تعد المعجزات من جملة ادلة اثبات النبوات و الارتباط بالسماء و واحدة من اسس صحة الرسالات السماوية.
و تاريخ النبوات، يثبت اصل صدور المعجزات عنهم، كما ان الكتب السماوية و منها القرآن الكريم، يُصرِّح بذكر عدد من معاجز الانبياء الكرام صلوات اللَّه عليهم أجمعين.
و قد جَرَت السنن الاجتماعية على طلب المعجزات من ادعياء النبوة، و من هنا كان الحق تعالى يظهر بعض المعاجز على أيديهم لكي تكون حُجَّة على البشر.
و في زمننا المعاصر قلَّ تصديقُ بعض الناس بمثل تلك المعجزات كشفاء المرضى و احياء الاموات و انقلاب العصا الى ثعبان و نزول مائدة من السماء. و بعض أتباع الديانات السماوية و بعض المؤمنين بالانبياء أخذوا يفلسفون تلك الامور الخارقة للعادة على اساس العلل و الاسباب الظاهرية و يطبقونها على السنن و النواميس و القواعد العلمية الحاكمة على الطبيعة و ازداد ايمانهم بالمعجزات العلمية التي يذكرها القرآن الكريم، و ازداد تقبلهم و يقينهم بتلك المعجزات.
و الحق أنَّه ينبغي التسليم و قبول كل المعجزات و الايمان بها، ذلك لان المعجزة تعبير عن القدرة الغيبية و القوة المطلقة للَّهسبحانه و تعالى، و المؤمن باللَّه و قدرته و علمه و خلقه و ايجاده لهذا العالم، لا يمكنه ان يُشكك بصدور المعجزة، أوليس هذا العالم الكبير المترامي بكل كراته و مجراته و مخلوقاته الكبيرة و الصغيرة، و كل هذا الروعة في الخلق، معجزة؟
أنَّ المعجزة، هي الامر الذي يعجز البشر عن ايجاده بنفسه بدون الاستعانة بمقدماته و وسائله. و على هذا فنفس العالم، معجزة، و هذه الجبال و البحار و الاشجار و المحيطات و الشموس و المنظومات السماوية، كلها معاجز.
و نزول المائدة من السماء، و احضار الشجرة و احياء الأموات و تكلُّم الحصاء و نظائر ذلك كلها معاجز، فكما إنَّ تلك معجزة فهذه أيضاً معجزة مع فارقٍ و هو أنَّ هذه المنظومات الشمسيه و الجبال و البحار و.. الخ مرئية لنا، و تلك مسموعة فلذا لا نتعجب من الاولى لاننا نزاها يومياً، أمّا معجزات الانبياء و لانها لم تكن مستمرة أبدية- أغلبها و لم نتمكن من لمسها و النظر اليها و انما نسمعها فقط، صارت عجيبةً عندنا و لذا يستبعدها بعض الناس.
اذن، فمن جملة السنن الالهية ان من يُنتخب و يُصطفى من قبل اللَّه للنبوة، لابد ان يكون له معجزة، ليكون ذلك دليلًا على تكذيب أدعياء النبوة المزيفين.
و لقد كان كبار الفلاسفة كابن سينا و الفارابي و ابن مسكويه يؤمنون بمعجزات الأنبياء.
يقول فريد وجدي في دائرة المعارف بعد ان يذكر شرحاً في معجزات الانبياء و خاصة نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله): «لا يوجد اليوم من يستطيع أن ينكر امكان حدوث المعجزات غير جماعة الماديين الذين وقفوا من العلم الطبيعي مع ما وصل اليه منذ مائة سنة و لو كان هؤلاء الماديون يستعرضون أمامهم ما هدي اليه ألوف من العلماء الباحثين في المباحث النفسية في مشارق الارض و مغاربها أمثال الاساتذة «ويليم كروكش» و «روبل ولاس» و «اللورد أفيرى واكسون» و «تندل» و «باركس» و «لودج» و «مورغان» و... من الانجليز و «كاميل فلامريون» و «الدكتر داريكس» و «الدكتورة جيبي» و «الاستاذ شارل ريشه» من الفرنسيين و عدد لا يحصى من العلماء الايطاليين و الالمانيين و الروس و سواهم لرأوا أنّ كل هؤلاء قد هدوا بالتجارب التي أجروها على القوى النفسية الى نواميس ارقى من النواميس الحاكمة على المادة و في استطاعتها في شروط المخصوصة ابطال عمل تلك النواميس و احداث ظواهر جديدة خارقة للنظام الطبيعي المادي فأصبحت المعجزات في نظر العالم من الممكنات و علم أنها تابعة لنواميس خاصة بها. و من البديهي فان من يؤمن بمعاجز الانبياء اليوم، انما يؤمنون بها سماعاً و بالاعتماد فقط على النقولات الموثقة الى درجة كبيرة توجب الاطمئنان القريب من الحس.
قد يظن البعض ان دعوي المعجزة غير مقبول عقلًا و انه مخالفُ للاصول و المقاييس العلمية، أو ان اثبات وقوعها صعب جداً.
لكنَّ هؤلاء على خطأ، ذلك ان المعجزة لا تتنافى ابداً مع العقل، بل إنَّ العقل يؤيد و يُصدِّق وقوعها، عن طريق المشاهدة أو السماع القطعي و النقل اليقيني و المتواتر.
و هؤلاء الذين لا يُخطون خطوة واحدة في طريق قبول و تعقل المعجزة و يعدونها مخالفة للمقاييس العلمية الطبيعية، إن كان مقصودهم من المخالفة، مخالفة العلوم المادية الحديثة التي توصلوا اليها و التي صارت طريقهم الوحيد لمعرفة اسرار الكون، فاننا نقول لهم في معرض الاجابة: إننا لا نحتاج الى هذه الموازين لاثبات صحة دعوى وقوع المعجزات، اذ انَّ تلك القوانين ليست السبيل الوحيد لإدراك كل الحقائق الكونية، إذ إننا اليوم نواجه مجهولات كثيرة جداً تفوق معلوماتنا، و هذه القوانين العلمية لا تهدينا الى تلك المجهولات و اكتشافها فهي قاصرة و لكننا نقبل تلك المجهولات و لا يمكن اثبات امتناعها الا بحكم العقل و البرهان.
اذن، فاذا لم نتعرف على تحقق حادثة خارقة العادة، عن طريق الموازين العلمية الحسيّة و التجريبية، فهذا لا يبيح لنا انكار أصل وجودها، و سيكون مثل هذا الانكار غروراً و تعنتاً و اعتماداً على سلسلة معلومات ناقصة و حفنةٍ من النظريات و الفرضيات غير القطعية.
مَثَلُ هؤلاء الاشخاص مثل الكيميائي الخبير و المطلع المتخصص في التركيبات الكيميائية، الذي يحاول التعرف على كل المسائل الطبيّة من نافذة علم الكيمياء الضيقة، فيرد بعضها و يقبل بعضاً، و يبرم بعضا و ينقُضُ بعضاً، و الحال إنَّ الاطبّاء في العالم و استناداً الى تلك القواعد الطبية التي ينكرها هذا الكيميائى، يقومون بمعالجة و مداواة آلاف البشر يوميّاً.
و عقيدتنا بمعاجز الانبياء و كرامات الاولياء و عللها هو أنها ظواهر كالظواهر الكونية الاخرى الموجودة في هذا العالم الكبير، و سواء سميتموها بأسرار الطبيعة و عالم الخلقة او سمّيتموها خوارق العادات، فأننا نقول إنَّ هذه الامور التي اسمها معجزة قد حصلت و تحققت في هذا العالم و قد ثبت ذلك بأوثق النقولات المتواترة، و امّا تعليلها بالعلل الماديّة فليس بصحيح، و من حاول إضفاء صبغة علمية حسيّة مادية عليها و أنَّها معلولات لعلل مادية طبيعية فهو مشتبه، اذ ان انقلاب العصا الى ثعبان و احياء الموتى على يد عيسى المسيح، لا ارتباط له ابداً بالعلل المادية الطبيعية.
و لو لم تكن تلك الاخبارات الموثقة الّا حول امرٍ عادي بسيط لقبلها الناس ب 1% من تلك الاخبارات و النقولات، و لكن لما كانت تلك الاخبار الموثقة حول امور خارقة للعادة و معجزات غير مأنوسة للبشر فاننا نضطر الى مزيد من التحقق منها و التأمل ثم قبولها.
و في زمننا الحالي، تنقل أحيانا مراكز الانواء الجوّية و بعض الجرائد بعض الظواهر الجوية الغريبة و التي يصعب التصديق بها، و مع ذلك فنحن نصدق تلك المراكز و الجرائد، مع اننا لو سمعنا ذلك الخبر من شخص عادي من افراد المجتمع ممن ليس له خبرة في هذا المجال لاستهزئنا به و اتهمناه بالسطحية و السذاجة، فنحن نقبل من محطات التلفزة و الراديو و وكالات الأنباء العالمية المعتبرة كالاسيوشتيدبرس و غيرها، لان تكذيب هذه المراكز يعني اضطراب النظام الاقتصادي و السياسي العالمي القائم على اساس هذه الاخبارات.
و لكننا نقول إنَّ ذلك خطأ، فان الراي الصادر من انسانٍ عادي محترمٌ أيضاً و لا يمكن ردّه بلا دليل اذ قد يكون مطابقاً للواقع، و انَّ الخبر الذي تنقله وكالة الانباء العالمية الفلانية و الذي لم يقم اي دليل أو قرينة أو شاهد على صحته، لا يمكن قبوله ببساطة كما لا يمكن انكاره و ردّه ببساطة، بل يبقى في حيز الامكان و الرد و القبول.
و اليوم، نجد ان اكثر الناس يقبلون الاخبار التي ينقلها صحفي او مراسل مركز اعلامي، و يرتبون كل الآثار عليها، و كذلك لو سمعوا عن فلكي مجهول الهوية أنَّ النجم المذنب الكذائي سيرتطم بالارض في اليوم الفلاني و ان الارض ستتلاشى، فانهم سيقبلون ذلك دون تردد و سيُسيطر عليهم الخوف و الهلع، يقبلون ذلك و ينكرون كل هذه الاخبار التي تدلُّ على حصول المعاجز على يد الانبياء خاصة معاجز نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله) و الائمة الطاهرين من عترته عليهم السلام، و التي نُقلت في اوثق المصادر التاريخية و الكتب الروائية المعتبرة، و التي رواها أوثق الرواة و المتتبعين، ما يجعلنا نقطع بتحقق تلك المعاجز في الزمن السابق.
و اني لا أظن انَّ متتبعاً للكتب تتبُّعَ احاطةٍ بالوثائق و المدارك التاريخية، يقف على تواتر أخبار المعاجز يُمكنه ان ينكرها، و أنَّ اولئك الذين ينكرون المعاجز انما ينكرونهابسبب عدم اطلاعهم و عدم مراجعتهم للكتب التاريخية و الحديثية الروائية، و يندر أن ينكر ذلك احدٌ عن تعصبٍ أو لاغراض اخرى، فان وجود قوة التعقل و استقامة الفكر تمنع الإنسان من ردِّ هذه الاخبار، فانَّ إنكارها يحكي عدم اعتدال القوة الفكرية و شذوذ العقل و انحرافه.
و على كل حال، فانّنا نعتقد أن أهم دواعي المنكرين للمعاجز هو الاستبعاد المحض، و مجرد الاستبعاد لم يكن ابداً دليلًا عند العقلاء و لا يُعدَّ دليلًا عقلياً قطعياً للاحكام الجزمية.
و في هذا المبحث- معجزات الإمام الحسين (عليه السلام)- لا اريد الخوض في هذا الموضوع اكثر مما ذكرت، خاصة و إنَّ اكثر قراءنا الكرام هم من المؤمنين و المعتقدين بالمعاجز و خوارق العادة، و بناءً على ذلك لا نحتاج الى ذكر مقدمات و توضيحات اكثر في مقام ذكر بعض معجزات الإمام الحسين (عليه السلام).
و صدور المعجزات عن الإمام الحسين (عليه السلام) سواءٌ في حال حياته أو بعد شهادته (عليه السلام) من المسلمات و المتواترات، و انَّ صدور تلك المعجزات عن الشُعاع الحق لنور النبوة و الامتداد الطبيعي لوجود شخص الرسول محمد (صلى الله عليه و آله)، و من صاحب مقام الولاية و الإمامة، غيرُ مستبعدٍ و لا منكر من ايِّ مسلم، فانه اذا لم يكن الحسين (عليه السلام) له مثل هذه المعجزات، فلمن يكون أذن؟
و اذا لم يكن الحسين (عليه السلام) مشمولًا للرعاية الالهية الخاصة، فمن ذا الذي يكون كذلك إذَنْ؟
و لما كان غرضنا في هذا المبحث هو إظهار سعة دائرة فضائل و مناقب و مقام الإمام الحسين (عليه السلام) بين عامة المسلمين و في كل نواحي شخصيته العظيمة فاننا لن ننقل ذلك من كتب الشيعة مع قوة اسانيدها و اعتبارها و صحتها، بل سَنقتصر على ذكر نماذج مما ورد في كتب كبار علماء اهل السنة و محدثيهم و بعبارة اخرى سنكتفي بغيضٍ من فيضِ ما جاء عنهم في هذا المضمار.
1- نقل الطبري: بعد ان كتب عبيد اللَّه ابن زياد الى عمر ابن سعد: أما بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و لا يذوقوا منه قطرة، كما صُنع بالتقيّ الزّكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان. فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجَّاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة، و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يُسقوا منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال: و نازَلَه عبد اللَّه بن أبي حُصين الأزديّ فقال: يا حسين، ألا تنظرالماء كأنه كبد السماء! و اللَّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عَطَشاً، فقال حسين: اللهم اقتله عطشاً، و لا تغفر له أبداً.
قال حميد بن مسلم: و اللَّه لعُدتُه بعد ذلك في مرضه، فواللَّه الذي لا إله إلّا هو لقد رأيتُه يشرب حتى يبغر، ثم يقئ، ثم يعود فيَشرَب حتى يبغر فما يَروى، فمازال ذلك دأبه حتى لَفَظ عصبه. 2- و كذلك نقل الطبري: روى هشام عن أبيه محمد بن سائب عن القاسم بن اصبغ بن نباته قال: حدّثني من شهد الحسين (عليه السلام) في عسكره، أنّ حسيناً حين غُلبَ على عسكره ركب المسنّاة يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن درام، وَيْلَكم! حولوا بينه و بين الفرات، فقال الحسين: اللهم أظْمِهِ، قال: و انتزع الأباني بسهم، فأثبته في حنك الحسين، قال: فانتزع الحسين السهمَ، ثم بسط كفَّيه فامتلأتْ دماً، ثم قال الحسين: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنتِ نبيك؛ قال: فواللَّه إنْ مكث الرجل إلّا يسيراً حتى صبّ اللَّه عليه الظمأ، فجعل لا يَروَى. قال القاسم بن الأصبغ: لقد رأيتني فيمن يروّح عنه و الماء يبرَّد له في السّكَر و عِساس فيها اللبن، و قِلال فيها الماء، و إنه يقول: وَيْلَكم! اسقُوني قتلني الظمأ، فيعطى القُلّة أو العُسَّ فيشربه، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهُنيهة ثم يقول: وَيلَكُم! اسقوني قتلني الظمأ؛ قال: فواللَّه ما لبث إلّا يسيراً حتى انقدّ بطنُه انقداد بطن البعير.
3- روى الامام أحمد بن حنبل في مناقبه عن ابي رجاء انه كان يقول: «لا تسبّوا عليّاً و لا أهْلَ هذا البيت» إنَّ جاراً لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة فقال: ألمْ تروا هذا الفاسق ابن الفاسق ان اللَّه قتله (يعني الحسين (عليه السلام)). فرماه اللَّه بكوكبين في عينيه و طمس اللَّه بصره.
4- روى ابن الجراح عن السدّي قال: أتيت كربلاء لأبيع التمر بها فعمل لنا شيخ من طي طعاماً فتعشينا عنده فذكرنا قتل الحسين (عليه السلام) فقلت: ما شرك احد في قتل الحسين إلّا ماتَ بأسوأ موته و آيات ظهرت لمقتله. قال: ما اكذبكم يا اهل العراق انا ممن شرك في ذلك. فلم يبرح حتى دنا من المصباح و هو متقد بنفط فذهب يخرج الفتيلة باصبعه فاخذت النار فيها فذهب يُطفئها بريقة فأخذت النار في لحيته فغدا فالقى نفسه في الماء فرأيتهُ كأنه جمجمة. و ذكره في «كفاية الطالب» و «المحاسن و المساوى» و البيهقي و الصواعق، و ورد فيها حممة بدلًا عن جمجمة، يعنى مثل الفحم. 5- روى السبط بن الجوزي عن الواقدي أن شيخا حضر قتله فقط «أي الحسين» فعمى، فسئل عن سببه فقال: إنه رأى النبي (صلى الله عليه و آله) حاسراً عن ذراعيه و بيده سيف و بين يديه نطع، و رأى عشرة قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه، ثم لعنه و سبّه لتكثير سوادهم ثم أكحله بمرود من دم الحسين فأصبح أعمى. 6- روى ابن الاثير في ضمن وقائع كربلاء: و تقدم رجل اسمه عبد اللَّه ابن حوزه و وقف أمام الحسين فقال: يا حسين، يا حسين، فقال الحسين (عليه السلام): ما تشاء فقال: أبشر بالنار. قال (عليه السلام): كلّا إني أقدم على ربٍ رحيم و شفيعٍ مطاع. من هذا؟
قال له اصحابه هذا ابن حوزه قال: ربّ حزهُ الى النار. فاضطرب به فرسه في جدول و وقع فيه و تعلّقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الارض و نفر الفرس فأخذ يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر و كلّ شجرة حتى مات. و روى نظير هذه المعجزة عن ابن بنت منيع عن علقمة بن وائل و وائل بن علقمة في رجب لاسم: جريره. 7- روى الطبري قال: و لما بقي الحسين في ثلاثة رهط أو اربعة دعا بسراويل مُحقَّقة يلمع فيها البصر يمانيّ محقق ففزره و نكثه لكيلا يُسلَبْه، فقال له بعض أصحابه: لو لَبسْتَ تَحتَه تُبّاناً (سراويل قصير) قال: ذلك ثوب مذلّة و لا ينبغي لي أن البسه.
قال: فلما قُتِل اقبل بحر بن كعب فَسَلَبَهُ إيّاه فتركه مجرّدا. 8- روى الشبراوي شيخ الازهر الاسبق: و اشتد عطشه فدنا ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه فتلقى الدم في يده و قال اللهم اقتل حصيناً عطشاً.
قال العلامة الاجهوري فابتلي بالحر في بطنه و البرد في ظهره و صار يوضع بين يديه الثلج و المراوح و يوضع خلفه الكانون و هو يصيح من الحر و العطش و صار يؤتى بسويق و ماء و لبن لو شربه خمسة لكفاهم فيشرب فلا يرتوى ثم يصيح فيسقى كذلك الى ان قُدَّ بطنُه و مات بعد موت الحسينبايام.
9- روى الطبري عن ملاكه و هو من كبار علماء السنة عن رجل من كليب قال: صاح الحسين بن علي: «إسقونا ماءً» فرمى رجلٌ بسهمٍ فشقَّ شدقه فقال: لا ارواك اللَّه. فعَطِش الرجل الى ان رمى بنفسه في الفرات فشرب حتى مات.
10- روى الترمذي حديثاً صحيحاً عن عمارة بن عُمير قال: لما جىء برأس ابن زياد و وضع في القصر رأيت الناس مجتمعين حوله و إذا بحية تأتي تدخل الى منخره و تخرج من فمه تفعل ذلك ثلاثاً.
11- روى ابن بنت منيع عن ابي معشر عن بعض مشيخته: ان قاتل الحسين (عليه السلام) لمّا جاء الى ابن زياد و حكى عليه كيفية قتله و ما قال له الحُسَين، إسْودَّ وجهُه.
12- روى الطبري عن ابي مخنف قال: حدثني سليمان بن ابي راشد عن حُميد بن مسلم، قال:... و مكث الحسين طويلًا من النهار كلما انتهى اليه رجل من الناس انصرف عنه و كره ان يتولى قتله و عظيم إثمه عليه، قال: و ان رجلًا من كندة يقال له مالك بن النُسير من بني بَداء، أتاهُ فضربه على رأسه بالسيف و عليه بُرنُس له، فقطع البرنس و اصاب السيف رأسه، فادمى رأسه، فامتلأ البرنس دماً، فقال له الحسين (عليه السلام): «لا أكَلْتَ بِها و لا شَرِبت و حَشَرك اللَّه مع الظالمين» قال: فالقى ذلك البرنس ثمَّ دعا بقلنسوة فلبسَها، و اعتمَّ و قد أعيا و بَلَّدْ. و جاء الكندي حتى أخذ البُرنس- و كان من خز.- فلما قدم بعد ذلك على امراته ام عبد اللَّه ابنة الحر اخت الحسين بن الحرّ البدّي، اقبل يغسل البُرنس من الدم، فقالت له إمرأته: أسَلبَ ابن بنت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) تدخِلُ بيتي؟ أخرجه عنّي. فذكر اصحابُه انه لم يزل فقيرا بشرٍّ حتى مات.
13- نُقل عن اليسار بن الحكم قال: إنتهب عسكر الحسين فوجد فيه طيب فما تطيبت به إمرأة الّا برصت.
14- روى السيوطي: ان ما نُهبَ من مخيم الحسين (عليه السلام) من الورس قد تحول الى الرماد.
15- يقول العالم المصرى محمد رضا: و من اعجب كرامات الحسين (عليه السلام) هو حديث الزهري في قتل الحسين و هذا هو سأل عبد الملك ابن مروان و هو قاعد في ايوانه، من كان مجتمعاً بحضرته فقال: ما أصبح ببيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي ابن ابي طالب. فلم يجبه أحد، فقال الزهري: إنه لم يرفع تلك الليلة التي قتل صبيحتها علي ابن أبي طالب و الحسين بن علي حجرٌ في بيت المقدس الّا وجد تحته دمٌ عبيط.
قال عبد الملك: صدقت، حدّثني الذي حدثك و إني و إيّاك في هذا الحديث لغريبان. ثم أعطاه مالًا كثيراً.
و روى المحب الطبري عن ابن السرّي عن الزهري انه لمّا قُتل الحسين (عليه السلام) لم يُرفع أو لم يُقلع حجر بالشام الّا عن دم.
16- روى المحب الطبري عن ابن لهيعة عن ابي قبيل قال: لمّا قتل الحسين ابن علي بعث برأسه الى يزيد فنزلوا اوّل مرحلة فجعلوا يشربون و يتحيّون بالرأس، فبينما هم كذلك اذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد فكتبت سطراً بدم: أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً شفاعة جدِّه يوم الحِساب.
فهربوا و تركوا الرأس و لا يخفى ان أخباراً كثيرة وردت في هذا الشعر، منها ما رواه السبط ابن الجوزي و ابن حجر و في درر السمطين و الشبراوي و الدميري و آخرون.
17- و رويت عنه روايات حول بعض الآيات السماوية و خوارق العادات حين استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) مثل مطر السماء دماً و غيرها، نقلها كبار علماء القوم مثل الحافظ ابي نعيم في دلائل النبوة، و ابن بنت منيع و المحب الطبري و الشبراوي و الشبلنجي و ابن الجوزي و الصبّان.
18- روى السبط بن الجوزي أنَّ شخصاً علَّق رأس الحسين (عليه السلام) في لَبَب فرسه فرؤيَ بعد أيّام وجهُه أشدُّ سواداً من القارّ و مات على أقبح حالة.
19- روى ابن خالويه عن الاعمش عن المنهال الاسدي قال: و اللَّه لقد رأيت رأس الحسين (عليه السلام) حين حُمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ «أم حَسِبتَ أنَّ أصحابَ الكَهفِ و الرَّقيمَ كانوا من آياتِنا عَجَبا» فنطق الرأس و قال: «قتلي أعجب من ذلك» و قد روى الصبّان هذه الكرامة الباهرة بهذه العبارة: «فنطق الرأس الشريف بلسانٍ عربىٍّ فصيح فقال جهاراً: أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي»
و قال الدميري، و تكلم بعد الموت اربعة، يحيى ابن زكريا حين ذبح، و حبيب النجار حيث قال: «يا ليتَ قَومي يعلَمون...» و جعفر الطيار حيث قال: «و لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتلوا في سبيل اللَّه...» و الحسين بن علي (عليه السلام) حيث قال: «وَ سَيَعلم الذينَ ظَلموا أيَّ منقَلَبٍ يَنقَلِبون»
20- يذكر صاحب كتاب «البدء و التاريخ»: في الليلة التي قتل الحسين (عليه السلام) في صبيحتها سمع اهل مدينة هاتفا يقول و لا يرون شخصه:
مَسَحَ الرَسولُ جَبينَهُ فَلَهُ بَريقٌ في الخدودِ
أبواهُ من عَلياً قريشٍ وَ جَدُّه خيرُ الجُدودُ
21- روى السبط ابن الجوزي عن عبد الملك ابن هشام في كتاب «السيرة» قال: لما أنفذ ابن زياد رأس الحسين (عليه السلام) إلى يزيد بن معاوية مع الأسارى موثقين في الحبال موثقين مكشفات الوجوه و الرؤوس و كلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدوه له فوضعوه على رمح و حرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل، ثم يعيدوه إلى الصندوق و يرحلوا فنزلوا بعض المنازل و في ذلك المنزل دير فيه راهب فأخرجوا الرأس على عادتهم و وضعوه على الرمح و حرسه الحرس على عادتهم و أسندوا الرمح إلى الدير فلما كان في نصف الليل رأى الراهب نوراً من مكان الرأس إلى عنان السماء فأشرف على القوم و قال من أنتم؟ قالوا نحن أصحاب ابن زياد.
قال و هذا رأس من؟ قالوا رأس الحسين بن علي ابن أبي طالب بن فاطمة بنت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله). قال نبيكم. قالوا نعم. قال بئس القوم أنتم لو كان للمسيح ولد لأسكنّاه أحداقنا ثم قال هل لكم في شئ قالوا و ما هو . قال عندي عشرة آلاف دينار، تأخذوها و تعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة و إذا رحلتم تأخذوه قالوا و ما يضرنا فناولوه الرأس و ناولهم الدنانير فأخذه الراهب فغسله و طيبه و تركه على فخذه و قعد يبكي الليل كله فلما أسفر الصبح قال يا رأس لا أملك الا نفسي و أنا أشهد ان لا إله الّا اللَّه و ان جدك محمداً رسول اللَّه و أشهد اللَّه أنني مولاك و عبدك. ثم خرج عن الدير و ما فيه و صار يخدم أهل البيت. قال ابن هشام في السيرة ثم أنهم أخذوا الرأس و ساروا فلما قربوا من دمشق قال بعضهم لبعض تعالوا حتى نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منا فأخذوا الأكياس و فتحوها و إذا الدنانير قد تحوّلت خزفاً و على أحد جانب الدينار مكتوب «و لا تحسبنّ اللَّه غافلًا عما يعمل الظالمون» و على الجانب الآخر «و سيعلم الذين ظلموا ايّ منقلبٍ ينقلبون» فرموها في نهر «بَرَدا» و روى هذه المعجزة ابن حجر ايضاً
22- و من جملة معاجز الحسين (عليه السلام) ما نقله العلامة التلمساني في شرح الشفاء،
و لعدم الاطالة نحيل القارئ المحترم الى الكتاب المذكور و كتاب نور الأبصار للشبلنجي. 23- روى ابو الفرج الاصفهاني ان رجلًا قال للحسين (عليه السلام) «ألا تَرى إلى الفُراتِ يا حُسينُ كأنَّهُ بُطونَ الحَيّات و اللَّه لا تذوقَه أو تموتَ عَطَشاً.» قال: فواللَّه لقد كان هذا الرجل يطلب الماء فيسقى فيخرج الماء من فيه ثم يطلب فيُسقى فيخرج الماء من فيه حتى مات عطشاً.
24- نُقل عن سلمان بن يسار قال: وجدوا حجراً كتب عليه:
لابُدَّ أنْ تَردَ القيامَةَ فاطمٌ و قَميصُها بُدَمِ الحُسين مُلَطَّخُ
وَيْلٌ لِمَنْ شفعاؤهُ خصماؤه و الصُّور في يَومِ القيامَةُ يُنفَخُ
25- روى الشبراوي و الشبلنجي بجزم ان الحسين (عليه السلام) يردُّ سلام بعض العلماء في كل وقت في المشهد الحسيني في مصر.
و حكى الشبراوي أيضاً ان السلطان صلاح الدين يوسف وشي له مرة بخادم من خدمة القصر المذكور كان بيده زمام القصور و قيل له انه يعرف موضع الاموال و الدفائن التي بالقصر فاخذ و سئل فلم يذكر شيأً و تجاهل فامر صلاح الدين بتعذيبه فاخذه متولى العقوبة و جعل على رأسه خنافس و شد عليها قرمزية و يقال ان هذا أشد العقوبات لانها تثقب بالرأس فلا يطيق الإنسان الصبر عليها فعل به ذلك مرارا و الخنافس توجد ميتة و لا تؤذيه فاخبروا به صلاح الدين فاحضروه و قال له عرفني ما سبب هذا فقال ليس له سبب أعرفه غير أنه لما وصل الرأس الشريف الى هنا حملته بالديباج و الطيب على رأسى حتى وضعته داخل الضريح فقال صلاح الدين و أى سبب أشرف من هذا و عفى عنه.
27- و من جملة كراماته (عليه السلام) ان رجلًا يقال له شمس الدين القعويني كان ساكنا بالقرب من المشهد و كان معلم الكسوة الشريفة، حصل له ضرر في عينيه فكف بصره و كان كل يوم اذا صلّى الصبح في مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) يقف على باب الضريح الشريف و يقول يا سيدى أنا جارك قد كف بصري و أطلب من اللَّه بواسطتك أن يرد علىّ و لو عينا واحدة. فبينما هو نائم ذات ليلة اذرأى جماعة أتو الى المشهد الشريف فسأل عنهم فقيل له هذا النبي (صلى الله عليه و آله) و الصحابة معه جاؤوا لزيارة السيد الحسين (عليه السلام) فدخل معهم ثم قال ما كان يقوله في اليقظة فالتفت السيد الحسين الى جده (صلى الله عليه و آله) و ذكر له ذلك على سبيل الشفاعة عنده في الرجل فقال النبي (صلى الله عليه و آله) للامام علي (عليه السلام) «يا عليّ كَحِّلهُ» فقال سمعا و طاعة و أبرز من يده مكحلة و مرودا و قال له تقدم حتى أكحلك فتقدم فلوث المرود و وضعه في عينه اليمنى فاحس بحرقان عظيم فصرخ صرخة عظيمة فاستيقظ منها و هو يجد حرارة الكحل في عينه ففتحت عينه اليمنى فصار ينظر بها الى ان مات و هذا الذي كان يطلبه فاصطنع هذه البسط التي تفرش في مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) و كتب عليها وقفا.
28- و نقل الشبراوي كرامة اخرى للحسين (عليه السلام) عن الشيخ ابي الفضل نقيب الخلوتية، ملخصها ان اللَّه تعالى عافاه ببركة التوسل و زيارة المشهد الحسينى من مرض عضال اعيى الاطباء علاجه.
29- روى ابو الفرج الاصفهاني عن القاسم بن الاصبغ بن نباته قال: رأيت رجلًا من بني أبان بن دارم أسود الوجه، و كنت أعرفه جميلًا، شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفتك، قال: إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلتة إلَّا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح، فما يبقى أحد في الحي إلّا سمع صياحي.
قال: و المقتول العباس بن علي (عليه السلام).
و لا يخفى على القارئ العزيز ان كرامات و معجزات سيد الشهداء (عليه السلام) في كتب الفريقين كثيرة جداٍ، و من اراد المزيد عمّا ذكرناه فليراجع كتاب المناقب لابن شهر آشوب و البحار للمجلسي و العوالم للبحراني و كتب اخرى.