الدروس المستخلصة منها
الاسباب و الاهداف

لقد كان من نتائج تلك النهضة المقدسة و من ولائد ذلك (الفتح المبين) تطور في نظر العلويين نسبا أو مذهبا أو من أخذ لدعوته لونا من الانتماء إلى آل محمد و إن كان مضمرا غير ما يتظاهر به، و كل من هؤلاء لم يعدم التشييد لدعوة الحق و الوهن في دولة الباطل و تعريف الأمة بأن لآل محمد حقا مغتصبا و الواجب عليهم النهوض لقطع اليد العادية.
فكانت تلكم الثورات المتتابعة باعثة إلى الأفئدة دواعي تحفزها إلى تحري الرشد حتى تقف على صراح الحقيقة.
كانت الأمة تعتقد أنه ليس من المستطاع النهوض في وجه المستحوذين على أمر الأمة و إمرة المسلمين لقوة سلطانهم و أن القيام أمام السلطة القاسية لا يعقب إلا فشلا بل إن المحظور في الشريعة إلقاء النفس في التهلكة من غير ما جدوى هنالك.
لكن سيد الإباء و الحمية و سيد «شباب أهل الجنة» أوحى إلى الملأ الديني بصرخته في مشهد الطف التي لم يزل دوي صداها في مسامع القرون و الأجيال إن الواجب في الشريعة الثورة أمام كل باطل إذا لم يكن ما يدحره غيرها.
و إن في مستوى اليقين بلوغ الغاية المتوخاة لمن يجعل طلب الحق عنوان نهضته فإنه إما أن يفوز الناهض بالظفر أو من يتلوه في نهضته حتى تتجسد الأماني بالفتح المبين.
و هذا ما نراه من تعاقب النهضات تجاه عبث الأمويين بالشريعة المطهرة فكانت دعوة المختار هي ثارات لآل محمد.
و قام زيد بن علي بن الحسين عليه السّلام و ولده يحيى داعيين إلى الرضا من آل محمد، و أظهر بقية الهاشميين التذمر من خلفاء الجور و وثبوا لسد سيل الضلال الجارف.
و إن التأمل في سير المعصومين من آل الرسول و ما قيضهم المولى سبحانه له من كسح أشواك المنكر و ارشاد العباد إلى الطريقة المثلى تتجلى له رغبتهم عليهم السّلام في هاتيك المحتشدات الدامية، لأن الغاية المتوخاة لهم إنما هي تعريف الأمة أحقيتهم بمنصب الرسول الأقدس و أن الدافع لهم عن هذا الحق المجعول لهم من الباري عز اسمه مائل عن النهج القويم، و هذا المعنى إنما يتسرب إلى الأدمغة و تلوكه الأشداق بسبب هاتيك الثورات في مختلف الاصقاع لتتم الحجة على الأمة، فلا يسع أحدا الاعتذار بالجهل بالإمام المنصوص عليه من النبي الأعظم.
و إن ما نشاهد من بعض أئمة الهدى الانكار و التبري من العلويين و غيرهم الخارجين على خلفاء الجور، فإنما هو للتقية من السلطة الغاشمة كيلا تنسب إليهم الثورة فينالهم ما لا يحمد عقباه.
نعم كان في الثائرين أناس اتخذوا مظلومية أهل البيت فخا يصطادون به البسطاء، فابن الزبير الذي كان يشيد بذكر الحسين عليه السّلام و الظلم الذي جرى عليه، لما حسب أنه ملك الأمر تركه فكان أشد المناوئين لأهل البيت عليهم السّلام و أظهر ما انحنت عليه جوانحه.
فترك الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أربعين جمعة فقيل له في ذلك قال:
إن له أهل بيت سوء، إذا ذكرته اشرأبت نفوسهم إليه و فرحوا بذلك فلا أحب أن أقر أعينهم‏ «1».
و لقد جرأه على ذلك معاوية بن أبي سفيان الذي يقول لما سمع المؤذن يشهد بالرسالة :
«... و إن أخا هاشم يصرخ باسمه في كل يوم خمس مرات : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك و اللّه إلا دفنا دفنا» «2».
و لما سمع المأمون بهذا الحديث كتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر فأعظم الناس ذلك و أكبروه و اضطربت العامة فأشير عليه بالترك فأعرض عما كان عليه‏ «3».
و اعطف عليه بني العباس الذين ملأوا الجو هتافا بالاستياء لما أصاب آل محمد يوم الطف و لما حصلوا على الأمنية قلبوا لهم ظهر المجن و أبادوهم عن جديد الأرض و كان موسى بن عيسى العباسي صاحب الوقعة (بفخ) يقول لو نازعنا النبي هذا الأمر لضربنا خيشومه بالسيف‏ «4».
فهؤلاء إلى أمثالهم برئت منهم الذمة و انقطعت العصمة و إن استفادت الأمة بنهضتهم من ناحية استئصال شأفة أعدائها من آل حرب و أمية:
طمعت أبناء حرب أن ترى‏ فيه للضيم انعطافا و انكسارا
حاولت تصطاد منه اجدلا نفض الذل على الوكر و طارا


ورجت للخسف أن تجذبه‏ ارقما قد ألف العز و جارا
كيف يعطي بيد الهون إلى‏ طاعة الرجس عن الموت حذارا
فأبى إلا التي إن ذكرت‏ هزت الكون اندهاشا و انذعارا
فأتى من بأسه في جحفل‏ زحفه سد على الباغي القفارا
و ليوث من بني عمرو العلى‏ لبسوا الصبر على الطعن دثارا
أشعروا ضربا بهيجاء غدا لهم في ضنكها الموت شعارا
فقضوا حق المعالي و مضوا طاهري الأعراض لم يدنس عارا
بذلوها أنفسا غالية كبرت بالعز أن ترضى الصغارا «5»

_____________________
(1) المقاتل لأبي الفرج ص 165 ط إيران.
(2) شرح النهج الحديدي ج 2 ص 537.
(3) مروج الذهب ج 2 ص 343 آخر أخبار المأمون.
(4) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج ص 158 ط إيران.
(5) من قصيدة للسيد عبد المطلب الحلي ذكرت بتمامها بترجمته من شعراء الحلة للخاقاني.