روى السيد بن طاوس رحمه اللّه انّه: ركب أصحاب عمر بن سعد لعنهم اللّه فبعث الحسين (عليه السلام) برير بن خضير فوعظهم فلم يستمعوا و ذكّرهم فلم ينتفعوا فركب الحسين (عليه السلام) ناقته و قيل فرسه، فاستنصتهم، فانصتوا، فحمد اللّه و اثنى عليه و ذكره بما هو أهله و صلى على محمد (صلى الله عليه واله)و على الملائكة و الأنبياء و الرسل و أبلغ في المقال، ثم قال: تبا لكم ايتها الجماعة و ترحا حين استصرختمونا و الهين فاصرخناكم موجفين، سللتم
علينا سيفا لنا في ايمانكم و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا و عدوّكم فاصبحتم إلبا لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم، و لا أمل أصبح لكم فيهم، فهلّا لكم الويلات، تركتمونا و السيف مشيم ، و الجأش طامن ، و الرمي لما يستصحف، و لكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا تداعيتم إليها كتهافت الفراش، فسحقا لكم يا عبيد الامة، و شذاذ الأحزاب، و نبذة الكتاب، و محرّفي الكلم، و عصبة الآثام و نفثة الشيطان، و مطفئ السنن، أ هؤلاء تعضدون و عنا تتخاذلون، أجل و اللّه غدر فيكم قديم و شجت إليه أصولكم و تأزّرت عليه فروعكم فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر و اكلة للغاصب.
الا و انّ الدعي بن الدعي قد ركز بن اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منّا الذلة يأبى اللّه ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و أنوف حمية، و نفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام الا و انّي زاحف بهذا الأسرة مع قلّة العدد و خذلة الناصر.
ثم أوصل كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي:
فان نهزم فهزّامون قدما و ان نغلب فغير مغلّبينا
و ما ان طبّنا جبن و لكن منايانا و دولة أخرينا
اذا ما الموت رفّع عن اناس كلا كله اناخ بآخرينا
فافنى ذلكم سراوة قومي كما أفنى القرون الأولينا
فلو خلد الملوك اذا خلدنا و لو بقي الكرام اذا بقينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
ثم أيم اللّه لا تلبثون بعدها الّا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى و تقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي، فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليّ و لا تنظرون انّي توكّلت على اللّه ربّي و ربكم ما من دابة الّا هو آخذ بناصيتها انّ ربي على صراط مستقيم.
اللهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف ، فيسومهم كأسا مصبرة فانّهم كذبونا و خذلونا و أنت ربنا عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.
ثم نزل (عليه السلام) و دعا بفرس رسول اللّه (صلى الله عليه واله)المرتجز فركبه و عبّئ أصحابه للقتال .
روى الطبري عن سعد بن عبيدة انّه قال: انّ أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون و يقولون: اللهم أنزل نصرك، قال: قلت: يا أعداء اللّه أ لا تنزلون فتنصرونه، قال: فأقبل الحسين يكلم من بعث إليه، بابن زياد، قال: و انّي لأنظر إليه و عليه جبة من برود فلما كلمهم انصرف فرماه رجل من بن تميم يقال له عمر الطهوي بسهم، فاني لأنظر الى السهم بين كتفيه متعلقا في جبته، فلما أبوا عليه رجع الى مصافه و انّي لأنظر إليهم و انهم لقريب من مائة رجل فهم لصلب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خمسة و من بني هاشم ستة عشر .
و في بعض المقاتل انّ الحسين (عليه السلام) لما أتمّ الخطبة قال: أين عمر بن سعد؟ ادعوا لي عمر، فدعي له، و كان كارها لا يحبّ أن يأتيه، فقال: يا عمر أنت تقتلني؟ تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدعي بلاد الري و جرجان، و اللّه لا تتهنّأ بذلك أبدا، عهدا معهودا فاصنع ما أنت صانع فانّك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة و لكأنّي برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان و يتخذونه غرضا بينهم.
فاغتاظ عمر من كلامه ثم صرف بوجهه عنه و نادى بأصحابه: ما تنتظرون به؟
احملوا بأجمعكم إنمّا هي اكلة واحدة ، ثم انّ الحسين (عليه السلام) دعا بفرس رسول اللّه المرتجز فركبه و عبّأ أصحابه.