أصحاب الحسين (رضوان اللّه عليهم)هم سادات الشهداء يوم القيامة و الرضوان عن اللّه تعالى و هو راض عنهم و أخبر النبي (صلى اللّه عليه و آله) عنهم في أخباره بشهادة الحسين (عليه السلام) بقوله: و هو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل و كأني أنظر إلى معسكرهم و إلى موضع رحالهم و تربتهم .
و رآه ابن عباس في ليلة قتل الحسين (عليه السلام) في المنام و بيده قارورة و هو يجمع فيها دماء فقال: يا رسول اللّه ما هذا؟ قال: هذا دماء الحسين و أصحابه أرفعها إلى اللّه تعالى .
و رأته أم سلمة أيضا شاحبا كئيبا فقالت: ما لي أراك يا رسول اللّه شاحبا كئيبا؟ قال: ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين و أصحابه .
و قال ميثم لجبلة المكية: اعلمي أن الحسين سيد الشهداء يوم القيامة و لأصحابه على سائر الشهداء درجة .
و قال كعب الأحبار في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يقتل و لا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين .
و روي عن الصادق (عليه السلام) قال: لما تفاخرت الأرضون و المياه بعضها على بعض قالت كربلا: أنا أرض اللّه المقدسة المباركة الشفاء في تربتي و مائي و لا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك و لا فخر على من دوني بل شكرا للّه فأكرمها و زادها بتواضعها شكرا للّه بالحسين و أصحابه .
و روي في قوله تعالى ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ خروج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهبة لكل بيضة و جهان المؤدون الى الناس ان هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه .
قال الشيخ الكشي : و كان حبيب رحمه اللّه من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين (عليه السلام) و لقوا جبال الحديد و استقبلوا الرماح بصدورهم و السيوف بوجوههم و هم يعرض عليهم الأمان فيأبون و يقولون: لا عذر لنا عند رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ان قتل الحسين و منا عين تطرف حتى قتلوا حوله .
و لقد أجاد من قال فيهم:
و ذوو المروّة و الوفا أنصاره لهم على الجيش اللهام زئير
طهرت نفوسهم بطيب أصولها فعناصر طابت لهم و حجور
فتمثلت لهم القصور و ما بهم لو لا تمثلت القصور قصور
ما شاقهم للموت إلا وعدة الرحمن لا ولدانها و الحور
و أنا أشير إليهم و أقول: السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام).
السابقون إلى المكارم و العلى و الحائزون غدا حياض الكوثر
لو لا صوارمهم و وقع نبالهم لم يسمع الأذان صوت مكبر
و لقد ذكرت ما يتعلق بهم في كتابنا نفس المهموم و أوردت رواية عن المسعودي أنهم و أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يوم بدر و أصحاب القائم (عليه السلام) من الألف الذين ينتصر اللّه بهم لدينه فلا بأس أن نذكر هاهنا رواية في فضل أصحاب القائم (عليه السلام) الذين مثلهم مثل أصحاب الحسين (عليه السلام) الذين مثلهم في الأرض مثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغير أبدا و مثلهم في السماء مثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره أبدا.
البحار عن السيد علي بن عبد الحميد بالاسناد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: له- أي للقائم (عليه السلام)- كنز بالطالقان ما هو بذهب و لا فضة و راية لم تنشر منذ طويت و رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات اللّه أشد من الحجر لو حملوا على الجبال لأزالوها لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها و كأن على خيولهم العقبان يتمسحون بسرج الإمام (ع) يطلبون بذلك البركة و يحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب و يكفونه ما يريد فيهم رجال لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل يبيتون قياما على أطرافهم و يصبحون على خيولهم رهبان بالليل ليوث بالنهار هم أطوع له من الأمة لسيدها كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل و هم من خشية اللّه مشفقون يدعون بالشهادة و يتمنون أن يقتلوا في سبيل اللّه شعارهم «يا لثارات الحسين» إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر يمشون إلى المولى ارسالا بهم ينصر اللّه إمام الحق .
قلت: فما أحقهم بوصف من قال:
للّه قوم إذا ما الليل جنهم قاموا من الفرش للرحمن عبادا
و يركبون مطايا لا تملهم إذا هم بمنادي الصبح قد نادى
هم إذا ما بياض الصبح لاح لهم قالوا من الشوق ليت الليل قد عادا
هم المطيعون في الدنيا لسيدهم و في القيامة سادوا كل من سادى
الأرض تبكي عليهم حين تفقدهم لأنهم جعلوا للأرض أوتادا
في حديقة الحكمة في شرح الحديث السادس في الرضا بقضاء اللّه قال:
و في الحديث أن موسى (عليه السلام) قال: يا رب أرني أحب خلقك إليك و أكثرهم لك عبادة فأمره اللّه تعالى أن ينتهي إلى قرية على ساحل بحر و أخبره أنه يجده في مكان قد سماه له فوصل إلى ذلك المكان فوقع على رجل مجذوم مقعد أبرص يسبح اللّه تعالى فقال موسى (عليه السلام): يا جبرئيل أين الرجل الذي سألت ربي أن يريني إياه؟ فقال جبرئيل: هو يا كليم اللّه هذا. فقال: يا جبرئيل إني كنت أحب أن أراه صواما قواما. فقال جبرئيل: هذا أحب إلى اللّه تعالى و أعبد له من الصوام القوام و قد أمرت باذهاب كريمتيه فاسمع ما يقول. فأشار جبرئيل إلى عينيه فسالتا على خديه فقال: متعتني بهما حيث شئت و سلبتني إياهما حيث شئت و أبقيت لي فيك طول الأمل يا بار يا وصول. فقال له موسى: يا عبد اللّه إني رجل مجاب الدعوة فإن أحببت أن أدعو لك تعالى يرد عليك ما ذهب من جوارحك و يبريك من العلة فعلت. فقال: لا أريد شيئا من ذلك اختياره لي أحب الي من اختياري لنفسي و هذا هو الرضا المحض كما ترى. فقال له موسى (عليه السلام): سمعتك تقول يا بار يا وصول ما هذا البر و الصلة الواصلان إليك من ربك؟ فقال: ما أجد في هذا البلد يعرفه غيري. فراح متعجبا و قال: هذا أعبد أهل الدنيا.
و مثل تعجبه ممن رضي بقضاء الفعل تعجبنا ممن رضي بقضاء الأمر المؤدي إلى تلف النفوس و ذهاب الأعضاء و مفارقة الأولاد و النساء كزهير بن القين البجلي و مسلم بن عوسجة الأسدي أبي حجل المشهر و حبيب بن مظهر و أمثالهم رضي اللّه عنهم و أبلغهم من رحمته غاية الرضا فإنهم رأوا بحارا من الحديد تلظى تحتها عبيد الدنيا فخاضوها رضا بالقضاء و تعرضا للرضا .
قلت: و كان ينبغي أن يخص بالذكر عابس بن أبي شبيب الشاكري بيض اللّه وجهه أيضا فإنه كان من رجال الشيعة رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا متهجدا و كانت بنو شاكر و هم بطن من همدان من المخلصين بولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) و كانوا من شجعان العرب و حماتهم و كانوا يلقبون فتيان الصباح و كان عابس أشجع الناس و لما خرج يوم عاشوراء إلى القتال لم يتقدم إليه أحد فمشى بالسيف مصلتا نحوهم و به ضربة على جبينه فأخذ ينادي: أ لا رجل أ لا رجل. فنادى عمر ابن سعد: ويلكم أرضخوه بالحجارة فرمي بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك ألقى درعه و مغفره و كأن لسان حاله:
وقت آن آمد كه من عريان شوم جسم بگذارم سراسر جان شوم
آنچه غير از شورش و ديوانگى است اندرين ره روى در بيگانگى است
آزمودم مرگ من در زندگى است جون رهم زين زندگى بايندگى است
ثم شد على الناس .
قلت: و كأن حسان بن ثابت قصده بقوله:
يلقى الرماح الشاجرات بنحره و يقيم هامته مقام المغفر
ما ان يريد إذ الرماح شجرنه درعا سوى سربال طيب العنصر
و يقول للطرف اصطبر لشبا القنا فهدمت ركن المجد ان لم تعقر
و قال شاعر العجم:
بي خود و زره بدر آمد كه مرگ را در بر برهنه مىكشم اينك چه نو عروس
جوشن زبر گرفت كه ماهم نه ماهيم مغفر ز سر فكند كه بازم نيم خروس
قال الراوي: فو اللّه لقد رأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل رحمة اللّه عليه .
قلت: و يعجبني أن أتمثل في رثائه بهذين البيتين .
و لنعم حشو الدرع كان و حاسرا و لنعم مأوى الطارق المتنور
لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه حلو شمائله عفيف المأزر
السلام عليك يا عابس بن أبي شبيب الشاكري أشهد أنك مضيت على ما مضى عليه البدريون و المجاهدون في سبيل اللّه فقد روي عن محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة أن عوف بن الحرث و هو ابن عفراء قال لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يوم بدر: يا رسول اللّه ما يضحك الرب من عبده؟
قال: غمسه يده في العدو حاسرا فنزع عوف درعا كانت عليه و قذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رحمة اللّه عليه .
و ليعلم أن شوذب بالفتح مولى شاكر أي نزيلهم أو حليفهم ليس غلاما لعابس أو عبدا له و لعل كان مقامه أعلى من مقام عابس لما قالوا في حقه: و كان متقدما في الشيعة .
و في بص كان شوذب من رجال الشيعة و وجوهها من الفرسان المعدودين و كان حافظا للحديث حاملا له عن أمير المؤمنين (عليه السلام) .
قال صاحب الحدائق الوردية: و كان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث و كان وجها فيهم .
روى القطب الراوندي رحمه اللّه عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه قال: ان اللّه تعالى أمر نبيه (صلى اللّه عليه و آله) أن يدخل الكنيسة ليدخل رجل الجنة فلما دخلها و معه جماعة فإذا هو بيهود يقرءون التوراة و قد وصلوا إلى صفة النبي (صلى اللّه عليه و آله) فلما رأوه أمسكوا و في ناحية الكنيسة رجل مريض فقال النبي صلى اللّه عليه و آله: ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: أنهم أتوا على صفة النبي فأمسكوا ثم جاء المريض يجثو حتى أخذ التوراة فقرأها حتى أتى على آخر صفة النبي (صلى اللّه عليه و آله) و أمته فقال: هذه صفتك و صفة أمتك و أنا أشهد أن لا إله إلا اللّه و أنك رسول اللّه. ثم مات. فقال النبي صلى اللّه عليه و آله: و لوا أخاكم .
أقول: ما أشبه حال هذا المريض الحر الفتى بحال الحر بن يزيد الرياحي على ما ذكره السبط ابن الجوزي في التذكرة فإنه ذكر بعد نداء الحسين (عليه السلام) شبث بن ربعي و حجارا و قيس بن الأشعث و يزيد بن الحرث: أ لم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار و اخضر الجناب و إنما تقدم على جند لك مجند فأقبل و قولهم له في جوابه: لم نفعل و ما ندري ما تقول. قال: و كان الحر بن يزيد اليربوعي من ساداتهم فقال له: بلى و اللّه لقد كاتبناك و نحن الذين أقدمناك فأبعد اللّه الباطل و أهله و اللّه لا أختار الدنيا على الآخرة. ثم ضرب رأس فرسه و دخل عسكر الحسين (عليه السلام) فقال له الحسين: أهلا و سهلا أنت و اللّه الحر في الدنيا و الآخرة. انتهى .
اعلم أنه لما كان مولانا الحسين (عليه السلام) باب الوسيلة و مفتاح خزائن الرحمة و مصباح الهدى و سفينة النجاة فغير بعيد أن يكون أكثر ما روي عنه من الرقة و الاستعبار و الطلب و الاصرار في أن يتركوه و لا يقتلوه إشفاقا عليهم من ارتكاب تلك الجرائم الفظيعة التي ما ارتكبت واحدة منها أشقى أمة من الأمم في العالم و لعل هذا هو السر أيضا في تكرر الاستغاثة منه و طلب الناصر و المعين فإنه ليس حرصا
في البقيا على نفسه المقدسة بل البقيا عليهم و طلبا لنجاة بعضهم بعد أن تعذرت نجاة كلهم.
فأول استغاثة صدرت منه استغاثته عند ما رأى تصميم القوم على قتاله و عدم انتفاعهم بتلك المواعظ التي يكاد أن تذوب منها قلب الجلمود و تقوم لها الأطفال من المهود فنادى: أ ما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه أ ما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. فلما رأى الحر أن القوم قد صمموا على قتال الحسين و سمع صيحته (عليه السلام) دنا من عمر بن سعد فقال: أي عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: أي و اللّه قتالا أيسره أن تسقط الرءوس و تطيح الأيدي. قال: أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى؟ قال عمر: أما لو كان الأمر إلي لفعلت و لكن أميرك قد أبى. فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و أخذه مثل الأفكل أي الرعدة و هذه هي الانابة الى اللّه و الهزة الإلهية. فقال له المهاجر بن أوس: ان أمرك لمريب و اللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك. فقال له الحر: إني و اللّه أخير نفسي بين الجنة و النار فو اللّه لا أختار على الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت.
تا دل سرگشته كجا رو كند تا بكه اين شيفته جان خو كند
مىرود و مىبردم سوى دوست تا كشدم در خم گيسوى دوست
رخت بسر منزل سلمى كشم تا ز ثري سر بثريا كشم
گر من و دل بر در أو جا كنيم ديگر از اين به جه تمنا كنيم
ثم ضرب فرسه قاصدا الى الحسين (عليه السلام) و يده على رأسه و هو يقول:
اللهم إليك أنبت فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيك فلحق بالحسين (عليه السلام) .
و لسان حاله.
اى كرمت هم نفس بيكسان جز تو كسي نيست كس بيكسان
پيش تو با ناله و آه آمديم معتذر از جرم و گناه آمديم
جز تو ره قبله نخواهيم ساخت گر ننوازى تو كه خواهد نواخت
ياد تو اي مونس غمخوارگان چاره كن اي چاره بيچارگان
در گذر از جرم كه خواهندهايم چاره ما كن كه پناهندهايم
جاره ما ساز كه بىياوريم گر تو براني بكه رو آوريم
لن أبرح الباب حتى تصلحوا عوجي و تقبلوني على عيبي و نقصاني
فإن رضيتم فيا عزي و يا شرفي و إن أبيتم فمن أرجو لغفراني
اي در تو مقصد و مقصود ما وي رخ تو شاهد و مشهود ما
نقد غمت مايه هر شاديي بندگيت به ز هر آزادهاى
كوى تو بزم دل شيداى ما است مسكن ما منزل ما جاي ما است
عشق تو مكنون ضمير من است خاك سراي تو سرير من است
اي غمت از شادى احباب به درد تو از داروى اصحاب به
كوه غمت سينه سيناى من روشنى ديده بيناى من
قيل: لما دنا منهم قلب ترسه فقالوا مستأمن حتى إذا عرفوه سلم على الحسين (عليه السلام) و قال له: جعلت فداك يا بن رسول اللّه أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان و ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم و لا يبلغون منك هذه المنزلة و اللّه لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت و أنا تائب إلى اللّه مما صنعت فترى لي من ذلك توبة.
گر تو براني كسم شفيع نباشد رو بتو دانم دگر بهيج وسائل
فقال له الحسين (عليه السلام): نعم يتوب اللّه عليك فانزل. قال: فأنا لك فارس خير من راجل أقاتلهم على فرسي ساعة و إلى النزول ما يصير آخر أمري.
فقال له الحسين (عليه السلام): فاصنع رحمك اللّه ما بدا لك. فاستقدم امام الحسين (عليه السلام) فقال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل و العبر دعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه- الخ .
قلت: إني أحتمل أن عدم امتثال الحر أمره (عليه السلام) بالنزول و استيذانه الخروج إلى القوم لما صدر منه إليه (عليه السلام) فكأنه يستحيي أن ينظر إليه و أنا أحب أن أتمثل في هذا المقام بما أنشده علم الدين السخاوي عند وفاته:
قالوا غدا نأتي ديار الحمى و ينزل الركب بمغناهم
فكل من كان مطيعا لهم أصبح مسرورا بلقياهم
قلت فلي ذنب فما حيلتي بأي وجه أتلقاهم
قالوا أ ليس العفو من شأنهم لا سيما عمن ترجاهم
قال الكميت الأسدي رحمه اللّه في قصيدته اللامية:
فيا رب هل الا بك النصر يرتجى عليهم و هل الا عليك المعول
و من عجب لم أقضه أن خيلهم لأجوافها تحت العجاجة أزمل
يحلئن عن ماء الفرات و طله حسينا و لم يشهر عليهن منصل
سوى عصبة فيهم حبيب معفر قضى نحبه و الكاهلي مرمل
و مال أبو الشعثاء أشعث داميا و أن أبا جحل قتيل مجحل
و شيخ بني الصيداء قد فاظ قبلهم و أن أبا موسى أسير مكبل
كأن حسينا و البهاليل حوله لأسيافهم ما يختلي المتبقل
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم فيا آخرا أسدى له الغي أول
أشار الكميت في هذه الأشعار الى أنصار الحسين (عليه السلام) من بني أسد و هم ستة:
(الأول): حبيب بن مظهر بضم الميم و فتح الظاء المعجمة أبو القاسم الفقعي الأسدي (بص) كان صحابيا رأى النبي (صلى اللّه عليه و آله) ذكره ابن الكلبي و كان ابن عم ربيعة بن حوط بن رئاب المكنى أبا ثور الشاعر الفارس.
قال أهل السير: إن حبيبا نزل الكوفة و صحب عليا (عليه السلام) في حروبه كلها و كان من خاصته و حملة علومه- انتهى .
و قد ذكرت أنا مقتله في نفس المهموم و كفى في جلالته ما رواه لوط بن يحيى الأزدي عن محمد بن قيس قال: لما قتل حبيب بن مظاهر هد ذلك حسينا (عليه السلام) و قال: عند اللّه احتسب نفسي و حماة أصحابي و في ذلك قال صاحب (بص):
ان يهد الحسين قتل حبيب فلقد هد قتله كل ركن
بطل قد لقي جبال الأعادي من حديد فردها كالعهن
لا يبالي بالجمع حيث توخى فهو ينصب كانصباب المزن
أخذ الثار قبل أن يقتلوه سلفا من منية دون من
قتلوا منه للحسين حبيبا جامعا في فعاله كل حسن
المبشرة الجعفرية الكاشفة عن جلالة الحبيب في الحضرة الحسينية و مما يشهد بجلالة حبيب قدس اللّه روحه ما حكاه شيخنا الأجل المحدث المتبحر النوري نور اللّه مرقده في كتاب دار السلام قال: حدثني العالم الجليل و المعظم النبيل الشيخ الأعظم الرفيع الشأن اللامع البرهان كشاف حقائق الشريعة بطرائف البيان لم يطمثهن أنس قبله و لا جان ناموس العصر و فريد الدهر البدر الأنور شيخ المسلمين الشيخ جعفر التستري المزين بوجوده المبارك في هذه السنة أرض الغري قال دام ظله العالي: لما فرغت من تحصيل العلوم الدينية في المشهد الغروي و آن أوان النشر و وجوب الانذار رجعت إلى وطني و قمت بأداء ما كان علي من إهداء الناس على تفاوت مراتبهم و لعدم تضلعي بالآثار المتعلقة بالمواعظ و المصائب كنت مكتفيا بأخذ تفسير الصافي بيدي على المنبر و القراءة منه في شهر رمضان و الجمعات و روضة الشهداء للمولى حسين الكاشفي في أيام عاشوراء و لم أكن ممن يمكنه الانذار و الابكاء بما أودعه في صدره الى أن مضى علي عام و قرب شهر محرم الحرام فقلت في نفسي ليلة: إلى متى أكون صحفيا لا أفارق الكتاب.
فقمت أتفكر في تدبير الغناء عنه و الاستقلال في الخطاب و سرحت بريد فكري في أطراف هذا المقام الى أن سئمت منه و أخذني المنام فرأيت كأني بأرض كربلاء في أيام نزول المواكب الحسينية فيها و خيمهم مضروبة و عساكر الأعداء في تجاههم كما جاء في الرواية فدخلت على فسطاط سيد الأنام أبي عبد اللّه (عليه السلام) فسلمت عليه فقربني و أدناني و قال لحبيب بن مظاهر: ان فلانا و أشار الي ضيفنا أما الماء فلا يوجد عندنا منه شيء و إنما يوجد عندنا دقيق و سمن فقم و اصنع له منهما طعاما و أحضره لديه. فقام و صنع منه شيئا و وضعه عندي و كان معه قاشوق فأكلت منه لقيمات و انتهبت و إذا أنا أهتدي إلى دقائق و اشارات في المصائب و لطائف و كنايات في آثار الأطائب ما لم يسبقني إليها أحد و زاد كل يوم إلى أن أتى شهر الصيام و بلغت في مقام الواعظ و البيان غاية المرام. انتهى .
و ليعلم أنه قد روي عن حبيب الحديث ففي البحار قال محمد بن بحر الشيباني: فقد روي لنا عن حبيب بن مظاهر الأسدي بيض اللّه وجهه أنه قال للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): أي شيء كنتم قبل أن يخلق اللّه عز و جل آدم؟ قال: كنا أشباح نور ندور حول عرش الرحمن فنعلم الملائكة التسبيح و التهليل و التمجيد. و لهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه و قد بيناه في غيره.
و أما ما في كتاب الحج من جواهر الكلام عن حبيب بن مظاهر قال: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلت ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال: بئسما صنعت كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت إليه أما أنه ليس عليك شيء .
فهل هو حبيب بن مظاهر الأسدي «ره» و أبو عبد اللّه هو الحسين بن علي (عليه السلام) على احتمال أو هو غيره و لا نعرفه و هذا هو الظاهر لأن أبا عبد اللّه اذا أطلق في الحديث فالمراد منه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليه و حبيب بن مظاهر الأسدي ما أدركه. و اللّه العالم.
(الثاني): انس بن الحرث الأسدي الكاهلي و كاهل بطن من أسد بن خزيمة.
كان أنس صحابيا كبيرا ممن رأى النبي (صلى اللّه عليه و آله) و سمع حديثه و كان فيما سمع منه و حدث به ما رواه جمع غفير من العامة و الخاصة عنه أنه قال: سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يقول و الحسين بن علي (عليهما السلام) في حجره: إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره.
ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة و ابن حجر في الاصابة و غيرهما. و لما رآه في العراق و شهده نصره و قتل معه .
قلت: إني ذكرت مقتله في نفس المهموم فلا نعيده و لكن ينبغي التنبيه على شيء و هو أنه قد قتل مع الحسين (عليه السلام) من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) جماعة: منهم الكاهلي المذكور و منهم حبيب بن مظهر على ما نقله (بص) عن ابن حجر و منهم مسلم بن عوسجة الأسدي على ما ذكره ابن سعد في الطبقات و في الكوفة هاني بن عروة فقد ذكروا أنه نيف على الثمانين و عبد اللّه بن يقطر الحميري رضيع الحسين (عليه السلام) (بص) كانت أمه حاضنة للحسين كأم قيس بن ذريح للحسن (عليه السلام) و لم يكن رضع عندها و لكنه يسمى رضيعا له لحضانة أمه له و أم الفضل بن العباس لبابة كانت مربية للحسين (عليه السلام) و لم ترضعه أيضا كما صح في الأخبار أنه لم يرضع من غير ثدي أمه فاطمة عليها السلام و إبهام رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) تارة و ريقه تارة أخرى قال ابن حجر في الاصابة إنه كان صحابيا لأنه لدة الحسين (عليه السلام) .
قلت: و في شرح قصيدة أبي فراس عند ذكر مقتل الحسين (عليه السلام) و أصحابه قال: ثم برز جابر بن عروة الغفاري و كان شيخا كبيرا و قد شهد مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بدرا و حنينا فجعل يشد وسطه بعمامته ثم شد حاجبيه بعصابة حتى رفعهما عن عينيه و الحسين (عليه السلام) ينظر إليه و هو يقول: شكرا للّه سعيك يا شيخ. فحمل و لم يزل يقاتل حتى قتل ستين رجلا و استشهد رحمة اللّه عليه و رضوانه .
(الثالث): ابو الشعثاء يزيد بن زياد بن مهاصر بالصاد الكندي البهدلي كان رجلا شريفا شجاعا فاتكا خرج إلى الحسين من الكوفة من قبل أن يتصل به الحر و قد ذكرنا كلامه مع رسول ابن زياد الى الحر و مقتله في نفس المهموم .
(الرابع): ابو جحل و هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي (بص) كان رجلا شريفا سريا عابدا متنسكا .
قال ابن سعد في طبقاته : و كان صحابيا ممن رأى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و روى عنه الشعبي و كان فارسا شجاعا له ذكر في المغازي و الفتوح الإسلامية. انتهى و قد ذكرنا مقتله في المقتل.
(الخامس): قيس بن مسهر الصيداوي و كان رجلا شريفا في بني الصيداء شجاعا مخلصا في محبة أهل البيت عليهم السلام و هو المراد من قول الكميت:
و شيخ بني الصيداء قد فاظ قبلهم
و صيداء بطن من بني أسد و فاظ بالظاء المعجمة مات فإذا قلت فاضت نفسه فبالضاد و أجازوا الظاء.
و قد ذكرنا في المقتل أنه كان رسول الحسين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة فظفر به ابن زياد فأمر بإلقائه من أعالي القصر فألقي من هناك فمات رحمه اللّه فلما بلغ نعيه الحسين (عليه السلام) ترقرقت عيناه بالدموع و لم يملك دمعته ثم قرأ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا اللهم اجعل لنا و لهم الجنة نزلا و اجمع بيننا و بينهم في مستقر رحمتك و غائب مذخور ثوابك .
(السادس) الموقع بن ثمامة الأسدي و هو المراد من قول الكميت:
و أن ابا موسى أسير مكبل
الموقع بالواو و تشديد القاف و بعدها العين المهملة بزنة المعظم و هو في الأصل بمعنى المبتلى بالمحن ... كذا ضبطه بعض أهل الأدب و لكن المشهور المرقع بالراء المهملة مكان الواو و ثمامة بالثاء المثلثة المضمومة و الميم المخففة.
(بص) كان الموقع ممن جاء إلى الحسين (عليه السلام) في الطف و خلص إليه ليلا مع من خلص قال أبو مخنف: إن الموقع صرع فاستنقذه قومه و أتوا به إلى الكوفة فأخفوه و بلغ ابن زياد خبره فأرسل عليه ليقتله فشفع فيه جماعة من بني أسد فلم يقتله و لكن كبله بالحديد و نفاه إلى الزارة و كان مريضا من الجراحات التي به فبقي في الزارة مريضا مكبلا حتى مات بعد سنة. و الزارة موضع بعمان كان ينفي إليه زياد و ابنه من شاء من أهل البصرة و الكوفة .
و ليعلم أنه قد مات من أنصار الحسين (عليه السلام) بعده من الجراحات غير الموقع نفران:
أولهما- سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمير بن نهم الهمداني النهمي و كان ممن أتى إلى الحسين (عليه السلام) أيام الهدنة و قاتل في الحملة الأولى فجرح و صرع.
(بص) قال في الحدائق الوردية: قاتل سوار حتى إذا صرع أتي به أسيرا إلى عمر بن سعد فأراد قتله فشفع فيه قومه و بقي عندهم جريحا حتى توفي على رأس ستة أشهر.
و قال بعض المؤرخين: إنه بقي أسيرا حتى توفي و إنما كانت شفاعة قومه الدفع عن قتله.
و يشهد له ما ذكر في القائميات من قوله (عليه السلام): السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي عمير النهمي. على أنه يمكن حمل العبارة على أسره في أول الأمر. و النهمي بالنون المفتوحة و الهاء الساكنة و الميم و الفهمي بالفاء تصحيف .
و ثانيهما- عمرو بن عبد اللّه الهمداني الجندعي بالجيم و النون و المهملتين بعده نسبة إلى جندع كقنفذ و بنو جندع بطن من همدان.
(بص): كان عمرو ممن أتى إلى الحسين (عليه السلام) أيام المهادنة في الطف و بقي معه قال في الحدائق: إنه قاتل مع الحسين (عليه السلام) فوقع صريعا مرتثا بالجراحات قد وقعت ضربة على رأسه بلغت منه فاحتمله قومه و بقي مريضا من الضربة صريع فراش سنة كاملة ثم توفي على رأس السنة رضي اللّه عنه و يشهد له ما ذكر في القائميات من قوله (عليه السلام): السلام على الجريح المرتث عمرو الجندعي.