إن قضية سيد الشهداء (عليه السّلام) بما اشتملت عليه من القساوة الشائنة كانت مثيرة للعواطف مرققة للأفئدة فتذمر منها حتى من لم ينتحل دين الإسلام لذلك ازدلف الشعراء قديما و حديثا باللغة الفصحى و الدارجة إلى ذكرها و تعريف الأجيال المتعاقبة بما جاء به الأمويون من استئصال شأفة آل الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم فجاؤوا بما فيه نجعة المرتاد.
و من هؤلاء المناضلين لإحياء المذهب الحجة آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء نور اللّه ضريحه فلقد جاء بمراث كثيرة لها حسن السبك و دقة المعنى و سلاسة النظم ورقة الانشاء آثرنا منها أربع قصائد ساطعة في رثاء السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة عليه السّلام:
1- قال رحمه اللّه:
نفس أذابتها أسى حسراتها فجرت بها محمرة عبراتها
و تذكرت عهد المحصب من منى فتوقدت بضلوعها جمراتها
سارت وراءهم ترجع رنة حنت مطاياهم لها وحداتها
طلعوا بيوم للوداع و قد غدى ليلا فردت شمسه جبهاتها
و سروا بكل فتاة خدر إن تكن بدرا فأطراف القنا هالاتها
فخذوا احمرار خدودها بدمائنا فجناتها دون الورى و جناتها
و استعطفوا باللين اعطافا لها فلقد أقمن قيامتي قاماتها
و على عذيب الريق بارق لؤلؤ بالمنحني من أضلعي قبساتها
لاثت على شهدية بخمارها و الخمر يشهد أنه للثاتها
للّه يوم تلفتت لو أنها كانت لقتلى حبها لفتاتها
ثملت بخمرة ريقها اعطافها وزهت بلؤلؤ ثغرها لثاتها
و مشت فخاطرت النفوس كأنما ماست بخطار القنا خطراتها
و من البلية أنني أشكو لها بلوى الضنا فتزيدني لحظاتها
و أبيت أسهر ليلتي و كأنما قد وفرت في جنحها و فراتها
و مهى قنصت لصيدهن فعدت في شرك الغرام و أفلتت ظبياتها
عبجا تقاد لي الأسود مهابة و تقودني و أنا الأبي مهاتها
أنا من بعين المكرمات ضياؤها لكن بعين الحاسدين قذاتها
إن أنكرتني مقلة عميا فلا عجب فإني في سناني فقأتها
تعسا لدهر أصبحت أيامه و الغدر نجح عداتها و عداتها
لا غرو أن تعتد بنوه الغدر فالأبناء من آبائها عاداتها
و لقد وجدت ملاءة الدنيا خلت من عفة و نجابة فملأتها
و أرى أخلائي غداة خبرتهم أعدى عدى شنت بنا غاراتها
كنت الحماة أظنهم فكشفتهم عن عقرب لسعت حشاي حماتها
و تعدهم نفسي الحياة لها و قد دبت إليها منهم حياتها
أسدت إلي بكل سيئة و من صفحي أقدر أنها حسناتها
و لكم عليها من يد بيضاء لي قد سودتها اليوم تمويهاتها
إن فصلت لي الغدر أنواعا فقد عرفت بخبث الجنس ماهياتها
لؤمت اساءتها فهانت و استوى نبح الكلاب علي أو أصواتها
و تكرما عنها صددت و إنني لو لا خساستها عليّ خسأتها
و لقد دنت شأنا فلو لا عفتي عن وطء كل دنية لوطأتها
و أنا الشجى في حلقها فلو انها تجد المساغ قذفن بي لهواتها
و تهش بشرا إن حضرت فإن أغب قذفت بجمرة غيظها حصياتها
كم صانعتني بالدهاء و إنما أدهى الورى شرا علي دهاتها
لكن جبلت على الوفاء فلو جنت يدها على عيني العمى لدرأتها
و أنا العصيّ من الابا و خلائقي في طاعة الحر الكريم عصاتها
عودت عينيّ الاباء فلم تسل إلا لآل محمد عبراتها
كم غارة لك يا زمان شننتها لم استطع دفعا لها فشنأتها
و أرى الليالي منك حبلى لم تلد للحر غير ملمة غدراتها
تجري لها العبرات حمرا إن جرت ذكرا على اسماعنا عثراتها
و وددت مذ جارت على أبنائها و رمت بنيها بالصروف بناتها
عدلت بآل محمد فيما قضت و هم أئمة عدلها و قضاتها
المرشدون المرفدون فكم هدى و ندى تميح صلاتها و صلاتها
و المنعمون المطعمون إذا انبرت نكباء صوحت الثرى نكباتها
و الجامعون شتات غير مناقب لم تجتمع بسواهم أشتاتها
يا غاية تقف العقول كليلة عنها و إن ذهبت بها غاياتها
يا جذوة القدس التي ما أشرقت شهب السما لو لم تكن لمعاتها
يا قبة الشرف التي لو في الثرى نصبت سمت هام السما شرفاتها
يا كعبة اللّه إن حجت لها الأملاك منه فعرشه ميقاتها
يا نقطة الباء التي باءت لها الكلمات و ائتلفت بها ألفاتها
يا وحدة الحق التي ما إن لها ثان و لكن ما انتهت كثراتها
يا وجهة الأحدية العليا التي بالأحمدية تستنير جهاتها
يا عاقلي العشر العقول و من لها السبع الطباق تحركت سكناتها
أقسمت لو سر الحقيقة صورة راحت و أنتم للورى مرآتها
أنتم مشيئته التي خلقت بها الأشياء بل ذرئت بها ذراتها
و خزانة الأسرار بل خزّانها و زجاجة الأنوار بل مشكاتها
أنا في الورى قال لكم إن لم أقل ما لم تقله في المسيح غلاتها
سفها لحلمي أن تطر بثباتي السف هاء مذ طارت بها جهلاتها
أنا من شربت هناك أول درها كأسا سرت بسرائري نشواتها
فاليوم لا أصحو و إن ذهبت بي الأقوال أو شدت عليّ رماتها
أو هل ترى يصحو صريع مدامة مما به إن عنفته صحاتها
أو هل يحول أخو الحجى عن رشده مما تؤنبه عليه غواتها
بأبي و بي من هم أجل عصابة فسارت تؤم بها العلى سرواتها
عطري الثياب سروا فقل في روضة غب السحاب سرت بها نسماتها
ركب حجازيون عرّقت العلى فيهم و مسك ثنائهم شاماتها
تحدو الحداة بذكرهم و كأنما فتقت لطيمة تاجر لهواتها
و مطوحين و لا غناء لهم سوى هزج التلاوة رتلت آياتها
و إلى اللقاء تشوقا أعطافها مهزوزة فكأنها قنواتها
خفت بهم نحو المنايا همة ثقلت على جيش العدى و طآتها
و بعزمها من مثل ما بأكفها قطع الحديد تأججت لهباتها
فكأنّ من عزماتها أسيافها طبعت و من أسيافها عزماتها
قسم الحيا فيها فمن مقصورة الأيدي و من ممدودة قسماتها
و ملوك بأس في الحروب قبابها قب البطون و دستها صهواتها
يسطون في الجمّ الغفير ضياغما لكنما شجر القنا أجماتها
كالليث أو كالغيث في يومي وغى و ندى غدت هباتها و هباتها
حتى إذا نزلوا العراق فأشرقت أكنافها و زهت بهم عرصاتها
ضربوا الخيام بكربلا و عليهم قد خيمت ببلائها كرباتها
نزلوا بها فانصاع من شوك القنا و لظى الهواجر ماؤها و نباتها
و أتت بنو حرب تروم و دون ما رامت تخر من السما طبقاتها
رامت بأن تعنو لها سفها و هل تعنو لشر عبيدها ساداتها؟
و تسومها إما الخضوع أو الردى عزا و هل غير الاباء سماتها
فأبوا و هل من عزة أو ذلة إلا و هم آباؤها و أباتها
و تقحموا ليل الحروب فأشرقت بوجوههم و سيوفهم ظلماتها
و بدت علوج أمية فتعرضت للأسد في يوم الهياج شياتها
تعدو لها فتميتها رعبا و ذي يوم اللقا بعداتها عاداتها
فتخر بعد قلوبها أذقانها و تفر قبل جسومها هاماتها
و بأسرة من آل أحمد فتية صينت ببذل نفوسها فتياتها
يتضاحكون إلى المنون كأن في راحاتها قد أترعت راحاتها
و ترى الصهيل مع الصليل كأنه فيهم قيان رجعت نغماتها
و كأنما سمر الرماح معاطف فتمايلت لعناقها قاماتها
و كأنما بيض الظبى بيض الدمى ضمنت لمى رشفاتها شفراتها
و كأنما حمر النصول أنامل قد خضبتها عندما كاساتها
و مذ الوغى شبت لظى و تقاعست دون الشدائد نكصا شداتها
و غدت تعوم من الحديد بلجة قد أنبتت شجر القنا حافاتها
خلعوا لها جنن الدروع و لاح من نيرانها لجنانهم جناتها
و تزاحفوا يتنافسون على لقى الآجال تحسب أنها عاداتها
بأكفها عوج الأسنة ركع و لها الفوارس سجد هاماتها
حتى إذا وافت حقوق وفائها و علت بفردوس العلى درجاتها
شاء الإله فنكست اعلامها و جرى القضاء فنكصت راياتها
و هوت كما انهالت على وجه الثرى من صم شاهقة الذرى هضباتها
و غدت تقسم بالظبى أشلاؤها لكن تزيد طلاقة قسماتها
ثم انثنى فردا أبو السجاد فاج تمعت عليه طغامها و طغاتها
غيران يحمل عزمة عملت إلى حرب جيوش منية حملاتها
تلوي بأولاهم على أخراهم و تجول في أوساطهم سطواتها
يحمي مخيمه فقل أسد الشرى ديست على أشبالها غاباتها
خطب العدى فوق العوادي خطبة للسانه و سنانه كلماتها
وعظ اللسان و مذ عتوا عن أمره طعن السنان فلم تفته عتاتها
نثر الرؤوس بسيفه و نظمن في سلك القنا لقلوبهم حباتها
إن يشرع الخرصان نحو مكردس ردت و من أكبادها عذباتها
و إذا هوت بالبيض قبضة كفه عادت على أرواحهم قبضاتها
يروي الثرى بدمائهم و حشاه من ظمأ تطاير شعلة قطعاتها
لو قلبت من فوق غلة قلبه صم الصفا ذابت عليه صفاتها
تبكي السماء له دما أفلا بكت ماء لغلة قلبه قطراتها
وا حر قلبي يا ابن بنت محمد لك و العدى بك أنجحت طلباتها
منعتك من نيل الفرات فلا هنا للناس بعدك (نيلها و فراتها)
و على الثنايا منك يلعب عودها و برأسك السامي تشال قناتها
و بهم تروح العاديات و تغتدي و جسومكم فوق الثرى حلباتها
و نساؤكم أسرى سرت بسراتكم تدعو و عنها اليوم أين سراتها
هاتيك في حر الهجير جسومها صرعى و تلك على القنا هاماتها
بأبي و بي منهم محاسن في الثرى للحشر تنشر فخرهم حسناتها
أقوت معالم أنسهم و الوحش كم راحت و من أسيافهم أقواتها
يا هل ترى مضرا درت ماذا لقت في كربلا أبناؤها و بناتها
خفرت لها أبناء حرب ذمة هتكت لها ما بينهم خفراتها
جارت على تلك المنيعات التي تهوى النجوم لو انها جاراتها
حتى غدت بين الاراذل مغنما تنتاشها أجلافها و جفاتها
فلضربها أعضادها و لسلبها أبرادها و لنهبها أبياتها
و ثواكل لما دفعن عن البكا و النوح رددت الشجى لهواتها
زفراتها لو لم تكن مشفوعة بالدمع أضرمت السما جذواتها
و على الايانق من بنات محمد في الشمس تصلى حرها أخواتها
أبدى العدو لها وجوها لم تبن حتى لأنفاس الصبا صفحاتها
و مروعة في السبي تشكو بثها فتجاب ضربا بالسياط شكاتها
قامت تسب لها الجدود أراذل قعدت بها عن شأوهم سبّاتها
يا غيرة الجبار أنى و العدى راحت و في أبياتكم غاراتها
يا حرمة هتكت لعزة أحمد فيها و عزة ربه حرماتها
أحماة دين اللّه كيف بناتكم ساروا بها و الشامتون حماتها
تطوي الفلاة بها و ما ضاقت على حرب بشعث خيولكم فلواتها
كفأت لكم ظهر المجن فهل سوى عزماتكم و هي الحتوف كفاتها
و خيامكم تلك التي اوتادها شهب السماء و عرشها داراتها
بالنار أضرمها العدو و أنتم أربابها و حريمكم رباتها
فرت تعادي في الفلاة نوائحا حسرى تقطع قلبها حسراتها
حتى إذا وقفت على جثث لكم طالت عليها للظبى وقفاتها
قدحت لكم زند العتاب فلم تجد غير السياط لجنبها هفواتها
و سرت على حال يحق لشجوها الافلاك لو وقفت لها حركاتها
حنت و لو لا زجر (زجر) ماحدت أظعانها بسوى الحنين حداتها
يا لوعة قعدت و قامت في الحشا خرساء تنطق بالشجى نفثاتها
قعدت و لا تنفك أو ارزاؤكم بقيام (قائمكم) تصاب تراتها
فانهض فدى لك أنفس كمنت بها طير الشجون كأنها و كناتها
و احصد رؤوسهم فكم رأس لكم حصدته بعد و لم يشب شباتها
و احرق لهم صنمي ضلال وطدا لهم الأمور فأمكنت و ثباتها
تبعا بما ابتدعا فما من سوأة إلا و في عنقيهما تبعاتها
و هما اللذان عليكم قد جرّءا من لا يداني نعلكم جبهاتها
جرّا إليكم كل جور نالكم من عصبة فعليهما لعناتها
فلرزئكم إن لم أمت حزنا فلي نفس أذابتها أسى زفراتها
و لقد نشرت رثا لكم و كأن في طي الجوانح للقنا و خزاتها
و إليكم من بكر فكري ثاكل تنعى فتهتف بالنفوس نعاتها
منكم لكم أهديتها و برزئكم آل النبي ختمتها و بدأتها
و لنشأتي أنشأتها ذخرا لكم أفهل أخيب و فيكم أنشأتها
و لمهجتي بولاكم الحسنى إذا فقدت غدا بصحيفتي حسناتها
فولاؤكم حسبي و إني عبدكم فخري و ذخري إن تضق حلقاتها
و إليكم شكواي من نفس غدت تقتادني للسوء اماراتها
و جرائم عبت بمهلك لجة ترمي لها بنفوسها غفلاتها
و أنا الغريق بها فهل إلا بكم للنفس يا (سفن النجاة) نجاتها
و عليكم يا رحمة الباري من الت سليم ما سارت به صلواتها
*** 2- و قال أيضا:
أقوت فهن من الأنيس خلاء دمن محت آياتها الأنواء
درست فغيّرها البلى فكأنما طارت بشمل أنيسها عنقاء
يا دار مقرية الضيوف بشاشة و قراي منك الوجد و البرحاء
عقبت بتربك نفحة مسكية و سقت ثراك الديمة الوطفاء
عهدي بربعك آنسا بك آهلا يعلوه منك البشر و السراء
و ثرى ربوعك للنواظر إثمد و العقد حلي ضيائك الحصباء
قد كان مجتمع الهوى و اليوم في عرصاته تتفرق الأهواء
أخنى عليه دهره و الدهر لا يرجى له بذوي الوفاء وفاء
أين الذين ببشرهم و بنشرهم يحيا الرجال و تأرج الارجاء؟
ضربوا بعرصة كربلاء خيامهم فأطل كرب فوقها و بلاء
للّه أي رزية في كربلا عظمت فهانت دونها الارزاء
يوم به سل ابن أحمد مرهفا لفرنده بدجى الوغى لألاء
و فدى شريعة جده بعصابة تفدى و قلّ من الوجود فداء
صيد إذا ارتعد الكمي مهابة و مشت إلى أكفائها الاكفاء
و علا الغبار فأظلمت لو لا سنا جبهاتها و سيوفها الهيجاء
عشت العيون فليس إلا الطعنة النجلا و إلا المقلة الخوصاء
زحفوا إلى ورد المنون تشوقا حتى كأن مماتها الأحياء
عبست وجوه عداهم فتبسموا فرحا و أظلمت الوغى فأضاؤا
فلها قراع السمهري تسامر و صليل وقع المرهفات غناء
بأبي لها من أن تشم مذلة أنف أشم و همة قعساء
يقتادهم للحرب أروع ماجد صعب القياد على الابا أبّاء
صحبته من عزماته هندية بيضاء أو يزنية سمراء
تجري المنايا السود طوع يمينه و تصرف الاقدار حيث يشاء
ذلت لعزمته القروم بموقف عقت به آباءها الأبناء
بفرائص رعدت و هامات همت مذ لاح بارق سيفه الوضاء
و لئن تنكر في العجاج فطالما شهدت بغر فعاله الهيجاء
من أبيض نثر الرؤوس و أسمر نظمت بسلك كعوبه الاحشاء
كره الحمام لقاءه في معرك حسدت به أمواتها الأحياء
بأبي (أبيّ الضيم) سيم هوانه فلواه عن ورد الهوان إباء
و تألبوا زمرا عليه تقودها لقتاله الأحقاد و البغضاء
فسطا عليهم مفردا فثنت له تلك الجموع النظرة الشزراء
يا واحدا للشهب من عزماته تسري لديه كتيبة شهباء
ضاقت بها سعة الفضاء على العدى فتيقنوا ما بالنجاة رجاء
فغدت رؤوسهم تخر أمامهم فوق الثرى و جسومهن وراء
تسع السيوف رقابهم ضربا وبا لأجسام منهم ضاقت البيداء
ما زال يفنيهم إلى أن كاد أن يأتي على الايجاد منه فناء
لكنما طلب الإله لقاءه و جرى بما قد شاء فيه قضاء
فهوى على غبرائها فتضعضعت لهويّه الغبراء و الخضراء
و علا السنان برأسه فالصعدة السمراء فيها الطلعة الغراء
و مكفن و ثيابه قصد القنا و مغسّل و له المياه دماء
ظام تفطر قلبه ظمأ وبا لحملات منه ترتوي الغبراء
تبكي السماء دما له أفلا بكت ماء لغلة قلبه الأنواء
وا لهف قلبي يا ابن بنت محمد لك و العدى بك أدركوا ما شاؤوا
فلخيلها أجسامكم و لنبلها أكبادكم و لقضبها الأعضاء
و على رؤوس السمر منكم أرؤوس شمس الضحى لوجوهها حرباء
يا ابن النبي أقول فيك معزيا نفسا و عز على الثكول عزاء
ما غض من علياك سوء صنيعهم شرفا و إن عظم الذي قد جاؤوا
إن تمس مغبر الجبين معفرا فعليك من نور النبي بهاء
أو تبق فوق الأرض غير مغسل فلك البسيطان الثرى و الماء
أو تغتدى عار فقد صنعت لكم برد العلا الخطي لا (صنعاء)
أو تقض ظمآن الفؤاد فمن دما أعداك سيفك و الرماح رواء
فلو ان (أحمد) قد رآك على الثرى لفرشن منه لجسمك الاحشاء
أو بالطفوف رأت ظماك سقتك من ماء المدامع أمك (الزهراء)
يا ليت لا عذب (الفرات) لوارد و قلوب أبناء النبي ظماء
كم حرة نهب العدى أبياتها و تقاسمت احشاءها ارزاء
تعدو و تدعو بالحماة و لم يكن بسوى السياط لها يجاب دعاء
تعدو فإن عادت عليها بالعدى عدو العوادي الجرد و الأعداء
هتفت تثير كفيلها و كفيلها قد أرمضته في الثرى الرمضاء
يا كعبة البيت الحرام و من سمت بهم على هام السما البطحاء
للّه يوم فيه قد أمسيتم أسراء قوم هم لكم (طلقاء)
حملوا لكم في السبي كل مصونة و سروا بها في الأسر أنى شاؤوا
ثكلى تحن لشجوها عيسى الفلا و ترق إن ناحت لها الورقاء
تنعى ليوث البأس من فتيانها و غيوثها إن عمت البأساء
رقدوا و ليس بعزمهم من قدرة و غفوا و ما في بأسهم إغفاء
تبكيهم بدم فقل بالمهجة الحرى تسيل العبرة الحمراء
ناحت فلما غضضت من صوتها بزفيرها أنفاسها الصعداء
حنت و لكن الحنين بكى و قد ناحت و لكن نوحها ايماء
و قست عليهن القلوب فدونها الصخر الأصم و دونها الخنساء
وحدت بهن اليعملات كلابها و لهن رجع حنينهن حداء
و مقيد قام الحديد بمتنه غلا و أقعد جسمه الاعياء
رهن الضنا قعدت به اسقامه و سرت به المهزولة العجفاء
و غدت ترق على بليته العدى (ما حال من رقت له الأعداء)
للّه سر اللّه و هو محجب و ضمير غيب اللّه و هو خفاء
أنّى اغتدى للكافرين غنيمة في حكمها ينقاد حيث يشاؤوا
عال على عاري المطي تقاذف الأمصار فيه و ترتمي الأحياء
طوع الأكف و كلهن لئيمة نصب العيون و كلها عمياء
و هو الذي لو شاء أن يفنيهم قذفتهم الدأماء و الدهماء
و هوت له شهب السماء بقوسها و اطاعه الإصباح و الإمساء
آل النبي لئن تعاظم رزؤكم و تصاغرت في وقعه الارزاء
فلأنتم يا أيها الشفعاء في يوم الجزاء و أنتم الخصماء
و إليكم من بكر فكري ثاكل تنعى و قد أودت بها البرحاء
حسناء جاءت للعزاء و لم تعد إلا بحسن منكم الحسناء
*** 3- و قال أيضا:
خذوا الماء من عيني و النار من قلبي و لا تحملوا للبرق منا و لا السحب
و لا تحسبوا نيران و جدي تنطفي بطوفان ذاك المدمع السافح الغرب
و لا أن ذاك السيل يبرد غلتي فكم مدمع صب لذي غلة صب
و لا أن ذاك الوجد مني صبابة لغانية عفراء أو شادن ترب
نفى عن فؤادي كل لهو و باطل لواعج قد جرعنني غصص الكرب
أبيت لها اطوي الضلوع على جوى كأني على جمر الغضا واضعا جنبي
رزاياكم يا آل بيت محمد أغص لذكراهن بالمنهل العذب
عمى لعيون لا تفيض دموعها عليكم و قد فاضت دماكم على الترب
و تعسا لقلب لا يمزقه الأسى لحرب بها قد مزقتكم بنو حرب
فوا حرتا قلبي و تلكم حشاشتي تطير شظاياها بوا حرتا قلبي
أأنسى و هل ينسى رزاياكم التي ألبت على دين الهداية ذو لب؟
أأنساكم حرى القلوب على الظما تذادون ذود الخمص عن سائغ الشرب
أأنسى بأطراف الرماح رؤوسكم تطلع كالاقمار في الأنجم الشهب؟
أأنسى طراد الخيل فوق جسومكم و ما وطئت من موضع الطعن و الضرب
أأنسى دماء قد سفكن و ادمعا سكبن و احرارا هتكن من الحجب
أأنسى بيوتا قد نهبن و نسوة سلبن و اكبادا أذبن من الرعب؟
أأنسى اقتحام الظالمين بيوتكم تروّع آل اللّه بالضرب و النهب؟
أأنسى اضطرام النار فيها و ما بها سوى صبية فرت مذعرة السرب؟
أأنسى لكم في عرصة الطف موقفا على الهضب كنتم فيه ارسى من الهضب
تشاطرتموا فيه رجالا و نسوة على قلة الأنصار- فادحة الخطب
فأنتم به للقتل و النبل و القنا و نسوتكم للأسر و السبي و السلب
إذا أوجبت احشاءها وطأة العدى علا ندبها لكن على غوثها الندب
و إن نازعتها الحلي فالسوط كم له على عضديها من سوار و من قلب
و إن جذبت عنها البراقع جددت براقع تعلوهن حمرا من الضرب
و إن سلبت عنها المقانع قنعت إذا بثت الشكوى عن السلب بالسب
و ثاكلة حنت فما العيس في الفلا و ناحت فما الورقاء في الغصن الرطب
تروي الثرى بالدمع و القلب ناره تشب و قد يخطي الحيا موضع الجدب
و تندب عن شجو فتعطي بندبها لكل حشى ما في حشاها من الندب
و تنعى فتشجي الصم (زينب) إذ نعت و تصدع شكواها الرواسي من الخطب
تثير على وجه الثرى من حماتها ليوث وغى لكن موسدة الترب
نيام على الاحقاف لكن بلا كرى و نشوانة الاعطاف لكن بلا شرب
تطارحهم بالعتب شجوا و إنها لتعلم بعد القوم عن خطة العتب
حموا خدرها حتى استبيحت دماؤهم و طلت و ما طالت إليها يد النصب
و من دونها أجسامهم و رؤوسهم غدت نهب أطراف الأسنة و القضب
فيا مدركي الأوتار حتى م صبركم و أوتاركم ضاقت بها سعة الرحب؟
و يا طاعني صدر الكتائب ما لكم قعدتم و في أيديكم قائم العضب؟
و يا طاحني هام العدى ما انتظاركم و قد طحنتكم في الحروب رحى (حرب)
و يا مزعجي أسد الشرى ما قعودكم و قد ظفرت من ليثكم ظفر الكلب؟
جبار بأيدي الظالمين دماؤكم فيا غيرة الجبار من غضب هبي
فكم غرة فوق الرماح و حرة لآل رسول اللّه سيقت على النجب؟
و كم من يتيم موثق ليتيمة و مسبية بالحبل شدت إلى مسبي
بني النسب الوضاح و الحسب الذي تعالى فأضحى قاب قوسين للرب
إذا عدت الانساب للفخر أو غدت تطاول بالانساب سيارة الشهب
فما نسبي إلا انتسابي إليكم و ما حسبي إلا بأنكم حسبي
4- و قال:
في القلب حر جوى ذاك توهجه الدمع يطفيه و الذكرى تؤججه
أفدي الألى للعلى أسرى بهم ظعن وراء حاد من الاقدار يزعجه
ركب على جنة المأوى معرسه لكن على محن البلوى معرجه
مثل الحسين تضيق الأرض فيه فلا يدري إلى أين مأواه و مولجه
و يطلب الأمن بالبطحا و خوف بني سفيان يقلقه عنها و يخرجه
و هو الذي شرف البيت الحرام به و لاح بعد العمى للناس منهجه
يا حائرا لا و حاشا نور عزمته بمن سواك الهدى قد شع مسرجه
و واسع الحلم و الدنيا تضيق به سواك إن ضاق خطب من يفرجه
و يا مليكا رعاياه عليه طغت و بالخلافة باريه متوّجه
يا عاريا قد كساه النور ثوب سنا زها بصبغ الدم القاني مدبجه
يا ريّ كل ظما و اليوم قلبك من حر الظما لو يمس الصخر ينضجه
يا ميتا بات و الذاري يكفنه و الأرض بالترب كافورا تؤرجه
و يا مسيح هدى للرأس منه على الرماح معراج قدس راح يعرجه
و يا كليما هوى فوق الثرى صعقا لكن محياه فوق الرمح أبلجه
و يا مغيث الهدى كم تستغيث و لا مغيث نحوك يلويه تحرّجه
فأين جدك و الأنصار عنك ألا هبت له أوسه منهم و خزرجه؟
و أين فرسان عدنان و كل فتى شاكي السلاح لدى الهيجا مدججه
و أين عنك أبوك المرتضى أفلا يهيجه لك إذ تدعو مهيجه؟
يروك بالطف فردا بين جمع عدى البغي يلجمه و الغي يسرجه
تخوض فوق سفين الخيل بحر دم بالبيض و السمر زخار مموجه
حاشا لوجهك يا نور النبوة أن يمسي على الأرض مغبرا مبلجه
و للجبين بأنوار الإمامة قد زها و صخر بني صخر يشججه
أعيذ جسمك يا روح النبي بأن يبقى ثلاثا على الوغا مضرجه
عار يحوك له الذكر الجميل ردى أيدي صنائعه بالفخر تنسجه
و الرأس بالرمح مرفوع مبلجه و الثغر بالعود مقروع مفلجه
حديث رزء قديم الأصل اخرج إذ عن الألى صح إسنادا مخرجه
تاللّه ما كربلا لو لا (سقيفتهم) و مثل ذا الفرع ذاك الأصل ينتجه
و في الطفوف سقوط السبط منجدلا من سقط (محسن) خلف الباب منهجه
و بالخيام ضرام النار من حطب بباب دار ابنة الهادي تأججه
لكن أمية جاءتكم بأخبث ما كانت على ذلك المنوال تنسجه
سرت بنسوتكم للشام في ظعن قبابه الكور و الاقتاب هودجه
من كل والهة حسرى يعنفها على عجاف المطى بالسير مدلجه
كم دملج صاغه ضرب السياط على زند بأيدي الجفاة ابتز دملجه
و لا كفيل لها غير العليل سرت ترثي له ألم البلوى و تنشجه
تشكو عداها و تنعى قومها فلها حال من الشجو لف الصبر مدرجه
فنعيها بشجى الشكوى تؤلفه و دمعها بدم الاحشاء تمزجه
و يدخل الشجو في الصخر الأصم لها تزفر من شظايا القلب تخرجه
فيا لارزائكم سدت على جزعي بابا من الصبر لا ينفك مرتجه
يفر قلبي من حر الغليل إلى طول العويل و لكن ليس يثلجه
أود أن لا أزال الدهر أنشئها مراثيا لو تمس الطود تزعجه
و مقولي طلق في القول اعهده لكن عظيم رزاياكم يلجلجه
و لا يزال على طول الزمان لكم في القلب حر جوى ذاك توهجه
للحجة آية اللّه الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره
أسفر صبح اليمن و السعادة عن وجه سر الغيب و الشهادة
أسفر عن مرآة غيب الذات و نسخة الأسماء و الصفات
تعرب عن غيب الغيوب ذاته تفصح عن أسمائه صفاته
ينبىء عن حقيقة الخلائق بالحق و الصدق بوجه لائق
لقد تجلى أعظم المجالي في الذات و الصفات و الأفعال
روح الحقيقة المحمدية عقل العقول الكمل العلية
فيض مقدس عن الشوائب مفيض كل شاهد و غائب
تنفس الصبح بنور لم يزل بل هو عند أهله صبح الأزل
و كيف و هو النفس الرحماني في نفس كل عارف رباني
به قوام الكلمات المحكمة به نظام الصحف المكرمة
تنفس الصبح بسر القدم بصورة جامعة للكلم
تنفس الصبح بالاسم الأعظم محا عن الوجود رسم العدم
بل فالق الإصباح قد تجلى فلا ترى بعد النهار ليلا
فأصبح العلم ملاء النور و أي نور فوق نور الطور
و نار موسى قبس من نوره بل كل ما في الكون من ظهوره
أشرق بدر من سماء المعرفة به استبان كل اسم و صفة
به استنار عالم الابداع و الكل تحت ذلك الشعاع
به استنار ما يرى و لا يرى من ذروة العرش إلى فوق الثرى
فهو بوجهه الرضي المرضي نور السماوات و نور الأرض
فلا توازي نوره الأنوار بل جل أن تدركه الأبصار
غرته بارقة الفتوة قرة عين خاتم النبوة
تبدو على غرته الغراء شارقة الشهامة البيضاء
بادية من آية الشهامة دلائل الاعجاز و الكرامة
من فوق هامة السماء همته تكاد تسبق القضا مشيئته
ما همة السماء من مداها أن إلى ربك منتهاها
أم الكتاب في علو المنزلة و في الابا نقطة باء البسملة
تمت به دائرة الشهادة و في محيطها له السيادة
لو كشف الغطاء عنك لا ترى سواه مركزا لها و محورا
و هل ترى لملتقى القوسين أثبت نقطة من الحسين
فلا و رب هذه الدوائر جل عن الاشباه و النظائر
بشراك يا فاتحة الكتاب بالمعجز الباقي مدى الاحقاب
و آية التوحيد و الرسالة و سر معنى لفظة الجلالة
بل هو قرآن و فرقان معا فما أجل شأنه و أرفعا
هو الكتاب الناطق الالهي و هو مثال ذاته كما هي
و نشأة الاسماء و الشؤون كل نقوش لوحه المكنون
لا حكم للقضاء إلا ما حكم كأنه طوع بنانه القلم
رابطة المراد بالارادة كأنه واسطة القلادة
ناطقة الوجود عين المعرفة و نسخة اللاهوت عينا و صفة
في يده أزمّة الأيادي بالقبض و البسط على العباد
بل يده العليا يد الافاضة في الأمر و الخلق و لا غضاضة
لك الهنا يا سيد الكونين فغاية الآمال في (الحسين)
وارث كل المجد و العلياء من المحمدية البيضاء
فإنه منك و أنت منه في كل المعالي يا له من شرف
و فيه سر الكل في الكل بدا روحان في روح الكمال اتحدا
لك العروج في السماوات العلى له العروج في سماوات الملا
حظك منتهى الشهود في دنا و سهمه أقصى المنى من الفنا
منك أساس العدل و التوحيد منه بناء قصره المشيد
منك لواء الدين و هو حامله قام بحمله الثقيل كاهله
و المكرمات و المعالي كلها أنت لها المبدأ و هو المنتهى
لك الهنا يا صاحب الولاية بنعمة ليس لها نهاية
أنت من الوجود عين العين فكن قرير العين (بالحسين)
شبلك في القوة و الشجاعة نفسك في العزة و المناعة
منطقك البليغ في البيان لسانك البديع في المعاني
طلعتك الغراء بالاشراق كالبدر في الأنفس و الآفاق
صفاتك الغر له ميراث و المجد ما بين الورى تراث
لك الهنا يا غاية الايجاد بمبدإ الخيرات و الأيادي
و هو سفينة النجاة في اللجج و بابها السامي و من لج و لج
سلطان اقليم الحفاظ و الابا مليك عرش الفخر أما و أبا
رافع راية الهدى بمهجته كاشف ظلمة العمى ببهجته
به استقامت هذه الشريعة به علت أركانها الرفيعة
بنى المعالي بمعالي هممه ما اخضر عود الدين إلا بدمه
بنفسه اشترى حياة الدين فيا لها من ثمن ثمين
أحيا معالم الهدى بروحه داوى جروح الدين من جروحه
جفت رياض العلم بالسموم لم يروها إلا دم المظلوم
فأصبحت مورقة الأشجار يانعة زاكية الثمار
أقعد كل قائم بنهضته حتى أقام الدين بعد كبوته
قامت به قواعد التوحيد مذ لجأت بركنها الشديد
و أصبحت قوية البنيان بعزمه عزائم القرآن
غدت به سامية القباب معاهد السنة و الكتاب
أفاض كالحيا على الوراد ماء الحياة و هو ظام صادي
و كظه الظما و في طي الحشا ري الورى و اللّه يقضي ما يشا
و التهبت أحشاؤه من الظما فأمطرت سحائب القدس دما
و قد بكته و الدموع حمر بيض السيوف و الرماح السمر
تفطر القلب من الظما و ما تفتر العزم و لا تثلما
و من يدك نوره الطور فلا يندك طود عزمه من البلا
تعجب من ثباته الاملاك و من تجولاته الافلاك
لا غرو أنه ابن بجدة اللقا قد ارتقى في المجد خير مرتقى
شبل (علي) و هو ليث غابه لا بل كأن الغاب في اهابه
كرّاته في ذلك المضمار تكور الليل على النهار
و عضبه صاعقة العذاب على بقايا بدر و الأحزاب
سطا بسيفه ففاضت الربى بالدم حتى بلغ السيل الزبى
فرق جمع الكفر و الضلال لجمع شمل الدين و الكمال
أنار بالبارق وجه الحق و في و ميضه رموز الصدق
حتى تجلى الدين في جماله يشكر فعله لسان حاله
قام بحق السيف بل اعطاه ما ليس يعطي مثله سواه
كأن منتضاه محتوم القضا بل القضا في حد ذاك المنتضى
كأنه طير الفنا رهيفه يقضي على صفوفهم رفيفه
أو صرصر في يوم نحس مستمر كأنهم أعجاز نخل منقعر
أو بصريره كريح عاتية كأنهم أعجاز نخل خاوية
و في المعالي حقها لما علا على العوالي كالخطيب في الملا
يتلو كتاب اللّه و الحقائق تشهد أنه الكتاب الناطق
قد ورث العروج في الكمال من (جده) لكن على (العوالي)
هي (العوالي) و هي المعالي و الخير كل الخير في المثال
هو الذبيح في منى الطفوف لكنه ضريبة السيوف
هو الخليل المبتلى بالنار و الفرق كالنار على المنار
نوح و لكن أين من طوفانه طوفانه فليس من اقرانه
تاللّه ما ابتلي نبي أو ولي في سالف الدهر بمثل ما ابتلي
له مصائب تكل الألسن عنها فكيف شاهدتها الأعين
أعظمها رزءا على الإسلام سبي ذراري سيد الأنام
ضلالة لا مثلها ضلالة سبي بنات الوحي و الرسالة
و سوقها من بلد إلى بلد بين الملا أشنع ظلم و أشد
و أفظع الخطوب و الدواهي دخولها في مجلس الملاهي
و لدغ حية لها بريقها دون وقوفها لدى (طليقها)
و يسلب اللب حديث السلب يا ساعد اللّه بنات الحجب
تحملت أمية أوزارها و عارها مذ سلبت إزارها
و كيف يرجى الخير من خمّارها تبت يد مدت إلى خمارها
و أدركت من النبي ثارها و في ذراريه قضت أوتارها
وا عجبا يدرك ثار الكفرة من أهل (بدر) بالبدور النيرة
فيا لثارات النبي الهادي بما جنت به يد الأعادي
و من لها إلا الإمام المنتظر أعزه اللّه بفتح و ظفر
للحجة آية اللّه المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي «1»
يا تريب الخد في رمضا الطفوف ليتني دونك نهبا للسيوف
يا نصير الدين إذ عز النصير و حمى الجار إذا عز المجير
و شديد البأس و اليوم عسير و ثمال الرفد في العام العسوف
كيف يا خامس أصحاب الكسا و ابن خير المرسلين المصطفى
و ابن ساقي الحوض في يوم الظما و شفيع الخلق في اليوم المخوف
يا صريعا ثاويا فوق الصعيد و خضيب الشيب من فيض الوريد
كيف تقضي بين أجناد يزيد ظامئا تسقى بكاسات الحتوف؟
كيف تقضي ظامئا حول الفرات داميا تنهل منك الماضيات؟
و على جسمك تجري الصافنات عافر الجسم لقى بين الطفوف
يا مريع الموت في يوم الطعام لا خطا نحوك بالرمح سنان
لا و لا شمر دنا منك فكان ما أماد الأرض هولا بالرجوف
سيدي أبكيك للشيب الخضيب سيدي أبكيك للوجه التريب
سيدي أبكيك للجسم السليب من حشا حران بالدمع الذروف
سيدي إن منعوا عنك الفرات و سقوا منك ظماء المرهفات
فسنسقي كربلا بالعبرات و كفا من علق القلب الأسوف
سيدي أبكيك منهوب الرحال سيدي أبكيك مسبي العيال
في كربلا في السنة التي قتل فيها السيد حسن ابن آية اللّه السيد أبو الحسن الأصفهاني و ببركاته اتسع إلى هذه السنة فكان موكب النجفيين ليلة عاشوراء في كربلا يضم العلماء و أهل الفضل و المقدسين من أرباب المهن، كل ذلك من أنفاس هذا الشيخ الجليل المناضل دون الدين الحنيف و توفي في الليلة الثانية و العشرين من شعبان سنة 1352 ه و ترجمته مفصلة في «شعراء الغريّ» ج 2 ص 436.
بين أعداك على عجف الجمال في الفيافي بعد هاتيك السجوف
سيدي إن نقض دهرا في بكاك ما قضينا البعض من فرض ولاك
أو عكفنا عمرنا حول ثراك ما شفى غلتنا ذاك العكوف
لهف نفسي لنساك المعولات و اليتامى إذ عدت بين الطغاة
باكيات شاكيات صارخات و لها حولك تسعى و تطوف
يا حمانا من لنا بعد حماك و من المفزع من أسر عداك؟
و لمن نلجأ إن طال نواك و دهتنا بدواهيها الصروف؟
يا حمانا من لأيتام صغار و مذاعير تعادى بالفرار؟
راعها المزعج من سلب و نار حيث لا ملجأ و لا حام رؤوف
لست أنساها و قد مالت إلى صفوة الأنصار صرعى في الفلا
اشرقت منها محاني كربلا كشموس غالها ريب الكسوف
هاتفات بهم مستصرخات باكيات نادبات عاتبات
صارخات أين عنا يا حماة يا بدور التمّ ما هذا الخسوف؟
يا رجال البأس في يوم الكفاح يا ليوث الحرب في غاب الرماح
كيف آذنتم جميعا بالرواح و رحلتم رحلة القوم الضيوف
ما لكم لا غالكم صرف الردى لا و لا أدركتم بيض الظبى؟
أفترضون لنا ذل السبا و عناء الأسر ما بين الألوف؟
أفنسبى بعدكم سبي العبيد ثم نهدى من عنيد لعنيد؟
لا وقفنا في السبا عند يزيد حبذا الموت و لا ذاك الوقوف
للعلامة الحجة الشيخ محمد حسين بن حمد الحلي أعلى اللّه مقامه
خليليّ هل من وقفة لكما معي على جدث اسقيه صيب أدمعي
ليروي الثرى منه بفيض مدامعي فإن الحيا الوكاف لم يك مقنعي
لأن الحيا يهمي و يقلع تارة و إني لعظم الخطب ما جف مدمعي
خليليّ هبّا فالرقاد محرم على كل ذي قلب من الوجد موجع
هلما معي نعقر هناك قلوبنا إذا الوجد أبقاها و لم تتقطع
هلما نقم بالغاضرية مأتما لخير كريم بالسيوف موزع
فتى أدركت فيه علوج أمية مراما فأردته ببيداء بلقع
غداة أرادت أن ترى السبط ضارعا و لم يك ذا خد من الضيم أضرع
و كيف يسام الضيم من جده ارتقى ءلى العرش حتى حل اشرف موضع
فتى حلّقت فيه قوادم عزه لأعلى ذرى المجد الأثيل و ارفع
و لما دعته للكفاح اجابها بأبيض مشحوذ و أسمر مشرع
و آساد حرب غابها أجم القنا و كل كمي رابط الجأش اروع
يصول بماضي الحد غير مكهم و في غير درع الصبر لم يتدرع
إذا ألقح الهيجاء حتفا برمحه فماضي الشبا منه يقول لها ضعي
و إن ابطأت عنه النفوس اجابة فحد سنان الرمح قال لها اسرعي
فلم تزل الأروح قبض اكفهم و تسقط هامات بقولهم قعي
إلى أن دعاهم ربهم للقائه فكانوا إلى لقياه أسرع من دعي
و خروا لوجه اللّه تلقى وجوههم فمن سجّد فوق الصعيد و ركّع
و كم ذات خدر سجفتها حماتها بسمر قنا خطية و بلمع
أماطت يد الأعداء عنها سجافها فأضحت بلا سجف و كهف ممنع
لقد نهبت كف المصاب فؤادها و أبدى عداها كل برد و برقع
فلم تستطع عن ناظريها تسترا بغير زنود قاصرات و أذرع
و قد فزعت مذ راعها الخطب دهشة و أوهى القوى منها إلى خير مفزع
فلما رأته بالعراء مجدلا عفيرا على البوغاء غير مشيع
دنت منه و الأحزان تمضغ قلبها و حنت حنين الواله المتفجع
تقول و ظفر الوجد يدمي فؤادها علي عزيز أن أراك مودعي
علي عزيز أن تموت على ظما و تشرب في كأس من الحتف مترع
أأخي ذا شمر أراد مذلتي فأركبني من فوق أدبر أظلع
و ذا العلج زجر ارغم اللّه أنفه بقرع القنا و الأصبحية موجعي
للعلامة الشيخ محمد تقي ابن الحجة المرحوم الشيخ عبد الرسول آل صاحب الجواهر
دعاني فوجدي لا يسليه لائمه و لكن عسى يشفيه بالدمع ساجمه
و لا تكثرا لومي فرب موله (اعق خليليه الصفيين لائمه)
فما كل خطب يحمد الصبر عنده و لا كل وجد يكسب الأجر كاتمه
فإن ترعيا حق الاخاء فأعولا معي في مصاب أفجعتنا عظائمه
غداة أبو السجاد قام مشمرا لتشييد دين اللّه إذ جد هادمه
و رام ابن ميسون على الدين إمرة فعاثت بدين اللّه جهرا جرائمه
فقام مغيثا شرعة الدين شبل من بصمصامه بدءا أقيمت دعائمه
و حف به (إذ محص الناس) معشر نمته إلى أوج المعالي مكارمه
فمن اشوس ينميه للطعن حيدر و ينميه جدا في قرى الطير هاشمه
و رهط تفانى في حمى الدين لم تهن لقلته بين الجموع عزائمه
إلى أن قضوا دون الشريعة صرّعا كما صرعت دون العرين ضراغمه
أراد ابن هند خاب مسعاه أن يرى حسينا بأيدي الضيم تلوى شكائمه
و لكن أبى المجد المؤثل و الابا له الذل ثوبا و الحسام ينادمه
أبوه علي و ابنة الطهر أمه و طه له جد و جبريل خادمه
إلى ابن سمي و ابن ميسون ينثني يمد يدا و السيف في اليد قائمه
فصال عليهم صولة الليث مغضبا و عسّاله خصم النفوس و صارمه
فحكم في أعناقهم نافذ القضا صقيلا فلا يستأنف الحكم حاكمه
إلى أن أعاد الدين غضّا و لم يكن بغير دماء السبط تسقى معالمه
فإن يك إسماعيل اسلم نفسه إلى الذبح في حجر الذي هو راحمه
فعاد ذبيح اللّه حقا و لم يكن تصافحه بيض الظبى و تسالمه
فإن- حسينا- اسلم النفس صابرا على الذبح في سيف الذي هو ظالمه
و من دون دين اللّه جاد بنفسه و كل نفيس كي تشاد دعائمه
و رضت قراه العاديات و صدره و سيقت على عجف المطايا كرائمه
فإن يمس فوق الترب عريان لم تقم له مأتما تبكيه فيه محارمه
فأي حشى لم يمس قبرا لجسمه و في أي قلب ما أقيمت مآتمه
وهب دم يحيى قد غلا قبل في الثرى فإن حسينا في القلوب غلا دمه
و إن قرّ مذ دعا بخت نصر بثارات يحيى و استردت مظالمه
فليست دماء السبط تهدأ قبل أن يقوم بإذن اللّه للثأر (قائمه)
أبا صالح يا مدرك الثأر كم ترى و غيظك وار غير أنك كاظمه
و هل يملك الموتر صبرا و حوله يروح و يغدو آمن السرب غارمه
أتنسى أبيّ الضيم في الطف مفردا تحوم عليه للوداع (فواطمه)؟
أتنساه فوق الترب منفطر الحشا تناهبه سمر الردى و صوارمه؟
و رب رضيع ارضعته قسيّهم من النبل ثديا دره الثر فاطمه
فلهفي له مذ طوق السهم جيده كما زينته قبل ذاك تمائمه
و لهفي له لما أحس بحره و ناغاه من طير المنية حائمه
هفا لعناق السبط مبتسم اللمى وداعا و هل غير العناق يلائمه
و لهفي على أم الرضيع و قد دجى عليها الدجى و الدوح ناحت حمائمه
تسلل في الظلماء ترتاد طفلها و قد نجمت بين الضحايا علائمه
فمذ لاح سهم النحر ودت لو انها تشاطره سهم الردى و تساهمه
أقلّته بالكفين ترشف ثغره و تلثم نحرا قبلها السهم لاثمه
و أدنته للنهدين و لهى فتارة تناغيه إلطافا و أخرى تكالمه
بنيّ أفق من سكرة الموت و ارتضع بثديك علّ القلب يهدأ هائمه
بنيّ فقد درّا و قد كظّك الظما فعلك يطفى من غليلك ضارمه
بنيّ لقد كنت الأنيس لوحشتي و سلواي إذ يسطو من الهم غاشمه
للخطيب السيد مهدي الأعرجي رحمه اللّه
ما بال فهر أغفلت أوتارها هلا تثير وغى فتدرك ثأرها
أغفت على الضيم الجفون وضيعت يا للحمية عزها و فخارها
عجبا لها هدأت و تلك أمية قتلت سراة قبيلها و خيارها
عجبا لها هدأت و تلك نساؤها بالطف قد هتك العدى استارها
من كل ثاكلة تناهب قلبها كف الأسى و يد العدو خمارها
لهفي لها بعد التحجب أصبحت حسرى تقاسي ذلها و صغارها
تدعو أمير المؤمنين بمهجة فيها الرزية انشبت اظفارها
أبتاه يا مردي الفوارس في الوغى و مبيد جحفلها و مخمد نارها
قم و انظر ابنك في العراء و جسمه جعلته خيل أمية مضمارها
ثاو تغسله الدماء بفيضها عار تكفنه الرياح غبارها
و خيول حرب منه رضت اضلعا فيها النبوة اودعت أسرارها
و بيوت قدس من جلالة قدرها كانت ملائكة السما زوارها
يقف الأمين ببابها مستأذنا و مقبّلا اعتابها و جدارها
اضحت عليها آل حرب عنوة في يوم عاشورا تشن مغارها
كم طفلة ذعرت و كم محجوبة برزت و قد سلب العدو إزارها
و يتيمة صاغ القطيع لها سوا را عند ما بزّ العدو سوارها
أين الكماة الصيد من عمرو العلى عنها فترخص دونها اعمارها
أين الكماة الصيد من عمرو العلى لتثير للحرب العوان غبارها
______________________________
(1) نظم هذه القصيدة لأجل الموكب الذي سعى به ليلة عاشوراء و يومها