قال بعض المؤرخين : إنه ( عليه السلام ) تيمّم هو وأصحابه للصلاة نظراً لعدم وجود الماء عندهم وقد أئتم به أهله وصحبه وقبل أن يتموا تعقيبهم دقت طبول الحرب من معسكر ابن زياد واتجهت فرقٌ من الجيش وهي مدججةٌ بالسلاح تنادي بالحرب أو النزول على حكم ابن مرجانة .
ولما أصبح الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح قام خطيباً فيهم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله تعالى أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال .
وعبأ ( عليه السلام ) أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه وأعطى رايته العباس أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يُترك في خندق كان قد حُفر هناك وأن يُحرق بالنار مخافةَ أن يأتوهم من ورائهم.
وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت فعبأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ( عليه السلام ) وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي وأعطى الراية دُريداً مولاه.
روي عن الامام علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) أنه قال : لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين ( عليه السلام ) رفع يديه وقال : أللهم أنت ثقتي في كل كرب وأنت رجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقةٌ وعدة كم مِنْ هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته اليك رغبةً منيّ إليك عمّن سواك ففرجته عني وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة.
قال : وأقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين ( عليه السلام ) فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان اُلقي فيه.
فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : ياحسين أتعجلت النار قبل يوم القيامة.
فقال الحسين ( عليه السلام ) مَنْ هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن !! فقالوا له : نعم .
فقال له : يابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا !
ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين ( عليه السلام ) من ذلك.
فقال له : دعني حتى أرميه فإنه الفاسق من أعداء الله وعُظماء الجبارين وقد أمكن الله منه.
فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم.
وجاء في الامالي : عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني فلما نظر إلى النار تتّقد صَفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب الحسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : مَن الرجل ؟ فقيل : ابن أبي جويرية المزني.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا فنفرَ به فرسُه فألقاه في تلك النار فاحترق.
ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له : تميم بن الحصين الفزاري فنادى : يا حسين ويا أصحاب الحسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعاً.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : مَن الرجل ؟ فقيل : تميم بن حُصين.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : هذا وأبوه من أهل النار أللهم اقتل هذا عطشاً في هذا اليوم.
قال : فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات.
ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال : يا حسين بن فاطمة أيةُ حرمة لك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليست لغيرك؟!
قال الحسين ( عليه السلام ) : هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] ثم قال : والله إنَّ محمداً لَمن آل إبراهيم وإن العترة الهادية لمن آل محمد مَن الرجل ؟ فقيل : محمد بن أشعث بن قيس الكندي.
فرفع الحسين ( عليه السلام ) رأسه إلى السماء فقال : أللهم أرِ محمدَ بن الاشعث ذُلاًّ في هذا اليوم لا تعزّه بعد هذا اليوم أبداً فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلّط الله عليه عقرباً فلذعه فمات باديَ العورة.
فبلغ العطش من الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له : يزيد بن الحصين الهمداني... فقال : يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله) أتأذن لي فأخرج إليهم فأملهم فأذن له.
فخرج إليهم فقال : يا معشر الناس إن الله ـ عزّ وجلّ ـ بعث محمداً بالحقِّ بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وهذا ماءُ الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه ؟
فقالوا : يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفّف فوالله ليعطش الحسين ( عليه السلام ) كما عطش مَنْ كان قبله.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : اقعد يا يزيد ثم وثب الحسين ( عليه السلام ) متوكياً على سيفه....الخ .
إلى هنا قد تم ما تسنى لي جمعُه وإعدادُه من كتب السيرة والحديث في خصوص أحداث ووقائع هذه الليلة العظيمة على أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) وما يرتبط بها وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين وسيعلمُ الذين ظلموا ـ آل بيت محمد ـ أيَّ منقلب ينقلبون والعاقبةُ للمتّقين.
وذلك في ليلة الخميس السابعة من شهر رجب المرجب عام ألف وأربعمائة وستة عشر للهجرة المباركة على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والتسليم.