من دواعي الثورة الحسينية :
1- امتثال التكليف الالهي
قد يكون المحرك و الدافع لثورة و نهضةٍ ما هو المنافع المادية و الامور الدنيوية و الاغراض الشخصية و بعبارة، هوى النفس و طلب الشهرة و المقام.
و قد يكون الدافع مقدساً كحبِّ الخير و الفضيلة و الاصلاح و امتثال التكليف الالهي و الوظيفة الشرعية.
و من الضروري، أنَّ الدوافع المادية الشخصية تجرّد العمل عن قدسيته و ممدوحيته و سُموَّه، و يكون اقرب للغرائز و الميول الحيوانية، بحثاً عن العلف و الطعام، و اكثر الناس لا تسمو أهدافهم و أغراضهم عن الرغبات الحيوانية.
اجل، إنَّ هؤلاء الناس، اذا ما سعوا للحصول على المنافع المشروعة حتى المادية منها، و لم يخونوا الاخرين و لم يظلموا حقوقهم و لم يعمهم الطمع و الجشع، و كانوا مراعين للآداب الشرعية و الاخلاقية، حينئذٍ لا يمكن ملامتهم و ذمِّهم، بل يقال عن مثل هؤلاء انهم اجتازوا عالم الحيوانية و وضعوا اول قدم في عالم الإنسانيّة المقدس، و سوف يثابون على أعمالهم، فهم مصداق قوله تعالى: «وَ مِنهُمْ مَنْ يقولُ ربَّنا آتِنا في الدُنيا حَسَنَةً و في الآخِرَةِ حَسَنَةً»
و أمّا اذا حاولوا الوصول الى مرادهم و اغراضهم عن طريق هضم حقوق الآخرين و بالطرق اللامشروعة، استحقوا الذمَّ و الملامة، بل و المحاسبة و المعاقبة و صاروا في عداد الطغاة و الظالمين و السارقين و المرابين و القتلة و الفساق ونظائرهم.
و لذا، فان اكثر أخيار المجتمع هم اولئك الذين يتوسلون بالطرق المشروعة لتحصيل اغراضهم المادية الشخصية، كما إنَّ اكثر روّاد الطرق الملتوية المنحرفة عن الشرع، هم اولئك الذين يحاولون اشباع حاجاتهم باي وسيلة حتى لو كانت محرمة، فالحرام و الحلال مترادفان في قاموسهم، و ليس للطمع و الجشع عندهم حدُّ ادنى أو أقصى.
و متى ما كان المحرّك، حبُّ الخير و امتثال التكليف الالهي، و الخلوص لله، و خدمة الإنسانيّة، كان العمل منتسباً الى الإنسانيّة و الكمال، و تبعاً لذلك يستحق فاعله المدح و الثناء و التشويق، و المحبوبية عند الناس لحسن ذلك العمل عقلًا و بالذات.
و لعلَّ من ابرز ما اكَّد عليه الانبياء في منهجهم التربوي، هو ايصال الناس الى الكمال بحبِّ الخير و اشاعة المحبّة و العلم و العدالة و هداية المجتمع و سوقه نحو هذا المحور المقدس، لتتمركز المصالح و الاغراض في نقطة واحدة و مركز متوحد فيكون سير البشرية اجمع نحو ذلك المركز و يتحقق الكمال الاجتماعي البشري العام.
و ما ذكر، ليس الّا اشارة الى هذا البحث العميق، و تفصيل الكلام فيه يوجب الاطالة و يُبعدنا عن المقصد من هذا الكتاب.
و هناك صنفٌ من البشر، يسمو محركهم و تترقّى دواعي افعالهم على كل هذه العوامل و تتفاضل على كل تلك المقاصد فهؤلاء هم عباد اللَّه الحقيقيين، و الخواصّ من اوليائه، فلا يعنيهم ما سوى العبودية لله و الطاعة لاوامره و الامتثال لاحكامه.
فلا تستند حركاتهم و سكناتهم إلّا الى معرفتهم باستحقاق اللَّه لهم، فليست مصلحة المأمور به و لا مفسدة المنهي عنه، يعبدون، و لا للفائدة و الملاكات يمتثلون. فان ذلك في قاموسهم تجاوز على الحدود و فضولية و جرأة على المولى، بل لانهم وجدوا اللَّه أهلًا للامتثال فامتثلوه، فالموثر الوحيد و المحرك الفريد لهم و المتصرف الكامل بهم و باموراتهم هو اللَّه و الداعي الى نهضتهم و ثورتهم و سكوتهم هو الأمر الالهي، اولئك الذين صدق في حقهم:
«عبادٌ مُكرَمونَ لا يَسْبِقونَهُ بالقَوْلِ وَ هُم بِأمرِهِ يَعلَمون» و كلّما علت و خلُصت مرتبة توحيدهم، كلما كمل تسليمهم و نيّاتهم من جهة الامتثال، حتى يصلوا الى مرحلة فناء مقاصدهم و مطالبهم و رغباتهم في المطلوب الحقيقي و المقصود بالذات و منتهى الآمال، و تمحى من صفحة وجودهم إنيّاتهم و آمالهم الشخصية. فالتوحيد و ايمانهم الخالص و المنزه من الشوائب، يسوقهم نحو اللَّه لا غير، و كما ورد في كلمات ابي عبد اللَّه الحسين (عليه السلام) في دعائه يوم عرفة: «أنتَ الَّذي أزَلتَ الأغيار عَنْ قلوبِ أحبّائِكَ حتّى لم يُحبُّوا سِواكَ وَ لَم يلجَئُوا الى غَيرِكَ» اذن، فعلل و دواعي حركتهم ليست الّا الأمر الالهي و حبِّ اللَّه و رضاه، و لذا يقولون: «اللهم إرزُقني حُبَّكَ و حبَّ كلِّ عَمَلٍ يُوصِلُني الى قُربكَ»
و شعارُهم و ذكرهم: «لا إله الّا اللَّه و لا حَوْلَ و لا قُوَّةَ إلّا باللَّه و أُفَوِّضُ أمري الى اللهِ و حَسبْنا اللّهُ و نِعمَ الوَكيلُ و اللَّه أكبَر.»
طاعتهم اسمى من طاعة الطمع بالحور و قصور الجنّة و الثواب و اعلى من طاعة الخوف من النار و العذاب و العقاب يوم النشور، و انما طاعتهم ممحضة و خالصة من كل نفع الّا القرب من اللَّه بامتثال امره، و كل ما سوى ذلك ذنبٌ عندهم.
و لقد كان الانبياء و الائمة الطاهرين و هم الادلة على التوحيد الخالص و السابقون في قافلة الموحدين و عباد اللَّه المخلصين، هم خيرة هؤلاء المكرمين و سادة الخلق اجمعين.
فمطالعة تاريخ سيرة هؤلاء هي اسمى درس تتعلمه الإنسانيّة.
يقول ابراهيم الخليل: «إنِّي ذاهِبٌ الى رَبِّي سَيَهدينِ»
و يقول: «إنّي وَجَّهتُ وَجهيَ للَّذي فَطَرَ السماواتِ و الأرضِ حَنيفاً مسلماً و ما أنا مِنَ المُشرِكينَ»
و كان خاتم الانبياء (صلى الله عليه و آله) يقول: «إنَّ صَلوتي و نُسُكي و مَحيايَ و مَماتي للَّهربِّ العالَمين لا شَريكَ لَهُ»
و لقد كان أمير المؤمنين و اولاده المعصومين من بعد النبي النموذج الاعلى للتوجه الخالص للمبدأ و في التوحيد.
فعليُّ هو الذي وصفه النبي (صلى الله عليه و آله) بان السماوات و الارض لو وضعت في كفَّة ميزان، و وضع ايمان عليٍّ في الكفة الاخرى لرجح ايمان علي (عليه السلام).
فطلب الحق و العدل و العبودية لله و الزهد و التقوى و الشجاعة و الصراحة و كل الصفات الإنسانيّة السامية، قد تجسدت في علي و آله (عليهم السلام) و لقد كان (عليه السلام) ثمرة شجرة التوحيد و عبادة اللَّه و التسليم الخالص للمبدأ عزوجل، و كان اذا خُيِّرَ بين أمرين اختار اشدّهما عليه و ارضاهما لربِّه.
و من أوضح مظاهر الخلوص و الطهارة، و تجلّيات الحقيقة و طلب الحق و اهل هذا البيت، ثورة الحسين (عليه السلام) ضد يزيد و حكومة بني اميّة، فكانت ثورة الهية خالصة و نهضة دينية صادقة.
فالحسين (عليه السلام) في ثورته لم يكن طالبَ حكمٍ و سلطان و مقام دنيوي، و لا طامعاً في نفوذ و مالٍ و ثروة، و انما امتنع عن بيعة يزيد، طاعة للَّهتعالى، و ترك الحرمين الشريفين مهاجراً الى العراق امتثالًا لامر اللَّه عزوجل، و جاهد في اللَّه لله، و لم يدْعُهُ الى تلك الحركة الّا امر اللَّه و أداء التكليف.
و لذا، فان افضل ما يمكن التعبير به عن علل ثورته (عليه السلام)، هو الأمر الالهي، و هذه حقيقة يؤيدها التاريخ و الدين و سيرة الحسين (عليه السلام).
فالتاريخ شاهدٌ على ان أوضح دليل على خالص نية الحسين (عليه السلام)، و عظيم إثرته و محض تسليمه لامر اللَّه، هو تضحيةُ الحسين (عليه السلام) و فداؤه.
و ايُّ دليل و شاهد على طهارة النيّة و صفائها، و شفافية الباطن، و التوحيد الخالص، أفضل من عزم الانسان على ملاقات الحتوف في سبيل اللَّه، و استقبال المصائب و البلايا في رضا اللَّه، و افتجاعه بفقد اعزِّ اولاده و إخوته و اصحابه، و أسرِ أطفاله و نسائه، و آهات و أنّات العطاشى و الثكالى؟
و من ثمَّ، فمشتبهٌ تماماً من يتخيل أنَّ المصالح السياسية و المنافع المادية الشخصية او الصراعات القبلية العشائرية و العائلية، كان لها ادنى مدخلية في ثورة الحسين (عليه السلام)، فضلًا عن تصور كونها العلل الاهم في ذلك، فان الحسين (عليه السلام) هو ولي اللَّه الكامل، و العبد الذي عرف معنى العبودية الخالصة لله، و اندكَّ مرادُه في ارادة اللَّه فلم يَعُد لما تريدُه نفسه اي معنى في قبال ارادة ربِّه.
لقد كان الحسين (عليه السلام) على يقين علمي و عملي بان اللَّه رقيبُه و حافظُه، و كان الحسين (عليه السلام) يرى اللَّه بعين المعرفة و بصيرة الايمان، و لذا كان كلامه و خطابه: «عَمِيَتْ عَينٌ لا تَراكَ عَليها رَقيباً، و خَسرَت صَفَقَةُ عَبدٍ لم تَجْعَلْ لَه مِن حُبِّكَ نَصِيباً» و ادعية الحسين (عليه السلام) يوم عرفة و يوم عاشوراء و غيرها ترشدنا الى رفيع أحاسيسه الروحانية، و ذوقه و دركه الوجداني اللطيف، و الى تجلّي عميق ارتباطه باللَّه، و من حمل مثل هذه المعرفة باللَّه، و هذه المرتبة العالية من الاخلاص، محالٌ ان يخطو خطوة في غير رضا اللَّه تعالى و امتثال أمره.
كما ان كل الروايات و الاحاديث الواردة في سيرة الحسين (عليه السلام) و سماته و صفاته و اخلاقه، تدل على محض الامتثال، كما انها واضحة في ان النصر العسكري الظاهري، لم يكن منظوراً ابداً للحسين (عليه السلام)، و لم يكن في حسبانه تحقيق المكاسب السياسية و الزعامة و السلطة، بل كانت حركته اصلاحيةً محضة، كما كانت حركة جدِّه رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و دعوته، دعوة و نهضة الهيّة سماويّة لهداية البشرية، و لم تهدف يوماً مّا تحقيق مآرب سلطوية فئوية، و نيل مكاسب دنيوية عابرة، فالملاك كل المِلاك في الحركتين هو امتثال امر اللَّه، و من هنا كانت حركة الحسين (عليه السلام) امتداداً لدعوة النبي (صلى الله عليه و آله) و مكملةً لها: «إنْ كانَ دين محمّدٍ لا يَستَقمْ إلّا بقَتلي يا سيوفُ خُذيني» فمهما قيل في تفسير ثورة الحسين (عليه السلام)، و اي تعبير استعمل لترجمتها و سواءٌ قيل انها امتحان و ابتلاء الهي، أو انها حركة لتحقيق اهداف الانبياء و الاولياء، أو أنَّها محاولة لتاسيس أو تجديد الحكومة الاسلامية العادلة، أو انها مامورية و تعهدٌ التزمه الحسين (عليه السلام) على نفسه من عوالم الغيب، أو انها مشاهد لتجلّي اعلى مراتب الخلوص لله عند البشر، و الدفاع عن الحق و العدل و الدين، أو أنها أبرز تجلّيات الصبر و الصمود و العزّة و الاباء و الفداء و كمال الروح و النفس، و مهما فسَّرَ العارف و الفيلسوف و المورخ و المحدث و الشاعر، و مهما قيل في عظمة هذه الثورة المقدسة، فالكل ينتهي الى معنىً واحد و هو إنَّ ما قام به الحسين (عليه السلام) ليس إلّا مامورية إلهية متميِّزةً، و رمزاً غيبياً و سرّاً سماوياً، و إنّ الذي دعى الحسين (عليه السلام) الى تحمل كل تلك الرزايا و البلايا هو الأمر الالهي و حسب.
و قد جرت العادة في الثورات و الحركات السياسية أنْ يتشبث قادتها بشتى الوسائل و الطرق- حتى المحرمة و القبيحة- لتحقيق مآربهم و تحشيد القوى و الطاقات و تجميع الاسلحة و المعدات الضرورية لحركاتهم.
و حتى قادة الحركات النزيهة و الشريفة فان لهم بعض الثوابت التي تعدُّ ضرورية و لازمة لنجاح حركاتهم و كسب الأنصار و المؤيدين، من قبيل إشاعة روح النصر فيهم و عدم إخبارهم باحتمال الهزيمة و الانكسار أو القتل و الشهادة أو الأسر فضلًا عن أسر النساء و قتل الاطفال و نزول البلايا و المصائب بهم.
كما ان هؤلاء يختارون الاماكن الآمنة لهم و لاتباعهم و خاصة تلك الاماكن المقدسة المحترمة عند الجميع و التي يضطر العدو الى عدم مهاجمتها لعلمه المسبق بالعواقب الوخيمة لهذا العمل.
و اما لو كان العكس، فاخبر القائد قواته بالمصير المأساوي الذي ينتظرهم و انهم مقتولون لامحالة، و أن عوائلهم ستسبى و أن اموالهم سنتهب و أن اطفالهم ستقتل و ان رؤوسهم ستقطع، و خيَّرهم بالانصراف و اذن لهم بالرحيل عنه، و ترك المكان الآمن و اختار صحراء قاحلةً بعيدة عن الاعلام و دعاهم الى استقبال الموت و الشهادة و كان هو في مقدمة الفدائيين المستميتين و المضحين بكل غالٍ و نفيس حتى الرضَّع من اولاده، فمثل هذا القائد لا يمكن اتهامه بطلب الرئاسة و الزعامة و المال و النفوذ بل سينظر الناس اليه على ان ثورته ثورة صادقة مبدئية، و مثل هذا القائد لا يجتمع اليه اهل الطمع و المرتزقة و طلّاب الدنيا و المال و المقام الذين ينخرطون مع كل حركة و ثورة من اجل المكاسب و الغنائم.
و الآن تعالوا معنا لقراءة ثورة الحسين (عليه السلام) من هذا المنظار:
ألف: التنبوء بالقتل
لقد جاء في روايات متواترة لفظاً و معنى ان الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله) أخبر باستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) و هذه الروايات ضبطت في أصح كتب التاريخ و الحديث، و قد نقل هذه الاخبار صحابة النبي (صلى الله عليه و آله) و زوجاته مباشرةً أو بوسائط.
و عندما عزم الحسين (عليه السلام) على ترك المدنية الى مكة، و كذلك عندما ارد الخروج من مكة الى العراق، جاءه كثير من اصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) و كبار رجالات الإسلام و الشخصيات المعروفة عند عامة المسلمين و حاولوا اقناعه بعدم الخروج و حذَّروه من القتل في العراق، مندفعين من أمرين:
الأول: علمُهم و يقينهم باستشهاد الحسين (عليه السلام) في هذا الخروج لما بلغهم من كلام الرسول (صلى الله عليه و آله) و ما سمعوه عنه مباشرة و اخباراته المتكررة بقتله (عليه السلام).
الثاني: بملاحظة الاوضاع السياسية القائمة آنذاك و استيلاء بني أمية ببطشهم و طغيانهم، و ظلمهم الذي عمَّ كل انحاء البلاد الاسلامية و خنوع الامة الاسلامية و سكوتها عن الحق. فقد عاش هؤلاء فشل اهل الكوفة زمن أمير المؤمنين و الإمام الحسن (عليهما السلام)في الدفاع عن الامامة و الحق، فكان مصير الحسين (عليه السلام) واضحاً و انه يسير نحو الشهادة و القتل، و ان احتمال نجاح حركته ضعيف جداً.
فلو كان احتمال انتصار الإمام الحسين (عليه السلام) عسكرياً قائماً بنسبة 50% أو 20% لتبعه كثيرٌ من الناس المؤمنين به و المحبين لآل بيت الرسول (صلى الله عليه و آله) و لما تخلى عنه امثال عبيد اللَّه بن الحر الجعفي، و لكن ولأن امثال هؤلاء كانوا من طلّاب الزعامة و السياسيين الذين يعتمدون على الحسابات السياسية، فكانوا يعرفون بنتيجة هذه الثورة، و لم يكونوا كزهير بن القين الذي تخلّى عن كل امواله و حياته في سبيل اللَّه و نصرة ابن بنت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)، كما أن هؤلاء لم يسمح لهم وجدانهم و ضمائرهم التي كانت لا تزال تذكر صوراً رائعة من حياة ال بيت الرسول (صلى الله عليه و آله) الى الاصطفاف في صف بني اميّة لقتال ابن فاطمة الزهراء، فبقوا على الحياد و حُرموا سعادة الشهادة و نصرة إمامهم.
فلم يعدُ المسلمون، مسلمو زمن النبي (صلى الله عليه و آله)، فلقد أثَّرت فيهم و غيّرتهم المظاهر الدنيوية الخلّابة، و خدعتهم حلاوة الملك و السلطة و الزعامة، و ذاقوا طعم الثروة الطائلة و الاملاك و الغلّات و الغلمان و الجواري، فازداد تعلُّقهم بالدنيا و قلَّ نصيبهم من الايمان.
فلا معروف يؤمر به، و لا منكر يُنهى عنه، و لا زهد و لا تقوى فضلًا عن الفداء و التضحية في طريق الحق، و لقد اعمى حبَّ الدنيا أبصارهم، و اصمَّ آذانهم، و سوّد قلوبهم.
و امّا اولئك الذين كانوا على سدَّة الحكم، فامرهم واضحٌ جلِّي، فلقد مضوا اعمارهم باللعب بالقردة و الكلاب و القمار و الشراب و الرقص و المجون و الطرب و اللهو، و تقسيم أموال بيت مال المسلمين الى حاشيتهم و اقربائهم، و اشتروا ضمائر قادة المؤسسات الحكومية بالاموال و اشباع الشهوات، و مسخوا شخصياتهم فلم يَعُد للغيرة و الشرف و الدين وجود في قاموسهم.
و من لم يكن مع بني اميّة، فاقلَّ ما يتحمله من عقاب هو قطع عطائه و حرمانه من أبسط حقوقه الاجتماعية.
و في مثل هذه التركيبة الاجتماعية و السياسية المضطربة، لا يمكن توقع احتمال اندلاع ثورة على الحكم الاموي، و لا يمكن توقع اجتماع الناس حول قائد ديني و زعيم وطني يحاول الاصلاح.
و من هنا، وجدنا هؤلاء الناس كيف اداروا ظهورهم لنهضة الحسين (عليه السلام) و لم يلتحقوا بركب الشهادة و السعادة و رضوا بالدنيِّ من الدنيا و تركوا الحسين (عليه السلام) وحيداً في مواجهة الباطل .
و كما اسلفنا فان الناس كانوا يهوون الحسين (عليه السلام) و يحبونه و مقتنعين بافكاره و حركته بل إنَّ بعضهم هو الذي طلب منه القيام، و لكن كانت تنقصهم الشجاعة و الاقدام و الرشد الفكري و الروحي و الايماني، فلم يصلوا الى مستوى حبيب بن مظاهر و مسلم و الحر و زهير و عابس الذين ضحوا بالمناصب و الميزات الاجتماعية و المالية من اجل الدين و نصرته و الانتصار للحق و المظلومين.
و ما اروع ما عبَّر به الفرزدق عن حالتهم تلك، عندما قال للحسين (عليه السلام): «قُلوبُهُم مَعَكَ و سُيُوفُهُم عَلَيكَ» فهذه الجملة تبين حقيقة محبّة الحسين (عليه السلام) في قلوب عامة المسلمين كما انها تبيِّن الهزال الروحي و الفقر الفكري و ضعف الأقدام و المسكنة الاخلاقية عندهم.
و قال له مجمع بن عبيد العامري: أمّا اشراف الناس فقد اعظمت رشوتهم و ملئت غرائرهم فهم ألبٌ و احدٌ عليك، و اما سائر الناس بعدهم «فان قلوبهم تهوى اليك و سيوفهم غداً مشهورة عليك»
و الحاصل إنَّ الصحابة و سائر الناس و بعض بني هاشم كانوا في خضمّ الحسابات السياسية، و أمّا اصحاب الحسين (عليه السلام) فكانوا سائرين الى الشهادة عن علم و يقين و اصرار.
و قد نقل عن ابن عباس انه كان يقول ان اهل البيت كانوا يعلمون بان الحسين (عليه السلام) سيُقتل بالطف. و هاهم عبد اللَّه بن عباس، عبد اللَّه بن عمر، محمد بن حنظلة و عبد اللَّه ابن جعفر الطيار و غيرهم من كبار الصحابة يقترحون على الحسين (عليه السلام) ان لا يخرج لعلمهم بما سمعوه من النبي (صلى الله عليه و آله) باستشهاد هذا الإمام المظلوم في كربلاء و انه نورُ اللَّه في الارض و الهادي للناس و الأمل للمؤمنين. و الاكثر من هذا و ذاك فان الإمام نفسه كان على بصيرة تامة من أمره، لما عرفه عن مصيره من جدِّه و أبيه، و لعلمه باحوال الناس و اخلاقهم، فهو الاعرف بهم من سائر الناس و لذا كان (عليه السلام) يقول: «الناسُ عبيدُ الدُنيا و الدِّينُ لَعقٌ على ألسِنَتِهِم فاذا محصوا بالبلاء قلَّ الديّانون» و لذا نراه يقول لرجل من بني عكرمة عندما التقاه و حذّره المسير الى الكوفة و انه لن يرد إلّا على سيوف و رماح: «يا عبد اللَّه إنَّهُ ليسَ بخَفِّي عَلَيَّ الرأي و لكن اللَّه لا يُغلَب على أمرِهِ»
باء: الاخبار باستشهاده
إنَّ من ضروريات حنكة القائد الذي يسعى لتغيير نظام حكمٍ ما و السيطرة على زمام الدولة، ان يبث روح النصر في جنوده و يحارب العدو إعلاميا و نفسياً، و يشيع قوة احتمال انتصاره و كسر عدوه، و يرتجز الاشعار الحماسية ليقوي عزائم انصاره، و يبثَّ الرعب في قلوب اعدائه.
أمّا ان تجد قائداً يتحدث لجيشه عن استشهاده و قتله و قتل انصاره، و يصرّح أو يلمح بالمصير القاسي الذي ينتظرهم، و هو الذي يُضعف عزيمة الجيش إلّا من تحلّى منهم بالايمان القوي و روح الفداء من اجل المبادئ، فان ذلك يدلُّ على ان مثل هذا القائد لم يتحرك او يُقاتل بدافع الملك و الحكم و الزعامة، فانه مضافاً الى عدم استعداده المسبق للقتال، فهو لا يُبقي على الاستعدادات الموجودة ايضاً، و هذا المنطق لا يتلائم مع رجاء تحقيق الاغراض السياسية و الملك و لابد ان يكون مثل هذا القائد يبحث عن اهداف اخرى و تحركه دواعٍ وراء تلك الدواعي الدنيوية الضيقة.
و لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) من الصنف الثاني، و كان يكرر القول على الاسماع بانه مقتول، و لم يؤثر عنه انه وعد بخلع يزيدٍ أو تغيير حكم بني اميّة أو التمكن من السلطان و حكومة البلاد الاسلامية، مع انه القى الحجة على الجميع بضرورة الاشتراك معه في نهضته و نهاهم عن بيعة يزيد و حرّضهم على الثورة ضدَّه، و لكنه كان يعلم ان ذلك لن يتم، و انه سيبقى وحده مع تلك القلَّة المؤمنة من آله و صحبه و انهم سيُقتلون بأجمعهم، و لذا فقد اعلن مراراً عن مصرعه، و كان احياناً يجيب اولئك الذين كانوا يحاولون ان يثنوه عن الخروج قائلًا: اني رأيت رؤيا فيها رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و أُمرتُ فيها بأمرٍ انا ماضٍ له عليَّ كان أوْبي؛ فقيل له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدَّثت احداً بها، و ما أنا محدِّث بها حتى القى ربّي.
ثم ان عبد اللَّه بن عمر قال للحسين (عليه السلام) اكشف لي عن موضع تقبيل رسول اللَّه لك فكشف له الحسين عن بطنه فقبلها ابن عمر ثلاث مرات و بكى و قال استودعك اللَّه فانك مقتول في سفرك هذا. و روى ابن الأعثم الكوفي ان الحسين (عليه السلام) خرج الى قبر جده فصلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول اللهم إن هذا قبر نبيك محمد (صلى الله عليه و آله) و أنا ابن بنت نبيك و قد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم اني احب المعروف و انكر المنكر و اني اسئلك يا ذا الجلال و الاكرام بحق هذا القبر و من فيه الا اخترت لي من امري ما هو لك رضا و لرسولك رضا و للمؤمنين رضا ثم جعل يبكي عند القبر حتى اذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى فإذا هو برسول اللَّه قد اقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و شماله و بين يديه و من خلفه فجاء حتى ضمّ الحسين الى صدره و قبّل بين عينيه و قال حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرمّلا بدمائك مذبوحاً بأرض كربلاء بين عصابة من أمّتي و أنت في ذلك عطشان لا تسقى و ظمأن لا تروى و هم في ذلك يرجون شفاعتي ما لهم لا أنالهم اللَّه شفاعتي يوم القيامة و ما لهم عند اللَّه من خلاق. حبيبي يا حسين ان أباك و امك و أخاك قدموا عليّ و هم اليك مشتاقون و ان لك في الجنة لدرجات لن تنالها الّا بالشهادة، قال فجعل الحسين في منامه ينظر الى جده محمد (صلى الله عليه و آله) و يسمع كلامه و يقول له يا جداه لا حاجة لي في الرجوع الى الدنيا فخذني اليك و أدخلني معك الى قبرك فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): يا حسين لابد لك من الرجوع الى الدنيا حتى ترزق الشهادة و ما قد كتب اللَّه لك من الثواب العظيم فانك و أباك و امك و أخاك و عمّك و عمّ أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة. قال فانتبه الحسين من نومه فزعاً مرعوباً فقصّ رؤياه على أهل بيته و بني عبد المطلب فلم يكن في ذلك اليوم في شرق و لا غرب أشدّ غماً من اهل بيت رسول اللَّه و لا اكثر باكياً و لا باكية. و في كشف الغمة روى عن سفيان بن عيينة عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)إن الحسين بن علي كان يذكر يحيى بن زكريا (عليهما السلام)و يقول أن من هوان الدنيا على اللَّه أن يهدي رأس يحيي الى بغي من بغايا بني اسرائيل.
جيم: الهجرة من مكّة
إنَّ طلّاب الحكم و السياسيين، لا يتورعون عن التحصن في الاماكن المقدسة و المشاهد المحترمة عند المسلمين، بل يستغلّون كل المواقع التي تحظى بتقديس و احترام الناس للتخندق و التمترس بها، فان ذلك يُحرج العدو و يردعه عن الهجوم أو على الاقل يتسبب له بالملامة من قبل المسلمين، اذ ان هتك حرمة هذه المواقع يُثير غضبَ و استياء عامة الناس، و إنْ اراد أنْ يحفظ حرمة تلك الاماكن، إضطر الى اهمال خصمه و تحمل الضربات منه.
و كان بإمكان الإمام الحسين (عليه السلام) أن يختار اقدس بقعة عند الامة الاسلامية، و اكثرها امناً و هو بيت اللَّه الحرام و مكة المعظمة و المسجد الشريف، ذلك المكان الذي وصفه عزوجل في كتابه الكريم: «مَن دَخَلَهُ كانَ آمناً» و هو المكان الذي كان العرب في الجاهلية يكنّون له الاحترام أيضاً و يرعون حرمته على الرغم من وحشيتهم و سلوكهم العدائي مع بعضهم البعض، فلم يُعهد عنهم حمل السلاح في ذلك الموقع الشريف. ولا شكَّ في انَّ هذه المكان كان من أفضل الأماكن التي يمكن للحسين (عليه السلام) اختياره كمقر لادارة حركته و دعوته ضد بني أميّة و تحشيد الحشود للانقضاض عليهم، و ما كان اسهل من أن ينقلب الحسين (عليه السلام) و من معه على والي مكة الاموي و السيطرة على مكة و اعتمادها عاصمة لثورته و دعوة باقي المدن للالتحاق بنهضته، و لكنه كان يعلم أنَّ عاقبة ذلك هو هجوم جيش بني اميّة على الكعبة الشريفة و محاصرة مكة و هدم بيت اللَّه الحرام و ابادة المسلمين في الحرم الأمن كما فعل يزيد في واقعة الحرة و حربه ضد عبد اللَّه بن الزبيرفي مكّة.
لكن الحسين (عليه السلام) لم يكن طامعاً في الملك، و لم تكن مقاصده سياسية و لم يكن ممن يستخف بالمقدسات و الشعائر الالهية.
إنَّ أوَّل شعارٍ للحسين (عليه السلام) هو الاعتراض على بني اميّة لهتكهم الحرمات و الشعائر المقدسة و الاحكام الالهية، فكيف يرضى لنفسه ان يتسبب في هتك بني اميّة لتلك الحرمات و اراقة الدماء في الحرم المكي الآمن؟!
لقد كان الحسين (عليه السلام) عارفاً بان اعلان ثورته في مكة لن يُثمِرَ إلّا هتك حرمة البيت و هدم الكعبة و اساءة الأدب الى عامة المشاهد الشريفة في مكة. و هذه النظرة الصائبة الثاقبة للحسين (عليه السلام) اتضح صحتها فيما بعد، إبّان حركة عبد اللَّه بن الزبير. و من ثمَّ أبى الحسين (عليه السلام) ان يتخذ من مكة مقراً و مركزاً لثورته.
و كان بامكان الحسين (عليه السلام) ايضاً ان يبقى في مكة و لا يبايع يزيد، و يسكت على مساوي بني اميّة، و هذا ما اقترحه عليه عبد اللَّه بن عمر و عبد اللَّه بن عباس و بعض الصحابة، ظناً منهم ان لا أحد يتجزأ على التعرض للحسين (عليه السلام) في الحرم الأمن.
لكن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يقبل ذلك المقترح، لانه كان على يقين من أنَّ بني اميّة سيقتلونه و إن كان متعلقاً باستار الكعبة و انّهم لا يعيرون اي أهمية لحرمة البيت الحرام.
كان الحسين (عليه السلام) يعلم انَّ بني اميّة قد جنّدوا بعض الرجال لقتله في موسم الحجّ، فبقاؤه سيؤدي الى هتك حرمة البيت و قتله بدون تحقق اية ثمرة و لا حصول أيَّة فائدة.
فلذا خرج الحسين (عليه السلام) من مكة يوم التروية بعد أن جعل حجه عمرة مفردة، لئلا تهتك حرمة البيت بسببه، كما أخبر بذلك الرسول الاكرم (صلى الله عليه و آله).
و عندما سأله الفرزدق عن علَّة استعجاله بالخروج من مكة قبل أداء المناسك فقال: «لَوْ لَمْ أُعجِّل لأُخذْتُ» و يقول (عليه السلام) ايضاً: و اللَّه لا يَدَعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلّط اللَّه عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذل من فرام الامة.
و نقل ابن الاثير أن الحسين قال لابن الزبير بأن أباه أمير المؤمنين حدثه أن رجلًا سيقتل في الكعبة و تهتك حرمتها و أنه لا يحب أن يكون ذلك الرجل. و ذكر الطبري عن أبي مخنف عن أبي سعيد عن بعض أصحابه قال: سمعت الحسين بن علي و هو بمكة و هو واقف مع عبد اللَّه بن الزبير فقال له ابن الزبير اليّ يابن فاطمة، فأصغى إليه، فسارّه، قال: ثم التفت الينا الحسين فقال: أتدرون ما يقول ابن الزبير؟ فقلنا: لا ندري، جعلنا اللَّه فداك، فقال: قال أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس، ثم قال الحسين: و اللَّه لأن اقتل خارجاً منها بشبر أحب اليّ من أن أقتل داخلًا منها بشبر و أيم اللَّه لو كنت في حجر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم و و اللَّه ليعتدنّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت.
دال: حَلُّ البَيعَة
من الواضح إنَّ الثورات و الانقلابات السياسية و العسكرية تحتاج الى الكوادر و الافراد و القوّات التي تحرِّك الثورة و تفعِّل المعركة، و اذا ما اهمل قائد الثورة هذه الناحية، لا يمكن اعتباره طالب حكمٍ و قلب نظام.
و لو أنَّ هذا القائد نفسه، اعلن لجنده بمصيره و مصيرهم المأساوي و انتهاء حركته بقتلهم، فان ذلك سيؤدي بلا شك الى تفرّق انصاره عنه، و لو فرضنا ان هذا القائد، اجاز و سمح لانصاره بالتفرق عنه و حلَّ بيعتَهم و اذن لهم بل و لاهله بالانصراف و بيَّن لهم الطريق الآمن لابتعادهم عن مخاطر العدو، فذلك سيدفع كل احتمالات رغبة هذا القائد و طمعه بالملك و السلطة تماماً.
و الحسين (عليه السلام) و من حين خروجه من المدينة الى مكة و منها الى العراق كان يخبر من معه من انصاره و اهله بانه مقتول مستشهد و يكشف لهم ما سيصبُهم من الاذى و المصائب، كما في خطبة له في مكة قبل خروجه للعراق و في الطريق الى العراق.
و عندما وصل ركب الحسين (عليه السلام) الى منطقة ذي حسم خطب فيهم قائلًا: «أمّا بَعدُ أنَّه قد نزلَ ما قَد تَرونَ، و إنَّ الدُّنيا قَد تَغَيَّرت، و تنكَّرتْ و أدبرَ معرُوفُها، و استمرَّتْ جِدّاً حتَّى لم يَبق منها إلّا صبابَة كصُبابَةِ الإناء و خَسيسُ عَيشٍ كالمَرعَى الوَبيلِ. ألا تَرَونَ أنَّ الحَقَّ لا يُعمَلُ به و أنَّ الباطلَ لا يَتَناهى عنه لِيَرغَبَ المُؤمن في لِقاءَ اللّهِ محقاً فانِّي لا أرى المَوتَ إلّا سعادةً و لا الحياةَ مع الظالينَ إلّا برماً»
قالوا لو كانت الدنيا باقية لاخترنا الشهادة عليها و فديناك بارواحنا حتى لو قطعونا ارباً اربا اننا سلم لمن سالمك و حرب لمن حاربك و لقد منّ اللَّه علينا بك يابن رسول اللَّه. و عندما وصل الحسين (عليه السلام) الى ارض كربلاء، دلَّهم على مصارعهم، و لما وصل الى منطقة الزّبالة، أخبرهم عن مقتل مسلم بن عقيل و عبد اللَّه بن يقطر و قال: «قَدْ خَذَلَنا شيعَتُنا فَمَن احبَّ منكُم الانصرافَ فلينصرِفْ ليسَ عليهِ منّا ذِمامٌ»
و حينئذٍ، تفرق اولئك الذين اتَّبعوه على العافية، و الطامعين في الغُنْم، و بقي معه ثلَّةٌ أخلصت لله و النبي و اهل بيته. و في ليلة العاشر من المحرم، و كان اصحاب الحسين (عليه السلام) بين ساجد و راكع و ذاكر و تالٍ للقرآن، جاءهم سيِّدهم و خطب فيهم قائلًا: «أثنى على اللَّه احسنَ الثَّناءِ، و أحمَدهُ على السَّراءِ، و الضرَّاءِ. اللَّهمَّ إني أحمدكَ على أن أكرمتَنا بالنُبُوَّةِ و عَلَّمتَنا القُرآنَ، و فقَّهتَنا في الدِّينِ، و جَعَلتَ لنا أسماعاً و أبصاراً و أفئِدَةً فاجعَلنا منَ الشّاكرينَ. أمّا بَعدُ فإني لا أعلمُ أصحاباً أوفى و لا خَيراً من أصحابي، و لا اهلَ بيتٍ أبرَّ و لا أوصلَ من أهلِ بيتي، فجزاكُمُ اللّهُ خيراً فَقد أبرَرتُم و عاوَنتُم، ألا و إنَّه لأظُنُّ أنَّ لنا يوماً من هؤُلاءِ. ألا و إنِّي قَد اذِنتَ لكم فانطلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليسَ عليكُم مِنِّي ذِمامٌ، و هذا اللَّيلُ قد غَشيَكُمْ فاتَّخذوه جَمَلًا، و دَعوني و هؤلاء القَومِ، فانَّهم ليسِ يُريدونَ غَيري.»
و ما كان من اولاد الحسين (عليه السلام) و اخوته و ذوو الوفاء من اصحابه الّا ان شهروا سيوفهم و اعلنوا تجديد بيعتهم و الوفاء و النصيحة فبقيت كلماتهم دروساً للأوفياء و الأصفياء و الاولياء ما بقيت الأرضُ و السّماء.
و تركهم الحسين (عليه السلام) لعبادتهم و اذكارهم و تهجّدهم و عاد الى خيمته ليهتمَّ بالامور المستقبلية و توصياته الى أهله. و هكذا وجدنا الإمام الحسين (عليه السلام) و الى حد ليلة العاشر من المحرم، يُعْلِم اصحابَه و أهلَ بيته بمصيرهم، و لم يُمنيِّهم بالنصر و الغنيمة و الفتح المادّي و المناصب الحكومية، و لم يكن دافعه الى النهضة الّا امتثال الامر الالهي، و التكليف الشرعي.
و من ثمَّ، فمن الخطأ و الاجحاف، تعليل نهضة الحسين (عليه السلام) بالدوافع السياسية أو الخلافات العائلية بين بني اميّة و بني هاشم، على الرغم من وجود تلك المفارقات الاخلاقية و التباينات الروحية و التنافر الفكري بين العائلتين.
و من جملة دوافع يزيد الى تشديد شراسته و وحشيته على الحسين (عليه السلام) و آله و عياله، هو ذلك الحقد الدفين الذي اكتنزه قلبُه ضد بني هاشم عامة و آل عليٍّ خاصة، ذلك الحقد المشفوع بخسَّة الطبائع عنده و التربية الفاسدة و البيئة المنحرفة التي ترعرع فيها.
و اما ثورة الحسين (عليه السلام) فهي اسمى من ان تتأثر بتلك الخلافات الخاصة، بالضبط كدعوة النبي (صلى الله عليه و آله) التي لم تتأثر بمثل هذه الخلافات العائلية، فما يمكن ان يقال و هو الحق: إنَّ ثورة الحسين (عليه السلام) هي ثورة المبادئ و القيم و انها مأمورية و مهمَّةٌ الهية أوكلت اليه و قد قام بامتثالها على احسن وجوه الامتثال و اكملها و أتمّها.
2- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
«وَ لْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يدعونَ الى الخَيرِ و يأمرونَ بالمعروف وَ يَنهَونَ عن المنكَرِ و اولئِكَ هُم المفلِحون.» ورد في بعض المصادر التاريخية المعتبرة، أنَّ الحسين (عليه السلام) ترك وصيةً لأخيه من أبيه محمد بن علي المعروف بابن الحنفية جاء فيها: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن ابي طالب الى اخيه محمد المعروف بابن الحنفية، ان الحسين يشهد ان لا اله الّا اللَّه وحده لا شريك له و أنَّ محمداً (صلى الله عليه و آله) عبده و رسوله جاء بالحق من عند الحق، و أن الجنة و النار حق، و أنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أن اللَّه يبعث من في القبور، و اني لم أخرج أشراً و لا بطراً و لا مفسداً و لا ظالماً و انما خرجت لطلب الاصلاح في أُمة جدي (صلى الله عليه و آله) أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن ابي طالب (عليه السلام) فمن قبلنى بقول الحق فاللَّه أولى بالحق، و من رد علي هذا أصبر حتى يقضي اللَّه بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين. و هذه وصيتي يا أخي اليك و ما توفيقى إلّا باللَّه عليه توكلت و اليه أُنيب.»
و هذه الوصية تعدُّ ككلمة التوحيد، مشتملةً على نفي و إثبات. اما جهة النفي، فصحيح أنَّ احداً من الناس لا يحتمل في حقِّ الحسين (عليه السلام) ان يقصد بحركته و نيَّته الفساد و التجاوز و الظلم، أو الامتناع عن قبول الحق، اذ لا يوجد ايُّ حق متصور ليزيد، فلم يكن الحسين (عليه السلام) نكرة في المجتمع لا يعرفه الناس أو لا يعرفون سلامة نفسه و طهارة ضميره و شفافية وجدانه، فهو الذي نزلت في حقه و حق أخيه و أمِّه و أبيه، آية التطهير من كلِّ رجس، و قد بُيِّنَت عصمتُه من خلال حديث الثقلين المشهور، و لكنه قال تلك الكلمات ليبطل و يجهض محاولات الظلمة و الفاسدين و ساسة الحكم الاموي و اجهزته الاعلامية، في اتهامه بالخروج من أجل السلطان، سعياً منهم في اضلال عوام الناس و بسطائهم، فقال:
«إنّي لم أخرج أشراً و لا بَطَراً و لا مفسداً و لا ظالماً» و اما جهة الاثبات في كلامه، فهو قوله: «إنَّما خَرَجتُ لطَلب الاصلاح في أُمَّةِ جدّي مُحمَّد (صلى الله عليه و آله) أُريدُ ان آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسيرُ بسيرة جدِّي و أبي علي ابن ابي طالب»
فالحسين (عليه السلام) يلخص في هذه الجملة، دواعي ثورته باربع امور:
1- اصلاح الامّة.
2- الامر بالمعروف.
3- النهي عن المنكر.
4- اقتفاء أثر جده رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام).
انَّ من اهم الفرائض و الواجبات الاسلامية هو الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و اهميّتها العقلية غير خافية، و جاءت الاوامر الشرعية تأكيداً لتلك الاهميّة.
و هذا الحكم الشرعي نموذج للاحكام الاسلامية الرفيعة و الذي يعطي الحق لكل مسلم ان يطالب الجميع باجراء و تنفيذ الاحكام الشرعية، و ان يواجه المتمردين على تطبيقها، و ان يكون المسلمون جميعاً ناظرين على اجراء القانون الاسلامى و الحدود و الاحكام. و في الحقيقة ان هذا الحكم هو ضمانة قوية لتطبيق الإسلام، و لذا فان عزّة المسلمين و كرامتهم مرتهنةٌ بامتثال هذا الواجب، كما ان ذلهم و مهانتهم مرتبط بترك العمل به.
و لقد كان المسلمون في صدر الإسلام يعتبرون الاهتمام بهذا الحكم، سنداً و قوة لحفظ حقوقهم و الحدِّ من الظلم و التعدي عليها، فكم من مؤمن مستضعف وقف بوجه الولاة و الحكام يامرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر بكل صراحة و جرأة، منتقداً تصرفاتهم اللامشروعة، و ما اكثر الولاة و الحكّام الذين استجابوا لنصائح عامة المسلمين و اعتذروا عن سوء تصرفاتهم و حاولوا اصلاح الامور.
و بعد رحيل النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله) الى الملأ الأعلى، و على الرغم من ان الخلافة قد انحرفت عن مسارها المستقيم، و لكن الولاة كانوا يحافظون على العمل بسائر الاحكام الاسلامية، لقربهم من زمن النبي (صلى الله عليه و آله) و كان الاطار العام للحكم الاسلامي محفوظاً رغم بعض الخروقات هنا و هناك، و كان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ساري المفعول، يحتفظ المسلمون بحقِّهم و حريتهم في ابداء تحفظاتهم على تصرفات الحكام و المسئولين و نظارتهم على تطبيق القوانين و الشريعة من قبل اجهزة الحكم و لم يتعرض احدٌ على الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر حتى تولى الحكم عثمان بن عفّان حيث تبدَّل شكل الحكم و الاطار العام للنظام الاسلامي شيئاً فشيئاً و خرج عن شكله الاسلامي و أخذ طابع الملوكية و السلطنة، و كان لمعاوية بن ابي سفيان اليد الطولى في هذا التغيير و ابتداع هذا النمط الجديد من الحكم و كانت بداية انحراف معاوية تعود الى زمن الخليفة عمر بن الخطاب الى درجة اعتراض الأخير عليه بمظهره و مظهر حاشيته و قصوره و غلمانه و جواريه. ثم تبع معاوية سائرُ بني اميّة فنهجوا منهج الكسروية و القيصرية في ادارة الحكم، فكانوا يعتبرون أنفسهم و من أحاط بهم من أقاربهم و حاشيتهم، اعلى من مستوى سائر المسلمين، فضعفت الاخوَّة و المساواة، و ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خوفاً من معاقبة اجهزة الحكم الاموي!!
و لو أنَّ حكومة بني أميّة كانت حكومة سليمة نزيهةً، لما اضرَّ بها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لم تتعقب المنتقدين الناصحين بالأذى و الاعتقال و التشريد و التنكيل، لكنها لم تكن كذلك، بل كانت مبتنية على الظلم و الجور و الترهيب و إهانة المجتمع و قمع الحريات و هتك المقدسات، و مثل هذه الحكومة تخاف دون شك من تطبيق فريضة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و من هنا حاول حكام بني اميّة طمس معالم هذه الفريضة، فسلبوا هذا الحقِّ من المسلمين، و طاردوا و تتبعوا اخبار كل من يتصدىٌ للاعتراض على مخالفة الدولة لاحكام الشرع و القوانين الاسلامية و صادروا امواله و شرَّدوه و سجنوه، أو هدروا دمه كما فُعِلَ بعبد الرحمن بن حسان العنزي، الذي دَفَنَه زياد بن أبيه حيّاً بأمر معاوية!! و الصحابي الجليل ابي ذر الغفاري الذي طرده معاوية من الشام لانه اعترض على تصرفاته اللااسلامية فارجعه الى المدينة المنورة بعد أن كان عثمان قد نفاه منها الى الشام، كل ذلك لان أباذر كان يطبق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر!!
و لعلَّ اول من وقف بوجه هذه الفريضة و حاول قتلها ودفنها، هو عثمان بن عفان، الذي لم يُعر اذُناً صاغيةً لنصائح كبار صحابة رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) له، و انتقادات سائر المسلمين لولاته و مسئولي اجهزة حكمه، فتصرف عثمان و كانه في وادٍ و الامة الاسلامية في وادٍ آخر، حاله حال سائر الملوك و السلاطين . و لو ان عثمان بن عفان، كان قد اعار اهتماماً لتذكير و نصائح الصحابة في خصوص فساد عمّاله و خيانتهم و ظلمهم و تظاهرهم بالفسق، و لم يُسرف في اموال المسلمين، لبقيت الخلافة على استحكامها و قوَّتها و لم تظهر تلك الفتن و الانقلابات التي توالت و توالت حتى غيَّرت منهج الحكومة الاسلامية.
و لقد كان ما حصل من ثورة على عثمان، و قتله، نتيجةً طبيعيةً لعدم إهتمامه بهذه الفريضة الالهية، و سلبه لحريات المسلمين في التعبير عن رأيهم و اسداء نصائحهم و القيام بواجبهم الديني و الوطني، فَنَفذ صبر الناس و ضاقوا ذرعاً بحاشيته و فسادهم، و سكوته عن المظالم و لم يبق لهم إلّا الثورة عليه و قتلة.
و بعد عثمان، و عندما ولي أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلافة، حاول احياء هذه الفريضة بشتى الوسائل، و كان هو بنفسه اوّلُ الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر، فكان يدور في الاسواق و التجمعات و ينصح الناس و يحذرهم من مخالفة الشرع، فاعاد الى الأذهان صورة حكم النبي (صلى الله عليه و آله)، و لكن بسبب قصر مدة حكمه و انشغاله بثلاث حروب طاحنة من جهة، و وجود تلامذة مدرسة بني اميّة و بقايا حكومة عثمان من جهة اخرى، منع من إعادة الامور الى نصابها و ارجاع المياه الى مجاريها.
و بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) وقف ازلام حكومة معاوية موقفاً شديداً من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، حتى وصل الأمر الى ان احداً لم يَعُد يتجرأ ان يُبدي ايَّ راي تجاه الحكم و مخالفات اجهزة الدولة، إلّا من جازف بنفسه و استعدَّ لدخول السجون المظلمة و معتقلات زياد و بقية الولاة.
و نعتقد إنَّ اكبر سدٍّ كسره بنو أميّة هو هذه الفريضة الالهية، و إنَّ اكبر خطر كان يُهدد العالم الاسلامي في ذلك اليوم و في كل عصر و زمان هو اهمال هذه الفريضة الالهية الخطيرة، و منع الناس من اجراءها.
لقد استطاع بنو اميَّة و من خلال القمع و الارهاب الفكري، أن يتلاعبوا بكل المقدسات و الاحكام الاسلامية، و ان يرتكبوا ما يحلو لهم من المخالفات و الجرائم، و بهذا الاسلوب استطاعوا أن يوسعوا من حكمهم الاستبدادي الذي غطَّت غيومه كل المجتمع الاسلامي، و قد استغلَّ موظفوا الدولة مناصبهم و مراكزهم و حمَّلوا الناس ما لا يطيقون، و لم يكن ليتجرأ احدٌ على فتح فمه للاعتراض، و قد وصل الأمر بالمجتمع حتى صار الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف رائجاً، و عاد المنكر معروفاً و المعروف منكراً!!
و لقد قتل بنو اميّة حجر بن عدي و رشيد الهجري و عمرو بن الحمق الخزاعي و ميثم التمّار و آخرين، بابشع طرق القتل بجرم حبِّ علي بن ابي طالب (عليه السلام) و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و لقد وصل خوف الناس و تركهم للامر بالمعروف و النهي عن المنكر الى درجة ان كبار الصحابة لم يتجرأوا- بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام)- ان ينكروا على الدولة أو احد صغار موظفيها، منكراً ارتكبه أو معروفاً تركه!! خوفاً من السيوف و الرماح و السجون التي كانت تتهددهم.
و سبتت الامة الاسلامية في مستنقع الخنوع و الذلَّة و الارعاب و الوعيد بالقتل و الحبس.
و تحت وطأة السيوف التي كانت تقطر دمَ آلاف الابرياء، أعدَّ معاوية طبخة البيعة لابنه يزيد، و أصدر أوامره لجلاوزته و جلّاديه أن يبادروا بضرب أعناق كل المخالفين لهذه البيعة، و بدأ بالمدينة المنورة التي يكثر فيها كبار الصحابة و أهل الحلِّ و العقد و أعلن رغبته في أخذ البيعة منهم ليزيد، ثمَّ اشاع في الاقطار بان الصحابة وافقوا على ذلك و انهم بايعوا يزيد بن معاوية، كذباً منه و حيلة و خداعاً.
و من العسر أن نوضح تفاصيل مأساة ابتلاء المسلمين و ما لحق بهم جرّاء تركهم فريضة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و عدم مناصرتهم لأمثال أبي ذر الغفاري و المقداد و الحجر بن عدي و عمّار ابن ياسر.
و ايُّ منكرٍ أعظم من سبِّ أمير المؤمنين (عليه السلام) من على المنابر التي لم تكن لتشيَّدلولا همّة عليٍّ و جهاده و قتاله و دفاعه عن النبي (صلى الله عليه و آله)؟
عليُّ الذي هو بمنزلة نفس رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و ابنُ عمّه و صهره و وصيه و أوّل مجاهد و حامٍ عن الإسلام، و أعلم و أزهد و أتقى و أعدل و أورع و أعبَدَ أهل الإسلام بعد النبي (صلى الله عليه و آله)؟
و أيّ منكر أكبر من إباحة مدينة الرسول لجيش الشام ثلاثة أيام بامرٍ من يزيد، يقتلون و ينهبون و يهتكون الحرمات و تغتصب النساء العفيفات و يُقهر كبار صحابة رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله)؟!
نعم، هذه نتيجة حتمية لترك الامّة للامر بالمعروف و النهي عن المنكر و تسليمها مقاليد أمورها لامثال معاوية و يزيد، و بيعها دينها بدنيا غيرها، و لا يتوقع غير ابتلاءها بحكم بني اميّة، فيُقتل الصلحاء و العلماء و المصلحون أو يُسجنوا، و تصرف أموال بيت مال المسلمين في الملذات و حفلات الرقص و الطرب و المجون، و يُتجاوز على اعراض الناس و نواميسهم، و تعطل الحدود و الاحكام، و تحقَّر الشعائر الاسلامية، و يرسل الوليد بجاريته الجنب لتصلي بالناس الجمعة و الجماعة!! و والي الكوفة يصلي بالناس الصبح سكران و يتقيأ الخمرة في المحراب، و ينتشر الزنا و الطرب بين الناس و الكل خانع!!
و كل هذه المفاسد تتصل بمركز الحكومة و تنتهي الى شخص واحدٍ يحكم الناس باسم خليفة المسلمين و امامهم، و قد أمسك بزمام امور المسلمين و منع الحريات و كتم الانفاس و أضاع الدين و هضم حقوق المسلمين.
و ليس من قصدنا هنا شرح مفاسد بني اميّة و