفسير ولعل صاحب هذا التفسير أصرّ عليه أو بعض من قالوا بهذا التفسير إنّما أصرّوا على هذا التفسير من أجل هذه الميزة، وهذا الأمتيازة وهذه الدلالة التي نستطيع أن نستوحيها ونستفيدها من هذا التفسير لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) وأمّا الأدلّة والشواهد التي يستشهدون بها أصحاب هذه النظرية على نظريتهم فكثيرة، من جمله الشواهد... نفس أرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة والإمام الحسين (عليه السلام) لو كان يريد أن يستشهد وكان يعلم أنّ هذا الطريق طريق ينتهي به إلى الشهادة فلماذا يـبعث مسلم بن عقيل إلى الكوفة ؟؟ وهو سوف يستشهد، بعث رسولاً إلى الكوفة ليفاوض الناس أربعين يوماً وفاوض مسلم الناس في الكوفة وفحص المسألة ودرس وضع الأمة والموالين ثم كتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) أنّ الرائد لا يكذب أهله فاقدم على جند لك . صدّق الكتب التي كانت قد وصلت إلى الإمام الحسين(عليه السلام) قبل أرسال مسلم بن عقيل، أرسال مسلم معناه أن الإمام كان يحتمل احتمالاً قوياً كبيراً أن المسألة مسألة واقعية وأنّ الأرضية وجدت وان المسألة مستعدة للقيام بتحرك أسلامي جماهيري قوى يسقط النظام الحاكم على المسلمين هذا يعلونه من جملة الأدلة والشواهد ... .
ومن جملة الأدلة التي يذكرونها في هذا المجال التصريحات الصادرة من الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه يوجد هناك الكثير من التصريحات التي تدل على أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يستهدف من تحركه هدفاً سياسياً، هذا الهدف بالمعنى الذي أشرنا إليه مثلاً من جملة النصوص الصادرة من الإمام الحسين (عليه السلام) ما ينقله الطبري أنه كتب كتاباً لأهل الكوفة ومن جملة الكتاب هذه الكلمات : ( أمّا بعد فإن الله أصطفى محمداً على خلقه وأختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وكنا أهله وأوصياءه وأحق الناس بمقامه في الناس فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحق ممن تولاه وقد بعثت رسولي إليكم مع هذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه فإنّ السنّة قد أميتت وأن البدعة قد احّييت وأن تسمعوا أمري وتطيعوا قولي أهدكم سبيل الرشاد). يقول صاحب هذه النظرية إن هذه الرسالة واضحة في الأدلّة على أن الإمام الحسين(عليه السلام) كان يستهدف الإطاحة بالحكم وكان الغرض والهدف من حركته إطاحة الحكم الجائر المنحرف وأستلام المقام والحق الشرعي الذي هو حقّهم والذي من دونه لا يمكن أقامة حكم الله ولا يمكن تطبيق شريعة الله بالشكل الكامل التام في الطريق .
ومن جملة الشواهد التي يستشهد بها رسالة أخرى بعثها مع شخص آخر عندما تحرك من مكة إلى العراق أيضاً ينقلها الطبري (أمّا بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم وأجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله ان يحسن لنا الصنع وأنه يثيبكم عل ذلك أعظم أجر ) .
واضح أن الرسالة مليئة بالدلالة على أن الإمام الحسين(عليه السلام) كان يستهدف الإطاحة بالحكم وكان يدعو الله الذين أجتمع شملهم وملئهم وأجتمعوا على نصرته وإرجاع حقّه إليه وكلّه تفاؤل وأمل (وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء بثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا وصلكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدّوا، فإنّي قادم عليكم في أيامي هذه ) .
أيضاً يستدلون برسالة أخرى بعثها الإمام(عليه السلام) مع مسلم بن عقيل إلى الكوفة ولعل هذا تكملة الرسالة السابقة ... حينما يقول : (قد بعثت رسولي إليكم وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه فإن السنّه قد أميتت وأن...... إلى أن يقول فإن كتب إليّ قد أجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا منكم على ما قدّمت به رسلكم أقدم إليكم أنشاء الله . فلعمري ما لإمام إلاّ العامل بالكتاب والقائم بالقسط والدائن بدين الحق والصلاح ) .
هذا واضح في أن الإمام الحسين (عليه السلام) بعث مسلماً من أجل أن يستطلع الوضع ويرى ان الملأ وذوي الحجا واقعاً مستعدون للحرب، والنهوض بهذا العبء الثقيل حتى هو يتحرك أيضاً وقد علّق المسألة على أخبار مسلم ( إذا أرسل لي قد أجتمعت الكلمة سوف أقدم عليكم وشيكاً ) يؤكد الكلمة ويعطي المفهوم ويقول (فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب) هذا الشخص الذي الآن متصدّي هو يزيد ليس صالحاً وعاملاً بالقسط يعطي المفهوم الذي أشرنا إليه وهو ان هذا ليس جهة أن يريد أن يكون أميراً عليهم ومتسلطاً وحاكماً بل من أجل إقامة الكـتاب والقسط .
أيضاً يستشهد صاحب هذه النظريه أن للإمام خطبة في يوم عاشوراء في كربلاء عندما يدعو أهل الكوفة الذين كتبوا له الرسائل وبعثوا له الرسل ثم غدروا به .
قال (.... تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم فأصبحتم ألباً لأعدائكم على أوليائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم فهلاّ لكم الويلات تركـتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستحصف).
ممّا يدلّ على أنّ مجيء الإمام من المدينة كان من أجل إقامة حكم الله في الأرض نتيجة الطلب الذي طلبه هذه وأمثالها من الشواهد يستشهدون بها أصحاب هذا التفسير الثاني (التفسير السياسي) على أن الدافع الحقيقي والسبب الذي من أجله تحرك الإمام الحسين والهدف الذي خطط له في حركته إنما هو أقامة حكم الإسلام والأطاحه بالحكم الطاغوتي .
أنا كـنت أتصور أن هذه النظرية من النظريات المستحدثة لكني في مراجعة لكتاب البحار في الجزء الخامس والأربعين رأيت أن صاحب البحار ينقل مقطعاً عن كـتاب تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ويذكر فيه نفس هذا التفسير .
مقطع عن كـتاب تنزيه الأنبياء :
قال السيد "قدس سره" في كتاب تنزيه الأنبياء فأن قيل ما العذر في خروجه "صلوات الله عليه" من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولي عليها أعداؤه والمتأمّر فيها من قبل يزيد اللعين منبسط الأمر والنّهي وقد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه وأنهم غادرون خوانون وكيف خالف ظنّه ظن جميع نصحائه في الخروج وابن عباس  يشير إليه بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه وابن عمر لما ودعّه (عليه السلام) يقول له أستودعك الله من قتيل إلى غير ذلك ممن تكلّم في هذا الباب ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل وقد أنفذه رائداً له كيف لم يرجع ويعلم الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة ثم كيف أستجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها مواد لها كثيرة ؟ ثم لـمّا عرض عليه أبن زياد الأمان وأن يبايع يزيد كيف لم يستجب حقناً لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه ولم ألقى بيده إلى التهلكة وبدون هذا الخوف سَّلم أخوه الحسن (عليه السلام) الأمر إلى معاوية فكيف يجمع بين فعليهما في الصحه ؟ .
الجواب : قلنا قد علمنا أن الإمام متى غلب على ظنه أنّه يصل إلى حقه والقيام بما فوّض إليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك وإن كان فيه ضرب من المشقّه يتحمل مثلها وسيّدنا أبو عبدالله (عليه السلام) لم يسر طالباً الكوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود وبعد ان كاتبوه (عليه السلام) طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير محبين وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها تقدّمت إليه في أيام معاوية وبعد الصّلح الواقع بينه وبين الحسن (عليه السلام) فدفعهم وقال في الجواب ما وجب ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن (عليه السلام) ومعاوية باق فوعدهم ومنّاهم وكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها . فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة وبذلوا الطاعة وكررّوا الطلب والرغبة ورأى (عليه السلام) من قوتهم على ما كان يليهم في الحال من قبل يزيد، وتسلطهم عليه وضعفه عنهم ما قوى في ظنه ان المسير هو الواجب، تعين ما فعله من الأجتهاد والتسبب ولم يكن في حسبانه (عليه السلام) أن القوم يغدر بعضهم ويضعف أهل الحق عن نصرته ويتفق ما أتفق من الأمور الغربية فأن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها .
ولما وردها عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه وقد سمع بخبر مسلم بن عقيل ودخوله الكوفة وحصوله في دار هانىء بن عروة المرادي على ما شرح في السيرة وحصل شريك بن الأعور بها جاءه ابن زياد عائداً، وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك وأمكنه ذلك وتيسّر له فما فعل وأعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأن ذلك فتك وان النبي (صلى الله عليه واله) قال : ( إن الإيمان قيد الفتك)ولو كان فعل مسلم من قتل ابن زياد ما تمكن منه ووافقه شريك عليه لبطل الأمر ودخل الحسين (عليه السلام) الكوفة غير مدافع عنها، وحسر كلّ أحد قناعه في نصرته وأجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه .
وقد كان مسلم بن عقيل أيضاً لما حبس ابن زياد هانئاً سار إليه في جماعة من أهل الكوفة حتى حضره في قصره وأخذ بكظمه وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفاً وجبناً حتى بث الناس في كل وجه يرعبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن نصرة مسلم أبن عقيل، فتقاعدوا عنه وتفرق أكثرهم حتى أمسى في شرذمة وأنصرف وكان أمره ما كان .
وإنما أردنا بذكر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحه متوجهة .
وأن الاتفاق السيء عكس الأمر إلى ما يروون ومن صبره وأستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق ديناً أو حمية فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة .
فأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) فواضح وصحيح لأن أخاه سلم كفاً للفتنة وخوفاً على نفسه وأهله وشيعته وأحساساً بالغدر من أصحابه وهذا (عليه السلام) لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ورأى من أسباب قوه نُصار الحق وضعف نُصار الباطل ما وجب معه عليه الطلب والخروج فلما أنعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه (عليه السلام) فمنع من ذلك وحيل بينه فالحالان متفقان إلاّ أن التسليم والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه(عليه السلام) ولم يُجب إلى الموادعة وطلبت نفسه (عليه السلام) فمنع منها بجهده حتى مضى كريماً إلى جنة الله  ورضوانه وهذا واضح لمتأمله انتهى).
إن هذا التفسير يرجع إلى التفسير الأول الذي شرحناه وهو التفسير الغيبي على كل حال هذا التفسير هو التفسير الثاني بحسب تسلسل العناوين التي بينّاها .

التحفضات أتجاه التفسير السياسي :
هذا التفسير رغم ما فيه من أمتياز أشرنا إليه ورغم الشواهد التي يمكن أن تذكر وذكروها لتثبيت هذا التفسير لدوافع ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) رغم ذلك مـّما لا يمكن المساعدة عليه كذلك بأعتبار عدة خصوصيات وعدة ملاحظات :
الملاحظة الأولى : إن هذه الشواهد التي يذكرها هؤلاء قسم منها قابل للتفسير على أساس تفسير ثالث وعلى ضوء نظرية ثالثة وهي النظرية التي سميناها بالنظرية التأريخية الرسالية هذه النصوص صحيح فيها دلالة على أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يطرح أمام الناس وللناس مفهوم أنّ الحق لا بدّ وأن يرجع إلى أهله وأنّ الحاكمية والخلافة لا تكون إلاّ لأهلها وأنّ هؤلاء الحكّام ظلمة لا يقيمون كتاب الله ولا يقيمون القسط في الأرض ولا بدّ وأن يعاملوا وأن يسقطوا عن هذا المنصب الذي أخذوه ظلماً وعدواناً . إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ الدافع الحقيقي للإمام الحسين (عليه السلام) كان منحصراً بهذا ولا يعني أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) منذ تحركه يتصوّر أو يظن ظناً قويّاً أو يعلم علم اليقين سوف لا يستشهد ... هذه النصوص وهذه الكلمات كلّها قابلة للتفسير على التفسير الثالث لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) حتى إذا كان مصمّماً على أن يقوم بعملية واقعها الانتحار والأستشهاد لغرض سوف نشرحه في النظرية الثالثة لغرض جعل الأمة تاريخياً في مسارها الصحيح أيضاً لا بد وأن يعطي لحركته معنى معقولاً ويبيّن لحركته وثورته مغزى رسالياً إسلامياً ليبيّن الحقيقة فإن حقيقة المحنة والمشكلة كانت مشكلة الجانب السياسي والأجتماعي من حياة الناس لأنّه في تلك الفترة الأمة كأفراد كانوا يطبقون الأحكام الشرعية كانوا يصومون ويصلّون ويحجّون ... كما قال لهم معاوية : (أيها الناس ما حاربتكم لتصوموا وتصلّوا وتحجّوا) . فعن سعيد بن سويد قال : صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعه في الضحى ثم خطبنا وقال : ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا قد عرفت أنكم تفعلون ذلك . ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون .
كانوا في زمن معاوية يصومون ويصلّون فالتكاليف والأحكام الفردية في تلك الفترة كانت مقامة.
نعم هذا الخط القيادي المنحرف كان يؤدي إلى أن الرسالة حتى في جانبها الفردي سوف تمسخ على الخط الطويل إلاّ أنّ المشكلة الوقتية في تلك الفترة بالذات لم تكن بادئة في الجانب الفردي وفي مقابل الأحكام الفردية بل كانت في الجانب السياسي وهذه حقيقة كانت موجودة في تلك الفترة وهي مشكلة الأمة الإسلامية أو مبدأ المشكلة ومبدأ إنحراف الأمة الإسلامية والإمام (عليه السلام) كان يعرف أن هذه المشكلة وهذا الإنحراف سوف لا ينتهي إلاّ إلى مسخ كل الشريعة وكل جوانبها فهو عندما يطرح المشكلة الحقيقية يطرح الإسلام الحقيقي للإنحراف يطرح المبدأ الحقيقي للأغراض في التجربة الإسلامية والأمة الإسلامية، هذا لم يكن شيئاً على خلاف الواقع وعلى خلاف المسؤولية الشرعية فهو يطرح هذا يطرح أن هذا سوف لم يتحقق بالفعل ،لأنه هو في تحركه سوف لم يستطع أن يرجع قيادة التجربة الإسلامية والجانب السياسي للرسالة الإسلامية يرجعه إلى نصابها لكنه كونه يعلم أنه سوف لم يرجعه إلى هذا النصاب لا يـجب أن يطرح لا لا بد أن يطرح ويبين للناس أن هذه العملية التي سوف يقوم بها في أجل هذا المبدأ الأساسي الذي هو في الواقع روح الإسلام ومن دون هذا الحكم وهذا الجانب لا يمكن للرسالة أن تحكم إلاّ بعمليات من هذا القبيل هي تحكم الرسالة كما حكمت في السابق .
إذن فكونه يطرح مفهوم الحاكمية وأن الحق لا بد أن يرجع إلى أهله وأن الإمام ليس مثل العامل في كتاب الله والمقيم بالقسط هذه المفاهيم التي كان يطرحها والشعارات التي كان يطرحها لحركته عنواناً لحركته وثورته هذه الشعارات لا بد وأن تطرح على كل حال حتى ولو كان يعلم بأنه سوف يستشهد لا بد وأن يطرح هذه المفاهيم من أجل أن ينبه الأمة إلى منشأ ومبدأ وأساس الخطر وأهمية هذا الأساس وأن هذا الحق الذي ضيّع من قبل هؤلاء والحق الذي الأمة أيضاً مساهمة في تضييعه هذا الحق سوف يؤول إلى تلك النتائج الخطيرة تضييع الحق لا بد وأن يفهم الأمة بذلك ولا بد أن يطرح الحق أو يستشهد ولا يقدم الله له أن هو بنفسه يمارس عملية القيادة وعملية الأمامة للأمة الإسلامية، فمن جانب يوعي الأمة على هذا المفهوم ويبين للأمة أن الخطر من أين آتي وأن الأمة من أين تؤكل والرسالة الإسلامية ... يبّين هذه الأمور وفي نفس الوقت بيّن أمراً واقعياً وصحيحاً ولعله بعلمه العادي لا بعلمه الغيبي بعلمه العادي كان يظن ويرجّح في نظره أنه يستشهد هناك أحتمال ضعيف أنه لا يستشهد وأن قد يتحقق أتفاق معين والأمة تستطيع أن تنهض وترجع له زمام التجربة الإسلامية هذا الأحتمال لو كان موجوداً يساعد أن يطرح هذا المفهوم سيما وأنهم هو الذين ربونا وعلمونا أن الله سبحانه وتعالى قد يفدى في بعض الأمور ،كما فدى الله إسماعيل .. [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ] فلعله أنه قد ينتهي ولو أحتمال ضعيف قد يتوفق في مسك زمام الحكم وأقامة حكم الله بل كان من الضروري أن يطرح هذا الشيء هذه الشعارات وهذه المفاهيم ... لا تدل على أن التخطيط كان تخطيطاً لأستلام الحكم فقط ولم يكن هناك أي منظور آخر للإمام (عليه السلام) وأي هدف آخر وأن الإمام (عليه السلام) لم يكن يحتمل احتمالاً قوياً أنه سوف يستشهد لا قد يحتمل أو يتيقن بحسب العلم العادي .
والمشورات التي شاورها لبعض الصحابه والأصحاب كان يظن أنه سوف يستشهد مع ذلك يطرح هذه الشعارات حتى تكون هذه الشعارات مربية للأمة وموعية للأمة على المسؤولية الإسلامية وعلى أن الخطر من أين يأتي وأن الأنحراف في هذا الجانب له آثار ونتائج وخيمة جداً على أصل الرسالة وكان لا بد أن يطرح هذا ما يرجع إلى الشواهد التي يستشهدون بها كل الشواهد مهما كـثرت، لا تعين أن الإمام لم يكن مثلاً – ما يريد أصحاب هذه النظرية – أنه سوف يستشهد أو كان ضعيفاً أحتمال أستشهاده كان القوي في نظري أنه سوف يتوفق في الأطاحة بنظام الطاغية يزيد وسوف يحكم الأمة الإسلامية حتى على الجانب الآخر هذه التصريحات صحيحة .
الملاحظة الثانية : إنه توجد شواهد على العكس أصحاب هذه النظرية يذكرون قسماً منها لكن يحاولون أن يناقشوا فيها التصريحات الواردة عن الإمام الحسين (عليه السلام) (شاء الله ان يراني قتيلاً) (من رحل معي أستشهد) وهكذا كلمات يناقش فيها صاحب هذه النظرية يناقش في سندها ويحققها تاريخياً إلى أن يصل إلى هذه النتيجة أن هذه الروايات ليس لها أصول صحيحة إلاّ أنه نحن بحسب الحقيقة لا تحتاج إلى تصحيح لهذه الروايات التي تنقل عن الإمام الحسين (عليه السلام) والتي تدل دلالة صريحة على أنه سوف يستشهد في هذا الطريق بحسب تصور أصحاب هذه النظرية وهناك شواهد أخرى من جملة الشواهد طبيعة الجريان الذي يقع إذا إنسان يدرس طبيعة الجريان يستطيع أن يستخلص شواهد على أن الإمام الحسين(عليه السلام) على الأقل يظن إن لم يكن يتيقن كان يظن إن النتيجة أن هناك أستشهاد وكان في نظره كسب المظلومية وأيجاد ما يدل أمام جمهور المسلمين أن هؤلاء المستولين على الأمور على مستوى كبير من الأجرام والجناية والبعد عن الإنسانية فضلاً عن الإسلام والمبادىء الإسلامية لو يلاحظ إنسان جريان القضية يجد أن الإمام الحسين (عليه السلام) مثلاً يخرج معه أهله أطفاله كل أفراد أخيه ... يأخذهم إلى الكوفة، إذا كان له غرض سياسي ويخطط تخطيط دقيق كما يقول صاحب هذه النظرية ويظن ويقطع أنه ينجح في عمله السياسي فأطفال معه ونساء... فهؤلاء ليس لهم دور في هذا التخطيط وهذا الهدف السياسي نعم هؤلاء يمكن لهم دور في تحقيق الهدف الذي تعينه النظرية الثالثة أو التفسير الثالث وهو أيجاد النتيجة المأساوية على مستوى كل المبادىء والتصورات تهّز مشاعر جميع الناس وتسقط أعتبار الحاكمين والمتسلطين أمام كل منطق وكل التصورات .
فإذا كان الهدف هذا فهذا يتوقف أن يأخذ معه أطفاله وعياله ويشحن في المسألة كل ما يمكن أن يزيد في الطين بلة ويزيد في المأساة مأساة أو يكسب المظلومية الحقيقية للإمام الحسين (عليه السلام) ويبرز الاعداء على مستوى أبشع المجرمين وأبشع الناس هذا النحو والترتيب الذي كان موجوداً في قافلة الإمام الحسين (عليه السلام) يشهد على أن الذي كان من منظورة أنه على الأقل ربما يستشهد أن لم يكن كان قاطعاً أنه سوف يستشهد وأنه سوف يضطر إلى أن يقوم بهذا الدور إذا لم يكن قاطعاً منذ البداية فلا أقل هذا كان شيئاً وهدفاً منظوراً له إنه إذا لم يقدم الله سبحانه وتعالى له النجاح يتنزل إلى الهدف الثاني أيجاد تلك الهزة ويدخل معه إلى المعركة كل هذه الأمور التي تزيد مأساوية القضية وبشاعة المجرمين ومن هذا يهتز ضمير الأمة حقيقة هذا من الشواهد، ومن الشواهد عدم التراجع بعد العلم بمقتل مسلم بن عقيل، لو كان واقعاً له هدفاً سياسياً فقط بالمعنى الذي شرحناه فهو قد علم في الطريق أنّ مسلماً قتل ويستطيع أن يتراجع لأنّ الهدف أنتهى إذا كان له تخطيط أستلام الحكم وكانت حركته وخطواته متجهة إلى هذا الشيء فقط بحيث لو كان يعلم منذ البداية سوف لم يصل إلى النتيجة لم يكن يتحرك إذن فبعد أن علم في الأثناء وأنتهى إليه غدر أهل الكوفة بمسلم بن عقيل وقتل مسلم كان لا بدّ وأن يرجع لأنّه في غير الكوفة لم يكن له مطيع نعم في البصرة كان له بعض الموالين ولكن إلى أن يصلوا إلى الكوفة وعبيدالله بن زياد أستطاع أن يقتل مسلماً وهو في الكوفة ويستولي على الأمر إذن فهو أقدر على الأستيلاء على البصرة ومن يأتي منها فعلى القاعدة إذا كان هدفه منحصراً في هذا التفسير كانت القاعدة أن يرجع ويترك الأمر... هذا أيضاً من الشواهد عدم تراجعه بعد علمه بمقتل مسلم بن عقيل وبعد تأكيد الفرزدق عليه بتلك الكلمة المعروفة : ( قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) وأنّ الإمام (عليه السلام) لم يكذب قوله فكان عليه أن يتراجع فلم يتراجع كان في منظوره هدف أكبر من هذا لم يكن ينظر إلى مسألة الحكم والحاكمية بلحاظ تلك الفترة الزمنية المحدودة في التاريخ الإسلامي كان له نظر أبعد كان ينظر إلى كل أزمنة الأمة الإسلامية وتاريخ الأمة الإسلامية وذاك متوقّف على عمليّة أخرى تشرحها النظرية الثالثة هذا أيضاً من الشواهد .... من جملة الشواهد على هذا الموضوع أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) عندما نراجع التاريخ لسيرة الإمام الحسين (عليه السلام) نجد أنهّ بادر بهذا العمل بعدما واجه الضغوط من حكّام بني أميّة في المدينة لم يبادر بنفسه إلى هذا العمل أوّلاً وجّه إليه الضغوط أنّه لا بدّ أن يبايع يزيد حتّى كلّف يزيد والي المدينة أنّه إذا لم يبايع يضرب عنقه بعد ما واجه ضغوط من هذا القبيل من قبل السلطة الجائرة الحاكمة تحرّك هذه الحركة هذا يدل .... .
وأيضاً هناك كلمات صادرة من الإمام الحسين (عليه السلام) تبيّن أن هؤلاء سوف لم يتركوني أنّ بني أميّة سوف لم يتركوني إلاّ أن يخرجوا هذه العلقة من جوفى . أن يقتلوه هذه تعبيرات واردة من الإمام الحسين(عليه السلام) فهذا معناه أنّ تحركه في الواقع منطلق من هذه النقطة أنّ هؤلاء سوف يقتلوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة كما كتب من بعثه يزيد إلى مكّة حتى لو كـنت متعلقاً بأستار الكعبة سوف يقتلني بني أمية ... أنطلق من هذه النقطة بينما لو كان له هدف إقامة حكم أسلامي بالنحو الذي يقوله أصحاب هذه النظرية لأن الشروط كانت موافية ولأن الشيعة والموالين للإمام الحسين (عليه السلام) كانوا مؤهلين كما كاتبوه وراسلوه فهذا يقتضي أن يتحرك سواء أرادوا أن يقتلوه بني أمية أولا بينما الإمام الحسين (عليه السلام) يحسب هذه التصريحات وحسب ما وقع في تأريخه بدأ حركته بعد ما واجه الضغوط وبعد ما علم أن هؤلاء الطواغيت سوف يفتكون به على أي حال ويطلبون منه أمّا أن يبايع أو يقتل فليس أمامه إلا أحد خيارين أمّا أن يترك الأمة ويذهب إلى منطقة نائية أو غيرها ويصبح إنساناً مجهولاً وهذا خلاف أصل المسؤولية الشرعية الملقاة على عاتق كل إنسان فهذه مسألة من يرجح أصالة السلامة ويرجح سلامة نفسه على سلامة أمته ويترك الأمة ويذهب إلى منطقة نائية بعيدة أو الخيار الثاني أن يستشهد بهذا الشكل أو يقوم بالهدف التاريخي وشواهد أخرى من هذا القبيل بالأمكان الأنسان أن يستخلصها من مسيرة الإمام (عليه السلام) وكلماته تدل أو ترجّح أن الإمام الحسين (عليه السلام) منذ أن تحرك من المدينة ومكة كان قد نصب أمام عينيه فكرة أن هذه الحركة سوف تنتهي إلى الأستشهاد وهذه المسألة مسألة الشهادة والتضحية الجسمية على هذا المستوى هذه كانت منظورة لديه (عليه السلام) وكانت أمام تمام غرضه وهدفه أو على الأقل أحد الهدفين لو فرض أنه لم يقدر الله سبحانه أن ينجح في أستلام الأمر على الأقل كان هو التكليف الترتيبي الثاني الذي كان مكلفاً به أيضاً من قبل الله والرسالة الإسلامية وكان لهذا الأستشهاد ولهذه النتيجة دورها التاريخي الذي نشرحه في النظرية الثالثة .