كان المغزى الوحيد لشهيد الدين و حامي الإسلام الحسين بن أمير المؤمنين عليه السّلام إبطال أحدوثة الأمويين و دحض المعرات عن قدس الشريعة و لفت الأنظار إلى براءتها و براءة الصادع بها عما ألصقوه بدينه من شية العار و البدع المخزية و الفجور الظاهر و السياسة القاسية «1» فنال سيد الشهداء مبتغاه بنهضته الكريمة و أوحى إلى الملأ الديني ما هنالك من مجون فاضح و عرف الناس (بيزيد المخازي) و من لاث به من قادة الشر و جراثيم الفتن فمجتهم الاسماع و لم يبق في المسلمين إلا من يرميهم بنظرة شزراء حتى توقدت عليهم العزائم و احتدمت الحمية الدينية من أناس و نزعات من آخرين فاستحال الجدال جلادا و أعقبت بلهنية عيشهم حروبا دامية أجهزت على حياتهم و دمرت ملكهم المؤسس على أنقاض الخلافة الإسلامية من دون أية حنكة أو جدارة، فأصاب هذا الفاتح الحسين عليه السّلام شاكلة الغرض بذكره السائر، وصيته الطائر، و مجده المؤثل، و شرفه المعلى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
لا أجدك أيها القارىء و أنت تسبر التاريخ و تتحرى الحقائق بنظر التحليل إلا و قد تجلت لك نفسية (أبيّ الضيم) الشريفة، و مغزاه المقدس و نواياه الصالحة، و غاياته الكريمة، في حله و مرتحله، في اقدامه و احجامه في دعواه و دعوته، و لا أحسبك في حاجة إلى التعريف بتفاصيل تلكم الجمل بعد أن عرفت أن شهيد العظمة من هو و ما هي أعماله و بطبع الحال تعرف قبل كل شيء موقف مناوئه و ما شيبت به نفسيته من المخازي.
نحن لو تجردنا عما نرتئيه (لحسين الصلاح) من الإمامة و الحق الواضح الذي يقصر عنه في وقته أي ابن انثى لم تدع لنا النصفة مساغا لاحتمال مباراته في سيرة طاغية مصره، أو أنه ينافسه على شيء من المفاخر فإن سيد شباب أهل الجنة متى كان يرى له شيئا من الكفاءة حتى يتنازل إلى مجاراته، و لقد كان عليه السّلام يربأ بنفسه الكريمة حتى عن مقابلة أسلافه.
أترى أن الحسين يقابل أبا سفيان بالنبي الكريم، أو معاوية بأمير المؤمنين، أو آكلة الأكباد بأم المؤمنين خديجة، أو ميسون بسيدة العالمين أو خلاعة الجاهلية بوحي الإسلام أو الجهل المطبق بعلمه المتدفق، أو الشره المخزي بنزاهة نفسه المقدسة! إلى غيرها مما يكل عنه القلم و يضيق الفم.
لقد كان بين اللّه سبحانه و تعالى و بين أوليائه المخلصين أسرار غامضة تنبو عنها بصائر غيرهم و تنحسر أفكار القاصرين، حتى أعمتهم العصبية فتجرؤا على قدس المنقذ الأكبر و أبوا إلا الركون إلى التعصب الشائن فقالوا: إن الحسين قتل بسيف جده لأنه خرج على إمام زمانه (يزيد) بعد أن تمت البيعة له و كملت شروط الخلافة بإجماع أهل الحل و العقد و لم يظهر منه ما يشينه و يزري به «2».
و قد غفل هذا القائل عن أن ابن ميسون لم يكن له يوم صلاح حتى يشينه ما يبدو منه و ليس لطاماته و مخازيه قبل و بعد و قد ارتضع در ثدي (الكلبية) المزيج بالشهوات، و تربى في حجر من لعن على لسان الرسول الأقدس «3» و أمر الأمة بقتله متى شاهدته متسنما صهوة منبره «4» و لو امتثلت الأمة الأمر الواجب لأمنت العذاب الواصب المطل عليها من نافذة بدع الطاغية و من جراء قسوته المبيدة لها، لكنها كفرت بأنعم اللّه فطفقت تستمرىء ذلك المورد الوبيء ذعافا ممقرا فألبسها اللّه لباس الخوف و تركها ترزح تحت نير الاضطهاد و ترسف في قيود الذل و الاستعباد و نصب عينها استهتار الماجنين و تهتك المنهمكين بالشهوات، و كل ما تنضح به الآنية الأموية الممقوتة شب (يزيد الأهواء) بين هاتيك النواجم من مظاهر الخلاعة.
و لقد أعرب عن كل ما أضمره من النوايا السيئة على الإسلام و الصادع به جذلا بخلاء الجو له فيقول العلامة الآلوسي :
من يقول إن يزيد لم يعص بذلك و لا يجوز لعنه فيبتغي أن ينتظم في سلسلة أنصار يزيد و أنا أقول إن الخبيث لم يكن مصدقا بالرسالة للنبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و إن مجموع ما فعله مع أهل حرم اللّه و أهل حرم نبيه صلى اللّه عليه و آله و سلم و عترته الطيبين الطاهرين في الحياة و بعد الممات و ما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر و لا أظن أن أمره كان خافيا على أجلة المسلمين إذ ذاك و لكن كانوا مغلوبين مقهورين و لم يسعهم إلا الصبر و لو سلم أن الخبيث كان مسلما فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان و أنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين و لو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين و الظاهر أنه لم يتب و احتمال توبته أضعف من إيمانه.
و يلحق به ابن زياد و ابن سعد و جماعة فلعنة اللّه عليهم و على أنصارهم و أعوانهم و شيعتهم و من مال إليهم إلى يوم الدين ما دمعت عين على أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام! و يعجبني قول شاعر العصر ذي الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصلي و قد سئل عن لعن يزيد فقال:
يزيد على لعني عريض جنابه فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا
و من يخشى القيل و القال من التصريح بلعن ذلك الضليل فليقل لعن اللّه عز و جل من رضي بقتل الحسين عليه السّلام و من آذى عترة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بغير حق (و من غصبهم حقهم) فإنه يكون لاعنا له لدخوله تحت العموم دخولا أوليا في نفس الأمر و لا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ و نحوها سوى ابن العربي المار ذكره و موافقيه، فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم لا يجوزون لعن من رضي بقتل الحسين و ذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد.
ثم قال نقل البرزنجي في (الإشاعة) و الهيثمي (في الصواعق) أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد اللّه عن لعن يزيد قال كيف لا يلعن من لعنه اللّه في كتابه فقال عبد اللّه قرأت كتاب اللّه عز و جل فلم أجد فيه لعن يزيد فقال الإمام إن اللّه يقول : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [محمد : 22، 23] .
و أي فساد و قطيعة أشد مما فعله يزيد.
و قد جزم بكفره و صرح بلعنه جماعة من العلماء منهم القاضي أبو يعلى و الحافظ ابن الجوزي و قال التفتازاني لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة اللّه عليه و على أعوانه و أنصاره و صرح بلعنه الجلال السيوطي.
و في تاريخ ابن الوردي و كتاب الوافي بالوفيات: لما ورد على يزيد نساء الحسين و أطفاله و الرؤوس على الرماح و قد أشرف على ثنية جيرون و تعب الغراب قال:
لما بدت تلك الحمول و أشرقت تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل فلقد قضيت من النبي ديوني
يعني أنه قتل بمن قتله رسول اللّه يوم بدر كجده عتبة و خاله ولد عتبة و غيرهما و هذا كفر صريح فإذا صح عنه فقد كفر به و مثله تمثله بقول عبد اللّه بن الزبعرى قبل إسلامه (ليت أشياخي) الأبيات انتهى «5».
إلى كثير من موبقاته و إلحاده فاستحق بذلك اللعن من اللّه و ملائكته و أنبيائه و من دان بهم من المؤمنين إلى يوم الدين و لم يتوقف في ذلك إلا من حرم ريح الإيمان و أعمته العصبية عن السلوك في جادة الحق فأخذ يتردد في سيره، حيران لا يهتدي إلى طريق، و لا يخرج من مضيق.
و لم يتوقف المحققون من العلماء في كفره و زندقته فيقول ابن خلدون: غلط القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي إذ قال في كتابه (العواصم و القواصم): إن الحسين قتل بسيف شرعه غفلة عن اشتراط الإمام العادل في الخلافة الإسلامية و من أعدل من الحسين في زمانه و إمامته و عدالته في قتال أهل الآراء، و في ص 254 ذكر الاجماع على فسق يزيد و معه لا يكون صالحا للإمامة، و من أجله كان الحسين عليه السّلام يرى من المتعين الخروج عليه و قعود الصحابة و التابعين عن نصرة الحسين لا لعدم تصويب فعله بل لأنهم يرون عدم جواز إراقة الدماء فلا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين بل قتله من فعلات يزيد المؤكدة لفسقه و الحسين فيها شهيد «6».
و يقول ابن مفلح الحنبلي: جوز ابن عقيل و ابن الجوزي الخروج على الإمام غير العادل بدليل خروج الحسين على يزيد لاقامة الحق و ذكره ابن الجوزي في كتابه (السر المصون) من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة أنهم قالوا كان يزيد على الصواب و الحسين مخطىء في الخروج عليه، و لو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت البيعة له و ألزم الناس بها و لقد فعل مع الناس في ذلك كل قبيح، ثم لو قدرنا صحة خلافته فقد بدرت منه بوادر ظهرت منه أمور كل منها يوجب فسخ ذلك العقد من نهب المدينة و رمي الكعبة بالمنجنيق و قتل الحسين و أهل بيته و ضربه على ثناياه بالقضيب و حمل رأسه على خشبة، و إنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة «7».
و قال التفتازاني الحق أن رضا يزيد بقتل الحسين و استبشاره به و اهانته أهل بيت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم مما تواتر معناه و إن كان تفاصيله آحاد فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة اللّه عليه و على أنصاره و أعوانه «8».
و قال ابن حزم: قيام يزيد بن معاوية لغرض دنيا فقط فلا تأويل له و هو بغي مجرد «9». و يقول الشوكاني: لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا بأن الحسين السبط رضي اللّه عنه و أرضاه باغ على الخمير السكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم اللّه فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود و يتصدع من سماعها كل جلمود «10».
و قال الجاحظ المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين و حمله بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سبايا و قرعه ثنايا الحسين بالعود و اخافته أهل المدينة و هدم الكعبة تدل على القسوة و الغلظة و النصب و سوء الرأي و الحقد و البغضاء و النفاق و الخروج عن الإيمان، فالفاسق ملعون و من نهى عن شتم الملعون فملعون «11».
و يحدث البرهان الحلبي أن الأستاذ الشيخ محمد البكري تبعا لوالده كان يلعن يزيد و يقول زاده اللّه خزيا وضعة و في أسفل سجين وضعه «12» كما لعنه أبو الحسن علي بن محمد الكياهراسي و قال لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل «13» و حكى ابن العماد عنه أنه سئل عن يزيد بن معاوية فقال لم يكن من الصحابة لأنه ولد أيام عمر بن الخطاب و لأحمد فيه قولان تلويح و تصريح و لمالك قولان تلويح و تصريح و لأبي حنيفة قولان تلويح و تصريح و لنا قول واحد تصريح دون تلويح و كيف لا يكون كذلك و هو اللاعب بالنرد و مدمن الخمر و شعره في الخمر معلوم «14» و يقول الدكتور علي إبراهيم حسن كان يزيد من المتصفين بشرب الخمر و اللهو و الصيد «15».
و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يزيد بن معاوية ناصبيا فظا غليظا جلفا يتناول المسكر و يفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين و ختمها بوقعة الحرة فمقته الناس و لم يبارك في عمره «16».
و قال الشيخ محمد عبده إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع و حكومة جائرة تعطله وجب على كل مسلم نصر الأولى ثم قال و من هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم على إمام الجور و البغي الذي ولي أمر المسلمين بالقوة و المكر يزيد بن معاوية خذله اللّه و خذل من انتصر له من الكرامية و النواصب «17» و قال ابن تغربردي الحنفي: كان يزيد فاسقا مدمن الخمر «18» و قال أخذت فتاوى العلماء بتعزير عمر بن عبد العزيز القزويني إذ قال أمير المؤمنين يزيد ثم أخرج من بغداد إلى قزوين «19» و قال أبو شامة دخل بغداد أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني فوعظ بالنظامية و في يوم عاشوراء قيل له العن يزيد بن معاوية قال ذاك إمام مجتهد ففاجأه أحدهم فكاد يقتل و سقط عن المنبر ثم اخرجوه إلى قزوين و مات بها سنة 590 ه «20».
و قال سبط ابن الجوزي سئل ابن الجوزي عن لعن يزيد فقال أجاز أحمد لعنه و نحن نقول لا نحبه لما فعل بابن بنت نبينا و حمله آل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سبايا إلى الشام على اقتاب الجمال و تجرّيه على آل رسول اللّه فإن رضيتم بهذه المصالحة بقولنا لا نحبه و إلا رجعنا إلى أصل الدعوى جواز لعنته «21».
و ذكر أبو القاسم الزجاجي بإسناده عن عمر بن الضحاك قال: كان يزيد بن معاوية ينادم (قردا) فأخذه يوما و حمله على اتان وحشي و شد عليها رباطا و أرسل الخيل في أثرها حتى حسرتها الخيل فماتت الاتان فقال يزيد بن معاوية:
تمسك أبا قيس بفضل عنانها فليس علينا إن هلكت ضمان
كما فعل الشيخ الذي سبقت به زيادا أمير المؤمنين اتان «22»
و ما ذكره ابن الأثير عن أبي يعلى حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنه قال أنا لا أكفر يزيد لقول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم سألت اللّه تعالى أن لا يسلط على بنيّ من غيرهم فأعطاني ذلك «23» لا يتابع عليه لأن شرف أبي يعلى و جلالته و ثقته تبعد صدور هذه الكلمة الجافة عنه و إن سبقه إليها الرافعي في التدوين في علماء قزوين «24» و على فرض صدورها منه فمن المقطوع به صدورها منه تقية! و قد بالغ ميرزا عبد اللّه أفندي تلميذ المجلسي في انكارها «25» لأن كل من ترجم له من علماء الرجال مدحه و اطراه بالجميل و لم يذكر ذلك عنه و لو كان لصدورها عنه عين أو أثر لمقتوه من أجلها.
و قد ترجم عليه الشيخ الصدوق في كتبه و ترضى عنه لأنه من مشايخه. ففي العيون ص 493 باب 39 حدثه بقم سنة 339 عما كتبه إليه علي بن إبراهيم بن هاشم سنة 309 ه عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السّلام الخ حتى إن الخطيب البغدادي مع تعصبه ترجم له و لم يذكر عنه هذه الكلمة النابية «26» فهذه الكلمة من زيادات الرافعي و ابن الأثير غير المقرونة بأصل وثيق.
و بعد مقت اعلام الأمة ليزيد نحاسب عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي عن الأصول الصحيحة التي استقى منها كتابه الذي صنفه في فضائل يزيد «27» و أي مأثرة صحيحة وجدها له حتى سجلها في كتابه و هل حياته كلها إلا مخاز و تهجمات على قدس الشريعة؟! لذلك لم يعبأ العلماء بهذا الكتاب فيقول ابن العماد في شذرات الذهب ج 4 ص 275 حوادث سنة 583 ه أتى فيه بالموضوعات و في البداية لابن كثير ج 12 ص 328 رد عليه ابن الجوزي فأجاد و أصاب و في كامل ابن الأثير ج 11 ص 213 عليه مروج الذهب أتى فيه بالعجائب و في طبقات الحنابلة لابن رجب ج 1 ص 356 صنف ابن الجوزي في الرد عليه سماه الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد.
و من الغريب ما أفتى به عبد الغني المقدسي حين سئل عن يزيد فقال خلافته صحيحة لأن ستين صحابيا بايعه منهم ابن عمر و من لم يحبه لا ينكر عليه لأنه ليس من الصحابة و إنما يمنع من لعنه خوفا من التسلق إلى أبيه و سدا لباب الفتنة «28» و أغرب من هذا انكار ابن حجر الهيثمي رضا يزيد بقتل الحسين عليه السّلام أو أنه أمر به «29» مع تواتر الخبر برضاه و لم ينكره إلا من أنكر ضوء الشمس. قال ابن جرير و السيوطي لما قتل الحسين سر يزيد بمقتله و حسنت حال ابن زياد عنده ثم بعد ذلك ندم «30» و قال الخوارزمي قال يزيد للنعمان بن بشير الحمد للّه الذي قتل الحسين «31» و قد احتفظوا بمنكراته كاحتفاظهم ببغي أبيه معاوية و معاندته لقوانين صاحب الدعوة الإلهية، أليس هو القائل لأبيه صخر لما أظهر الإسلام فرقا من بوارق المسلمين؟
يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا
لا تركنن إلى أمر تقلدنا و الراقصات بنعمان به الحرقا «32»
فالموت أهون من قيل الصباة لنا خيل ابن هند عن العزى كذا فرقا
فإن أبيت أبينا ما تريد و لا تدع عن اللات و العزى إذا اعتنقا «33»
و يقول ابن أبي الحديد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية و قالوا إنه كان ملحدا لا يعتقد النبوة و نقلوا عنه في فلتات كلامه ما يدل عليه «34».
وجده صخر هو القائل للعباس يوم الفتح إن هذه ملوكية فقال العباس ويلك إنها نبوة «35» و في معاوية يقول أحمد بن الحسين البيهقي خرج معاوية من الكفر إلى النفاق في زمن الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و بعده رجع إلى كفره الأصلي «36».
فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات، فمتى كان يصلح لشيء من الملك فضلا عن الخلافة الالهية و في الأمة ريحانة الرسول و سيد شباب أهل الجنة أبوه من قام الدين بجهاده و أمه سيدة نساء العالمين، و هو الخامس لأصحاب الكساء و عديل الكتاب المجيد في (حديث الثقلين) يتفجر العلم من جوانبه و يزدهي الخلق العظيم معه أينما يتوجه و عبق النبوة بن اعطافه و ألق الإمامة في أسارير وجهه و إلى هذا يشير عليه السّلام لمّا عرض الوليد البيعة فقال:
«أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح اللّه و بنا يختم. و يزيد رجل فاسق شارب الخمر و قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق و مثلي لا يبايع مثله» «37».
و بعد هذا فلنسأل هذا المتحذلق عن قوله: «خرج الحسين بعد انعقاد البيعة ليزيد» متى انعقدت هاتيك البيعة الغاشمة و متى اجتمع عليها أهل الحل و العقد، أيوم كان يأخذها أبوه تحت بوارق الارهاب أم يوم اسعاف الصلات لرواد الشره رضيخة يتلمظون بها «38» أم يوم عرضها عمال يزيد على الناس فتسلل عنها ابن الرسول و معه الهاشميون وفر ابن الزبير إلى مكة و تخفى ابن عمر في بيته «39» و كان عبد الرحمن ابن أبي بكر يجاهر بأنها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل مكانه «40» و كان يقول إنها بيعة قوقية و قوق هو اسم قيصر «41» فأرسل له معاوية مائة ألف درهم يستعطفه بها فردها و قال لا أبيع ديني بدنياي «42» و قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص لعابس بن سعيد الذي حثه على البيعة ليزيد أنا أعرف به منك و قد بعت دينك بدنياك «43» و قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي للشامي الذي أرسله مروان بن الحكم ليبايع ليزيد: يأمرني مروان أن أبايع لقوم ضربتهم بسيفي حتى أسلموا و اللّه ما سلموا و لكن استسلموا «44».
و قال زياد بن أبيه لعبيد بن كعب النميري كتب إليّ معاوية في البيعة ليزيد و ضمان أمر الإسلام عظيم إنّ يزيد صاحب رسلة و تهاون مع ما أولع به من الصيد فألق معاوية عني و أخبره عن تهاون يزيد بأمر الدين و فعلاته المنكرة «45».
و قد أنكر على معاوية سعيد بن عثمان بن عفان و فيما كتب إليه إن أبي خير من أب يزيد و أمي خير من أمه و أنا خير منه «46» و كان الأحنف بن قيس منكرا لها و كتب إليه يعرفه الخطأ فيما قصده من البيعة لابنه يزيد و تقديمه على الحسن و الحسين مع ما هما عليه من الفضل و إلى من ينتميان و ذكره بالشروط التي أعطاها الحسن و كان فيها أن لا يقدم عليه أحدا و أن أهل العراق لم يبغضوا الحسنين منذ أحبوهما و القلوب التي أبغضوه بها بين جوانحهم «47».
و حرص أبيّ الضيم سيد الشهداء على نصح معاوية و إرشاده إلى لاحب الطريق و تعريفه منكرات يزيد و أن له الفضل عليه بكل جهاته و فيما قال له: إن أمي خير من أمه و أبي خير من أبيه فقال معاوية أما أمك فهي ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فهي خير من امرأة من كلب و أما حبي يزيد فلو أعطيت به ملء الغوطة لما رضيت و أما أبوك و أبوه فقد تحاكما إلى اللّه تعالى فحكم لأبيه على أبيك «48».
إلى هنا سكت أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام لأنه عرف أن لا مقنع لابن آكلة الأكباد بالحقيقة و إنما لم يقل معاوية (إن أباه أفضل من أبيك) لعلمه بعدم سماع كل أحد منه ذلك لشهرة سبق «علي» عليه السّلام إلى الإسلام و اجتماع المحامد فيه و تقدمه على غيره في الفضائل جمعاء لذلك عدل معاوية إلى الايهام بايجاد شبهة لمنافرة و المحاكمة و هذا ما يسميه علماء البلاغة بالاستدراج.
و مرة أخرى قال له سيد الشهداء أبو عبد اللّه لقد فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله و سياسة أمة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم تريد أن توهم على الناس كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما احتويته بعلم خاص و قد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد من استقرائه الكلاب المهارسة «49» و الحمام السبق و القينات ذوات المعازف و ضرب الملاهي تجده ناصرا ودع ما تحاول فما أغناك أن تلقى اللّه بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت فيه فو اللّه ما برحت تقدم باطلا في جور و حنقا في ظلم حتى ملأت الأسقية و ما بينك و بين الموت إلا غمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود و لات حين مناص «50».
و كتب عليه السّلام إليه مرة ثالثة اعلم أن للّه عز و جل كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا احصاها و ليس اللّه تعالى بناس أخذك بالظنة و قتلك أولياءه على التهم و نفيك لهم عن دورهم إلى دار الغربة أو لست قاتل حجر أخا كندة و المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم و يستعظمون البدع و لا يخافون في اللّه تعالى لومة لائم أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه و اصفر لونه بعد ما آمنته و أعطيته من عهود اللّه عز و جل ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس جبل جرأة منك على ربك و استخفافا بذلك العهد أولست المدعي (ابن سمية) المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه من أبيك و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الولد للفراش و للعاهر الحجر فتركت سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم تعمدا و اتبعت هواك بغير هدى من اللّه تعالى ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين و يسمل أعينهم و يصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة و ليسوا منك أو لست الكاتب لزياد أن يقتل كل من كان على دين علي بن أبي طالب عليه السّلام فقتلهم و مثل بهم بأمرك و دين عليّ عليه السّلام هو دين اللّه عز و جل الذي به ضرب أباك و ضربك و به جلست مجلسك الذي جلست.
و إن أخذك الناس ببيعة ابنك يزيد و هو غلام حدث يشرب الخمر و يلعب بالكلاب فقد خسرت نفسك و بترت دينك و أخرجت أمانتك.
و كتب إليه مرة رابعة يعدد عليه بوائقه و ذلك لما قتل زياد ابن أبيه مسلم بن زيمر و عبد اللّه بن نجي الحضرميين و صلبهما على أبواب دورهما بالكوفة أياما و كانا من شيعة علي أمير المؤمنين و فيما كتب إليه: ألست صاحب حجر و الحضرميين اللذين كتب إليك ابن سمية أنهما على دين علي عليه السّلام و رأيه فكتبت إليه اقتل كل من كان على دين علي عليه السّلام و ابن عم علي عليه السّلام الذي كان يضرب عليه أباك و يضربه عليه أبوك و به جلست مجلسك الذي أنت فيه و لو لا ذلك كان أفضل شرفك شرف تجشم الرحلتين اللتين بنا منّ اللّه عليك بوضعها عنكم.
في كلام طويل يوبخه فيه بادعائه زيادا و توليته على العراقين و لم تجد هذه النصائح من ابن الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم في دحض باطل معاوية بعد أن كانت بوارق الارهاب و بواعث الطمع سدا طريق الحق لكن معاوية بدهائه المعلوم لم يرقه أن يمس الحسين عليه السّلام سوء خشية سوء الفتنة و انتكاث الأمر لما يعلمه أن (أبيّ الضيم) لا يتنازل إلى الدنية إلى نفس يلفظه، و أن شيعته يومئذ غيرهم بالأمس على عهد أخيه الإمام المجتبى فإنهم ما زالوا يتذمرون من عمال معاوية للتنكيل الذريع بهم حتى بلغ الحال أن الرجل منهم يستهين أن يقال له زنديق و لا يقال له (ترابي).
و كم من مرة واجهوا الإمام المجتبى عليه السّلام بكلام أمر من الحنظل مع اعترافهم له بالأمانة و إذعانهم بأن ما صدر منه عن صلاح إلهي و أمر ربوبيّ و حتى إنهم استنهضوا الحسين غير مرة فلم ينهض معهم رعاية للميثاق و ارجاء الأمر إلى وقته المعلوم لديه من جده و أبيه الوصي.
فمعاوية يعلم أنه لو أصيب الحسين بسوء و الحالة هذه تلتف الشيعة حوله فيستفحل الخطب بينه و بين معاوية.
و للعلة هذه بعينها أوصى ولده يزيد بالمسالمة مع الحسين إن استبد بالأمر مهما يجد من أبيّ الضيم مخاشنة و شدة فقال له: «إن أهل العراق لن يدعوا الحسين حتى يخرجوه فإن خرج عليك و ظفرت به فاصفح عنه فإن له رحما ماسة و حقا عظيما».
لكن (يزيد الجهل) لغروره المردي لم يكترث بتلك الوصية فتعاورت عليه بوادره و انتكث فتله و لئن سر (يزيد الخزاية) الفتح العاجل فقد أعقب فشلا قريبا و كاشفه الناس بالسباب المقذع و اكثروا اللائمة عليه حتى ممن لم ينتحل (دين الإسلام).
و حديث رسول ملك الروم مع يزيد في المجلس حين شاهد الرأس الأزهر بين يديه يقرعه بالعود أحدث هزة في المجلس و عرف يزيد أنه لم تجد فيهم التمويهات و كيف تجدي و قد سمع من حضر المجلس صوتا عاليا من الرأس المقدس لما أمر يزيد بقتل ذلك الرسول «لا حول و لا قوة إلا باللّه».
و أي أحد رأى أو سمع قبل يوم الحسين رأسا مفصولا عن الجسد ينطق بالكلام الفصيح و هل يقدر ابن ميسون أن يقاوم أسرار اللّه أو يطفىء نوره الأقدس؟ ... كلا.
و لقد فشا الانكار عليه من حريمه و حامته حتى إن زوجته هند لما أبصرت الصورة الأولى : في مقتل الخوارزمي ج 1 ص 151 فصل 7 طبع النجف بالإسناد إلى يحيى بن عبد اللّه بن بشير الباهلي، قال: كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبد اللّه بن عامر بن كريز و كان عامل معاوية على البصرة فأقطعه خراج البصرة على أن يتنازل عن زوجته هند لرغبة يزيد فيها و بعد انتهاء العدة أرسل معاوية أبا هريرة و معه ألف دينار مهرا لها و في المدينة ذكر أبو هريرة القصة للحسين بن علي عليه السّلام فقال: اذكرني لهند ففعل أبو هريرة و اختارت الحسين فتزوجها و لما بلغه رغبة عبد اللّه بن عامر فيها طلقها و قال له: (نعم المحلل كنت لكما) و في إسناده يحيى بن عبد اللّه بن بشير الباهلي عن ابن المبارك و هو مجهول عند علماء الرجال.
الصورة الثانية: في مقتل الخوارزمي ج 1 ص 150 فصل 7 مسندا عن الهذلي عن ابن سيرين أن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد كان أبا عذرتها طلقها و تزوجها عبد اللّه بن عامر بن كريز و ذكر كما في الصورة الأولى إلا أنه أبدل الحسين بالحسن عليه السّلام و أنه قال لعبد اللّه بن عامر بعد أن طلقها (لا تجد محللا خيرا لكما مني) و كانت هند تقول سيدهم حسن و اسخاهم عبد اللّه و احبهم إلي عبد الرحمن و في تهذيب التهذيب لابن - حجر ج 2 ص 45 أن الهذلي هو أبو بكر كذاب عند ابن معين ضعيف عند أبي زرعة متروك الحديث عند النسائي و في الوافي بالوفيات للصفدي ج 3 ص 146 اعترف محمد بن سيرين على نفسه بأنه يسمع الحديث و ينقص منه و كان من سبي جرجايا و في طرح التثريب ج 1 ص 103 كان سيرين من سبي عين التمر.
الصورة الثالثة : في نهاية الأرب للنويري ج 6 ص 180 كانت (زينب) بالزاء المعجمة عند عبد اللّه بن سلام عامل معاوية على العراق فطلب منه معاوية طلاق زوجته لرغبة يزيد فيها على أن يزوجه من ابنته فلما طلقها لم توافق ابنة معاوية على التزويج منه فأرسل معاوية أبا هريرة و أبا الدرداء إلى العراق ليخطبا (زينب بنت إسحاق) ليزيد فقد ما الكوفة و كان بها الحسين بن علي عليه السّلام فذكرا له القصة فقال لهما اذكراني فاختارت الحسين عليه السّلام و تزوجها و لما عرف رغبة عبد اللّه بن سلام فيها طلقها ليحلها لزوجها الأول.
و هذه القصة المطولة التي أرسلها النويري في نهاية الأرب من دون إسناد ارسلها ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون ص 172 طبع سنة 1330 ه و سماها (ارينب) بالراء المهملة و الحسين عليه السّلام لم يرد إلى الكوفة بعد ارتحالهم منها.
الصورة الرابعة : في الأمثال للميداني ج 1 ص 274 حرف الراء عنوان (رب ساع لقاعد) روي مرسلا أن معاوية سأل يزيد عن رغباته فذكر له رغبته في التزويج من (سلمى أم خالد) زوجة عبد اللّه بن عامر بن كريز فاستقدمه معاوية و سأله طلاق امرأته (أم خالد) على أن يعطيه خراج فارس خمس سين فطلقها فكتب معاوية إلى واليه على المدينة (الوليد بن عتبة) أن يعلم أم خالد بطلاقها. و بعد انقضاء العدة أرسل معاوية أبا هريرة و معه ستون ألفا، عشرون ألف دينار مهرها و عشرون ألف كرامتها و عشرون ألف هديتها و في المدينة حكى القصة لأبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين عليه السّلام فقال لأبي هريرة: اذكرني و قال له الحسين اذكرني لها و قال عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب اذكرني و قال عبد اللّه بن جعفر الطيار اذكرني و قال عبد اللّه بن الزبير اذكرني و قال عبد اللّه بن مطيع بن الأسود اذكرني و لما دخل عليها أبو هريرة حكى لها ما أراده معاوية ثم ذكر رغبة الجماعة فيها فقالت له اختر لي أنت فاختار لها الحسن بن علي عليه السّلام و زوجها منه و انصرف إلى معاوية بالمال و لما بلغ معاوية القصة عتب على أبي هريرة فرد عليه: المستشار مؤتمن.
هذا كل ما في عيبة المؤرخين الأمناء على تسجيل الحقائق كما وقعت و من المؤسف عدم تحفظهم عن الطعن بكرامة المسلمين و التأمل في هذه الاسطورة لا يعدوه الاذعان بأن الغاية منها هو النيل من ابني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الإمامين على الأمة إن قاما و إن قعدا لعل من يبصر الأشياء على علاتها من دون تمحيص و قد وجد من انطلت عليه هذه الرأس مصلوبا على باب دارها و الأنوار العلوية تتصاعد إلى عنان السماء و شاهدت الدم يتقاطر و يشم منه رائحة طيبة عظم مصابه في قلبها فلم تتماسك دون أن دخلت عليه مجلسه مهتوكة الحجاب و هي تصيح رأس ابن بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مصلوب على دارنا و قام إليها و غطاها و قال لها أعولي على الحسين فإنه صريخة بني هاشم، عجل عليه ابن زياد.
قصدا منه تعمية الأمر و تبعيد السبة عنه بإلقاء الجريمة على العامل لكن الثابت لا يزول و هذا هو السر في إنشائه الكتاب الصغير الذي وصفه المؤرخون بأنه (اذن فارة) أرفقه مع كتابه الكبير إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبة بأخذ البيعة من أهلها عامة و في هذا الكتاب الصغير ألزم الحسين بها و إن أبى فاضرب عنقه و ابعث إلي برأسه.
و ليس الغرض من هذا إلا أن يزيد لما كان عالما بأن بيعته لم يتفق عليها صلحاء الوقت و أشراف الأمة و ما صدر من الموافقة منهم يوم أرادها أبوه معاوية إنما هو بالوعيد و التهديد.
أراد أن يخلي رسمياته عن الأمر بقتل الحسين بحيث لو صدر ذلك من عامله و لامه الناس و خطأوه تذرع بنسبة القتل إلى العامل فإن كتابه الذي يأمره فيه بأخذ البيعة من أهل المدينة عامة خال من هذه الجرأة فيكون له المجال في إلقاء التبعة بذلك على عاتق العامل كما أنه في الوقت تذرع بهذا العذر و انطلى على بعض المؤرخين و هل ينفعه هذا؟ ... لا.
لبسوا بما صنعوا ثياب خزاية سودا تولى صبغهن العار
______________________________
(1) يتحدث الأستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام عن الحكم الأموي فيقول في ج 1 ص 27: الحق أن الحكم الأموي لم يكن حكما إسلاميا يسوي فيه بين الناس و يكافىء المحسن عربيا كان أو مولى و يعاقب المجرم عربيا كان أو مولى، و إنما الحكم فيه عربي و الحكام خدمة للعرب و كانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية.
(2) عبارة أبي بكر ابن العربي الأندلسي في العواصم ص 232 تحقيق محب الدين الخطيب طبع سنة 1371 قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ستكون هنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة و هي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان فما خرج عليه أحد إلا بتأويل و لا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده صلى اللّه عليه و آله و سلم انتهى. و قال محب الدين في التعليق على هذا الحديث:
ذكره مسلم في الصحيح في كتاب الإمارة قلت: هو في الجزء الثاني ص 121 كتاب الامارة بعد الغزوات أخرجه عن زياد بن علاقة عن عرفجة عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم (و ابن علاقة) سيء المذهب منحرف عن أهل البيت كما في تهذيب التهذيب لابن حجر ج 3 ص 381 و ذكر عرفجة في ج 7 ص 176 و لم ينقل له مدح أو ذم فهو من المجهولين لا يؤبه بحديثه.
و العجب من التزامه بصحة خلافة يزيد و هو يقرأ حديث النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد، رواه ابن حجر-
- في مجمع الزوائد ج 5 ص 241 عن مسند أبي يعلى و البزاز و في الصواعق المحرقة ص 132 عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد و في كتاب الفتن من صحيح البخاري باب قول النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم هلاك أمتي على يدي أغيلمة من أمتي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش، قال ابن حجر في شرح الحديث من فتح الباري ج 13 ص 7 كان أبو هريرة يمشي في السوق و يقول: اللهم لا تدركني سنة ستين و لا إمارة الصبيان قال ابن حجر أشار بذلك إلى خلافة يزيد فإنها في سنة ستين و لم يتعقبه.
(3) في تاريخ الطبري ج 11 ص 357 حوادث سنة 284 و تاريخ أبي الفدا ج 2/ 57 حوادث سنة 238 ه و كتاب صفين لنصر ص 247 مصر و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 115 إيران أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم رأى أبا سفيان على جمل و ابنه يزيد يقوده و معاوية يسوقه فقال: لعن اللّه الراكب و القائد و السائق.
(4) في تاريخ بغداد ج 12 ص 181 و تهذيب التهذيب ج 2 ص 428 و ج 5 ص 110/ و تاريخ الطبري ج 11 ص 357 و كتاب صفين ص 243 و ص 248 و شرح النهج الحديدي ج 1 ص 348 و كنوز الدقائق للمناوي على هامش الجامع الصغير ج 1 ص 18 و اللئالىء المصنوعة للسيوطي ج 1 ص 320 كتاب المناقب و في ميزان الاعتدال للذهبي ج 1 ص 268 مصر في ترجمة الحكم بن ظهير و ج 2 ص 129 ترجمة عبد الرزاق بن همام و في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 99 ترجمة معاوية و مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 185 فصل 9 و تاريخ أبي الفدا ج 2 ص 57 حوادث سنة 283 ه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.
(5) تفسير روح المعاني ج 26 ص 73 آية فهل عسيتم إن توليتم.
(6) المقدمة ص 254 و 255 عند ذكر ولاية العهد.
(7) الفروع ج 3 ص 548 باب قتال أهل البغي مطبعة المنار سنة 1345 ه.
(8) شرح العقائد النسفية ص 181 طبع الاستانة سنة 1313.
(9) المحلى ج 11 ص 98.
(10) نيل الأوطار ج 7 ص 147.
(11) رسائل الجاحظ ص 298 الرسالة الحادية عشرة في بني أمية.
(12) السيرة الحلبية.
(13) وفيات الأعيان لابن خلكان ترجمة علي بن محمد بن علي الكياهراسي و مرآة الجنان لليافعي ج 3 ص 179 سنة 504 ه.
(14) شذرات الذهب لابن العماد ج 3 ص 179 سنة 504 ه.
(15) تاريخ الإسلام العام ص 270 طبعة ثالثة.
(16) نقله عنه في الروض الباسم للوزير اليماني ج 2 ص 36.
(17) تفسير المنار ج 1 ص 367 في المائدة آية 37 و ج 12 ص 183 و 185.
(18) النجوم الزاهرة ج 1 ص 163.
(19) النجوم الزاهرة ج 6 ص 134 سنة 590 ه.
(20) رجال القرنين لأبي شامة ص 6 سنة 590 ه و مضمار الحقائق لتقي الدين عمر بن شاهنشاه الأيوبي المتوفى سنة 617 ه تحقيق الدكتور حسن حبشي ص 120 حوادث 579 ه.
(21) مرآة الزمان ج 8 ص 496 سنة 597 ه حيدر آباد.
(22) أمالي الزجاجي ص 45 طبع مصر المكتبة المحمودية.
(23) كامل ابن الاثير ج 4 ص 51 سنة 64 ه عليه مروج الذهب.
(24) التدوين في علماء قزوين ج 2 ص 184 تصوير في مكتبة السيد الحكيم.
(25) رياض العلماء بترجمته مخطوط في مكتبة السيد الحكيم.
(26) تاريخ بغداد ج 8 ص 184 طبع أول.
(27) طبقات الحنابلة لابن رجب ج 1 ص 356.
(28) طبقات الحنابلة لابن رجب ج 2 ص 34.
(29) الفتاوى الحديثية ص 193.
(30) تاريخ الطبري ج 7 ص 19 طبعة أولى و تاريخ الخلفاء ج 1 ص 139 عند أحوال يزيد.
(31) مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 59.
(31) تذكرة الخواص ص 115 ايران.
(32) التعجب للكراجكي ص 39 ملحق بكنز الفوائد له.
(33) شرح النهج ج 1 ص 463 طبع أول مصر.
(34) ابن الاثير ج 2 ص 93 عليه مروج الذهب و الطبري ج 3 ص 117 طبعة أولى.
(34) هدية الأحباب ص 111 بترجمة البيهقي.
(35) اللهوف لابن طاووس.
(36) الطبري ج 6 ص 135، و ابن خلكان بترجمة الأحنف.
(37) تاريخ الطبري ج 6 ص 170.
(38) كامل ابن الاثير ج 3 ص 199 عليه مروج الذهب و في مجالس الثعلبي ص 519 و الفائق للزمخشري ج 2 ص 203 طبع مصر مادة فضض.
(39) سلس الغانبات ص 41 نعمان خيري الآلوسي.
(40) تهذيب الأسماء للنووي ج 1 ص 294 بترجمته.
(41) القضاة للكندي ص 310 اوفست.
(42) تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 6 ص 128.
(43) تاريخ الطبري ج 6 ص 169 حوادث سنة 56.
(44) نوادر المخطوطات الرسالة السادسة ص 165 في المغتالين لمحمد بن حبيب.
(45) الإمامة و السياسة ج 1 ص 141 مطبعة الأمة بمصر سنة 1328 ه.
(46) المثل السائر لابن الاثير ج 1 ص 71 باب الاستدراج طبع مصر سنة 1358 ه.
(47) في الآداب السلطانية لابن الطقطقي فصل أول ص 38 كان يزيد بن معاوية يلبس كلاب الصيد أساور الذهب و الجلاجل المنسوجة منه و يهب لكل كلب عبدا يخدمه.
(48) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج 1 ص 154.
(49) رجال الكشي ص 32 طبع الهند ترجمة عمرو بن الحمق و الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ص 434. طبع النجف.
(50) المحبر لابن حبيب ص 479 حيدر آباد.