في شخصيّة الإمام الحسين بن علي (عليه السّلام) تجلّتْ جميع المعاني الشريفة والقيمِ الرفيعة والصورِ الإنسانيّة النبيلة , فأصبح (سلام اللَّه عليه) مظهرَ الفضائل , وعنوانَ الخصال الطيّبة التي ترتاح لها النفوسُ السويّة , والفِطَرُ السليمة , والقلوبُ الُمحبّةُ للخير , والضمائر الحيّة , والعقول الباصرة .
ولقد وقف التاريخ للإمام الحسين (عليه السّلام) إجلالاً وإكباراً وإعظاماً , ونظر إليه ـ وما زال ـ نظراتِ الإعجابِ والتوقير والإكرام ؛ اِذْ شهد له أنّه كان الفريدَ بين الخلْق في سماته وفي ملَكاته , فهابه الأشراف , واحتارتِ الألسن أنْ تذكر ما عنده مِن كرائم الأوصاف .
إنّه الحسين (عليه السّلام) موضعُ عناية الباري , ليُصبح للعالم قُدوة تنجذب إليها كلُّ نفس تتوق إلى الفضيلة , ويتأسّى بها كلُّ مَنْ رامَ الحقَّ والعدلَ والشرف .
إنّه الحسين (عليه السّلام) الذي ملأَ الآفاقَ بالحسراتِ عليه والشوق إليه ؛ حيث هو محلُّ معرفةِ اللَّه , ومسكنُ بركة اللَّه , ظُلِم فعظُمتْ رزيّتهُ ؛ فخلّفَ عليه عبْرَ التاريخ وعلى امتداد الزمن آهاتٍ لا تنقطع , ودموعاً مِن عينِ كلِّ عارفٍ بشأنه متفجِّع .
ولكي نزداد معرفةً ونزداد بركةً بالإمام الحسين (صلوات اللَّه عليه) دعونا نقف عند النصوص التي ذكرتْه , نبتدئ بأشرفها وهي آياتُ الكتاب الحكيم .
1 ـ قال اللَّه الرحيم في محكم تنزيلهِ الكريم : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب : 33] .
والآية وثيقةٌ إلهيّةٌ , وشهادةٌ عُلْويّة تثبّتُ وسامَ المقامِ السامي الذي يحظى به أهلُ البيت (سلام اللَّهِ عليهم أجمعين) , ومنهم الإمام الحسين (عليه أفضلُ الصلاةِ والسلام) ؛ إذِ الآيةُ الكريمة ـ كما ذكر أهلُ الصحاح ـ في مقام دعاءِ النبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) بعد أنْ جلَّل عليّاً وفاطمةَ والحسن والحسين (عليهم السلام) بكسائه , ثمّ قال : (( اللّهمَّ هؤلاءِ أهل بيتي فأَذهِبْ عنهمُ الرجسَ وطهِّرهم تطهيراً )) .
يراجع في ذلك صحيح مسلم (فضائل الصحابة) , وصحيح الترمذي (الجزء الثاني) , ومسند أحمد بن حنبل , ومستدرك الصحيحين , ومجمع البيان , وغيرها مِن كتب التفسير والحديث والسيرة .
2 ـ وقال (تبارك وتعالى) : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران : 61] .
وقد أجمعَ أهلُ التفسير , ومنهم : الزمخشريّ في (الكشّاف) , والفخرُ الرازي في (التفسير الكبير) , والسيوطي في (الدرّ المنثور) , وأهلُ الحديث , ومنهم : مسلم في (الصحيح) , وأحمد بن حنبل في (المُسند) , والترمذي في (السُّنن) , وغيرُهم , أجمعوا على أنَّ الآية الكريمة نزلتْ بعد اتّفاق لنصارى نجران مع رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) أنْ يبتهلوا إلى اللَّه تعالى لِيُهلِكَ مَنْ كان في دعوته على الباطل .
وفي يوم الموعد خرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) للمباهلة محتضناً الحسين , آخذاً بيد الحسن , وابنتهُ فاطمة تسير خلْفَه , وعليٌّ يمشي خلفَهم , وهو (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( إذا دعوتُ فأَمِّنُوا )) .
فما أنْ رأى نصارى نجران تلكَ الوجوه البهيّة حتّى اعتذروا إلى رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) عن المباهلة , وهي لعن الكاذب بعد أنْ دعاهُم النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى الشهادتين , وأنَّ عيسى (عليه السّلام) عبدٌ مخلوق يأكلُ ويشرب ويحدث , فأَبَوْ , فقال (صلّى اللَّه عليه وآله) : (( فلْيُحْضِرْ كلٌّ منّا ومنكم نفسَه وأعزّةَ أهله فندعوا على الكاذبِ من الفريقين )) .
وأخيراً زحف الخوفُ إلى نفوس النصارى وانسحبوا عن المباهلة راضين بالجزية , منصرفين بالخزي والخيبة , معتقدين أنَّ الخمسة المباهلين هم أولياءُ اللَّه .
3 ـ وقال (عزَّ مِن قائل) : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى : 23].
جاء في مسند أحمد بن حنبل , وصحيح البخاري , وصحيح مسلم , وتفسير الثعالبي , وتفسير الطبرسي , عن ابن عباس (رحمه اللَّه) أنّه قال : لمّا نزل قوله تعالى : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى : 23] قالوا : يا رسول اللَّه , مَنْ قرابتُك الذين وجبتْ علينا مودّتُهم ؟
قال (صلوات اللَّه وسلامُه عليه وآله) : (( عليٌّ وفاطمة وابناهما )) .
وفي أسباب النزول , عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) قال في حديثٍ طويل : (( فلمّا رجع رسولُ اللَّه (صلى اللَّه عليه وآله) مِن حجّة الوداع , وقدِم المدينة , أتتْه الأنصارُ فقالوا : يا رسول الله , إنّ اللَّه (جَلّ ذِكْرُه) قد أحسنَ إلينا وشرّفنَا بك وبنزولك بين ظهرانين ؛ فقد فرّح اللَّهُ صديقَنا , وكبتَ عدوّنا (أي أذلّه وأخزاه) , وقد تأتيك وفودٌ فلا تجد ما تُعطيهم فيشمت بك العدوّ , فنُحبّ أنْ تأخذ ثُلُثَ أموالنا حتّى إذا قدِم عليك وفدُ مكةَ وجدتَ ما تُعطيهم .
فلم يردَّ رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) عليهم شيئاً , وكان ينتظر ما يأتيه مِن ربّه , فنزل جبرئيلُ (عليه السّلام) وقال : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى : 23], ولم يقبلْ أموالهم )) .
وأمّا أحاديثُ النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في شأن الإمام الحسين (عليه السّلام) فهي وافرة وفيرة لا يجمعها كتابٌ واحد , وقد اُفردتْ لها فصولٌ عديدة , بل كتبٌ مفصلّة . ونحن إذْ يفوتُنا الكثير لا نعذر أنفسَنا عن ذكْرِ اليسير , فما لا يُدرَكُ كلُّه لا يُترك كلُّه .
قال (صلّى الله عليه وآله) : (( حسينٌ منّي وأنا مِن حسين , أحَبَّ اللَّه مَنْ أحبَّ حسيناً , حسينٌ سبطٌ من الأسباط ))(1) .
وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ ابني هذا يُقتل بأرضٍ مِن أرض العراق , فمَنْ أدركه فلْينصرْه ))(2) .
وعن أبي هريرة قال : نظر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى عليٍّ والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السّلام) , فقال : (( أنا حربٌ لمَنْ حاربكم , وسلمٌ لمن سالمكم ))(3) .
وعن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسولُ اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) :
(( الحسن والحسين سيّدا شبابِ أهل الجنّة ))(4) .
وقال النبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) : (( لمّا استقرّ أهلُ الجنّة , قالتِ الجنّة : يا ربّ , أليس وعدتَني أنْ تزيّنني بركنينِ من أركانك ؟ قال : ألم اُزيّنكِ بالحسن والحسين ؟! فماستِ الجنّة ميساً كما تميس العروس ))(5) .
وعن سلمان المحمّدي قال : دخلتُ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) واذا الحسينُ على فخِذه , وهو يقبّلُ عينَيه ويلثمُ فاه , ويقول : (( إنّك سيد ابن سيد أبو سادة , إنك إمام ابن امام أبو أئمّة , إنك حجّة ابن حجّة أبو حججٍ تسعةٍ من صُلبك , تاسعهُم قائمهم ))(6) .
وعن أبي هريرة قال : خرج علينا رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) ومعه الحسن والحسين , هذا على عاتقه وهذا على عاتقه , وهو يلثمُ هذا مرّة وهذا مرّة حتّى انتهى إلينا , فقال له رجل : يا رسول اللَّه , إنك تُحبُّهم ؟
فقال : (( نعم , مَنْ أحبّهما فقد أحبّني , ومَنْ أبغضهما فقد أبغضني ))(7) .
وقال النبيُّ الهادي (صلّى الله عليه وآله) : (( لكلّ اُمّةٍ سبط , وسبطُ هذه الاُمّة الحسن والحسين ))(8) .
وقال (صلّى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (عليها السّلام): (( ... ومِنّا سبطا هذهِ الاُمّة الحسنُ والحسين , وهما ابناك , ومِنّا المهديّ ))(9) .
وعن ابن عباس قال : قال رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) : (( ليلة عُرج بي إلى السماء رأيتُ على باب الجنّة مكتوباً : لا إله إلاّ اللَّه , محمّدٌ رسولُ اللَّه , عليٌ حِبُّ اللَّه , والحسن والحسين صفوةُ اللَّه , فاطمةُ خيرةُ اللَّه , على باغضهم لعنة اللَّه ))(10) .
وعن ابن عباس قال : قدِم يهوديّ يُقال له : (نعثل) , فقال : يا محمّد , أسألك عن أشياءَ تتلجلجُ في صدري منذ حين , فإنْ أجبتَني عنها أسلمتُ على يديك . أخبرْني عن وصيّكَ مَنْ هو ؟ فَما مِن نبيٍّ إلاّ وله وصيّ , وإنّ نبيّنا موسى بنَ عمران وصيُّه يوشَعُ بنُ نون .
فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : (( إنَّ وصيّي عليُّ بنُ أبي طالب , وبعده سبطاي الحسنُ والحسين , تتلوه تسعةُ أئمةٍ مِن صُلب الحسين )) .
قال : يا محمّد , فسَمِّها لي .
قال : (( فإذا مضى الحسين فابنُه عليّ , فإذا مضى عليّ فابنُه محمّد , فإذا مضى محمّد فابنُه جعفر , فإذا مضى جعفر فابنُه موسى , فإذا مضى موسى فابنهُ عليّ , فإذا مضى عليّ فابنهُ محمّد , فإذا مضى محمّد فابنه عليّ , فإذا مضى عليّ فابنه الحسن , فإذا مضى الحسنُ فابنُه الحجّةُ المهديّ ))(11) .
وعن جابر بن عبد الله الأنصاريّ (رضي اللَّه عنه) قال : دخل جندل بنُ جبير اليهوديّ على رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) , وسأل عن أشياءَ فأجابه النبيّ , ثم قال : أخبرْني عن أوصيائِكَ مِن بعدك لأتمسّك بهم .
قال : (( أوصيائي اثنا عشر )) .
قال جندل : هكذا وجدناهم في التوراة . يا رسول اللَّه , سمّهم لي .
فقال : (( أوّلُهم سيّدُ الأوصياء أبو الأئمةِ علي , ثمَّ ابناه الحسن والحسين , فاستمسكْ بهم ولا يغرّنك جهلُ الجاهلين , فإذا وُلد عليُّ بنُ الحسين زينُ العابدين يقضي اللَّهُ عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبنٍ تشربه )) .
فقال جندل : وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء إيليا وشبّراً وشُبيراً , فهذا اسمُ عليّ والحسنِ والحسين , فمَن بعد الحسين , وما اسمُهم ؟
فقال (صلّى الله عليه وآله) له : (( إذا انقضتْ مدةُ الحسين فالإمام ابنُه عليّ , ويُلقّبُ بزينِ العابدين , فبعده ابنُه محمّد , ويلقّبُ بالباقر , فبعده ابنه جعفر , يُدعى بالصادق , فبعده ابنه موسى , يُدعى بالكاظم , فبعده ابنُه عليّ , يُدعى بالرضا , فبعده محمّد , يُدعى بالتقيّ والزكيّ , فبعده ابنُه عليّ , يُدعى بالنقيّ والهادي , فبعده ابنُه الحسن , يُدعى بالعسكريّ , فبعده ابنُه محمّد , يُدعى بالمهديّ والقائم والحجة , فيغيب ثمّ يخرج , فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ... ))(12) .
وعن ابن عباس قال : كنتُ عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعلى فخذه الأيسر ابنُه إبراهيم , وعلى فخذه الأيمن الحسينُ بنُ عليّ ؛ تارةً يُقبّل هذا وتارةً يقبّلُ هذا , إذْ هبط عليه جبرئيل (عليه السّلام) بوحيٍ مِن ربّ العالمين , فلمّا سرى عنه قال : (( أتاني جبريلُ من ربّي , فقال لي : يا محمّد , إنّ ربَّكَ يقرأ عليك السّلام , ويقول لك : لستُ أجمعهمُا لك , فافْدِ احدَهما بصاحبه )) .
فنظر النبيُّ (صلى اللَّه عليه وآله) [إلى إبراهيم] فبكى , ونظر إلى الحسين فبكى , ثم قال : (( إنّ إبراهيم اُمُّه أَمَة , ومتى مات لم يحزنْ عليه غيري , واُمُّ الحسين فاطمة , وأبوه عليٌّ ابنُ عمّي , لحمي ودمي , ومتى مات حزنتْ ابنتي وحزن ابن عمّي وحزنتُ أنا عليه , وأنا اُوثر حزني على حزنهما . يا جبريل , تقبضُ إبراهيم ؛ فديته بإبراهيم )) .
قال : فقُبض بعد ثلاث , فكان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) إذا رأى الحسينَ مُقْبِلاً قبّله , وضمّه إلى صدره , ورشفَ ثناياه , وقال : (( فُديت من فَديتُه بابني إبراهيم ))(13) .
وعن ابن عباس (رضي اللَّه عنه) قال : حضرتُ رسولَ اللَّه (صلى اللَّه عليه وآله) عند وفاته وهو يجود بنفسه , وقد ضمَّ الحسينَ إلى صدره وهو يقول : (( هذا من أطائب اُرومتي , وأبرارِ عترتي , وخيار ذرّيّتي , لا بارك اللَّهُ فيمَنْ لم يحفظْه مِن بعدي )) .
قال ابنُ عباس : ثمّ اُغميَ على رسول اللَّه ساعة , ثم أفاق , فقال : (( يا حسين , إنّ لي ولقاتلِكَ يوم القيامة مقاماً بين يدَيْ ربيّ وخصومة , وقد طابتْ نفسي ؛ إذْ جعلني اللَّهُ خصماً لمَنْ قاتلك يومَ القيامة ))(14) .
وهذه الأحاديث الشريفة ـ على قلّة ما أوردنا ـ هي مفصحةٌ عن قدْر الإمام الحسين (عليه السّلام) ومقامه السامي , ومنزلته الرفيعة وشأنه الجليل عند اللَّه (جلّ ذكْرُه) , وعند سيّد الرسُل (صلّى الله عليه وآله) .
ولا نقول بعد ذلك إلاّ أنّ الإمام الحسين (سلام اللَّه عليه) هو مجمعُ الفضائل , وقد فاز مَنْ أحبّه , وسعد مَنْ والاه , وهلكَ مَن عاداه , وخابَ مَنْ جحَده وحاربه وأبغضه , وضلّ مَن فارقه وخالفه .
ومَنْ أراد الاطمئنان إلى صحةِ ذلك فنحن نصحبُه إلى صحابة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) , ومَنْ جاءَ بعدهم , نجالسهم ونستمع إليهم وهم يُحدّثوننا عمّا أرتأوا .
* قال عمر بن الخطاب للإمام الحسين (عليه السّلام) : إنّما أنبتَ ما ترى في رؤوسنا اللَّه , ثمّ أنتم .
* وقال : أخرجه ابن سعد , وابن راهويه , وذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة / 107 , ولكن قال : قال عمر : وهل أنبت الشعرَ في الرأس بعد اللَّه إلاّ أنتم ؟!
* وفي رواية قال عمر : إذا جئتَ فلا تستأذن . أخرجه الدارقطني .
* وروى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده بهذه الصيغة : وعن عبيد بن حنين , عن حسين بن علي (عليه السّلام) قال : (( صعدتُ إلى عمر وهو على المنبر , فقلت : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك . فقال : مَنْ علّمكَ هذا ؟ قلت : ما علّمنيهِ أحد . فقال : منبرُ أبيكَ واللَّهِ , وهل أنبتَ على رؤوسنا الشعرَ إلاّ أنتم )) .
* وذكره محمّد بن سعد في كتابه , وطرقه محدّث الشام بطرق شتّى , وأورده ابن حجر في الإصابة 1 / 333 بهذا النص : قال عمر بن الخطاب للحسين (عليه السّلام) : فإنّما أنبتَ ما ترى في رؤوسنا اللَّه ثمَّ أنتم .
* وقال : سنده صحيح . ثمَّ روى على الصفحة ذاتها بإسناده عن العيزاب بن حرب , بينا عبد الله بن عمر جالس في ظلّ الكعبة إذْ رأى الحسينَ مقبل , فقال : هذا أحبُّ أهلِ الأرض إلى أهل السماءِ اليوم .
* وفي رواية ابن الأثير في اُسد الغابة 3 / 234 قال ابن عمر : ألاَ اُخبركم بأحبّ أهل الأرضِ إلى أهل السماء ؟ قالوا : بلى . قال : هو هذا الماشي ـ مشيراً إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) .
ذكره الهندي في كنز العمال 6 / 86 , وأخرجه ابن عساكر , وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 186 , وأورده ابن حجر في الإصابة 2 / 15 , وتهذيب التهذيب 2 / 346 .
* وقال عثمان بن عفان في الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر (عليهم السّلام) : فُطموا العلمَ فطماً , وحازوا الخيرَ والحكمة .
* وقال أبو هريرة : دخل الحسين بن عليّ وهو معتمّ , فظننتُ أنّ النبيَّ قد بُعث.
* وروى الگنجيّ الشافعيّ بإسناده عن أبي المهزم قال : كنّا مع جنازةِ امرأة ومعنا أبو هريرة , فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأةِ فصلّى عليهما , فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق , فجعل أبو هريرة ينفضُ الترابَ عن قدميه بطرفِ ثوبه , فقال الحسين (عليه السّلام) : (( يا أبا هريرة , وأنت تفعل هذا ؟! )) .
فقال أبو هريرة : دعْني , فو اللَّهِ لو علِمَ الناسُ منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.
* وأخذ ابن عباس بركاب الحسن والحسين (عليهما السّلام) , فعُوتب في ذلك , فقيل له : أنت أسنّ منهما . فقال : إنّ هذينِ ابنا رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) , أفليس من سعادتي أنْ آخذَ بركابهما.
* وفي رواية أجاب المعترض : يالُكع ! وما تدري مَنْ هذان ؟ هذانِ ابنا رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) , أو ليس ممّا أنعم اللَّه علَيّ به أن أمسك لهما واُسوّيَ عليهما.
* وقال له معاوية بعد وفاة الحسن (عليه السّلام) : يابنَ عباس , أصبحتَ سيّدَ قومك.
فقال : أمّا ما أبقى اللَّهُ أبا عبد الله الحسين فلا .
* وقال معاوية لعبد اللَّه بن جعفر : أنت سيّدُ بني هاشم .
فأجابه عبد الله : سيّدُ بني هاشم حسنٌ وحسين .
* وكتب عبد الله بن جعفر (رضوان اللَّه تعالى عليه) إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) : إنْ هلكتَ اليوم طُفئ نورُ الإسلام ؛ فإنّك علَمُ المهتدين , ورجاءُ المؤمنين.
* وسألَ رجلٌ عبد الله بن عمر عن دم البعوض , أي عن نجاسته , فقال عبد الله : ممّن أنت ؟
فقال : مِن أهل العراق .
قال : انظروا إلى هذا يسألُني عن دم
البعوض وقد قتلوا ابن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ! وسمعتُ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( هما ريحانتايَ من الدنيا )) .
* وقال محمّد بن الحنفيّة : إنّ الحسين أعلمُنا علْماً , وأثقلُنا حلْماً , وأقربُنا من رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) رحماً , كان إماماً فقيهاً .
* مرّ الحسين (عليه السّلام) بعمرو بنِ العاص وهو جالسٌ في ظلّ الكعبة , فقال عمرو : هذا أحبُّ أهلِ الأرض إلى أهل الأرض , وإلى أهل السماء اليوم.
* وقال عبد الله بن عمْرو بنِ العاص , وقد مرّ عليه الحسين (عليه السّلام) : مَن أحبَّ أنْ ينظر إلى أحبِّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلْينظرْ إلى هذا المجتاز .
* وقال معاوية لابنهِ يزيد , وقد أشار عليه أنْ يكتب للحسين (عليه السّلام) جواباً عن كتابٍ كتبه (عليه السّلام) لمعاوية , وأنْ يُصغِّر له نفسَه , قال : وما عسيتُ أنْ أَعيبَ حسيناً ! و واللَّهِ ما أرى للعيبِ فيه موضعاً .
* وقال الوليد بن عتبة ـ والي المدينة ـ لمروان بن الحكم لمّا أشار عليه مروان بقتل الحسين (عليه السّلام) إذا لم يبايع يزيد : واللَّهِ يا مروان , ما اُحبُّ أنَّ لي الدنيا وما فيها وأنيّ قتلتُ الحسين . سبحانَ اللَّه ! أقتلُ حسيناً إنْ قال : لا اُبايع ! واللَّهِ إنيّ لأظنُّ أنَّ مَنْ يقتل الحسين يكون خفيفَ الميزان يوم
القيامة .
* وخطب يزيدُ بن مسعود النهشليّ (رحمه اللَّه) فقال : وهذا الحسينُ بنُ عليّ , ابنُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) , ذو الشرف الأصيل , والرأيِ الأثيل , له فضلٌ لا يُوصف , وعلمٌ لا ينزف , وهو أولى بهذا الأمر ؛ لسابقته وسنِّه , وقِدَمه وقرابته ؛ يعطف على الصغير , ويحنو على الكبير , فأكرِمْ به راعيَ رعيه , وإمامَ قومٍ وجبتْ للَّه به الحُجّة , وبلغتْ به الموعظة.
* قال عبد الله بن الحرّ الجُعفيّ : ما رأيتُ أحداً قطّ أحسنَ ولا أملأَ للعين من الحسين .
* وقال الربيعُ بن خيثم لبعضِ مَن شهد قتلَ الحسين (عليه السّلام) : واللَّه , لقد قتلتُم صفوةً لو أدركهم رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) لقبّل أفواههم , وأجلسهم في حِجْرِه .
* وقال إبراهيم النخعيّ : لو كنتُ فيمَنْ قاتل الحسين ثمّ أدخل الجنّة لاستحييتُ أنْ أنظرَ إلى وجه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) .
* وقال ابن سيرين : لم تبكِ السماءُ على أحدٍ بعد يَحيى بنِ زكريا إلاّ على الحسين (عليه السّلام) , ولمّا قُتل اسودّتِ السماء , وظهرتِ الكواكبُ نهاراً حتّى رُؤيتِ الجوزاءُ عند العصر , وسقط الترابُ الأحمر , ومكثت السماءُ سبعة أيام بلياليها كأنّها علَقة .
* وقال (غاندي) زعيم الهند : تعلّمتُ من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصِر .
* وقال الاُستاذ علي جلال الحسينيّ : السيّد الزكيّ , الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السّلام) , ابن بنت رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) وريحانته , وابنُ أمير المؤمنين عليّ (كرّم اللَّه وجهَه) , وشأن بيت النبوة له أشرف نَسب , وأكمل نفس .
جمعَ الفضائلَ ومكارمَ الأخلاق ومحاسنَ الأعمال ؛ من علوِّ الهمّة , ومنتهى الشجاعة , وأقصى غايةِ الجود , وأسرار العلم , وفصاحةِ اللسان , ونصرة الحق , والنهيِ عن المنكر , وجهاد الظلم , والتواضع عن عزِّ , والعدل , والصبر , والحلم , والعفاف , والمروءة , والورع , وغيرها .
واختصّ بسلامةِ الفطرة , وجمال الخلقة , ورجاحةِ العقل , وقوة الجسم , وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعالَ الخير ؛ كالصلاة , والحجّ , والجهاد في سبيل اللَّه , والإحسان .
وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه , مُرشِداً بعمله , مهذِّباً بكريم أخلاقه , ومؤدِّباً ببليغ بيانه , سخيّاً بمالِه , متواضعاً للفقراء , معظَّماً عند الخلفاء , موصلاً للصدقة على الأيتام والمساكين , منتصفاً للمظلومين , مشتغلاً بعبادته , مشى من المدينة على قدميه إلى مكّة حاجّاً خمساً وعشرين مرّة ... إلخ .
وقال : كان الحسينُ في وقته علَمَ المهتدين , ونور الأرض , فأخبارُ حياته فيها هدىً للمسترشدين بأنوار محاسنه , المقتفين آثار فضله .
* وقال الاُستاذ محمّد رضا المصري : هو ابنُ بنتِ رسولِ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) , وعلَمُ المهتدين , ورجاءُ المؤمنين .
* وقال عمر رضا كحالة : الحسين بن عليّ , وهو سيّدُ أهلِ العراق فقهاً
وحالاً , وجُوداً وبذلاً.
* وقال الاُستاذ عبد الله العلايلي : جاء في أخبار الحسين (عليه السّلام) أنّه كان صورةً احتبكتْ ظِلالُها مِن أشكال جَدّهِ العظيم , فأفاض النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عليه إشعاعةً غامرةً مِن حبّه وأشياءِ نفسه ؛ ليتمَّ له أيضاً مِن وراءِ الصورة معناها , فتكون حقيقةً مِن بعدُ كما كانت مِن قبلُ إنسانيّةً ارتقتْ إلى نبوّة (( وأنا مِن حسين )) , ونبوّةً هبطتْ إلى إنسانيّة (( حسين منّي )) , فسلامٌ عليه يوم وُلد .
* وقال الاُستاذ عبّاس محمود العقّاد : مَثُلَ للناس في حُلّةٍ من النور تخشع لها الأبصار , وباءَ بالفخرِ الذي لا فخرَ مثلُه في تواريخ بني الإنسان , غير مستثنىً منهم عربيٌّ ولا عجميّ , وقديم وحديث ؛ فليس في العالم اُسرةٌ أنجبتْ من الشهداء مَنْ أنجبتْهم اُسرةُ الحسين ؛ عُدّةً وقدرة وذكرة , وحسْبُه أنّه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيدُ ابنُ الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين .
* وقال الاُستاذ عمر أبو النصر : هذه قصة اُسرةٍ من قريش , حملتْ لواءَ التضحية والاستشهاد والبطولة من مشرق الأرض إلى مغربها , قصة ألّفَ فصولَها شبابٌ ما عاشوا كما عاش الناس , ولا ماتوا كما مات الناس ؛ ذلك أنَّ اللَّه شرّفَ هذهِ الجماعةَ مِن خلْقه بأنْ جعل النبوّة والوحيَ والإلهامَ في منازلها , وزاد ندىً فلم يشأ لها حظَّ الرجلِ العادي مِن عباده , وإنّما أرادها للتشريد والاستشهاد , وأرادها للمُثلِ العليا مِن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وكتب لها أنْ تتزعّمَ لواءَ التقوى والصلاح إلى آخر ما يكون مِن ذرّيتها .
* وقال الاُستاذ عبد الحفيظ أبو السعود : عنوانُ النضال الحرّ , والجهادِ
المستميت , والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة , وعدم الخضوع لجور السلطان وبغي الحاكمين .
* وقال الاُستاذ محمّد الباقر : إنّ سيرة البطل الشهيد الإمام الحسين بن عليّ جديرةٌ بأنْ ينقشَها العربُ جميعاً ـ على تنوّعِ ميولهم ومذاهبهم ـ في أمواق أفئدتهم ؛ ذلك لأنّ هذهِ السيرةَ إنما هي سيرة التضحية والعقيدة , سيرةُ العزّةِ والكرامة .
* وقال الاُستاذ أحمد حسن لطفي : إنّ الموتَ الذي كان ينشدهُ فيها كان يمثّلُ في نظرهِ مثلاً أروع من كل مُثلِ الحياة ؛ لأنَّه الطريق إلى اللَّهِ الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى ؛ ولأنّه السبيلُ إلى الانتصار وإلى الخلود ؛ فأعظمُ بطل مَن ينتصر بالموت على الموت .
* وقال الاُستاذ علي الشرقيّ : ما أجدر بثورةٍ كثورةٍ الحسين (عليه السّلام) بأنْ تُوصفَ بالشموليّة ؛ فهي ثورةٌ لكلِّ انسانٍ فوق هذا الكوكب , مسلماً كان أو غير مسلم , وهذا بعضُ ما يجب أنْ يُقالَ بحقّ الثورةِ التي كانتْ وستبقى الثورةَ المثالية والرائدةَ بلا مُنازع .
* وقال الاُستاذ أنطون بارا (الكاتب المسيحيّ) : الثورة التي فجّرها الحسين بن عليّ (عليه وعلى أبيه أفضلُ السّلام) في أعماق الصدور المؤمنة والضمائر الحرّة , هي حكاية الحريّة الموءودة بسكّينِ الظلم في كلِّ زمانٍ ومكان وُجِد بهما حاكمٌ ظالم غشوم لا يُقيم وزناً لحريّة إنسان , ولا يصون عهداً لقضيّةٍ بشريّة .
وهي (أي ثورة الحسين) قضية الأحرار تحت أيِّ عنوانٍ انضوَوا , وخلفَ أيّةِ عقيدةٍ ساروا ...
ـ الحسين (عليه السّلام) ثار مِن أجل الحقّ , والحقُّ لكل الشعوب . والحسين (عليه السّلام) ثار مِن أجل مرضاةِ اللَّه , وما دام اللَّه خالقَ الجميع فكذلك ثورة الحسين لا تختصّ بأحدٍ معيّن , بل هي لكلِّ خلْقِ اللَّه .
وفي قولة النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً )) دِلالةٌ على شموليّةِ ثورة الحسين (عليه السّلام) ؛ فقولةُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) لم تقتصر على (المسلمين) , وإلاّ للَفظها لسانُه الكريم بهذا المعنى , لكنّه (صلّى الله عليه وآله) شمل كلَّ المؤمنين قاطبةً تحتَ أيّة عقيدةٍ انضوَوا , وفوقَ أيّةِ بقعةٍ فوق الأرض وُجدوا , وخصّهم بنصيبٍ من هذه الحرارة السَّنِيّة التي لا تبرد في قلوبهم لقتل الحسين (عليه السّلام) .
المظلومون والمضطهدون , والمقهورون والمروَّعون مِن كلّ المذاهب والبقاع يتّجهونَ في كلّ رغباتهم إلى جوهر ثورة الحسين (عليه السّلام) ؛ ففي اتجاههمُ الفطريّ ورودٌ إلى منبع الكرامةِ والإنصاف , والعدل والأمان .
* وقال المطران الدكتور برتلماوس عجمي : مَن أجدر من الحسين (عليه السّلام) لأنْ يكونَ تجسيداً للفداء في الإسلام ؟! ومَن أجدر من الفكر المسيحيّ لأنْ يفهم رموزَ ومعاني هذا الفداء ـ الركن الأول في المسيحيّة , وبالتالي يُحبّ من يتقدّم إليه راضياً مرضيّاً لوجه اللَّه والحقِّ الإلهيّ ؟! فالحسين من وجهةِ نظرٍ مسيحيّة هو شهيد للمسيحيّة كما للإسلام , وكما لغيرهما أيضاً ؛ لأنَّ فداءَه ذو أهدافٍ إنسانيّة شمولية لا تختصّ بفردٍ دونَ آخَر .
* وقديماً قال ذلك المسيحيّ المعجَب : لو كان الحسينُ لنا لرفعنا له في كلِّ بلدٍ بيرقاً , ولنصبنا له في كلّ قريةٍ مِنبراً , ولدعونا الناس إلى المسيحيّة باسم
الحسين .
أجل واللَّه , فالحسين مفخرةُ الدهر , وغُرّة جبين التاريخ , ومشعل الحرية , وكمال الشرف الإنساني , وعنوانُ كلِّ فضيلة . يحقّ لكلّ مؤمنٍ وحرّ , بل ينبغي أنْ يرفع للحسين ـ مفتخِراً ـ بيرقاً أينما كان , وينصبَ له في كلّ قرية منبراً يصدعُ مِن عليه بياناتِ الثورة الحسينيّة ؛ اُسوةِ كلّ الثورات .
فالحسين القدوةُ الأجلّ , وثورتُه ثورةُ الحقِّ الذي تتوق إليه الاُمم , فيفتخر ـ ويحقُّ له ذلك ـ كلُّ من انتسب إلى الحسين (عليه السّلام) بالسبب وبالنسَب كما انتسب سلمان إلى البيت النبويّ الشريف بالسبب , حينما قال رسولُ الإنسانيّة (صلّى الله عليه وآله) : (( سلمانُ منّا أهلَ البيت )) .
لقد بلغ الإمام الحسينُ (عليه السّلام) شأواً وشأناً عظيمَينِ أخضع بهما رقابَ المعاندين فأقرّوا له بالكمالات والفضائل , وأجبر بهما القلوبَ على مولاته إلاّ ما رانَ عليها , واستدرّتا الألسنة بالمدحِ والإطراءِ عليه (سلام اللَّه عليه) , فقال مَن قال وهو في نشوةِ الحديث , وظنّ البعضُ أنّه وفى بوصفه , وأنّى له ذلك ! لأنّ مَنْ رأى لم يرَ إلاّ قبساً من النور الإلهيّ الأقدس الذي شدَّ إليه العيون والألباب , الأعداءَ منهم والأحباب .
يقول الشيخ التستريّ (طاب ثراه) : كُتب مدحُه عن يمين العرش أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة , وقد مدحه تعالى في الأحاديث القدسيّة بمدائح , منها ما في حديث وضع اليد , قال تعالى : (( بُوركَ مِن مولود عليه صلواتي , ورحمتي وبركاتي )) .
وقد وصفه بأنّه : (( نورُ أوليائي , وحُجّتي على خلْقي , والذخيرة للعصاة )) .
وقد مدحه رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) بمدائح عجيبة , منها أنّه قال له يوماً : (( مرحباً بكَ يازينَ السماوات والأرض )) .
فقال اُبيُّ بنُ كعب للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) : وهل غيرُك زينُ السماواتِ والأرض ؟!
فقال : (( يا اُبي , والذي بعثني بالحقّ نبيّاً , إنّ الحسينَ بنَ عليّ في السماوات أعظمُ ممّا في الأرض , وقد كتب اللَّهُ في يمين العرش أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة )) . ثمّ أخذ (صلّى الله عليه وآله) بيد الحسين (عليه السّلام) وقال : (( أيُّها الناس , هذا الحسينُ بنُ عليّ فاعرفوه , وفضّلوه كما فضّله اللَّه )) . إلى غير ذلك .
وقد مدحه جميعُ الأنبياءِ والملائكة وعباد اللَّه الصالحين , لكنّ خصوصيّته (عليه السّلام) في الممدوحية أنه ممدوحُ الأولياءِ والأعداء ؛ فقدِ اختُصّ بمدحِ أعدائهِ له , مدحه معاويةُ في وصيّته ليزيد , ومدحه عُمر بنُ سعد في بعض أبياته , مدحه قتَلَتُه حين وقفوا لمبارزته , وأشهَدهم .
ومدحه شمر قاتلُه حين قال له : كفوٌ كريم , ليس القتلُ بيده عاراً . ومدحه سنان حين اشتغل بقتله , فقال :
اقتلُك اليومَ ونفسي تعلمْ علماً يقيناً ليس فيه مكتمْ
أنَّ أباكَ خيرُ مَن تكلّمْ
ومدَحَه رافعُ رأسه حين جاء به إلى ابن زياد , فقال :
املأْ ركابي فضّةً أو ذهب إنّي قتلتُ السيّدَ المحجَّبا
قتلتُ خيرَ الناسِ اُمّاً و أب وخيرَهم إذْ يُنسَبونَ نسبا
وقد مدحه يزيد في مجلسه حين دخلتْ عليه (هند) زوجتُه في مجلس عامٍّ حاسرةً فغطّاها , فقال : اذهبي وابكي وأعولي على الحسين صريخةِ قريش .
نعم , فكلّ مَنْ رآه أو سمع به تاقتْ نفسُه إلى الثناء عليه , أو غفل عن لسانه حتّى سمعه يُثني عليه , ولكنْ كلُّ مَنْ قال مادحاً عاد إلى نفسه فوجد أَنّه عرف شيئاً وغابتْ عنه أشياء , ولسانُ حاله يقول :
ويا عجباً منّي اُحاول وصفَه وقد فُنيتْ فيه القراطيسُ والصُحْفُ
وذلك لأنَّ الحسين (عليه السّلام) أجلُّ مِن أنْ يُحاط به الوصف , يقول فيه أحدُ الشعراء :
تعاليتَ عن مدحٍ فأَبلغُ خاطبٍ بمدحِكَ بين الناسِ أقصرُ قاصرِ
إذا طاف قومٌ في المشاعرِ والصّف فقبرُك ركني طائفاً ومشاعري
وإنْ ذخرَ الأقوامُ نُسْكَ عبادةٍ فحبُّك أوفى عُدّتي وذخائري
أجل يا ربِّ , سنقْدم عليك وليس لنا ما نستحقّ به الرحمة إلاّ الولاء لأهل بيت الرحمة (عليهم السّلام) ؛ فقد قرأنا وسمعنا أنّ حبيبَكَ المصطفى (صلواتُك عليه وعلى آله) أخذ يوماً بيد الحسن والحسين (عليهما السّلام) فقال : (( مَن أحبّني وأحبَّ هذينِ وأباهما واُمَّهما كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة ))(15) .
فنظم هذا المعنى أبو الحسين ـ كما في نظم الأخبار ـ فقال :
أخذَ النبيُّ يدَ الحسين وصنوِهِ يوماً وقال و صحْبُه في مَجمعِ
مَنْ ودّني يا قومِ أو هذينِ أو أبوَيهِما فالخُلْدُ مسكنُه معي
اللهمَّ وفّقْنا لأنْ نُرضيَ رسولَك بحُبِّ آله أجراً للرسالة , وأنتَ الذي قلت له : { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى : 23].
وقد قرأنا وسمعنا , ونَقَل لنا اُسامةُ بن زيد قائلاً : طرقتُ على النبي (صلّى الله عليه وآله) ذات ليلة في بعض الحاجة , فخرج إليّ وهو مشتمِلٌ على شيءٍ ما أدري ما هو , فلمّا فرغتُ مِن حاجتي قلتُ : ما هذا الذي أنتَ مشتملٌ عليه ؟
فكشفه فاذا هو الحسنُ والحسين على ورِكَيه , فقال : (( هذانِ ابنايَ وابنا ابنتي , اللهمَّ إنّي اُحبُّهما واُحبّ مَنْ يُحبُّهما ))(16) .
_______________
(1) صحيح الترمذي 2 / 307 , وصحيح ابن ماجه ـ باب فضائل أصحاب رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) , ومسند أحمد بن حنبل 4 / 172 , واُسد الغابة ـ لابن الأثير 2 / 19 , وكنز العمال 7 / 107 وغيرها .
(2) اُسد الغابة 1 / 123 , 249 , والإصابة ـ لابن حجر 1 / 68 , وكنز العمال 6 / 223 , والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى / 146 وغيرها .
(3) مسند أحمد بن حنبل 2 / 442 .
(4) صحيح الترمذيّ 2 / 306 , و 2 / 307 , ومسند ابن حنبل 3 / 64 , وصحيح ابن ماجة ـ باب فضائل أصحاب رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) , ومستدرك الصحيحين 3 / 167 , وحلية الأولياء ـ لأبي نعيم 4 / 139 , وتاريخ بغداد ـ للخطيب البغدادي 1 / 140 , والإصابة 1 / 266 , وكنز العمال 6 / 221 , وغيرها كثير .
(5) تاريخ بغداد 2 / 238 , وكنز العمال 6 / 221 , وغيرهما .
(6) مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ للخوارزمي 1 / 146 .
(7) مستدرك الصحيحين 3 / 166 , وغيره .
(8) كنز العمال 2 / 88 .
(9) مرقاة المفاتيح ـ لعليّ بن سلطان 5 / 602 , وأخرجه الطبرانيّ في معجمه , وذكره المحبّ الطبريّ أيضاً في ذخائر العقبى / 44 .
(10) تاريخ بغداد 1 / 259 ـ والحِبّ هو المحبوب .
(11) ينابيع المودة ـ للشيخ القندوزي الحنفي ـ باب 76 ـ 2 / 440 , طبع سنة 1302 , نقلاً عنه الحمويني في (فرائد السمطين) , وإكمال الدين وإتمام النعمة ـ للشيخ الصدوق (قُدّس سرّه) / 252 .
(12) كفاية الطالب ـ للكَنجي الشافعي , عنه ينابيع المودة ـ باب 76 / 443 , عن المناقب , عن واثلة بن الأصقع بن قرحاب .
(13) تاريخ بغداد 2 / 204 .
(14) مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ للخوارزمي 1 / 176 .
(15) جامع الترمذي , والفضائل لابن حنبل , والفضائل للسمعاني , وأمالي ابن شريح , وغيره) .
(16) جامع الترمذي , وكتاب السمعاني , وغيرهما .